مجتمع

شباب قتلوا بحثا عن “حياة كريمة”.. وتحقيقات لم تربط المسؤولية بالمحاسبة

بعد مقتل الطالبة حياة بلقاسم برصاص البحرية الملكية بسواحل المضيق أثناء محاولتها الهجرة السرية نحو إسبانيا، ووفاة الكفيف صابر الحلوي إثر سقوطه من سطح وزارة التضامن والأسرة في الاعتصام الذي يخوضه مجموعة من المكفوفين طلبا للتوظيف، يعود إلى الواجهة النقاش حول المسؤولية عن حوادث وفاة شباب مغاربة بطرق “مأساوية” أثناء محاولتهم البحث عن عمل أو إيجاد فرصة للعيش الكريم.

فقد شهد المغرب خلال السنوات الأخيرة، عددا من الحوادث التي ذهب ضحيتها شباب ونساء كانوا يبحثون عن رغيف الخبر أو يتظاهرون دفاعا عن “كرامة مفقودة”، والتي أثارت جدلا واسعا ونقاشا عموميا تطور أحيانا إلى تداعيات سياسية وتدخلات ملكية، قبل أن “يتناسى” الجميع تلك الحوادث مع مرور الزمن دون كشف نتائج التحقيقات في عدد من الحالات رغم الإعلان عن فتحها، ودون محاسبة المسؤولين عنها.

“الإفلات من العقاب”

تبقى أبرز الأسماء التي أثار مقتلها “رجة” سياسية وإعلامية، الطالبة التطوانية حياة بلقاسم، والكفيف المراكشي صابر الحلوي، وبائع السمك الحسيمي محسن فكري، والمتظاهر بحراك الريف عماد العتابي، والمعطل المنتمي لجماعة العدل والإحسان عبد الوهاب زيدون، إضافة إلى ضحايا مناجم جرادة، والنساء قتلى التدافع خلال توزيع المساعدات بالصويرة.

وترى الناشطة الحقوقية والرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، خديجة رياضي، أن “التوزيع غير العادل للثروات ونهب خيرات البلد وغياب دولة الحق والقانون وعدم استقلالية القضاء وسياسة الإفلات من العقاب، وغيرهما من الاختيارات التي تنهجها الدولة منذ الاستقلال إلى اليوم، هي من تتسبب في وقوع مثل هذه المآسي وفقدان شباب ونساء من أبناء هذا الوطن بطرق “مجفعة”، حسب قولها.

بعض ضحايا حادثة التدافع بالصويرة

وأوضحت رياضي في تصريح لجريدة “العمق”، أنه في كل حادثة يتم فتح تحقيق قضائي أو إداري ويَبرُز مسؤولون وسياسيون بتصريحات ويعِدون بإجراءات، وسط ردود فعل غاضبة على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي، لكن بعد فترة وجيزة يتناسى الجميع الموضوع وتظل مسؤولية إزهاق تلك الأرواح معلقة، وفق تعبيرها.

وتعتبر المتحدثة أن جل أبناء الوطن الذي توفوا سواء بالرصاص أو من فوق سطح مبنى وزارة أو في عمق منجم للفحم أو في حادث تدافع، لم يتم تحقيق العدالة في ملفاتهم بل لم يتم الكشف عن نتائج التحقيق في كثير من تلك القضايا، وهو ما يكشف بوضوح أن الدولة ماضية في “سياسة الإفلات من العقاب” رغم شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان.

احتجوا.. فلقوا مصرعهم

ويُعتبر بائع السمك محسن فكري (1985 – 2016)، واحدا من الشباب المغاربة الذين غادروا الحياة بطريقة مأساوية تسببت في اندلاع شرارة احتجاجات عارمة استمرت لأزيد من عام ولا زالت تداعياتها مستمرة إلى اليوم، ففي ليلة الـ28 من أكتوبر 2016، اهتزت مدينة الحسيمة ومعها كل المدن المغربية على مشاهد “طحن” فكري داخل شاحن نفايات، بعدما قام رجال أمن برمي أسماكه في الشاحنة بحجة أن السمك الذي بحوزته ممنوع بيعه، وهو ما دفع الشاب إلى إلقاء نفسه في الشاحنة احتجاجا على مصادرة سلعته.

الراحل محسن فكري لحظة “طحنه” داخل شاحنة نفايات

وأثناء الاحتجاجات التي عمت مدن وقرى الريف بعد مقتل فكري، والتي سرعان ما تحولت إلى حراك بمطالب اجتماعية، سقط قتيل آخر هو الشاب عماد العتابي أثناء إحدى المظاهرات بالحسيمة، حيث تعرض لإصابة على مستوى الرأس أدت إلى موته سريريا قبل أن يفارق الحياة بالمستشفى العسكري بالرباط يوم 8 غشت 2017، وهي الحادثة التي اتهم خلالها نشطاء حراك الريف والمنظمات الحقوقية أفراد الأمن بالتسبب فيها أثناء إطلاق القازات المسيلة للدموع على المتظاهرين.

وقبل فكري والعتابي، شهدت شوارع الرباط حادثة أليمة بعد أن اشتعلت النيران في جسد عبد الوهاب زيدون، وهو من الأطر المعطلة التي كانت تخوض احتجاجات من أجل توظيفها، وذلك بعد أن أقدم أحد زملائه المعتصمين على إشعال النار في يده أثناء تدخل أمني، قبل أن تنتشر النيران في جسد الراحل بعد أن سكب البنزين على نفسه قبل ذلك، ليفارق الحياة يوم 24 يناير 2012 بمستشفى بن رشد بالدار البيضاء.

من نساء الصويرة إلى الطالبة حياة

وفي الصويرة، وبينما كان المئات من المعوزين، أغلبهم نساء، ينتظرون دورهم في عملية توزيع مساعدات غذائية بجماعة بولعلام، وقعت فاجعة إنسانية أودت بحياة 15 سيدة وإصابة 7 أخريات خلفن 44 يتيما، كل ذلك من أجل كيس من الدقيق ولتر من الزيت وعلبتي شاي وقهوة لا تزيد قيمتها الإجمالية عن 150 درهما، وهي الحادثة التي أثارت غضبا عارما على المستوى السياسي والإعلامي والحقوقي.

ومن الصويرة انتقلت الأنظار إلى جرادة بعد مقتل شقيقين داخل بئر للفحم الحجري إثر انهيار البئر المعروفة محليا باسم “الساندريات” أثناء قيامهما بعملها في استخراج الفحم الحجري، وهو ما جعل الآلاف يخرجون في مسيرات حاشدة تحولت بعد مرور الأيام إلى حراك اجتماعي استنفر الحكومة ومؤسساتها، واستمر إلى لحظة تدخل قوات الأمن لفض المظاهرات.

صورة للطالبة حياة خلال وقفة تضامنية معها بجامعة تطوان

وتبقى أحدث المآسي التي أفجعت المغاربة، مقتل الطالبة التطوانية حياة بلقاسم برصاص البحرية الملكية أثناء محاولتها الهجرة السرية على متن زورق إسباني، ما أثار غضبا عارما كان أقوى تجلياته الاحتجاجات التي عرفتها مدينة تطوان وما رافقها من أحداث شغب واعتقالات، وهي الحادثة التي أثارت نقاشا كبيرا بسبب الأوضاع الاجتماعية التي دفعت الطالبة إلى التفكير في الهجرة في محاولة للبحث عن مصدر رزق لإعالة أسرتها المعوزة.

وأول أمس الأحد، لقي أحد المكفوفين المعتصمين فوق مبنى وزارة الأسرة والتضامن بالرباط، مصرعه بعد سقوطه من على بناية الوزارة، فيما أعلنت الوزيرة الحقاوي فتح تحقيق في الحادثة وسط نقاش حول أوضاع ذوي الإعاقة من حامي الشهادات، حيث وصلت القضية إلى البرلمان وعلى طاولة رئيس الحكومة كما باقي الملفات السابقة.

إعمال العدالة

خديجة رياضي أرجعت الأسباب التي أدت إلى مقتل شباب ونساء وأطفال في حوادث “مأساوية”، إلى السياسات العمومية للدولة التي تخلق أوضاعا اجتماعية واقتصادية صعبة للمغاربة وتدفعهم إلى الاحتجاج أو التفكير في مغادرة البلاد عبر قوارب الموت، معتبرة أن ما سمته بـ”سياسة التجويع” تنتج فقرا مدقعا تغيب معه أدنى متطلبات الحياة الأساسية.

وتقول في نفس الصدد: “انتهاك الحق في الحياة جعل الدولة والمجتمع يطبعان مع الجرائم والفواجع التي يتعرض لها أبناء الوطن ممن كانوا يبحثون عن فرصة لحياة كريمة، وهذا راجع لغياب دولة الحق والقانون وعدم استقلال القضاء، إضافة إلى أن الدولة نفسها تكون متورطة في عدد من تلك الحوادث”، على حد قولها.

الراحل عماد العتابي في لحظات عمره الأخيرة قبل وفاته بالمستشفى العسكري بالرباط

ونبهت رياضي إلى أنه “حتى بالنسبة للشباب الذين يجدون فرصة عمل بإحدى الشركات، فإن اليد العاملة بالمغرب يتم استغلالها بشكل بشع تحت ظروف شبيهة بالاستعباد، وهو ما يدفع الكثيرين إلى الاحتجاج أو محاولة الهجرة السرية”.

وأضافت في تصريحها لـ”العمق” قائلة: “عدم إعمال العدالة في قضايا وجرائم قديمة هو الذي يؤدي إلى تراكم الوضع وبقائه كما هو عليه، فلو أعملت الدولة العدالة في ملفات هيئة الإنصاف والمصالحة لما وصلنا إلى هذه الحوادث،لكن رغم كل ما يقع، تمضي السنوات وتأتي فترة يحقق فيها الشعب مكتسبات على مستوى سيادة القرار، حينها يتم إعمال الحقيقة في جميع الملفات ويتم إنصاف الضحايا”.

وفي هذا الإطار، دعت الناشطة الحقوقية الدولة إلى إعطاء التحقيقات قيمتها من خلال كشف نتائجها ومحاسبة المتورطين والمسؤولين الكبار والصغار، ووقف سياسية الإفلات من العقاب وربط المسؤولية بالمحاسبة، مع نهج إرادة سياسية حقيقة في هذا الاتجاه، وهو الأمر غير المتوفر حاليا، وفق تعبيرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • غير معروف
    منذ 5 سنوات

    فاش غادي تلقى أخنوش خاصو يتحاسب راه غادي يديرو ليها ألف تخريجة باش يفلت من العقاب

  • غير معروف
    منذ 5 سنوات

    الله ياخد الحق في كل من كان سببا في هذا.واخا نكون انا منهم