وجهة نظر

التشريعات العادية تناقض الدستور وتسخر من شعار “التسامح الديني”

يُقصد بالتشريعات العادية باختصار تلك القوانين التي تسنها السلطة التشريعية، في حدود اختصاصاتها، و تمر من عدة مراحل إلى حين صدورها بالجريدة الرسمية، و هي قوانين تأتي في مرتبة أدنى من الدستور كأعلى وثيقة قانونية؛ مما يعني أنها قوانين لا يجب أن تُخالف مقتضيات الدستور، حفاظا على “مبدأ سموه”.

في حين أن التسامح الديني، يُمكن التعبير عنه بمقولة، يُقال أنها لبطل من الأبطال الذين خلدهم التاريخ، محمد بن عبد الكريم الخطابي، وهي كالتالي : إن كانت لنا غاية في هذه الدنيا فهي أن يعيش كافة البشر، مهما كانت عقائدهم و أديانهم و أجناسهم في سلام وأخوّة.

إذن، وانطلاقاً من هذا، واستحضاراً للزيارة التي قام بها البابا فرنسيس للمغرب يومي السبت والأحد، أخير يومي مارس، بدعوة من الملك محمد السادس كأمير للمؤمنين، من أجل تطوير الحوار بين الأديان و نشر قيم التسامح، يمكننا طرح الإشكال التالي : إلى أي حد تتماشى تشريعاتنا الوطنية مع شعار أو مبدأ التسامح الديني؟

قبل أن نُحاول مقاربة هذا الإشكال، من وجهة نظرنا، لا بد من التأكيد على أهمية هذه المبادرة الملكية، و التنويه بها، على اعتبار أن هذه الزيارة هي شكل من أشكال التربية على التسامح الديني، و إشاعة الإحترام بين الناس على اختلاف معتقداتهم الدينية ، كما أنها انتصار على التعصب و الإرهاب و الجهل بروح الدين الإسلامي. إذ أن، وحسب مقتطف من خطاب الملك: “الحل لن يكون عسكرياً و لا مالياً، بل يكمن في شيء واحد هو التربية .. دفاعي عن قضية التربية، إنما هو إدانة للجهل .. فليس الدين هو ما يجمع الإرهابيين، بل يجمعهم الجهل بالدين”.

وبعد، ومن أجل مقاربة الإشكال أعلاه، فالضرورة تقتضي تفكيكه و توضيحه عبر هذين السؤالين:

– أولاً ؛ كيف يُمكننا فهم الفصل الثالث من الدستور الذي ينص على أن “الإسلام دين الدولة، و الدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية”، في علاقته مع الفصلين 220 و 222 من مجموعة القانون الجنائي، و أيضا في علاقته مع البند الرابع من المادة 39 و مع المادة 332 من مدونة الأسرة ؟

– ثم ثانياً ؛ ألا تتعارض مُقتضيات تلك النصوص التشريعية العادية مع مبدأ أو شعار “التسامح الديني” ؟

فعلى الرغم من عدم وضوح المقصود بـ “الإسلام دين الدولة” ، باعتبار الدولة هي مجموعة من المقومات (الشعب، الإقليم، السلطة السياسية، السيادة، و الإعتراف الدولي)، و بالتالي هي شخص معنوي، و الأشخاص المعنوية لا دين لهم؛ إذ لا عقاب و لا ثواب لهم يوم القيامة ! فالعقاب و الثواب للأشخاص الذاتيين-الأفراد .

فعلى الرغم من هذا، إلا أن المهم هو الشق الثاني من الفصل الثالث المذكور، و الذي جاء فيه “الدولة تضمن لكل واحد ممارسة شؤونهم الدينية”، بمعنى أن أي مواطن-فرد من أفراد الشعب له الحق، في اختيار دينه، و في ممارسة شؤونه الدينية أو الروحية، و الدولة تحمي له هذا الحق الدستوري .

وهذا هو عين المنطق، إذا أمنا أن كل فرد مسؤول وحده أمام الله سبحانه و تعالى، و المفترض في الدولة هو حماية حقوق مواطنيها، لا إدخالهم إلى الجنة أو النار، عن طريق فرض ديانة أو اعتقاد معين عليهم .

لكن، أين هذا، في مُقتضيات النصوص التشريعية العادية؛ فالفصل 222 من مجموعة القانون الجنائي يذهب إلى مُعاقبة أي مغربي أفطر في نهار رمضان بعقوبة حبسية تتراوح بين شهر و ستة أشهر و بـ غرامة مالية تتراوح بين إثنى عشر و مئة و عشرون درهم . و قبل هذا الفصل نجد الفصل 220 من نفس القانون، يُعاقب كل من استعمل وسائل الإغراء لزعزعة عقيدة المسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى، بعقوبة حبسية تتراوح ما بين ستة أشهر و ثلاثة سنوات . كما نجد البند الرابع من المادة 39 من مدونة الأسرة، يمنع زواج المسلمة بغير المسلم، و المسلم بغير المسلمة ما لم تكن كتابية . و بالنسبة للمادة 332 فهي تمنع التوارث بين المسلم و غير المسلم .

فكل هذه النصوص التشريعية العادية، تعتدي على حق المواطن في ممارسة شؤونه الدينية من جهة، و تُرغمه على “النفاق” من جهة ثانية، كما أنها تُناقض النص الدستوري باعتباره أسمى قانون بالبلاد ، أضف إلى كل هذا أنها تعارص أو تسخر من شعار “التسامح الديني”.

ومن هنا، نتسأل : ألم يحن الوقت لمراجعة هذه النصوص (220 و 222 من م.ق.ج ، 39 و 332 من م.أ) و تغييرها، احتراما للدستور، و للموطنين، و تجسيدا حقيقياً لشعار التسامح الديني؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *