منتدى العمق

وداعا شاعر الجماليات العليا

في رثاء عبد السلام بوحجر

1
زارَنِي في المَنَامْ،

صَوْتُ عَبْدِ السَّلَامْ

قالَ لِي:

-صَا حِبِي ، لا تَقُلْ مَاتَ عَبْدُ السَّلَامْ

صَاحِبِي،

لَا تَقُلْ لِمهَا مِثْلَ هَذَا الْكَلامْ…!

فَمَهَا

قَــلْبُهَا…عَــقْلُها

رُوحُهَا…شَكْلُها

بَعْــضُهَا…كُــلُّهَا

خُلِقُوا لِلْغِنَاءِ عَلَى الهَاءِ، لَا…

لِلْبُكَاءِ عَلَى نَغَمٍ قَد طَوَاهُ الْمَقَامْ

-نُقطَةٌ(. )

لا، لِنَعْيِ المُغَنِّي بُعَيْدَ سَلَامِ الإِمَامْ (…)
2
من ذا الذي لا يعرفك يا شاعر الجماليات العليا يا سيدي عبد السلام بوحجر، حتى تحتاج
بعد رحيلك لشهادة مني في حقك ، أ و تقريب لشعرك ،أو شخصك ، وتعريفك بالأسلوب
المنطقي المركب من الرسم والحد.
من ذا الذي لم يقتنع في حقل الشعر والأدب ، بأنك كنت سيد الجماليات العليا في
عصرك ، داخل قطرك و خارجه، حتى أزحف إليك بزخرف القول الذي يلهب الأفئدة
ويستحوذ على المشاعر يا سيدي عبد السلام؟ .
من ذا الذي يجهل أن اسمك الرنان الخفيف على الفؤاد و اللسان متى ذكر في ناد من

الأندية ، أو مجلس من المجالس الأدبية، وطنية كانت أم دولية، “عبد السلام بوحجر”

هكذا غفلا من أي تحلية ، وجدته يفعل في ألباب المطلعين، وقلوب العارفين بأسرار

الشعر الحق ، ما تفعل الخمر بعقول الشاربين.

أيها الشاعر المتفرد المتوحد بضميره ، عندما تكبر جوقة المتطفلين على الغناء، على مقام
الانحناء.
-يكفيك فخرا ، أنك شاعر يغبطه الذين يتمنون لو كانوا مثله ، فيكونون جامعين بين

الإمتاع والإقناع ، و بين الجد والهزل، و بين البساطة والعظمة ، وبين التواضع والرفعة،

و بين جلدك لنفسك و هيبتك في نفوس الناس ، و يحسده الحسدة (الذاهبون إلى موتهم

باكرا)، الذين تتآكل ضلوعهم لما ينفّسونه عليك من النعم . فيبحثون لو يجدونلك معرة

يأتونك منها “كي تكون لأقلامهم خبرا عاجلا”.

يا شاعري ، يا صاحبي ، يا عرابي عبد السلام ،

-يكفيك فخرا ، أنك مُؤَلِّف للدواوين المترعة بالجماليات العليا ، ومؤلف للأساتيذ المبدعين

الذين يقرون سرا و جهرا بفضلك عليهم ، مذ درجوا بين يديك و حازوا شرف الانتساب

إليك ، و لا أكون مغاليا إن قلت في حقك نكاية في أقلام النقاد المأجورين و الإعلام

المأجور: إن جل الحساسيات الشعرية المعاصرة المتميزة المنتسبة لسلك التدريس، ، أغلبها

تأثر بشعرك و أفاد من تجربتك الفذة إفادات كثيرة بطريقين:” طريق التلمذة المباشرة-

و طريق التلمذة غير المباشرة عبر وسيط خطابك الشعري”.

و يكفيك فخرا يا شاعر الجماليات العليا، أنك كنت و ستبقى مطاعا في حقل الشعر

متبوعا، صدوقا نصوحا ، لينا ، سباقا للخيرات، عيوفا لزخارف الدنيا ومغرياتها ، و في هذا

قلت في غنائك الفتان :'” إني رفضت مناصبي / وقنعت دوما بالرغيف/ وتركت كل

حقائبي / للآخرين على الرصيف”.

يا صاحبي يا شاعر الجمال و السلام ،

-يكفيك يا عبد السلام فخرا ، أنك كنت و ستبقى من أرباب الشعرية العربية المعاصرة،

علما وإبداعا وأداء ، لو لمح فحول الشعراء القدامى قريضك ، أو آليات بناء القصيدة

عندك ، لتبرؤوا من الفحولة الشعرية المزعومة ، ولاختاروا أن يكونوا من رواتك.

-و يكفيك فخرا، أنك جبل راسخ لا يتزعزع بالعواصف أو ضربات الخصوم ، وبحر

خِضَمٌّ لا يكدر صفوه حصار الإخوة الأعداء، و ستبقى دائما (كالنار تصعد لامعا /

كالماء تخرج صافيا/كالبدر تسطع رائعا/كالفجر تولد عاليا)، ولإيمانك المطلق بأن

“الرهافة موعدها النصر”.

يا صاحبي ، يا أبي ، يا عبد السلام،

-يكفيك فخرا أنك رزقت الاحترام الكبير في الصدور ،من لدن الأحبة والحسدة العائدين

من الهزيمة بالهزيمة صاغرين ، معترفين ،مرددين:(حاصرتنا أنت يا من لا نحاصره/أتأخذ

الشعر كي يبقى لنا النثر(.

يا شاعري المفضال ، يا سيد ي ، يا سيد القصيدة و الجمال الفتان ،

-يكفيك فخرا أنك ما كتبت قصيدة تحت الطلب كما فعل سماسرة الكلام .

-يكفيك أنك غنيت للوطن ، و فلسطين ، و الريف ،و انتصرت للإنسان .

-يكفيك فخرا أنك نسيج وحدِك. و شاعر لا يجود بمثله الزمان.

ربحت الرهان….خسرنا الرهان.
“و ما قلت إلا بالذي علمت سعدُ”
وداعا شاعر الجماليات العليا سيدي عبد السلام
قد عرفت طريقك إلى الشمس يا سيد القصيدة قبل و بعد هذا الزمان.
——————————— —

* إسماعيل علالي مُؤَّلف من مؤلفات الشاعر العربي الكبير عبد السلام بوحجر.

* توفي الشاعر العربي الكبير عبد السلام بوحجر ، الملقب بشاعر الجماليات العليا مطلع فجر سنة 2019.

تجدر الإشارة إلى أن الشاعر الكبير الدكتورعبد السلام بوحجر، شاعر مغربي ولد عام 1955 بالحسيمة ، عضو اتحاد كتاب المغرب، حاز عدة جوائز أولى وطنية وعربية من بينها : جائزة الجاحظية بالجزائر سنة1997، الجائزة الأولى للقصيدة المغناة، والجائزة الأولى في المسابقة الدولية حول القدس من قبل وكالة مال بيت القدس بالرباط 2009، من دواوينه الشعرية : أجراس الأمل 1985، وإيقاع عربي خارج الموت ، سنة 1990، والصخرة السوداء، مسرحية شعرية، سنة 1993، وأزهار الحصار، في 1995، ،وقمر الأطلس، عام 1999، وديوان ستة عشر موعدا سنة ، و الغناء على مقام الهاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *