وجهة نظر

الإعدام لا يكفي وحده للقطع مع الإرهاب.

لأن من طبيعة الذاكرة الإنسانية استحضار الماضي كلما حدث شيء شبيه في الحاضر،فإن الجريمة البشعة التي حدثت أواخر السنة المنصرمة بتخوم المدينة الحمراء/ مراكش و بالضبط بمنطقة تحمل اسما ذا دلالات ورموز خرافية/تخويفية (شمهروش)،أعادت إلى الأذهان جرائم سابقة،لها نفس الطبيعة.

هذه الخاصية البشرية العجيبة،وهذه (الغرابة الزمنية)،تجعل عقودا و قرونا تستحيل للحظة واحدة و ليوم واحد و لساعة واحدة.إذ رغم مرور عقد ونصف من الزمن على جريمة الدار البيضاء يخيّل على أنها لم تحدث إلا الساعة.حيث تبدو جريمة (شمهروش)و جريمة (مراكش/أركانة)و جريمة 16ماي 2003 بالدار البيضاء،كلها جريمة واحدة وقعت في لحظة واحدة.

وهناك قاعدة قانونية معروفة تعبّر عن هذا (الانصهار الزمني).فعندما تكون هناك ملفات قضائية لها نفس الموضوع و نفس الأطراف،فإنه يتم ضمها إلى بعضها البعض،للبث فيهما معا.

هذا الاختصار الزمني الذي تحدثه الذاكرة البشرية ليس عبثا.و هو ما تنبّه إليه المفكرين و الفلاسفة، فوجدوا أنه لاستشراف المستقبل يتطلب الأمر أولا معرفة الماضي و الحاضر للمضي قدما.

لكن تكرار هذه الجرائم،تدل على أننا في المغرب،لم نأخذ بهذه القاعدة،و لم نعرها اهتماما،خاصة بالتعامل مع مثل هذه الجرائم الإرهابية كل واحدة على حدة.إذ كل ما ثم فعله خاصة عقب أكبر جريمة إرهابية عرفها تاريخ المغرب المعاصر، أقصد بها جريمة الدار البيضاء التي وقعت بتاريخ 16ماي 2003،سوى الاعتقالات و المحاكمات و إصدار قانون لمكافحة الإرهاب.و كأننا ننتظر بذلك وقوع جرائم أخرى أكثر ترويعا،و هو ما حدث بالفعل.

واضعي هذا القانون الذي ينص على إعدام كل من ثبت تورطه في جريمة إرهابية،ربما نسوا أن من يرتكب مثل هذه الجرائم،يتعرّض لغسيل الدماغ،و مؤمن بأن ارتكابها ترفعه مقاما عليا،و تضمن له الحور العين في الجنة و بساتين وارفة من شتى أنواع شجر الفاكهة.و أن الموت أفضل له من الحياة.و سواء أعدم أم لا فكل ذلك عنده سواء.

التصديق و التسليم بأن من يقدم على قتل أبرياء عزل ضعفاء لا حول لهم و لا قوة، ثم يضع حدا (لحياته)،لا يتحلى بأي صفة الإنسانية.بل هو آلة حربية،مبرمجة على القتل،و الكره و البغض،يؤمر فينفذ و ينهى فينته.

قد يضرب مثلا لهذا،من شانه أن يوضح المسالة جيدا.حيث نجد في المجال الفلاحي،نبتة ضارة تسمى(شوال الخروف)تلحق خسائر فادحة بحقول الفول.وكلما ثم قطعها و إزالتها بطريقة يدوية إلا و أصبحت في الغد أكثر انتشارا و توسعا.لكن العلماء و بعد لأي و جهد كبير، ربما تطلب سنوات من البحث و التجارب، وجدوا لها أخيرا دواء.عبارة عن مبيد قضى عليها نهائيا و كفى حقول الفول شرها.

ثم إن الأمراض و الأوبئة التي عرفها التاريخ البشري و حصدت أرواح بشرية لا تعد و لا تحصى،كالكوليرا والطاعون.. لا تقل خطورة هي الأخرى عن مرض العصر الذي هو الإرهاب.وبقدر ما كان المصاب بمرض الطاعون يترك في وحدته حتى يقضي، في تشبه تام بحكم الإعدام،كان علماء الطب يبحثون ليل نهار،و منهم من قضى حياته كلها في البحث،حتى توصلوا إلى لقاحات قضت بشكل نهائي على تلك الأمراض.ذلك أن (الإعدام) لم يكن وحده كافيا للحد من تلك الأمراض.

الدين ليس أفيون الشعوب كما يقال،بل هو قدر كل إنسان.فالإنسان مجبول على التديّن كيفما كان هذا الإنسان.وسواء كان هذا الدين أو دين آخر،فستحدث لا محالة حالات شبيهة بما نراه الآن،و ما سبق أن وقع في أزمنة سحيقة.لكن التثقيف و الاحتواء الذي هو من صميم عمل مؤسسات الدولة كالأحزاب و النقابات و الجمعيات،و الإعلام بكل أنواعه..هو (المبيد) الوحيد الذي باستطاعته القضاء على هذا المرض،و ليس إزالة آيات الجهاد كما قيل.

لكن للأسف ها نحن اليوم ،نرى أحزابنا السياسية و هي تتعارك فيما بينها حول التفاهات،من قبيل حجب شعر المرأة أو حسره..و إعلامنا ينصُب المكائد لبعضه البعض بخصوص قضايا جانبية لا تستحق الذكر،في حين القضايا المهمة التي يجب التعرض لها من قبيل معانقة الشباب للتطرف و ركوب قوارب الموت ..متروكة جانبا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *