خارج الحدود

اغتيالات واستقالات وانقلابات .. مشهد الختام لرؤساء الجزائر

من بين 14 رئيسا عرفتهم الجزائر منذ استقلالها عن فرنسا يوم 5 يوليوز 1962، هناك اثنان فقط لا يزالان على قيد الحياة وهما اليمين زروال وعبد العزيز بوتفليقة، والأخير أطولهم عمرا في المنصب.

هذا العدد من الرؤساء يبدو قياسيا مقارنة بباقي الدول العربية التي نالت استقلالها، ولم تعرف تخلي رؤسائها الطوعي عن السلطة إلا نادرا، حيث ظلت القاعدة هي الخروج الإجباري إما بالوفاة أو الانقلاب أو القتل أو الخلع، باستثناء رؤساء المراحل المؤقتة في الجزائر كالتي أعقبت الاستقلال.

وعرفت النهايات المأساوية القتل والاغتيال كما حدث مع الرئيس محمد بوضياف أوائل العشرية الدامية عام 1992.

عبد الرحمن فارس

لا يكاد اسم عبد الرحمن فارس يجد له مكانا في ذاكرة الجزائريين رغم كونه قانونيا ومحاميا أشرف على الاستفتاء من أجل الاستقلال، الذي جرى يوم 1 يوليوز 1962، وهو الذي تلقى رسالة الاعتراف الفرنسي باستقلال الجزائر من الجنرال شارل ديغول بعد يومين من إجراء الاستفتاء.

ويعتبر بعض المؤرخين فارس أول رئيس فعلي للجزائر، حيث ترأس الهيئة التنفيذية المؤقتة للبلاد في الفترة من 3 يوليوز 1962 وحتى سبتمبر من العام نفسه.

وفي أتون الصراعات التي أعقبت الاستقلال، وُضع فارس على رأس المالية، وبعدها زجّ به الرئيس أحمد بن بلة في السجن. وبعد الانقلاب الذي قام به هواري بومدين يوم 19 يونيو 1965 أطلِق سراحه، لكنه ابتعد عن السياسة إلى أن وافته المنية عام 1991.

أحمد بن بلة

لم يمتد عمر رئاسة أحمد بن بلة -أول رؤساء الجزائر بعد الاستقلال- طويلا، فلم يكد يُمضي عشرين شهرا في المنصب (15 أكتوبر 1963 وحتى 19 يونيو 1965) حتى أزيح بانقلاب عسكري قاده وزير الدفاع هواري بومدين الذي اعتبر الانقلاب العسكري “تصحيحا ثوريا”.

ولم يخل انقلاب بومدين من مشهد الدماء، حيث سقط 83 من أنصار بن بلة في مناوشات مع منفذي الانقلاب، بينما كان مصير بن بلة السجن.

ولم تجد مساعي الرئيس المصري في ذلك الوقت جمال عبد الناصر لإطلاق صديقه نفعا، فأمضى بن بلة في السجن 15 عاما حتى صدر عفو رئاسي عنه عام 1980، غادر بعدها إلى فرنسا.

بومدين على فراش الموت

قد لا يعرف الكثيرون أن الاسم الحقيقي للرئيس الجزائري هواري بومدين هو محمد إبراهيم بوخروبة، لكنه استطاع أن يُكسب الاسم الذي اختاره حضورا واسعا بين رؤساء العالم، لا سيما في حركة عدم الانحياز، وكان منافحا عن القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية طيلة فترة حكمه التي امتدت من عام 1965 وحتى العام 1978.

يذكر الكاتب التونسي الصافي سعيد في كتابه “الحمّى” أنه لما كان بومدين ممددا في فراشه وهو يحتضر بعدما اشتد عليه المرض في شتاء عامه الأخير، جلس حول سريره بعض أقرب أعوانه. وفوجئ مساعدو بومدين به يبدي أسفه على ما فعله بحق رفيق دربه أحمد بن بلة، ويقول إنه يود لو يصلح ما لحق بـ”سي أحمد” من أذى.

ونسب صاحب الكتاب إلى بوتفليقة رده على بومدين محاولا التخفيف عنه بالقول “قد يكون سجن بن بلة خطأ، ولكن -يا سيادة الرئيس- الأخطاء الكبيرة من سمات الرجال الكبار.. وأخطاء الرجال على قدر أعمالهم”.

الشاذلي بن جديد

رغم نشأته العسكرية التي توّجها بتولي وزارة الدفاع، فإن كثيرين يرون أن الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد الذي تولى الرئاسة بعد بومدين وحتى عام 1992، أضفى طابعا ديمقراطيا نسبيا على البلاد، حيث تبنى دستورا تعدديا عام 1989، وتخلى عن رئاسة الحزب الواحد (حزب جبهة التحرير الوطني) في يوليوز 1991، وعمل على تخفيف قبضة الدولة على الاقتصاد وقبضتها الأمنية على المواطنين.

لا تزال استقالة بن جديد (الذي توفي عام 2012) محل جدل حتى الآن، بين فريق يرى أنه قدمها طواعية، وآخر يرى أنه أجبر عليها، معتبرا الاستقالة وفاة للديمقراطية في الجزائر، حيث تدخل الجيش لإيقاف هذا المسار بعدما أتى بالإسلاميين، فأزاحهم الجيش وانقلب على نتائج الانتخابات لتدخل البلاد دوامة من العنف الدامي.

محمد بوضياف

عقب استقالة بن جديد وبعد إيقاف المسار الانتخابي، استدعى الانقلابيون محمد بوضياف -الذي كان يعيش على مدى 27 عاما خارج بلاده، متنقلا بين المغرب وفرنسا- للعودة إلى الجزائر ليرأس المجلس الأعلى للدولة.

أيام بوضياف في المنصب كانت محدودة، وبدا الرجل -الملقب منذ ثورة التحرير الجزائرية التي كان أحد رجالاتها بـ”سي الطيب الوطني”ـ كأنه استُدعي لحتفه، حيث اغتيل في ظروف غامضة بينما كان يلقي خطابا في مدينة عنابة يوم 29 يونيو 1992.

علي كافي

كان رجل الإنقاذ في مرحلة حرجة للبلاد بعد تولي قيادة المجلس الأعلى للدولة خلفا لبوضياف.

لم يستطع وقف انزلاق البلاد نحو العنف، ولم يترك بصمة كبيرة أثناء فترة وجوده في موقع القيادة إلى غاية تسليم السلطة إلى خلفه.

اليمين زروال

وصل إلى سدة الحكم عام 1994 بعد اختياره من طرف الندوة الوطنية، وحصل على “شرعية سياسية” بعد فوزه بانتخابات الرئاسة عام 1995.

بدأ مسارا للتفاوض مع قيادات الجماعات المسلحة، واختار الانسحاب قبل نهاية ولايته، وأشرف على تنظيم الانتخابات الرئاسية التي أتت ببوتفليقة إلى الحكم عام 1999.

عبد العزيز بوتفليقة

أطول الرؤساء بقاء في سدة الحكم، بعد أن ختم 20 عاما في السلطة قبل أن يقرر الاستقالة يوم 2 أبريل 2019 عقب أضخم احتجاجات شعبية في تاريخ الجزائر الحديث.

وشهدت فترة رئاسة بوتفليقة طفرة في أسعار النفط سمحت بإطلاق مشاريع تنموية ضخمة، غير أن انتشار الفساد وتغوّل رجال الأعمال المحيطين بشقيقه السعيد خلال السنوات الأخيرة؛ مهد الطريق نحو خروج مظاهرات يوم 22 فبراير 2019 أدت إلى وقف مشروع ولاية خامسة لبوتفليقة وأجبرته على الاستقالة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *