وجهة نظر

الحصيلة المرحلية للحكومة بعين رئيسها

للعثماني أن يقول ما يشاء مادام مزهوا بتربعه على كرسي رئاسة الحكومة، وأن يتغنى كيفما يحلو له بما تجود به عليه مخيلته الخصبة كلما اعتلى منبرا للخطابة. فطبقا للفصل 101 من الدستور، وخلال عرضه “الساخر” للحصيلة المرحلية لمنتصف ولاية حكومته، في جلسة مشتركة بين غرفتي البرلمان المنعقدة يوم 7 رمضان 1440 الموافق ل13 ماي 2019، قال بأنه رغم قساوة الإكراهات والمؤامرات وأمام تصاعد المطالب الاجتماعية، استطاعت حكومته تحقيق ما لم تستطعه سابقاتها، عبر القيام بالكثير من المنجزات والإصلاحات، التي لا يمكن لحملات التبخيس والتيئيس والتشويش حجبها عن المواطنين وزعزعة ثقتهم في العمل السياسي والمؤسسات، مؤكدا عزمها على مواصلة الإصلاح بنفس إيجابي جماعي وشعار الإنصاف والإنجاز.

فبكثير من حماس الزعيم وبلغة الواثق من نفسه، تحدث الرجل عن “فتوحات” حكومته، بشكل يجعل المستمع إلى خطابه الذي استغرق حوالي ثلاث ساعات، يعتقد أن الكلام يستهدف دولة أخرى في القارة الأوربية، أو يشك في سلامة عقل “الخطيب” الذي يكون ربما أصيب بضربة شمس في يوم قائظ خلال الشهر الفضيل رمضان، أفقدته القدرة على التركيز والتمييز وأوقعته في نوبة هذيان حاد.

لكن يبدو أنه سرعان ما هبت عليه نسمة هواء أعادته لحظة إلى الواقع، ليقر بأن كل المجهودات المبذولة والنتائج المسجلة، لا ترقى إلى مستوى تطلعات وانتظارات المواطنين، وأنه لا الحكومة الحالية ولا غيرها من الحكومات بمقدورها حل مشاكل المغرب في نصف ولاية ولا حتى خلال ولاية كاملة. ومع ذلك، فهو على اقتناع تام بأنها تسير في الاتجاه السليم وبحلول عملية وناجعة، حيث تدل مؤشرات الإصلاح على أنها في تقدم مطرد. وزاد بأن أشار إلى أن الفضل في نجاح الأوراش والإصلاحات الكبرى يعود إلى التدخل المتواصل للملك وإشرافه المباشر على عدد منها من قبيل: الطاقات المتجددة، الماء الصالح للشرب، إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار والبرامج الاجتماعية والتعليم والتكوين المهني والصحة والفلاحة.

فبعد هذا الاعتراف بالحضور القوي للملك في أهم المشاريع التنموية والإصلاحات المختلفة، ماذا تبقى لحكومة العثماني من حصيلة؟ إن البيجيديين سواء في الحكومة السابقة برئاسة عبد الإله ابن كيران الأمين العام السابق لحزب “العدالة والتنمية” أو في عهد كبيرهم الحالي العثماني، تدربوا جيدا على تلوين الأشياء بغير ألوانها الطبيعية حتى تظهر للآخرين في أبهى منظر، وألفوا مواجهة ضعفهم وإخفاقاتهم باللجوء إلى خطاب المظلومية ونظرية المؤامرة، والاغتراف من قاموس الديماغوجية في الافتراء والتضليل. فهل يعقل والحالة هذه أن تحقق حكومته في ظرف نصف ولايتها كل ذلك الكم الهائل من الاستراتيجيات والمنجزات التي وردت على لسانه، دون أن تترك أثرا ملموسا على حياة المواطن؟ ثم كيف يمكن الوثوق بمن لا يكف عن لعب دور الإطفائي، حين يقول بأن أغلبيته الحكومية هي الأكثر تماسكا والأقل مشاكل، مقارنة مع الأغلبيات التي عرفها المغرب في العشرين سنة الماضية، معتبرا ما يحدث من مناوشات وخلافات بين مكوناتها، لا يعدو أن تكون اختلافات بسيطة في الرأي والمواقف أحيانا، لا تلبث أن يتم تذويبها، دون أن يستطيع إيجاد وصفة مواتية لعلاج التنافر المزمن في أغلبيته؟

وإذا ما افترضنا جدلا أن ما يدعيه من تواؤم وانسجام في البيت الداخلي لحكومته، فلم لم يتمكن تحالفه الحكومي من التوافق حول عديد القضايا المصيرية، ومنها مثلا مشروع القانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين حول لغة تدريس المواد العلمية، الذي تراجع حزبه عن المصادقة عليه مباشرة بعد خرجة ابن كيران، الداعية إلى رفض التصويت على مبدأ التناوب اللغوي. إعداد وبلورة مشروع نموذج تنموي جديد، وتهييء خطة لتطوير وتأهيل التكوين المهني، وتنفيذ توصيات اللجنة البرلمانية الاستطلاعية حول المحروقات وتسقيف أسعارها، واستكمال إصلاح صندوق المقاصة، مشروعا قانوني الإضراب والنقابات المهنية؟ فما نجحت فيه الحكومة هو توافقها حول اقتسام كعكة المناصب السامية، ووقوفها بجانب اللوبيات في عدة مناسبات على حساب المغاربة، مثل حملة المقاطعة الشعبية وملف شركات توزيع المحروقات.

فما اعتبره العثماني في عرضه حصيلة إيجابية بما حملته في وقت عصيب ووجيز من مؤشرات إيجابية وإنجازات هامة لصالح الوطن وأبنائه، يراه الكثيرون عكس ذلك، إذ تعددت الآراء بين من يراها حصيلة سلبية ومن يراها فارغة ومن يراها مجرد جرد لعدد من الأنشطة الوزارية…

فضلا عن أن هناك من قال بأن الخطاب كان خشبيا لافتقاره إلى الموضوعية واكتفائه بعرض أرقام المشاريع دون الإشارة إلى النتائج، ودليلهم على ذلك ارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي وتصاعد موجة الحركات الاحتجاجية ضد تفشي الفساد وضعف القدرة الشرائية والإجهاز على أهم المكتسبات وتردي الخدمات الاجتماعية منذ تحرير أثمان المواد النفطية ورفع الدعم عن المواد الأساسية وإقرار نظام التوظيف بالتعاقد..

نحن لا ننكر أنه إلى جانب ما تعانيه الحكومة من تفكك في مكوناتها وضعف الانسجام بينها، هناك أيضا إكراهات أخرى تحول دون الرفع من وتيرة أدائها في تنزيل مضامين برنامجها على علاته، والعمل على إنصاف الفئات المتضررة والاستجابة لمطالبها الملحة من حيث الحد من معدلات الفقر والأمية والبطالة… لكن مهما يكن من أمر، لا بد من توفر إرادة سياسية قوية وضرورة التعاطي مع الواقع بكثير من الحيطة والمرونة والتبصر، عوض الإفراط في استعمال مساحيق فاسدة لن تزيد الوضع إلا بشاعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *