وجهة نظر

الرقمنة والتوثيق بأقسام قضاء الأسرة (مهنة النساخة).. الواقع والتحديات

بسم الله الرحمن الرحيم

تعتبر مهنة النساخة من المهن المساعدة للقضاء إلى جانب المهن الأخرى: المحاماة، التوثيق العدلي، التوثيق العصري، الخبراء، التراجمة، المفوضون القضائيون. إلا أن مهنة النساخة تمارس داخل المرفق العمومي ( أقسام قضاء الأسرة).

وتقوم مهنة النساخة على أساس تدوين وتحرير الرسوم والعقود العدلية حرفيا في سجلات المحكمة، و استخراج نسخها منها. وهي بذلك تحقق المقاصد التالية:

 ضمان مصدر ثان لأصل الوثيقة، كإجراء حمائي لحقوق المواطنين.

 تعزيز بعد الحماية لحقوق المواطنين ورفع منسوب جودة بقاء الوثيقة بتقنين المهنة وإخراجها من منطقة الفراغ القانوني بين اكثر من اختصاص(الناسخ قبل التقنين ، والعدل ، وكتابة الضبط).

 قيام مبادرات تطوعية للسادة النساخ في اكثر من موقع بإعادة تسفير السجلات، وضبط تداولها، و القيام بفهرسة الكترونية مع تحسين ظروف الأرشفة.

 تسهيل إطالة الحياة النشيطة للوثيقة للحاجة المتجددة إليها للأسباب التالية:

 الضياع والإتلاف والتلاشي للوثيقة الأصلية

 الادلاء المتكرر لها في المصالح الادارية المختلفة، خاصة من قبل المهاجرين المغاربة.

 الادلاء المتجدد لها في المنازعات والتقاضي

 الادلاء بالوثيقة وبأصولها لدى مؤسسة المحافظة العقارية.

لكن الشارع في إصداره لقانون49.00 المؤطر للمهنة، حكمه هاجس فك اشكالات تقنية افرزها تبني نظام النظائر(ايداع نظير الوثيقة لدى كتابة الضبط والتخلي عن تحريرها في سجلات المحكمة مابين1983ـ 1993)، والرؤية التصورية أن “الناسخ مجرد زمام” حسب اطروحة جامعية، ليخرج مهنة غير كاملة النمو، و تعمل في مساحات التنازع مع اختصاصات اخرى، ومحاصرة وسط حقل من الفراغات القانونية يختلف التعاطي معها من قسم بقضاء الأسرة إلى آخر.

ومن جهة أخرى فإن للمهنة آثار جانبية تحتم اعادة النظر في مرجعياتها القانونية وآليات اشتغالها نجملها في الآتي:

• التحرير بخط اليد والبحث التقليدي يؤديان إلى البطء في الانجاز ،وما له من آثار سلبية على المصالح الإدارية للمواطنين.

• تعدد خطوط التحرير وتدحرج بعضها نحو الرداءة. كما أن التحرير اليدوي يطرح اشكالات اسقاطات السهو والاعتذارات والالحاقات.

• إنتاج كم هائل من الأرشيف الورقي، الذي يعاني من غياب الشروط العلمية للأرشفة. والاماكن الخاصة لذلك مما يعزز حمايتها.

• تعدد المتدخلين في استخراج مجرد النسخ يزيد من حدة البطء في الانجاز

• البحث اليدوي عبر التصفح لكل عقود ورسوم زمن محدد عن مراجع اصول ضائعة لأصحابها يخل بجوهر التحديث والرقمنة التي شهدها قضاء الأحكام ، فكيف يبث قاض في ملف لازالتالوثيقة، حجة احد الأطراف، تحتاج الى اكثر من شهر للبحث عنها بسجلات المحكمة. ونفس الخلل يطال مسطرة التحفيظ ، ويؤثر على الجدول الزمني للمستثمرين من جهة سرعة تصفية الوعاء العقاري من الشوائب لانجاز المشاريع.

و وعيا منها بالإشكالات الهيكلية للمهنة والمشكلات الفنية والتقنية، قامت الرابطة الوطنية للنساخ القضائيين بالمغرب في سنة 2010ـ اي قبل الحوار الوطني لاصلاح منظومة العدالة بأكثر من سنتين ـبتقديممقترح تعديل القانون49.00 وفق النموذج المعتمد في تقديم مقترحات القوانين. طرحنا فيه تصورنا لتجاوز السلبيات، عبر الأرشفة الالكترونية والمسح الالكتروني، والامضاء الالكتروني، وتوسيع الاختصاص. وقد تم تعزيز هذا الخيار بعرض قدمته بالمعهد العالي للقضاء بتاريخ 12/05/2016،بندوة نظمها المرصد المغربي للحق في التكوين بشراكة مع وزارة العدل والمعهد العالي للقضاء، حددت فيه الحاجيات التكوينية،إجمالا، للسادة النساخ لدخول مسار الرقمنةو المعلوميات لتحقيق الأهداف الآتية:

 اكتساب مهارات تضمن نجاعة و سلامة الحفظ والتخزين الرقمي، ببناء نظام حفظ مؤمن، متكامل ومطابق للمواصفات القانونية الجاري بها العمل بهذا الخصوص.

 القدرة على تصميم و إنشاء الروابط والشبكات بين مسارات العمل التوثيقي افقيا وعمودية لتسهيل حصول المواطن على نسخ العقود والرسوم.

 دورات تكوينية للإلمام بالقانون المتعلق بالإمضاء الرقمي والقوانين ذات الصلة، ونحن في افق المحاكم الرقمية.

 اكتساب القدرة على توفير نقاط الوصول إلى المعلومة المرتبطة بالمهنة والبحث عنها وفقا للضوابط القانونية لذلك.

وسيرا على نهج الحضور كقوة اقتراحية مبادرة، شاركت الرابطة الوطنية للنساخ القضائيين بالمغرب، في جميع ندوات الحوار الوطني لاصلاح منظومة العدالة. وقدمنا مذكرة تتضمن اقتراحاتنا في كل محاورها،ابتداء من التنظيم القضائي إلى آخر ندوة عن مدونة الأسرة مرورا بالسياسة الجنائية واستقلال القضاء و قضاء الأعمال، وتخليق الحياة المهنية… إلى جانب ندوات جهوية. وسجلنا مداخلات بها. كما قمنا ببلورة مشروع ” مهنة النساخة وخيار الإنهاء”، تماشيا مع طرح وزارة العدل آنذاك وخلاصات الحوار الوطني وتوصية الهيئة العليا. إذ في خطوة استباقية لتجنب مفاسد الانهاء على الممتهنين للنساخة وتخفيف ـ على الأقل ـ الإضرار بمصالحهم المكتسبة . نجمل الخطوط العريضة لمشروع الانهاء في :

 فتح خيار ولوج متعدد لمهن قضائية وقانونية(ملحقين قضائيين، وباقي المهن المساعدة للقضاء)علما أن من النساخ من سجل دكتوراه، ومنهم من حصل على الماستر وعدد منهم من اصحاب الاجازات في فروع القانون والشريعة والدراسات الاسلامية.

 فتح خيار الولوج لكتابة الضبط

 فتح باب التعويض المالي قياسا على المغادرة الطوعية التي جرت في عدد من القطاعات .

 ايجاد مشروع قانون جديد يحمي المصالح المكتسبة للذي اضطروا للبقاء لمزاولة ما تبقى من الاختصاص، والذي يحتاج جهودا معتبرة لرقمنته( الارشيف الورقي).

وبهذا تكون الرابطة الوطنية للنساخ القضائيين بالمغرب قد وضعت وزارة العدل بين كماشتينخلال الولايتين اللتين ترأستها:

1. التطوير والرقمنة وضرورة الحضور الوازن للرابطة فيها.

2. مشروع الانهاء الشبه الكلي للمهنة وإلزامية الحفاظ على المصالح المكتسبة عبر مسارات الانهاء.

لكن التغيير المتسرع وغير المؤسس على الارضية الصلبة لنوعية الاطار التمثيلي للسادة النساخ، وتغيير الأولويات النضالية من الضربة المزدوجة بمشروعين إلى الالتفاف حول “مطالب مستعجلة”، وتجاهل تراكمية المسار النضالي ونقطة الارتكاز التي وصل إليها، فتح نوافذ إغاثية للوزارة لتمطيط وقت بدل الضائع لانهاء المهنة، بتحييد ممنهج وسلس للاطار التمثيلي عن سياقات تنزيل الإجراءات العملية للانهاء الشبه الكلي، والتي تجري على قدم وساق.فمسودة مشروع قانون التوثيق العدلي، لدى مديرية الشؤون المدنية بالوزارة، رغم كونه مشروعا فهو يعكس رؤية تصورية للمآل وتعززت مضامينه بنقاشات الحوار الوطني ـ فتح باب ولوج النساخ لمهنة العدول بالإعفاء من المبارة فقط لكل من قضى سبع سنوات في النساخة . ثم إن مقتضيات قانونية بمشروع القانون نسخت، وطبقا لآخر مادة به، مقتضيات قانون49.00 المتعلق بالنساخة، بحيث ان الرقمنة عموما والعقد الالكتروني، يجهز بشكل كبير على اختصاص النساخ. إضافة أن النصوص التنظيمية التي تثقل كاهل مشروع قانون التوثيق العدلي تسفيرا لمقتضيات مهمة عن النقاش بالمؤسسة التشريعية والمتابعة العمومية إلى سراديب المراسيم الوزارية، ستعمل عملها بمزيد من التحجيم المميت للمهنة النساخة. بهذا صدق كل مسؤول صرح أن الوزارة لن تمس قانون مهنة النساخة بسوء. وبالتالي يتحقق مطلب البعض ببقاء المهنة وقانونها كما اراد بعضنا أيضا تراثا وطنيا ينتظر نقله إلى مثواه الأخير.

انتهى الحوار الوطني بكل خلاصاته، وصدر الميثاق خاليا من أي اجراءات ملزمة تخص مهنة النساخة، ففي الوقت التي كنابمكتب الرابطة نوجه البوصلة للنضال من أجل الأولى، كان البعض يجرك في اتجاه النضال من اجل الاشهى له. ويعتبربعض آخر النضال في مجال طرح البدائل والمقترحات برؤية استشرافية، نضال منصات لا يجدي نفعا .

إن أي تأخير في تحديد جدولة زمنية لخيارات الانهاء،أو الجدف عكس التيار يأتي على حساب التقدم العمري للسادة النساخ مما يقلص فرص حماية الحقوق المكتسبة، ويضيق هامش الخيارات المفتوحة. فقد مضت ثلاث سنوات على تاريخ الجدول الزمني بميثاق الاصلاح، وما يزيد عن ثمان سنوات عن تاريخ تقديم مشروعنا للتطوير والرقمنة، فهل النصوص القانونية التي ستطالانهاء مهنة النساخة بكل أبعاده ستكون بأثر رجعي يحمي الحقوق المكتسبة، أم أنها ستكون سكاكين “سَتُخَشْقِجُ” حاضر النساخ ومستقبلهم ؟؟؟

* بقلم رئيس سابق للرابطة الوطنية للنساخ القضائيين – عضو الهيئة الوطنية لإصلاح منظومة العدالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *