وجهة نظر

الحوار الداخلي لـ”البيجيدي” .. أكبر من ناجح

يتميز ورش الحوار الداخلي الذي فتحه حزب العدالة والتنمية بكونه جاء في سياق سياسي وتنظيمي عاش فيه الحزب صعوبات داخلية كبيرة، جعلت العديد من المراقبين، استنادا إلى تجارب الأحزاب المغربية عبر عقود، يتوقعون أن ينتهي الحزب عندها أو أن لا يخرج منها إلا وهو مقسم على أقل تقدير. وحتى مع تجاوز الحزب للكثير من الصعوبات بانعقاد مؤسساته ومرورها بسلام، وخاصة مؤتمره الوطني ودورات مجلسه الوطني ومؤتمراته الجهوية، توقع الكثيرون أيضا أن يفشل الحوار الداخلي للحزب وأن ينفجر بسبب الاختلافحول تقييم المرحلة وقراءتها. لكن محطات الحوار الداخلي الأربعة أكدت ايضا أن الحزب بعيد كل البعد عن توقعات هؤلاء المراقبين، أما توقعات خصوم الحزب فلا عبرة بها في هذا السياق لأنها ليست أكثر من تعبير عن أمانيهم وهم يعملون ليل نهار على إضعافه وعزله. فكيف يمكن تقييم ذلك الحوار الداخلي؟

حوار أكبر من ناجح

قد يستغرب البعض تقييم الحوار الداخلي لحزب المصباح بكونه أكبر من ناجح. والواقع أن النجاح يمكن تحقيقه، بمؤشرات شكلية تتعلق بانعقاد جميع دورات الحوار الأربعة المقررة في مواعيدها، ونسبة الحضور العالية من المعنيين به، وبمؤشرات في المضمون تتعلق بتحقيق أهدافه من خلال استجابة أرضياته في كل دورة للمنتظر منها، ومن خلال حجم وعمق النقاش الذي تعرفه كل دورة. وهذا المستوى من النجاح حققه الحوار الداخلي لحزب المصباح بيسر كبير، حيث مرت جميع دوراته في أجواء من الاحترام المتبادل، والنقاش الحر والمسؤول والصريح والعميق والقوي، ولم تسجل توترات مشينة، وحتى ما عرفته الدورة الثانية من صعوبة، فكان بسبب خطأ تسريب تصريح لأحد القياديين في الدورة الأولى لوسائل الإعلام، استغله خصوم الحزب لاستهداف القيادي المعني و الحزب من خلاله، وتم تجاوز تلك الصعوبة بتدبير فعال لعمليات التسجيل، واستمرت الدورة بشكل طبيعي.
نجاح بقيمة مضافة

لكن تقييم ذلك الحوار بكونه أكبر من ناجح يتطلب تجاوز المستوى المشار إليه من النجاح، إلى النظر إلى قيمته المضافة.

إن الهدف الأساسي من فتح الحوار الداخلي كان هو التوافق على قراءة جماعية للمرحلة، تعالج تصارع القراءات واختلالاتها المصاحبة، والذي أضر بسمعة الحزب وهز نفسيات أعضائه والمتعاطفين معه، وشوش على صورته لدى الرأي العام. وهذه القراءة الجماعية من خلال الحوار لم تنحصر فقط في تحقيق رغبات أشخاص فيتفسير وقائع محددة، بل تجاوزت ذلك إلى قراءة جماعية للوضع العام، استحضرت السياقات المختلفة، الدولية والإقليمية، والوطنية. ولوضع الحزب، من خلال تطوراته وتفاعلاته الداخلية، وتقييم شكل وحجم ونوع مشاركاته السياسية، وطبيعة الاختلالات الداخلية، ونوع التحديات التي تواجهه، وما يزخر به من نقط القوة وما يملكه من فرص. إن الحوار الداخلي كان في الواقع تشخيصا عميقا وشاملا ومتكاملا، وضع القراءة الجماعية للمرحلة التي يمر منها الحزب في السياق الصحيح الذي لم يكن حوله اختلاف كبير. وهذه المعالجة الشاملة انتهت بأرضية من عناوين للنهوض بالحزبواستشراف مستقبله. فالقيمة المضافة هنا هي أن الحوار تجاوز مجرد التفاهم على قراءة جماعية للمرحلة إلى استخراج الدروس والعبر منها، والتوجه بها نحو المستقبل من خلال عمل نقدي كبير لامس مختلف جوانب حياة الحزب، يتوقع أن تخرج من رحمه استراتيجيات للنهوض بالحزب في جميع المجالات.

وميزة القيمة المضافة المشار إليها أن مخرجات المحطات الأربعة من الحوار الوطني عبرت عن “إجماع” على مأسسة الحوار الداخلي واستدامته في الحزب. وهذا مكسب ديموقراطي كبير من شأنه توفير آلية فعالة لتدبير الخلافات وترشيد آلية النقد الذاتي، وإحداث مشتل لاستنبات الأفكار وإنضاج المبادرات، ورحم لتوليد الديناميكيات البانية.

الحوار يستكمل ما بدأه المؤتمر

إندورات الحوار الداخلي المركزي لم تكن فقط ورشا للتبادل الفكري، بل تحولت عبر محطاتها إلى بوتقة الانصهار على أكثر من صعيد. إن نجاح الحزب في عقد مؤتمره الأخير، وعقد برلمانه بشكل طبيعي، وعقد مؤتمراته الجهوية والاقليمية والمحلية، وسير مؤسساته بشكل طبيعي، كان بمثابة تأكيد عملي لسلامة الذات الحزبية على المستوى التنظيمي، أما نجاح الحوار الداخلي بقيمته المضافة المشار إلى أهم عناصرها سابقا، فكان بمثابة تأكيد عملي لسلامة الحزب على مستوى عقله ونفسيته الجمعيين، وأكد الحوار أن الخلاف بين أعضاء الحزب خلاف في قراءة منهج الحزب واختياراته الكبرى في سياقات خاصة وليس خلافا حول ذلك المنهج وتلك الخيارات في حد ذاتها. كما أكد أن أكبر شيء يجمع عليه أبناء العدالة والتنمية، هو وحدة الصف، وضرورة تجاوز الكبوة من أجل النهوض من جديد بمشروع الحزب بعزيمة قوية، وتفويت الفرصة على المتربصين به.

إن حزب العدالة والتنمية يعيش اليوم ديناميكية قوية لاستعادة كامل قواه، وهذه الديناميكية التي انطلقت بشكل قوي بنجاح الورش التنظيمي، واصلت تناميها مع كل دورة من دورات الحوار الداخلي، وسوف تستمر هذه الديناميكية بموجة جديدة من محطات الحوار على مستوى الجهات والأقاليم، حتى تعم عوامل الصحة جميع مستويات الحزب.وهذه الموجة الثانية من الحوار الداخلي لن تكون إملاءات فوقية لمخرجات الحوار الوطني، بل ستكون اوراشا حقيقية على غرار ورش الحوار الوطني. وستكون فرصة التنوير، وفرصة تقريب وجهات النطر، وأيضا فرصة استنهاض الهمم للنهوض بالحزب في مختلف مناطق المغرب.

سر الصمود والنجاح

لكن كيف نجح الحزب في امتحان قلما يخرج منه حزب بسلام؟

لقد لعبت مجموع القيم الأساسية التي تشبع بها أعضاء الحزب بشكل كبير دورا كبيرا في تشكيل اللحمة الأساسية التي حفظت الحزب وشكلت الأرضية الحيوية لاستعادة عافيته بشكل سريع وفعال ومستمر. ولعل أبرز تلك القيم هي قيمة المؤسساتية وأساسها الديموقراطي، وقيمة القانون فوق الجميع، وقيمة وحدة الحزب فوق كل اعتبار، وقيمة أسبقية مصلحة الحزب عن المصالح الشخصية، وقيمة الخلاف لا يفسد للود قضية، وأخيرا قيمة الحوار وما يتطلبه من إنصات وتبادل لوجهات النظر على أساس قاعدة “الرأي حر والقرار ملزم”.

وقد كشفت مختلف المحطات الصعبة التي مر منها الحزب، أن هذه القيم المرجعية هي التي كانت خلف تيسير خروجه بسلام وعافية مقدرين من كل تلك المحطات. وهذه القيم بالضبط هي التي تشكل الخلفية الفكرية والسلوكية التي تحصن الحزب بشكل قوي ضد كل مشاريع إضعافه. وهذه القيم بالذات هي التي تتوجه إليها آلية إعلام السلطوية وخبرائها بالتشكيكومحاولة إضعافها وإضعاف الإيمان بها. وها هي الأوراش التنظيمية والحوارية المتتالية تؤكد من جديد، وفي ظروف صعبة،فشل كل تلك المشاريع. ويعطي ذلك الرصيد الذهبي من القيم القوية الضمانة، إن استمرت تلك القيم في توهجها وتجدرها في الأشخاص والمؤسسات، على حصانة الحزب ضد خصومه مستقبلا. وهي مسؤولية الحزب وكل أعضائه وقياداته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *