وجهة نظر

 الأمن اللغوي وتحدي مواقع التواصل الاجتماعي                             

تعرف الساحة السياسية والفكرية نقاشا متصاعدا يهم المسألة اللغوية، و ترتفع حدته بين النخب السياسية الممتلكة لزمام صنع القرار كما  يفيض منه الشيء الكثير على المثقفين والمفكرين المعنيين بهذه القضية .وتتداخل خيوط النقاش بشكل ملفت بين من هو مرتهن إلى قوى دولية وإمبريالية  تتربص بالمسألة اللغوية بطريقة لا تخطئها العين، وبين من يرى أن اللغات الأم ينحسر وجودها كل يوم مفسحا المجال للغات الأجنبية وخصوصا الفرنسية ، مما يعد حفرا في جدار الهوية وتهديدا للأمن اللغوي.

وقد تم التركيز على الجانب التعليمي باعتباره المجال الأوسع الذي تتبلور فيه شخصية الناشئة ويتم فيه نحت عقل المتعلم. من أجل ذلك  ناضلت  النخب السياسية والفكرية في اتحاد تام في دول متقدمة (نموذج فرنسا) متمسكة بلغتها الأم باعتبارها صمام أمان للربط بين الماضي والحاضر ورهانا للاستمرار والبقاء في ظل عولمة ثقافية شرسة تكاد تعصف بكل ما هو خصوصي . ويظل التعليم مجالا يمكن التحكم فيه بسلطة القرار السياسي ،لكن هل وحده كاف للحفاظ على أمننا اللغوي في ظل عالم رقمي يزداد اتساعا كل يوم ؟  ومع أعداد مهولة من الناس تتواصل على منصات التواصل طيلة الزمن عبر العالم ؟

برجوعنا إلى بعض الإحصائيات التي أجريت على  ترتيب اللغات في مواقع التواصل الاجتماعي (معهد ثربانتس الإسباني إحصاء 2016)  نجد أن اللغة التي تتسيد على كل اللغات هي الإنجليزية بنسبة (25,9%)  وهذا طبيعي جدا لأسباب عدة على رأسها التصاعد المضطرد في عدد الناطقين  بها  كما أنها لغة العلوم ولغة تواصل في بلدان عدة  ، أما اللغة العربية فترتيبها لا بأس به إذ تحتل نسبة  (5%) متقدمة على اللغة الفرنسية (2،9%) .لكن أي نوع من العربية يتم التواصل والتداول بها على منصات التواصل ؟

ذلك ما يمكن بيانه فيما يلي:  إن العالم الافتراضي مجال مفتوح على كل الفئات يرتاده المتعلم وغير المتعلم مما فسح المجال لاستعمال العامية بكثرة والتي تختلف من بلد إلى أخر ومن منطقة إلى أخرى الشيء الذي  جعلنا أمام عاميات عدة كما  أن رواجها دفع ببعض  المحللين والمدونين إلى كتابة منشوراتهم  بالعامية طمعا في أن تصل أفكارهم إلى أكبر عدد من القراء. ولو كان ذلك على حساب اللغة الفصيحة.

 نمو لغة جديدة متفككة حتى من العامية يطغى عليها الرموز المتاحة في لوحة المفاتيح أو التعبير على المعنى بالحرف الواحد  المكرر.   الميل إلى الاختصار الشديد مما قلص الرغبة في القراءة حتى لكتاب الأجناس الأدبية التي كانت  قديما مغرية  كالقصة والرواية .

 استحواذ  أشرطة الفيديو وتفضيلها  على قراءة منشور حتى ولو كان مكتوبا بالعامية.

نمو لغة تواصلية فئوية تتبلور داخل المجموعات المغلقة التي تستقطب أعدادا كبيرة و التي تستعمل مفردات خاصة ذات حمولة معنوية لا تفهمها إلا الفئة المستخدمة لها.   أما كتابة العامية بالحرف اللاتيني فهذه معضلة حقيقية تعانيها العربية وحدها  إذ تتحول في هذه الحال إلى  لغة لقيطة تتبرأ منها كل اللغات.

 وقد يقول قائل إن المبالغة في التخوف على مستقبل اللغة العربية  هو هوس ليس إلا .إذ العالم الافتراضي ما هو إلا صدى لعالم الواقع واللغة المتداولة فيه لغة تواصل وليست لغة علوم  .

ولعل الجواب سيكون  بأن  العالم الرقمي اليوم  يمتلك  سلطة كبيرة على  الأشخاص  فمنصات التواصل أصبحت مصدرا للمعلومة وبوصلة لتوجيه  الرأي العام كما أنها تتمتع بحرية أوسع  فمن حقنا أن نجد فيه موطأ قدم راسخة للغتنا الفصيحة التي عقها كثير من أبنائها وزايدوا عليها .

وبالتالي يتم البحث عن طرق بديلة  للتمكين  لها في عالم يتيح فرصا غير محدودة لأولي العزم من الغيورين على هذه اللغة(أشخاصا ومؤسسات)  إن هم جد جدهم وخلصت نياتهم  وبذلك تكون المساهمة جليلة  في الحفاظ على أمننا اللغوي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • محمد
    منذ 5 سنوات

    الغريب أن الكثير من يدافع عن اللغة العربية يكتب تدوينه في مواقع التواصل بالدارجة

  • غير معروف
    منذ 5 سنوات

    بورك قلمك