وجهة نظر

إرهاب “شمهروش” ثغرة أمنية أم طفرة إرهابية؟

نجاح العصابة الرباعية الإرهابية في تنفيذ جريمتها الشنعاء ضد السائحتين الأجنبيتين بضواحي مراكش يثير الأسئلة حول المقاربة الاستباقية التي يعتمدها المغرب ضد الإرهاب. فهذه المقاربة المتميزة استطاعت وقف إجهاض الأعمال الإرهابية بالمغرب بشكل فعال بتمكنها من القضاء على مبادراتها في مهدها، وإحباطها في رحمها وهي في مراحل التخطيط والاستعداد. فكيف تمكن الرباعي الارهابي من الإفلات لجهود الجهاز الأمني المتخصص في جرائم الارهاب في ضواحي ضريح “سيدي شمهروش”، قاضي الجن في الثقافة الخرافية المغربية؟

في التقدير، أهم المعطيات التي تم الكشف عنها إلى حد الآن حول الجريمة الإرهابية الشنعاء تحمل دلالات ينبغي استخلاص دروسها قبل فوات الأوان.

ففي مستوى أول، نحن اليوم أمام شبكة يبلغ عدد أفرادها إلى حد الآن أربعة إرهابيين، تمكنوا من رصد الضحيتين، وتنفيذ جريمتهما الارهابية بالكامل.

وفي مستوى ثاني، فالشبكة الإرهابية موالية لـ”داعش”، أخطر منظمة إرهابية في تاريخ البشرية، فحسب بلاغ الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط فإن “التحريات والأبحاث المنجزة، مدعومة بالخبرات التقنية، أوضحت بأن الشريط المنشور الذي يعلن فيه الموقوفون في اطار البحث في جريمة القتل التي كانت ضحيتها سائحتان أجنبيتان، بيعتهم لـ “داعش”، تم تصويره الأسبوع المنصرم، وذلك قبل ارتكاب الأفعال الاجرامية موضوع البحث”، حسب وكالة المغرب العربي للأنباء. وهو ما يعني أن الارهابيين انتقلوا بسرعة استثنائية إلى تأكيد جدية بيعتهم الغاشمة، وتنفيذ مقتضياتها “بسهولة”.
وفي مستوى ثالث، نجد أن الضحيتان سائحتان أجنبيتان، مما أعطى للفعل الإرهابي بعدا دوليا، يعد في “أدبيات” الإرهاب إنجازا كبيرا.

وهنا نسجل ملاحظات أساسية، نجملها في الأسئلة التالية:
الملاحظة الأولى: التسجيل الذي أعلن فيه الارهابيون الأربعة بيعتهم لأمير الارهاب ومنظمته، تم قبل أيام من تنفيذ العمل الارهابي، وهو عبارة عن فيديو محمل على الشبكة العنكبوتية، فكيف أفلت هذا الفيديو من الرصد؟ وإذا تم رصده في حينه فكيف تأخر تحديد هوية الإرهابيين الأربعة وإخضاعهم للمراقبة أو التوقيف على ذمة التحقيق؟

الملاحظة الثانية: عادة تكون الشبكات الإرهابية المحلية في تواصل مع المنظمات الإرهابية الدولية عبر وسطاء، ومن خلال وسائل الاتصال عبر الأنترنيت أو عبر الهاتف النقال، أو بشكل مباشر عبر فاعلين. فهل نحن أمام “ذئاب منفردة” فكرت ونسقت ونفذت باستقلالية تامة عن أية جهة خارجية؟ أم نحن أمام عمل موجه من الخارج، خاصة مع وجود “فيديو البيعة”؟ وفي كلا الحالتين ما هي التكنلوجيا المعتمد في التواصل بين العناصر الأربعة من جهة، وبينهم وبين المفترض أنه يوجههم ويعبئهم؟ وكيف لم يتم رصد تلك الاتصالات والتنسيقات؟ وهل يتعلق الأمر بتكنلوجيا جديدة خارج نطاق الرقابة والرصد؟ أم أن الأمر يتعلق بـ”ثغرة” صادفها الارهابيون مكنتهم من تنفيذ جريمتهم؟

الملاحظة الثالثة: تتعلق بتمكن المجموعة الرباعية الإرهابية من التحرك في المنطقة دون أن يثيروا الانتباه، فكيف أمكنهم الافلات من ملاحظة الساكنة وأعين السلطات المحلية وأعوانها وشبكاتهم المحلية؟

إن إثارة الملاحظات السابقة ليس الهدف منه بالمطلق التشكيك في قدرات الأجهزة الأمنية المغربية في محاربة الإرهاب، ولا التنقيص من جهودها وقد تمكنت في ظرف استثنائي من توقيف المجموعة الإرهابية بكاملها، وفككت قبل ذلك أزيد من 50 خلية مند سنة 2015، وتوقيف أزيد من 750 إرهابيا كانوا يتأهبون لتنفيذ أعمال إرهابية. لكن الغرض هو التوقف عند فرضيةمفادها أن وسائل التواصل بين خلايا الارهاب قد شهدت “طفرة” ما، استطاعت بسببها الإفلات من الرصد والمراقبة. ورغم أن هذه الفرضية لا تصمد كثيرا أمام حدث يمثل استثناء بالنسبة للقاعدة التي تفيد أن الأمن المغربي نجح بشكل متميز في استباق الأعمال الارهابية، كما أشرنا إلى ذلك ببعض الأرقام، إلا أن تلك الفرضية، وأمام التطورات المتسارعة لوسائل الاتصال، تفرض نفسها، وتتطلب التعامل معها بجدية كبيرة. إنه في مثل الأنشطة الارهابية لا مجال للغو الكلام بالحديث عن “الاستثناء الذي يؤكد القاعدة”، ذلك أن “الاستثناء” في مثل تلك لأنشطة قد يكون كارثة عظيمة، لا قدر الله، ترجح كل ما تحقق من خلال تلك “القاعدة”.

إن حدث مقتل سائحتين أجنبيتين في عاصمة السياحة بالمغرب مؤشر مقلق، يؤكد، من جهة اولى، خطورة “الإرهاب الكامن” على الأمن والسلامة الوطنية، مما يتطلب يقظة مستمرة، وتعبئة فكرية شاملة وفعالة.ويؤكد من جهة ثانية، الأهمية الاستراتيجية للمقاربةالاستباقية المعتمدة في المغرب. لكنه بالمقابل يؤكد خطورة أي “ثغرة” محتملة في تلك المقاربة الاستباقية، والتي يمكن أن يتسلل منها عمل إرهابي أخطر بكثير مما وقع لحد الأن، لا قدر الله. إن معالجة تداعيات العملية الارهابية التي وقعت بضواحي مراكش لا ينبغي أن تتوقف عند اعتقال جميع المتورطين فيها ومحاكمتهم، بل بمعالجة الأسباب الحقيقية التي “مكنت” من وقوعها مهما كانت وكلفت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *