مجتمع

منطقة الدروة بالبيضاء .. “مملكة الحشيش” التي يحكمها تجار المخدرات

“مملكة الحشيش” أو “كولومبيا المغرب”، هكذا يطلق السكان على منطقة “الدروة” التي تبعد ببضع كيلومترات عن العاصمة الإقتصادية، والتي أضحت سوقا محروسا لتجار المخدرات، يحج إليه تجار التقسيط من مختلف مدن المملكة.

ويعمد بارونات المخدرات إلى التصفية الجسدية، لكل من يحاول مخالفة القانون الداخلي للمافيا، ويتوجب على المنتسبين لهذا القانون الخضوع لأوامر المافيا والإمتثال لأوامرها.

الدروة .. مرتع الجريمة والمخدرات

تعيش ساكنة الدروة حالة من الذعر، أمام عجز الحملات الأمنية عن محاصرة هذه المافيات، والتي تتجول بكل حرية بشوارع المنطقة مرفوقة بحراسها وأسلحتها البيضاء و أساطيلها من السيارات رباعية الدفع التي تصنع بها هيبتها بالمنطقة.

قال أحد الساكنة في تصريح لجريدة “العمق”، إن الدروة باتت موطنا قارا لمافيا الإتجار في المخدرات بجميع أنواعها، إذ يركن “الباطرون” سيارته الفارهة بالقرب من إحدى الغابات المجاورة للمنطقة، مستعينا بكلاب شرسة وبمساعديه، ويقومون بتوزيع البضاعة على الزبناء الذين يقدم أغلبيتهم من الدار البيضاء وسطات وخريبكة وبني ملال.

وأضاف المتحدث ذاته، أن أفراد المافيا يجلسون خلف طاولات حديدية صغيرة بمختلف الأزقة المحروسة، وبحوزتهم سكاكين من الحجم الكبير، ثم يعرضون قطع الحشيش فوق الطاولات، في انتظار وصول الزبناء، ما دفع البعض من أفراد الساكنة إلى بيع منزله والتوجه إلى وجهة أخرى، خوفا على أسرته، خاصة وأن المنطقة أصبحت تعيش على وقع ارتفاع كبير في معدلات الجريمة.

بارونات المخدرات تحكم قبضتها والأمن عاجر عن التدخل

وأكد مصدر أمني في تصريح لجريدة  العمق”، أن العناصر الأمنية على علم تام بكافة العمليات التي تقوم بها مافيا المخدرات بمنطقة الدروة، غير أنها لا تجرؤ على مداهمة تلك العصابات، وإحباط عمليات الإتجار في المخدرات.

واضاف المتحدث ذاته، أن رجل الأمن يتلقى تهديدات متكررة بتصفية أحد أفراد أسرته، في حالة ما حاول اقتحام “مملكة الحشيش”، أو عرقلة خطط البارونات، مايدفعهم لتفادي مراقبة أحياء الدروة التي تنتعش فيها تجارة وترويج المخدرات بالإضافة إلى بيع الخمور المهربة والحشيش.

وتابع المصدر الأمني، أن مهمة السلطات المتمثلة في ضمان الإستقرار وحماية المواطنين، باتت شبه منعدمة بهذه المنطقة التي تبعد بسنوات عن مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك بسبب السيطرة عليها من قبل ” البزنازسة”.

يذكر أن عدد القضايا المسجلة خلال الأربع سنوات الأخيرة، بخصوص مكافحة الاتجار في المخدرات والمؤثرات العقلية، بلغ 239 ألف و904 قضية حسب ما أفادت به المديرية العامة للأمن الوطني، وأحيل بموجبها على السلطات القضائية المختصة 282 ألف و338 شخصا، بينما بلغت الشحنات المخدرة المحجوزة 289 طنا و268 كيلوغراما من مخدر القنب الهندي بمختلف أنواعه، و4 أطنان و615 كيلوغراما من الكوكايين، و42 كيلوغراما من الهيروين، ومليونان و874 ألف و177 قرصا مخدرا، من بينها مليون و355 ألف و858 قرصا من مخدر الإكستازي المصنع سريا بالخارج والذي تتم محاولة تهريبه نحو المغرب.

كما تجدر الإشارة إلى أن وزارة الداخلية تمكنت من تقليص المساحات المخصصة لزراعة القنب الهندي، بحوالي 65 في المائة، بعد إنجازها لأول دراسة ميدانية بتنسيق مع مكتب الامم المتحدة للجريمة والمخدرات.

مافيا الحشيش ترعب المجتمع المدني

ورفض بعض الفاعلون في المجتمع المدني، الإدلاء بأي تصريحات بخصوص الموضوع، تفاديا للدخول في مواجهات مع تجار المخدرات، بينما صرح عضو بإحدى الجمعيات رفض الكشف عن هويته لجريدة “العمق”، أن الساكنة تعاني بشدة من عدد الجرائم اللامنتهي بالمنطقة في غياب أي مراقبة أمنية.

وأضاف المتحدث ذاته، أن منطقة الدروة باتت تعرف بـ”كولومبيا الحشيش”، نظرا لعمليات توزيع المخدرات التي تتم بين أكبر البارونات، أمام أنظار الساكنة على رأسهم الشباب، ماخلف قلقا وسط صفوف ساكنة الدروة، خاصة، أن الجهات المعنية لم تتخذ أي إجراءات بالرغم من عدد الشكايات التي توصلت بها.

المخدرات تجرف التلاميذ

لم يسلم تلاميذ المؤسسات التعليمية من مملكة بارونات الدروة، سواء عن طريق اقتناء المخدرات أو التورط في بيعها، بل أصبحت هذه التجارة قائمة الذات بالنسبة لأبناء المنطقة، الذين صنعوا لأنفسهم نفوذا وهيبة عن طريق الإتجار في المخدرات.

وفي هذا السياق، قال الباحث في سوسيولوجيا الإجرام عادل بلعمري في تصريح لجريدة “العمق”، إن إقدام هؤلاء الشباب على التعاطي للمخدرات والترويج لها، يرتبط بالبيئة الإيكولوجية غير الملائمة التي ينشأ فيها الفرد، باعتبارها بالغة التأثير في تنشئته الاجتماعية، بالإضافة إلى غياب الرعاية والإهتمام الكافيين، وبالتالي سيطرة نزعة اللامبالاة على هذه الطاقات الشابة ورغبتها في تقليد الآخرين في سلوكاتهم الغير سوية.

وأضاف المتحدث ذاته، أن كل فرد يتصرف في المجتمع وفقا لمجموعة من العادات والأعراف والقيم والمعايير، التي يقبلها الوسط الذي يعيش فيه، والتي تؤثر في تحديد معالم شخصيته وفي توجيه سلوكه، عبر نقل مجموعة من التقاليد الإجرامية، من خلال ميكانيزم الاتصال الشخصي المباشر بالمجموعات الإجرامية، سيما وأن هذه التقاليد المتعلقة بالجريمة تنمو في المناطق والأماكن التي ترتفع بها معدلات الفقر و تفشل وتنهار داخلها الضوابط الاجتماعية.

وعن دور المؤسسات التعليمية في توعية التلاميذ بمخاطر المخدرات، قال الباحث إن التربية والتعليم محدد بنيوي، يحد من عدد الجرائم المرتكبة، لأنه يقوم بدور وقائي من أجل التصدي لهذا النوع من الافات، فهو يصرفه صاحبه عن أنماط السلوك غير المشروع، بما يغرسه في نفوس المتعلمين من قيم اجتماعية من شأنها أن تقيه السقوط في براثين الجريمة والإجرام.

وتابع المتحدث، أنه يجب الاستثمار في التربية باعتبارها مقاربة مجتمعية، تروم إعادة هؤلاء الأفرادإلى حظيرة المجتمع، وكذا الإشتغال بشكل جماعي على ورش إعادة التنشئة لهؤلاء الجانحين، باعتبار أن إعادة التنشئة تعد عملية أساسية وجوهرية، يتم بمقتضاها نقل التراث الثقافي وخبرات الأجداد وقيمهم وعاداتهم إلى الأحفاد، ومنهم إلى الأجيال القادمة، كما يتم من خلالهاتلقين القيم المجتمعية والمثل العليا للمجتمع، عبر سيرورة من التطبيع الاجتماعي مع الواقع والتجسيد الجيد لأهدافه والانضباط بأوامره ونواهيه وقيمه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *