وجهة نظر

عندما ينتصر الحجاب على العلمانية

“البرلمان ليس مكانا لتحدي الدولة” هكذا صاح رئيس الوزراء التركي ورئيس حزب اليسار الديموقراطي “بولنت أجاويد” ردا على البرلمانية من حزب العدالة والتنمية مروة قواقجي التي أصرت على حقها كبرلمانية في أداء اليمين الدستوري بالحجاب في الثاني من ماي 1999.

شابة في عمر الثلاثين، كأصغر برلمانية في تركيا، ترتدي الحجاب، وتصر عليه، وتتحدى دولة كاملة في حجم تركيا الكمالية بدستورها العلماني وأحزابها الحامية للعلمانية، تصر على أداء اليمين الدستوري داخل قبة البرلمان كنائبة منتخبة، فكانت النتيجة تلقي التهديدات ومطاردة الصحافة والتضييق على الأسرة بكامل أعضائها، تخلى عنها في محنتها الجميع بما فيهم بعض قادة الحزب الذي رضخوا لطقوس العلمنة، ولم يزدها ذلك إلا إصرارا وتمسكا بحجابها الذي تراه أمرا إلاهيا لا يناقش ولم تسمح لأي مخلوق بالمساس به، كما ترى أنها هي نفسها لا تساوي شيئا بدون هذا الزي، فالتنازل عنه أو خلعه أو التراجع عن ارتدائه معناه فقدان الهوية والمبدأ والأصل.

لقد عاشت مروة قواقجي كابوسا مرعبا ومرهبا، كانت النجاة منه التخلي عن الحجاب، ولكنها لم تفعل فأصرت وتحدت وتشبثت به بكل ما تملك من قوة، وما حكته في كتابها ” ديموقراطية بلا حجاب” عن رحلة العذاب والضغط والتضييق يشبه فيلم رعب لا يعرف مرارته إلا من عاشته في أحلك الظروف خصوصا بعد انقلاب 28 فبراير 1998 الذي أجبر على إثره الجيش حزب الرفاه على تقديم استقالته تحت التهديد بالحديد والنار حتى تتمكن العلمانية من كل المؤسسات والأحزاب والإعلام وعلى مستوى الحقوق والحريات الإجهاز على الحجاب ومنعه على الموظفات والطالبات.

لقد انتهت المعركة معركة دولة بكل مؤسساتها ضد حجاب شابة انتخبها الشعب التركي بشكل ديموقراطي نزيه، إلى إلغاء مقعدها النيابي وسحب الجنسية التركية منها طيلة 18 سنة. مما اضطر البرلمانية الشابة إلى الرحيل إلى أمريكا رفقة عائلتها لتستمر في اجتهادها وتلتحق بأكبر جامعات الدنيا “هارفارد” لتحصل على شهادة الماستر في الإدارة العامة ثم الدكتوراه في قسم العلوم السياسية، لتعين بعد ذلك كأستاذة بقسم العلاقات السياسية في كل من جامعة جورج واشنطن وجامعة هارفارد.

ثم شغلت منصب عضو الشرف في الهيئة الاستشارية برئاسة دائرة أتراك الخارج والمجتمعات ذات القربى، فضلا عن مشاركتها في مجلس محرري مجلة تصدر عن جامعة دوك، إلى جانب عضوية مجلس إدارة الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية.

كما صُنفت مروة قواقجي ضمن قائمة أكثر 500 شخصية إسلامية مؤثرة الصادرة عن جامعة جورج تاون الأمريكي. و نالت جائزة المرأة المسؤولة في جامعة واشنطن والمنظمة الوطنية لتطوير السود في الولايات المتحدة، كما تم عرض حجابها الذي كانت ترتديه في جلسة البرلمان يوم طردها، في الكونغرس الأمريكي كرمز لحقوق الإنسان الدينية.

وبعد ثمانية عشرة سنة من المعركة، معركة الحجاب، نجحت أخت مروة قواقجي، السيدة روضة قواقجي في الانتخابات البرلمانية، ودخلت البرلمان مرتدية نفس الحجاب الذي كانت ترتديه شقيقتها في مارس 2015 تخليدا للمعاناة التي عاشتها أختها التي أصبحت رمزا عالميا تحتدي بها كل حرة أبية ترفض أن تتخلى عن حجابها لأنه يمثل كرامتها وعزها وفخرها.

وبفضل صمودها وإصرارها على فريضة الحجاب، وبفضل نضال حزبها وصموده في وجه رياح العلمنة الإقصائية التي تريد ديموقراطية بدون حجاب ولا إسلام، تم إلغاء الحذر على الحجاب في كل أنحاء تركيا.

حصلت مروة على جنسيتها التركية مجددا في يوم الثالث من يوليو 2017 بقرار من مجلس الوزراء التركي، ليتم تعيينها مباشرة بعد ذلك من طرف رجب طيب أردغان كسفيرة لتركيا في دولة ماليزيا. وقد انطبق عليها قول الله تعالى (إن تنصروا الله ينصركم). أما المتخاذلات اللائي خذلن الحجاب واعتبرنه مطية للشهرة والكسب فليس لهن إلا الخزي والعار لما ألحقوه من معرة لأحزابهن والإسلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *