وجهة نظر

الكتكوت المغربي

85 ألف طفل دون سن الخامسة ربما ماتوا بسبب سوء التغذية الحاد خلال ثلاث سنوات من الحرب في اليمن.. معلومة قد يستغرب القارئ العزيز علاقتها بارتفاع أسعار الدجاج في السوق المغربي ل25 درهما للكيلو “المغشوش”. نورد الرقم لإقناع من يرون في حرق ملايين الكتاكيت طريقة للحفاظ على الأسعار مرتفعة اقتداء بأمريكا التي ترمي القمح في البحر و إسبانيا التي يتقاذف سكانها الطماطم في الشارع، أن هناك بديلا أكثر إنسانية و شهامة.

إن رأيتم الحاجة ماسة لتخليص السوق من ملايين الكتاكيت فصدروها، بعد أن تكبر قليلا، لليمن “الذي كان سعيدا” و أنقذوا بعضا من أطفاله…بدل إرسال طائرتين مليئتين بالأكل لأغنى دولة في العالم (قطر) يوم الحصار (اتضح أنها مدفوعة الثمن) لكنكم تحبون الظهور!

اليوم من يبدوا كتكوتا ليس صغير الدجاجة، بل مواطن مغربي مسكين يجد نفسه بين مطرقة لهيب أسعار اللحوم الحمراء (80 درهما) و مطرقة البديل الدجاج (25 درهم). أما السمك فصغيره المنبوذ السردين يقارب 25 درهما طيلة السنة، إلا بالنسبة لوزير حكامة رجال الأعمال “الداودي”، من يقتنيه ب7 دراهم! ( في المشمش)!

سنسافر مرة أخرى لخارج الوطن و نحط الرحال بالولايات المتحدة، حيث صرح وزير الزراعة الأميركي سوني بيرديو، في السابع من غشت المنصرم، قائلا أنه”على قناعة بأن الشعب المغربي سيعشق مذاق الدجاج الأميركي، وسيطلبون المزيد منه”….مرت أربعة أشهر لم يذق المغاربة خلالها سوى مرارة غلاء الأسعار. ما يجعلنا نطرح تساؤلين كبيرين.

أولهما، أين انعكاس مُخطط المغرب الأخضر على قُدرة المواطن الشرائية في مواجهة ماء ب 6 درهم للقنينة، و دجاجة (سكوليط) ب 50 درهما، و لحم ب 80 درهما نصفهم شحم، مأخوذ من عجل يحتضر داخل أحد المدابح السرية؟

المثل يقول عندما يتكلم الأحمق فلينصت العاقل، و يقول كذلك عندما يتكلم أللإعلام المغربي، فل ينصت العاقل. ففي استقبال لوزير الفلاحة و الصيد البحري و المياه و الغابات و المراعي و العالم القروي (ما شاء الله!) قال الإعلام أن رئيس الدولة حث الوزير، الخارج للتو من أشرس حملة مقاطعة في تاريخ المغرب، حثه على إعادة هيكلة مخطط المغرب الأخضر بما يخدم الفلاح الصغير و ينعكس إيجابا على المواطن. نطرح سؤالا بديهيا حول من كانت تخدم النسخة 1 من مخطط أخضر التهم مئات مليارات الدراهم و عمَّر أزيد من عقد من الزمان؟

عُد تارة أخرى للوراء و انظر استقبال نواب (أصحاب ضيعات) لحبيبهم وزير الفلاحة في مجلس النواب عقب الإطاحة بالمغفور له سياسيا بن كيران…فرح و سرور و أهازيج، لم تنقصهم سوى الزغاريد!…نعم، فمخطط الوزير الأخضر من نمى فلاحتهم التسويقية من فواكه “هاي كلاص” موجهة لجيوب الأوروبيين، و ليذهب قمح المواطن و خبزه و شعيره و بقله و قثائه و فومه و عدسه للجحيم… استبدلت الدولة الذي هو أذنا بالذي هو خير. أدناهم راحتنا و خيرهم تفقيرنا، و “اللي ما بيشوفش من الغربال يبقى أعمى”، كما يردد إخواننا في مصر فك الله أسرهم.

نقطة موالية يطرحها الدجاج الفاخر.. اتفاقية التبادل الحر مع أمريكا الموقعة سنة 2004 بعد سنة يتيمة من التفاوض ( الاتحاد الأوروبي فاوض كندا 20 سنة، و 9 سنوات من الصياغة) اتفاقية لا تخدم سوى مصالح الكبار. هم مغرمون بالتجارة الحرة إن تعلق الأمر بالكافيار أو الويسكي و السيارات الفارهة…و كل ما يمنحهم توكيلات توزيع يجنون من ورائها ذهبا، لكنهم وطنيون حدا التطرف عندما يتعلق الأمر بمنتجات تراعي الله في جيوب المواطن و تقلل من أرباح الديناصورات، كدجاج أمريكا أو ملابس تركيا.

عندما وصفت الإيكونومسيت المغرب بالدولة الهجينة (لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء) لم يكن وصفا لنظام سياسي فقط، بل لأسلوب حياة و إدارة من الألف إلى الياء. ففي الوقت الذي عين فيه رئيس الدولة (أخيرا) رئيس مجلس المنافسة (روبن هود المغاربة) إدريس الكراوي، اختار أصحاب المحاضن تقديم هدية و رسالة للحارس الجديد، معناها “الهضرة ما تشري خضرة”، و لمن “تعاود زابورك يا داوود”، و “إلى وصلتي أذنيك عظها”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *