منتدى العمق

الكتابة.. ملجأ لتقليل ضغوطات الإنسان

إذا أردنا اليوم القيام بإحصاء حول الأشياء الأكثر تداولاً في مواقع التواصل الاجتماعي سواء العربية أو الغربية، سنصل إلى نتيجة متفق عليها مفادها أن الشيء الأكثر تداولاً في العالم الرقمي، هو التدوينات والكتابات والمقالات، وهذا ما يدفعنا إلى طرح الاشكالات التالية: ما هي الكتابة؟ كيف تطورت الكتابة من العصور القديمة إلى العصور الحديثة؟ وماهي فوائدها وأهميتها؟

إن كتابة المقالات أو الروايات أو حتى اليوميات الخاصة بالشخص، تشكل أحد الأنشطة المفيدة جداً لصحة الإنسان النفسية، والتي تمكنه من التخلص من العديد من الضغوط التي يواجهها الإنسان في حياته اليومية، حيث أن هناك من يعتبر أن الكتابة هي بمثابة العلاج من كل الضغوطات والاضطرابات سواء النفسية أو الاجتماعية، يعني بكل بساطة أن تعود من عملك الروتيني اليومي وبعد صراع طويل مع المحيط المعيشي، لتستكين إلى الورقة والقلم.

يمكن اعتبار أن الكتابة هي فعل ذاتي يقتضي استثمار اللغة وعلاماتها وقواعدها، حيث أن بدايتها الأولى تعود إلى الحضارات الشرقية القديمة، وهنا يسلط الضوء على حضارة بلاد الرافدين، لأنهم أول من اكتشفوا الكتابة وكانت عبارة عن كتابة مسمارية، وكذلك يسلط الضوء على الحضارة المصرية القديمة، لكتشافها الأوراق الهيروغليفية، وبهذا فالكتابة مرت عبر مسار تطوري من حضارة لأخرى أو بالأحرى من عصر لآخر، لتستمر في التطور وصولاً إلى الكتابة التي نعرفها اليوم، وجدير بالذكر أن الحاجة هي التي فرضت على الإنسان اللجوء إلى الابتكار والابداع وهذا ما نتج عنه ظهور الكتابة.

إن الإنسان يلجأ إلى الكتاب حينما يحس بالاضطرابات، وهي بمثابة تقليل وتفريغ لتلك الضغوطات والاضطرابات والمشاكل، لكي يتخلص من ذلك القمع والقهر، لأن الإنسان مفعم بمشاعر دفينة تجاه الآخرين، والكتابة هي الوحيدة القادرة على التغلغل إلى الأعماق، والتأثير على الإنسان وربما قلب حياته رأساً على عقب.

في ظل الحديث عن لجوء الإنسان للكتابة من أجل تفريغ ذلك الكبت المشاعري والفكري، تجدر الاشارة إلى أن الكتابة لها فوائد وأهمية كبيرة، فهي تجعل الإنسان أكثر تنظيماً في حياته، وكذلك تنمي الحصيلة اللغوية والمعرفية والفكرية لدى الإنسان، وبفضلها يكتسب الشخص العديد من المصطلحات والكلمات الجديدة والتي يستخدمها خلال التدوينات التي يقوم بكتابتها، أيضاً الكتابة تمنع الإنسان من القيام بالأعمال السيئة وبكل بساطة الكتابة تساعد الإنسان على تطوير شخصيته والنهوض به روحياً ونفسياً وفكرياً ومعرفياً، وما هو معلوم ومحسوم أن الاستمرار في ممارسة الكتابة يؤدي إلى اندماجها في حياة الإنسان، لتصبح إحدى العادات المتداولة في حياة الإنسان.

وفي الختام، يمكن اعتبار الكتابة نوعاً من العلاج النفسي للشخص، وهذا ما يفسر الشيء الأكثر تداولاً في مواقع التواصل الاجتماعي الذي يتمثل في الكتابات والتدوينات، والذي ذكرناه سابقاً، وبهذا ما يمكن استنتاجه هو أن معظم الذين يقومون بنشر العديد من التدوينات والكتابات، لا يستطعون التعبير عن تلك الأشياء علناً ويكتفون فقط بتلك التدوينات في العالم الرقمي، أو بالأحرى يكتفون بكتابة المقالات ولما لا تأليف الكتب مع مرور الوقت، وبالتالي الكتابة تكون هنا بمثابة اليد البيضاء في التقليل والحد من الضغوطات التي يعاني منها الإنسان في حياته، وأحياناً نكتفي بقول ما قاله الفيلسوف والكاتب الروماني إميل سيوران: «لو لم تكن الكتابة لقتلت شخصاً كل يوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *