وجهة نظر

الأداء السياسي للأحزاب المغربية خلال سنة 2018 (3/4)

4. التجمع الوطني للأحرار… بديل الوافد الجديد للإطاحة بالإسلاميين

لا أحد يختلف على كون حزب التجمع الوطني للأحرار يندرج ضمن خانة الأحزاب الإدارية والمقرب من القصر، حيث لتسلط الضوء على أدائه خلال سنة 2018 ينبغي عدم إغفال هذه الجزئية التي يقوم عليها الحزب منذ 40 عاما ، عندما قام بإنشائه صهر الحسن الثاني، أحمد عصمان، وإذا كان من الممكن رصدالأداء السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار في حدثين رئيسين:

 دخول حكومة العثماني بشروط البلوكاج.
 الدخول في ثنائية قطبية مع العدالة والتنمية.
 حملة انتخابية سابقة لأوانها عبر” مسار الثقة”

أبرز أحداث حزب التجميع الوطني للأحرار يتمثل في دخولهلحكومة سعد الدين العثماني بنفس الشروط التي كان قد رفضها سلفه بنكيران ،والمتجلية في فيما بات يعرف إعلاميا بالتركيبة الرباعية أولا إبعاد حزب الاستقلال من المشاركة الحكومية، ثانيا قبول مشاركة حزب الاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي في الأغلبية البرلمانية، ثالثا واحتفاظ الأحرار برئاسة مجلس النواب، رابعا تقديم برنامج حكومي قابل للتطبيق ويراعي إكراهات المغرب الداخلية والخارجية ويضمن الحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية.

وعلى حين غرة مفاجئة في الساحة السياسية، قرر المغرب العودة إلى الاتحاد الافريقي بعد مغادرة لأزيد من ثلاثين سنة احتجاجا على حضور جبهة البوليسارو كدولة، خلطت هذه المفاجأة كل الخطط السياسية إبان تشكيل الحكومة،ليعجل الاتحاد الافريقي وعودة المغرب إلى الحضن الافريقي بانتخاب رئيس مجلس النواب وهياكله قبل تشكيل الحكومة من أجل المصادقة على معاهدة القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقيوترأس عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المكلف، وعبد الواحد الراضي، النائب البرلماني الأكبر سنا، رئاسة جلسة تشاورية بشأن تحديد موعد انتخاب رئيس مجلس النواب،ليتم انتخاب الحبيب المالكي رئيسا لمجلس النواب عن حزب الاتحاد الاشتراكي، بعدما تقدم وحيدا للرئاسة في ظل عدم تقديم حزب العدالة والتنمية مرشحا عنه وكذا في ظل تعميم قرار القاضي بتصويت عبر الورقة البيضاء في إشارة إلى عدم التصويت على أي مرشح ،وهو نفس الاتجاه الذي ذهب معه حزب التقدم والاشتراكية بالتصويت عبر البطاقة البيضاء، كما قررحزب الاستقلال قبيل إنطلاقة التصويت وانسحاب، فيما قرّرت أحزاب الأصالة والمعاصرة، والتجمع الوطني للأحرار، والاتحاد الدستوري، التصويت على الحبيب المالكي.

في مقابل ما عرفته الساحة السياسية التي انشغلت بعودة المغرب إلى الاتحاد الافريقي إلى حين إعفاء بنكيران من تشكيل الحكومة وتعيين سعد الدين العثماني رئيسا للحكومة خلف لسلفه، ليتنازل بنكيران لفائدة سعد الدين العثماني بشروطه التي كان قد حددها لدخول إلى الحكومة وهو على رأس الأمانة العامة وفق التمديد الاستثنائي لبنكيران لمدة سنة، ليدخل التجمع الوطني للأحرار بشروط البلوكاج وقيادته للقطاعات اقتصادية وازنة بداية من تعيين عزيز أخنوش رئيس الحزب في منصب وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغاباتوتعيين مبارك بوسعيد في وزارة الاقتصاد والمالية الذي سيعفى من منصب بسبب تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ليحل مكانه محمد بنشعون ، مرورا بوزارة العدل التي على رأسها محمد اوجار و تعيينمولاي حفيظ العلمي وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي،وصولا إلى تعيين رشيد الطالبي العلمي وزير الشباب والرياضة بإضافة إلى تعيين امباركة بوعيدة كاتبة للدولة لدى وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات المكلفة بالصيد البحريإلى جانب لمياء بوطالب كاتبة الدولة لدى وزير السياحة والنقل الجوي والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي المكلفة بالسياحة.

الدخول في صراع على 2021

عادت إلى الواجهة نظرية الأحزاب الإدارية لتطفو على السطح مجددا لدى حزب التجمع الوطني للأحرار،الذي لم يتعفى بعد من هذا الوسم الذي رافقه منذ 40سنة إلى الان بوصفه مول للقصر الملكي، على الرغم من رفض قيادته هذا التوصيف مرارا وتكرارا حتى عندما كان يرأسه احمد عصمان صهر الراحل حسن الثاني طيلة 29 سنة إلى حدود سنة 2007 مع مجيئيمصطفى المنصوري لتطيح به الحركة التصحيحية من الحزب ورئاسة مجلس النواب معا،بقيادة مزوار الذي قدم استقالته بدوره بعد اخفاق في الانتخابات التشريعية لسنة 2016، وما أثارها من تأويلات بكون مزوار يمهد الطريق نحو مناورة سياسية ، وذلك ما سيتأكد عند انتخاب عزيز اخنوش رئيسا للتجمع الوطني للأحرار.

وبالمناسبة فعزيز اخنوش صديق للملك وللقصر، وواحد من أثرياء القارة الافريقية وليس المغرب فقط، وبالتالي فإن اعتلاء عزيز اخنوش للحزب يعود للوجهة القول القائل أن حزب التجمع الوطني للأحرار يلعب دور ضابطالتوازنات السياسية مقابل الأحزاب الاخرى.
ومما يعز طرح لعب التجمع الوطني للأحرار دور ضابطالتوازنات السياسية، نجد أن حزب الوافد الجديد المتمثل في حزب الاصالة والمعاصرة، قد خسر الانتخابات التشريعية لسنة 2016، وبالتالي يكون قد خسر مواجهته مع حزب العدالة والتنمية ،فلم يتوانى الأمين العام الياس العماري في أي حديث سواء رسمياأوحزبيا إلا ويقول أنه جاء لمحاربةالاسلامين ولا شيء غير ذلك، فبات من المؤكد انهزام حزب صديق الملك في المعركة، ليتم نقل نفس الخطة إلى حزب أخر يمثله صديق الملك، لمواجهة الاسلامين في افق 2021.

ما يلفت الانتباه أيضا، انتباه الفاعلين السياسيين خاصة رئيس الحكومة الأسبق عبد الاله بنكيران، لهذا التحول من جهة،خاصة عقب البلوكاج الذي قاده حزب التجمع الوطني للأحرار وشروط التعجيزية لدخول الحكومة،فلم يتأخر عبد الإله بنكيران في إعلان الحرب السياسية بين قطبي العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار، من قبيل هذه التدشينات والتصريحات لبداية قطبية جديدة، قول بنكيران” إن زواج المال والسلطة خطر على الدولة” في إشارة إلى أخنوش، ثم يستدرك الامر ويمسى عزيز أخنوش قائلا”إذا أراد أخنوش أن يفوز في الانتخابات القادمة فليس لدي أي مشكل، لكن عليه أن يقول لنا من هي العرافة التي أخبرته بهذا”

وخلفت تصريحات بن كيران الذي لا يحمل أي صفة حزبية، انتقادات واسعة في صفوف حلفاء العدالة والتنمية، وعلى رأسهم التجمع الوطني للأحرار، الذي كان معنياً مباشراً بهذه التصريحات،وأولى تجليات الأزمة الجديدة غياب جميع وزراء حزب التجمع الوطني للأحرار عن المجلس الحكومي،ووجد رئيس الحكومة، سعيد الدين العثماني، نفسه محرجاً لفراغ كراسي وزراء حلفائه.

وفي جواب عن أزمة التي أشعلها بنكيران شدد مصطفى الخلفي، الناطق باسم الحكومة، على أن “موقف رئيس الحكومة الذي عبر عنه خلال المجلس الحكومي هو الاشتغال في إطار التماسك، معلناً مواصلة العمل المشترك بين مكونات الأغلبية”. مؤكدا على أن الانسجام لا ينعى الاختلاف في إشارة ضمنية لوجود أزمة خفية أكثر مما أظهر الخلفي الذي بالمناسبة كان داعما لبنكيران في الولاية الثالثة.

وفي ظل هذا الصراع، عجلت الأمور بتوقيع ميثاق الأغلبية بين الأحزاب المشكلة للأغلبية البرلمانية والحكومية، في إشارة لسعد الدين العثماني على أن تصريحات بنكيران تصريحات فردية وشخصية لا تمت بصلة للحزب، وأن مواقف الحزب تصدر عبر بلاغات وعن الأمانة العامة للحزب وبطريقة رسمية في إعلان عن تبرأ سعد الدين العثماني من تصريحات بنكيران، ليضيف بدوره لحسن الدودي أن خرجة بنكيران أحرجت رئيس الحكومة سعد الدين العثماني”.

ونقرأ مثلا في التصريحات التي تشعل لهيب صراع بين القطبين، حين اتهم رشيد الطالبي العالمي نائب الأمين العام لحزب العدالة و التنمية المغربي، سليمان العمراني، بأنه يقوم بتخريب البلاد عبر التشكيك في المؤسسات السياسية، واتهام حزب رئيس الحكومة المغربي، بأنهم أتباع نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي وصفه بالنموذج الفاشل، وأنهم يحملون مشروع دخيل على المغرب وأن حزب العدالة والتنمية المغربي يريد تخريب البلاد ليسهل عليه وضع يده عليها.

ومن المفارقات أيضا، أن القيادي رشيد طالبي العلمي وزيرا للشباب والرياضة في حكومة سعد الدين العثماني، وأن الحزب التجمع الوطني للأحرار لم يعتذر عبر بلاغ مما يعبر عن موقف الحزب الصامت، مع ذلك لم يقدم استقالته من الحكومة إذا كان فعلا يرى أن حزب العدالة والتنمية يحمل مشروع دخيل وتخريبي، مما جعل من الساحة السياسية تدخل في صراع القطبين في ظل صمت حزب التجمع الوطني للأحرار واستياء العارم في صفوف قادة الحزب من ضمنهم بنكيران الذي داعى إلى رد أكثر قسوة على وزير شباب والرياضة بدل الاقتصار على بلاغ استنكار أو ما وصفه الرميد وزير الدولة للحقوق الانسان بإشهار الورقة الصفراء في وجه الوزير.

ومن العلامات التي تغذي طرح صناعة “وافد ما بعد الجديد” أن رئيس التجمع الوطني للأحرار، عزيز اخنوش ، وهو في ذات الان وزير للفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات منذ حكومة عباس الفاسي وصاحب المخطط الأخضر، لم يكن له أي انتماء سياسي حتى وأنه كان يقود وزارة الفلاحة باعتبار وزير تقنقراطي منذ أن قدم استقالته سنة 2012 من التجمع الوطني للأحرار. لينتخب دون مفاجئة رئيسا للحزب عقب استقالة الأمين العام السابق مزوار في رئاسة الحزب ، فيما اعتبرت مناورة سياسية كبيرة يخطط لهالإستبادل الاصالة والمعاصرة بالتجمع الوطني للأحرار لمواجهة الاسلامين.

حملة انتخابية سابقة لأوانها عبر” مسار الثقة”

بعد خطاب نهاية النموذج التنموي المغربي للعاهل الملك محمد السادس، انبرى حزب التجمع الوطني للأحرار عبر التقاط الإشارات الملكية إلى إعداد مساهمة في النموذج التنموي الجديد “مسار الثقة”، التي أطلقها من مدينة اكادير معتبا إياها الهوية السياسة للحزب في أفق استحقاقات2021 .

فيما اعتبرها الحزب التزاما سياسيا للأحرار اتجاه المغاربة من أجل خدمة الصالح العام وتلبية الطموحات المشتركة للأمة، منطلقا من تشخيص واحد أي تشخيص الحقائق، ورفض الحزب لعب دور المتفرج باعتبار الاحرار فاعلون وناقدون ذاتيون.

فبدخول الاحرار بمسار الثقة يكون في جهة، التقطوا الإشارات من القصر أولا، ثانيا الاعداد المبكر للانتخابات 2021 ما لم تكن هناك انتخابات سابقة لأونها وهو يتهئ لترأس الحكومة، بدون إخفاء أن الأحرار يلعبون على وثر الامازيغية من ناحية حيث لم تكن اطلاق المشروع السياسي من أكادير أمر عبثي أو بدون حسابات خفية، ومن ناحية أخرى على وثرة الفلاحة والصناعة من أجل كسب ود المغاربة.

5. الاتحاد الاشتراكي حزب 20 مقعد رئيسا لمجلس النواب.

حزب 20 مقعد يدخل الحكومة بعد البلوكاج، وحبيب المالكي رئيسا لمجلس النواب،هذا هو العنوان العريض لأداء الاتحاد الاشتراكي خلال سنة 2018، من دون جديد يذكر على الساحة الحزبية ، فيما بعد البلوكاج الذي قاده التجمع الوطني للأحرار، مما أدى إلى توصيفه بأنه ملحقة تابعة للأحرار، أو ما سمته حسناء أبو زيد بأن “لشكر الكاتب الأول للحزب ذبح الحزب”. لعل هذا التوصيف الأدل على ما يعيش الاتحاد الاشتراكي من وضعية تبعية لدى حزب صديق الملك الجديد، بعدما كان الحزب يقف في وجه الملك مباشرة.

فما تزال تطرح علامات استفهام كبيرة حول حزب الاتحاد الاشتراكي الذي قاد حكومة التناوب، و واحد من أحزاب الكتلة الديمقراطية، حول أدائه السياسي والحزبي وانتخابي، فإننا نسجل صمت طويل يخم على الحزب من غير خرجات إعلامية معدودة على رؤوس الاصابع، وتواري الأنظار لباقي القيادة الحزبية، فلا يتحدث الاتحاد الاشتراكي إذا خرجنا على البلوكاج الحكومي إلا على حكومة عبد الرحمان اليوسفي، دون أن يحمل نفسا سياسيا داخل الاطياف السياسية والحزبية.

بهذا لا يعدو كون الاتحاد الاشتراكييستنزف مخزونه الرمزي ويقتات عليه للبقاء.

وللوقوف عند انتخب مجلس النواب، للبرلماني عن الفريق الاشتراكي لحبيب المالكي رئيسا له؛ وذلك بعدما ترشح وحيدا خلال الجلسة العامة التي ترأسها عبد الواحد الراضي، أكبر البرلمانيين سنا، باعتباره رئيسا مؤقتا.وفي الوقت الذي قرر فيه الفريق الاستقلالي الانسحاب من الجلسة، وتصويت نواب العدالة والتنمية بأوراق بيضاء، بسبب عدم وضوح وضعية الأغلبية الحكومية، حاز المالكي على أغلبية المصوتين، بعدما حظي بدعم كل من نواب أحزاب الأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري،فقد أعلن عبد الواحد الراضي رفيقه في الحزب الحبيب المالكي رئيسا لمجلس النواب؛ حيث بلغ عدد المشاركين 342 من أصل 395 نائبا في الغرفة الأولى للبرلمان، مؤكدا أن “الأصوات الملغاة هي 7، وحصل على 198 صوتا التي تساوي الأغلبية المطلقة، فيما الأوراق البيضاء بلغت 137”. والجدير بالذكر في هذا الصدد في حادثة غريبة تم التسليط الضوء عليها إبان انتخاب لحبيب المالكي أن بعض البرلمانين لم يعرفوا كتابة اسم لحبيب المالكي.

مما يجعل الوضع الحزبي للاتحاد الاشتراكي قاتما، ضبابيا، غامضا، خاصة في ظل تراجع أدائه الانتخابي في الاستحقاق الاخير، و دخوله للحكومة عبرعبد الكريم بنعتيق كوزير المنتدب لدى وزير الخارجية المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، ومحمد بن عبد القادر كوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإصلاح الإدارة وبالوظيفة العمومية، ورقية الدرهمكاتبة الدولة لدى وزير الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي المكلفة بالتجارة الخارجية.

6. الاتحاد الدستوري الحصان في خدمة الحمامة.

نفس القول الذي يقال على الاتحاد الاشتراكي صاحب 20مقعد يقال على الاتحاد الدستوري صاحب 19 مقعد، بأنه قابع في حضن حزب الحمامة، وأن حزب الاتحاد الدستوري وأمينه العام محمد الساجد الذي هو كذلك وزيراً للسياحة والنقل الجوي والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي في حكومة العثماني، يبدو أكثر نوما في ما بين أحزاب البلوكاج،فيما حصل عثمان فردوس على كتابة دولة مكلفة بالاستثمار لدى الوزير التجمعي حفيظ العلمي الذي يعرف المغاربة حتى في خرجة إعلامية قصيرة.

بذلك يكون حزب الاتحاد الدستوري، بدوره في وضعية إلحاق بحزب التجمع الوطني للأحرار، لا ينطق إلا على هوى أحزاب البلوكاج.

* باحث في القانون العام والعلوم السياسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *