وجهة نظر

القباج يكتب: سياسة بريطانيا وأمريكا للسعودية.. خيانة الرياض للأمة الإسلامية

قال الزعيم والمجاهد المغربي محمد بن عبد الكريم الخطابي في حواره مع (روجر ماثيو)؛ وهو يشير إلى نشأة الدولة السعودية وارتباطها بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب:

“نحن المسلمون لا نزال في غفلة؛ ومن الحق أن نفعل ما فعله الوهابيون من الرجوع إلى الفطرة الإسلامية الأولى ونبذ العقائد والتقاليد التي تمكنت من الإسلام والمسلمين والتي ليست من الدين في شيء أبدا.

ولست أنتقد على ابن سعود إلا أمرا واحدا؛ وهو تأييده للسياسة الإنجليزية وسيره على غرارها”. [مذكرات الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي؛ ص :115 (ترجمة :عمر ابو النصر 1927)].

لقد كان الزعيم الخطابي رحمه الله ذَا رأي ثاقب في هذا الموضوع كمواضيع أخرى؛ فدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب دعوة تجديدية إصلاحية قدمت للمسلمين معطيات نافعة في مجال تصحيح عقائد المسلمين وتجريدها من الخرافات والأوهام والبدع -مع التحفظ على عدد من المعطيات والمناهج والسلوكيات- ..

واستطاعت هذه الدعوة أن تنزل تصوراتها الإصلاحية على أرض الواقع من خلال التحالف مع السلطة التي أسسها محمد بن سعود آل مقرن أمير الدرعية منذ عام 1744.

وقد اهتم كثير من الدعاة والعلماء المسلمين بهذا الجانب الإيجابي -إلى حد ما- في سياسة الدولة السعودية الناشئة آنذاك؛ وأشادوا بدعمها لهذه الدعوة وبأهمية هذا الدعم للمسلمين؛ كونه يسهم في نفض الغبار المتراكم عبر قرون على الصورة الجميلة التي رسمتها العقيدة الإسلامية في قلوب المؤمنين بها ..

لكن المشيدين بذلك الموقف السعودي؛ أغفلوا بشكل كبير أمرا تفطن له العالم والزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي؛ ألا وهو قيام سياسة هذه الدولة على التبعية لسياسة بريطانيا قائدة الدول الإمبريالية آنذاك؛ والتي كان هدفها الأهم في تلك المرحلة هو: منع نجاح محاولة إحياء وتمتين وحدة المسلمين، والإجهاز على دولة الخلافة، وإفشال جهود السلاطين العثمانيين -وخصوصا منهم: عبد الحميد الأول وعبد العزيز وعبد الحميد الثاني-؛ لإحياء جامعة إسلامية قوية تساعد العالم الإسلامي على خلق قوة يحصن بها نفسه أمام الاستهداف الإمبريالي الذي بدأ يشدد الخناق على دوله؛ وفي مقدمتها: الدولة العثمانية التي حافظت على الوحدة الإسلامية لمدة 6 قرون.

وفي هذا السياق:

احتلت بريطانيا الهند واجتهدت في قطع صلتها بدولة الخلافة ..
وحاولت الشيء نفسه في مصر والعراق ..
وشجعت الحركات الانفصالية في مصر والشام والعراق والجزيرة العربية والبلقان ..
وسعت لتعميق ضعف سلطة إصطنبول على ولايات شمال إفريقيا (الجزائر وتونس وطرابلس (ليبيا) ..

وعملت على إضعاف العلاقة بين الدولة العثمانية والمغرب؛ والتي انتعشت بشكل كبير منذ العقد السابع من القرن الثامن عشر؛ وهنا أستشهد بشهادة المؤرخ المغربي ابن زيدان الذي علق على محاولات التعاون بين السلطان المغربي الحسن الأول وَالعثماني عَبد الحميد الثاني بقوله: “وقد كادا أن يتفقا أخيرا على تبادل السفراء، ولما آن إبراز هذا الأمر من حيز النية إلى الفعل، قامت الدولة الإنجليزية لذلك وقعدت، وأرعدت وأبرقت، وتدخلت في القضية بصفة أنها ناصحة؛ فخوفت وأرجفت، واستعانت على ذلك ببطانة من البلاط، وأوعزت لها بدس الدسائس ونشر الدعاية ضد الفكرة؛ فأشاعوا وأذاعوا أن في تبادل السفراء مع الدولة التركية مشاكل وخروقا يعسر رتقها”. [العلاقات السياسية للدولة العلوية؛ (ص: 177)].

إن خدمة الدولة السعودية –بقصد أو بغيره- لهدف تفرقة وتشتيت العالم الإسلامي؛ الذي سعت إليه الدول الإمبريالية بقيادة إنجلترا؛ أمر تؤكده قرائن كثيرة وواضحة؛ وهو من أهم ما يشمله وصف الخطابي لسياستها بأنها “تؤيد السياسة الإنجليزية وتمشي على غرارها”.
وهنا نتساءل:

إلى أي حد أيدت السعودية انفصال دول في المنطقة عن دولة الخلافة؛ كدول الخليج والشام والعراق ..؟
وهل أيدت بشكل سري مشروع بريطانيا في فلسطين؛ كما تؤيد اليوم مشروع ترامب؟؟
وهل يمكن أن نصف هذه الدولة بأنها “نشرت التوحيد وحاربت التوحيد”؟!

بمعنى أنها: دعمت انتشار أفكار الشيخ بن عبد الوهاب في توضيح توحيد الخالق سبحانه، وفي الوقت نفسه أسهمت في إفشال محاولات توحيد المسلمين ضد الاستهداف الإمبريالي ..

وإذا كان البحث التاريخي المعمق قد يساعد على كشف جوانب من أجوبة هذه الأسئلة التاريخية؛ فإن التأمل في أحداث الواقع يعزز فرضية التأييد السعودي للمشاريع الإمبريالية في المنطقة وعموم العالم الإسلامي ..

وقد أضحى جليا: الإضرار السعودي بالأمة الإسلامية؛ في علاقة هذه الدولة بأمريكا التي آلت إليها زعامة الدول الإمبريالية منذ انتهاء الحرب الباردة، بل ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية ..

وهنا نستطيع أن نقول مقتبسين من الخطابي-؛ بأن السعودية “تؤيد السياسة الأمريكية وتسير على غرارها”.
وهل هناك تأييد وسير أكبر مما يدل عليه قول الشيخ السديس: “أمريكا والسعودية تقودان العالم إلى مرافئ الأمن والسلام”؟!
هكذا قال هذا الشيخ!
أما الواقع فيقول ما هو أسوأ بكثير ..

يقول:
الدولة السعودية الحالية أسهمت في تدمير العراق وقتل وتشريد الآلاف من أبنائه ..
ويقول:
الدولة السعودية الحالية بذلت المجهود الأكبر لخلق حركات الجهاد في أفغانستان وسوريا؛ ثم تخلت عن تلك الحركات .. ثم حاربتها باسم: محاربة الإرهاب ..

ولا شك أن السعودية تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية عن توسع النفوذ الإيراني في لبنان وسوريا والعراق واليمن؛ فقد قدمت العراق لإيران على طبق من ذهب؛ وفي الوقت الذي دعمت فيه التدخل الأمريكي في العراق بزعم أنه في صالح دول الخليج وروجت لمسرحية معاداة أمريكا لإيران؛ إذا بأمريكا تعمل على التمكين للنفوذ الشيعي والإيراني في العراق !!

والشيء نفسه فعلته السعودية في سوريا: دعمت الحركات القتالية حتى وصلت إلى منتصف الطريق؛ ثم تخلت عنها لفائدة إيران ونظام بشار الإرهابي ..

أما اليمن السعيد؛ فقد جنت السياسة السعودية على سعادته بشكل فظيع .. وأغرقت أهله في أوحال كوارث إنسانية مهولة ..
وثالثة الأثافي؛ أن الدولة السعودية اليوم وضعت نفسها في طليعة القائمة السوداء بأسماء الدول الداعمة لسياسة (ترامب) ضد القدس وحقوق اللاجئين الفلسطينيين ..!!

وقد رفع الرئيس الأمريكي ترامب الشك باليقين حول تبعية السعودية لأمريكا ودعمها المطلق لسياساتها الإمبريالية؛ وقال أمام تجمع انتخابي في ولاية ميسيسبي وسط الولايات المتحدة، الثلاثاء (2 أكتوبر 2018): “نحن نحمي السعودية، وقلت للملك سلمان: “أيها الملك، نحن نحميك، ربما لا تتمكن من البقاء لأسبوعين من دوننا، وعليك أن تدفع لجيشنا”.

وأخيرا:

الدولة السعودية الحالية تعتبر دعم دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب خطأ ارتكبته الدول السعودية السابقة .. وأن الدولة الحالية إنما تبنت تلك الدعوة دعما لحليفتها أمريكا!

حيث صرح الأمير محمد بن سلمان بأن “السعودية دعمت التطرّف الوهابي مرحليا لأهداف سياسية”؟!
أجل؛ لقد صرح ولي العهد السعودي لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية لدى سؤاله عن الدور السعودي في نشر الوهابية، التي يتهمها البعض بأنها مصدر للإرهاب العالمي؟

فأجاب بأن “الاستثمار السعودي في المدارس والمساجد حول العالم مرتبط بفترة الحرب الباردة عندما طلبت الدول الحليفة من بلاده استخدام مالها لمنع تقدم الاتحاد السوفييتي في العالم الإسلامي”.
وأضاف بأن الحكومات السعودية المتعاقبة “فقدت المسار والآن نريد العودة إلى الطريق”.

إن تصريح ولي العهد السعودي؛ قرينة أخرى تقوي رأي الخطابي في كون السعودية كانت مؤيدة للسياسة البريطانية؛ وهو ما يعزز فرضية كونها وظفت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لخدمة مقاصد تلك السياسة المتمثّلة في إسقاط دولة الخلافة ومنع أي تحالف إسلامي يهدد مصالحها الإمبريالية ..

والجامع بين الأمرين؛ هو أن كونها تروج للوهابية دعما لانتصار أمريكا على الاتحاد السوفياتي؛ لا يجعلنا نستبعد كونها روجت للوهابية دعما لانتصار بريطانيا على الدولة العثمانية.

وفي كل الأحوال؛ فإن ولي العهد السعودي صرح بشكل واضح بأن السعودية وظّفت الوهابية سياسيا لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية!
ولذلك قلت: تحدث العلماء كثيرا عن دعم الدولة السعودية للدعوة الوهابية، ولم يتحدثوا عن توظيف الدولة السعودية للدعوة الوهابية.

وهذا التصريح يُبين بأن بن سلمان؛ لن يقتصر على استهداف العلماء المصلحين المعتدلين كالشيخ سفر الحوالي والشيخ سلمان العودة فقط؛ بل سيستهدف أيضا علماء الوهابية الذين يقدسون مفهومهم الخاطئ للحكم الفقهي لطاعة ولي الأمر؛ وسيحارب دعوتهم ومناهجهم التعليمية التي يعتبرها تطرفا من أخطاء الماضي التي اضطرت إليها السعودية لتأييد سياسات الولايات المتحدة الأمريكية …
وعلى أنقاض هذا الهدم سيبني دول الخليج العلمانية التي بشر بها السفير الإماراتي في بريطانيا.

لقد أسهم التأييد السعودي للسياسات الأمريكية والسير بأمرها؛ في وصول السعودية إلى نقطة مخزية من التبعية والخضوع؛ جعل منها: أكبر داعم –بعد الإمارات ومصر- للحرب المدمرة التي خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد العالم الإسلامي باسم الحرب على الإرهاب؛ والتي تجسدت آثارها الكارثية في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن ومصر ..

كل هذه الدول تعرضت للدمار -بأحجام متفاوتة- بسبب الدعم السعودي للسياسة الأمريكية في تلك المناطق …
وهنا نسائل العلماء والدعاة المدافعين عن النظام السعودي:

ألا يعتبر تأييد السعودية لتلك السياسات الإمبريالية المدمرة؛ خيانة للأمة الإسلامية؟
هل يجوز شرعا السكوت عن خيانة ترتب عليها قتل وأذية آلاف المسلمين الأبرياء؟؟
هل يجوز غض الطرف عنها بذريعة كون هذا النظام يخدم الحرمين الشريفين ويبني المساجد في العالم؟؟

إن خدمة الشعائر الإسلامية لا تسوغ انتهاك المبادئ والقيم الإسلامية؛ ومهما كان حجم تلك الخدمات -لو فرضنا أنها مجانية!-؛ مهما كان حجمها فإنها تصير بلا قيمة إذا كانت مرفوقة بارتكاب انتهاكات جسيمة لمبدأي العدل والأمانة .. وممارسة الظلم بكل أنواعه وخيانة قضايا الأمة ..

وقديما حاول كفار قريش تسويغ كفرهم وممارستهم لأنواع من الظلم؛ بكونهم يخدمون المسجد الحرام والحجاج؛ فنزل القرآن الكريم يوبخهم ويبين لهم أن تلك الخدمة لا تقارن بالإيمان ومقتضياته السلوكية؛ وفي مقدمتها: العدل ومحاربة الظلم والخيانة:

قال الله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة: 19]

ولعل من نافلة القول أن أؤكد بأن الانتقادات المضمنة في هذه المقالة؛ إنما هي موجهة إلى المتواطئين مع السياسات الإمبريالية في النظام السعودي؛ وإلا فالشعب السعودي الشقيق ونخبه من العلماء والمفكرين والأعيان ومنسوبي المؤسسات السياسية والعلمية والقضائية والعسكرية …؛ يكثر فيهم المنصفون الكارهون لتلك السياسات، وكلهم مكرهون على السكوت مهددون بالأذى الوحشي الذي يرتكبه زبانية بن سلمان في حق من ينكر السياسات الخائنة .. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *