وجهة نظر

المنظومة التعليمية والتربوية ببلادنا: من المخطط الاستعجالي وصولا للقانون الإطار رقم 51.17

مقدمة

عرف قطاع التعليم، الذي يعتبر ثاني أولوية وطنية عدة محاولات الإصلاح تروم تحسينه والرفع من مردوديته، ليستجيب لمتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة. غير أنه لا يزال موضوع عدة انتقادات سواء على مستوي المؤسسات الدستورية أو على مستوى المجتمع.

مسلسل إصلاح المنظومة التعليمية هو مسلسل مغربي طويل، توالت الإصلاحات بإمكانيات مالية هائلة ولحدود الساعة لم يقطف المواطن المغربي ثمار الإصلاحات التي تبنتها مختلف الحكومات المتعاقبة.

هل المشكل هو غياب رؤية واضحة أم المشكل يتعلق بغياب الإرادة السياسية الحقيقية؟ هذا سؤال حقيقي يجب أن نتوقف عنده ونجد له إجابة شافية.

بدأ مسلسل إصلاح المنظومة التعليمية سنة 1957 من خلال اللجنة العليا للتعليم، حيث كان الهدف أنذاك هو إصلاح التعليم الموروث عن الاستعمار وسُطرت له أنذاك أربعة مبادئ رئيسية وهي المغربة، والتعريب، والتوحيد، والتعميم وذلك في أفق إرساء نظام تعليمي وطني مغربي. وفي سنة 1958 ومن خلال اللجنة الملكية لإصلاح التعليم بدأت الدعوة إلى إجبارية التعليم ومجانيته مع توحيد المناهج والبرامج.

ومن ثم انتقلنا إلى المحطة الثالثة والتي تتمثل في المجلس الأعلى للتعليم والذي تم تأسيسه سنة 1959 وذلك من أجل المضي في إرساء قواعد مجانية التعليم وتعميمه في مختلف ربوع المملكة. والمحطة الرابعة تتمثل في تنظيم مناظرة المعمورة بتاريخ 14 أبريل 1964، حيث تم الدعوة إلى تطوير آليات ثوابت الإصلاح مع التركيز على المبادئ الأربعة وهي المغربة، والتعريب، التوحيد، والتعميم. وفي سنة 1965 تم اعتماد المخطط الثلاثي 1965-1967 حيث تم من خلال هذا المخطط إلزام التعريب في مرحلة الإبتدائي. ومن ثمة تم تنظيم مناظرة إفران الأولى سنة 1970 حيث تم التركيز على التعليم العالي وبداية الاهتمام بالتكوين المهني. المحطة التالية تتعلق بمناظرة إفران الثانية سنة 1980، وركزت هذه المناظرة على مسلسل التعريب ومغربة الأطر، وفي هذه الفترة كان المغرب يجتاز مشاكل مادية بالجملة مما أدى إلى تأثر البنيات التحتية الخاصة بالتعليم نتيجة اعتماد التقويم الهيكلي. ومن أجل تجاوز نتائج وآثار التقويم الهيكلي تم تأسيس اللجنة الوطنية للتعليم سنة 1994 حيث كان هدفها الأساس هو تطوير والرفع من البنيات التحتية. سنة 1999 تم وضع لبنات اللجنة الملكية للتربية والتكوين، والتي كان هدفها الأساس هو وضع أسس إصلاح التعليم. سنة 2000 كانت هي السنة التي عرفت تأسيس اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين والتي انبثق منها الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وارتكز هذا الأخير على إصلاح المنظومة التعليمية وذلك بإحداث تغيير على البرامج والمناهج، ونتج عنه كذلك تعدد الكتب المدرسية وبداية الاهتمام بتدريس اللغة الأمازيغية. جاء بعد ذلك المخطط الاستعجالي 2009-2012، الذي أتى ليزرع نفسا جديدا في مسلسل إصلاح المنظومة التعليمية بالمغرب وذلك من خلال اعتماد بيداغوجيا الكفايات، والإدماج، ومحاربة الهدر المدرسي، وتشجيع جمعيات دعم مدرسة النجاح. وفي آخر المطاف جاء المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي الذي أصدر سنة 2015 الرؤية الاستراتيجية للإصلاح الممتدة ما بين 2015-2030. هذه الرؤية التي تم عرضها على أنظار صاحب الجلالة والذي أعطى تعليماته بترجمة مضامينها لقانون إطار.

من خلال هذا المقال، سنركز على تشريح المنظومة التعليمية والتربوية خلال 10 سنوات الأخيرة من أجل الوقوف على مكامن الخلل التي صاحبت هذه المنظومة.

المخطط الاستعجالي لوزارة التربية الوطنية: الفشل الذريع

منذ تعيين اللجنة الوطنية للتربية والتكوين سنة 1999 وذلك من أجل إعداد الميثاق الوطني للتربية والتكوين، تم العمل على إخراج عدة تقارير تسلط الضوء على أهم مكامن القوة ومكامن الضعف في قطاع التربية والتكوين، وخلصت كلها إلى أن الاختلالات التي يعرفها القطاع لا تزال مستمرة، وأن هذا القطاع بعيد كل البعد عن الأهداف التي تم تسطيرها في الميثاق الووطني.

وفي سنة 2008، أعد المجلس الأعلى للتربية ولتكوين تقريرا مفصلا رصد فيه أهم الإشكالات والأزمات والاختلالات التي يعاني منها قطاع التربية والتكوين، وصعوبة تحقيق الأهداف المسطرة بالميثاق الوطنية للتربية والتكوين.

وفي أفق تسريع تنزيل أهداف الميثاق الوطني، أعدت وزارة التربية الوطنية أنذاك المخطط الاستعجالي 2009-2012، والذي اعتمدت فيه وزارة التربية الوطنية على خبرة خارجية وذلك من خلال الاعتماد على خدمات مكتب دراسات بغلاف مالي 18 مليون درهم، وحدد أجل تنفيذها في 210 أيام. وتم إخراج الصيغة الأولى للبرنامج الاستعجالي والذي ركز على 4 أعداف أساسية:

1. مجال إلزامية التعليم حتى سن 15 سنة؛
2. مجال تشجيع المبادرة والتميز في الثانويات والجامعات؛
3. مجال معالجة القضايا الأفقية للنظام التعليمي؛
4. مجال توفير الموارد اللازمة للنجاح.

وفي شتنبر 2008 تم تقديم هذه الصيغة على أنظار جلالة الملك، وبعدها بمدة قليلة واجهت الوزارة صعوبات في تنزيل مختلف مشاريع المخطط الاستعجالي عند انطلاقه، فقررت إعادة هيكلته، وأعادت النظر في محتوى المشاريع وتكلفتها والبنيات المكلفة بتنفيذها.

في يناير 2009 بدأت الوزارة عملية إعادة الهيكلة واستغرق هذا الأمر ما يقارب 18 شهرا حيث تم حصر التدابير التي سيتم تنفيذها على المستوى المركزي، والتدابير التي سيتم تنفيذها على مستوى مختلف الأكاديميات الجهوية. أول ما قامت به الوزارة في عملية إعادة الهيكلة هو إعادة النظر في الأهداف المسطرة حيث تم الرفع منها، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن تشخيص مكتب الدراسات لوضعية التعليم ببلادنا لم يكن موفقا؛ كما قامت الوزارة بمراجعة الميزانية والتكلفة التقديرية لكل مشروع وإجراء، مما أدى إلى الرفع من الميزانية المخصصة للمشاريع والتدابير. كما أعادت الوزارة النظر في مؤشرات التتبع والنتائج، حيث كان عدد مؤشرات التتبع والنتائج في الصيغة الأولية 720 مؤشرا، وتم تخفيضه من طرف الوزارة في النسخة الثانية من المخطط الاستعجالي إلى 513 مؤشرا.

وإجمالا أصبحنا أمام صيغة جديدة للبرنامج الاستعجالي مختلف تماما في المضمون والهندسة عن الصيغة المقترحة من طرف مكتب الدراسات والتي تم تقديمها أمام أنظار جلالة الملك في شتنبر 2008. وهذا يعني أن 18 مليون درهم التى تم رصدها لمكتب الدراسات ذهبت سدى، و18 شهرا من زمن الإصلاح تم هدرها، واضطرت الوزارة إلى الاعتماد على أطرها من أجل إخراج البرنامج الاستعجالي من عنق الزجاجة بعد طول انتظار، هذا يدفعنا للتساؤل حول مدى نجاعة التدبير والحكامة المالية داخل بعض القطاعات الوزارية الحساسة.

لم يستطع المخطط الاستعجالي أن يحقق الأهداف التي سطرت له في البداية رغم أنه كلف المغاربة 46 مليار درهم، فلقد استمر الهدر المدرسي ووصل إلى أكثر من 270000 تلميذ سنويا، لا تزال ظاهرة الاكتظاظ منتشرة تقريبا في جميع الأسلاك التعليمية، لا تزال بعض المدارس لا تتوفر فيها الشروط الدنيا للتمدرس وهي منتشرة في عدة أقاليم وجهات المملكة، لا تزال برامج الدعم الاجتماعي محدودة الفعالية.

وبالرجوع لتقرير المجلس الأعلى للحسابات، سنجد أنه وقف علي اختلالات بالجملة تهم البرنامج الاستعجالي، كما رصد أرقاما مهمة لا بد من الإشارة لها؛ فمثلا انتقل عدد التلاميذ في الفترة الممتدة ما بين 2009 و2017 من 5666429 إلى 6039641، في حين ارتفع عدد المؤسسات التعليمية من 9397 سنة 2009 إلى 10756 مؤسسة سنة 2017، رغم هذا التطور يبقى النظام التعليمي يعاني من عدة نقائص نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

– ضعف الطاقة الاستيعابية المتعلقة بالعرض المدرسي، فلقد سطر المخطط الاستعجالي هدف إنجاز 1164 مؤسسة، إلا أن الوزارة لم تستطع إنجاز إلا 286 مؤسسة بمعدل إنجاز لا يتجاوز 25٪؛

– سطر المخطط الاستعجالي هدف توسيع المؤسسات الموجودة وذلك ببناء حجرات دراسية جديدة تصل إلى 7052 حجرة، إلا أن الوزارة لم تستطع بناء إلا 4062 حجرة، أي بمعدل إنجاز 58٪ ؛

– من بين أهم الأهداف المسطرة بالمخطط الاستعجالي هي تغطية جميع الجماعات القروية بالإعداديات وذلك من أجل محاربة الهدر المدرسي، ولكن للأسف لم يتم تحقيق هذا الهدف، حيث انتقلت تهذه النسبة من 52.8٪ برسم 2008/2009، لتستقر في 66.5٪ برسم 2016/2017؛

– ضعف تأهيل المؤسسات التعليمية، فبرسم 2016/2017 تم استغلال 6437 مؤسسة لا تتوفر على شبكة الصرف الصحي، 3192 مؤسسة غير متصلة بشبكات المياه الصالحة للشرب، و681 مؤسسة غير مربوطة بشبكة الكهرباء، 9365 حجرة في وضعية متردية؛

– أما نسبة الاكتظاظ فحدث ولا حرج، فبرسم 2016/2017 وصل معدل الاكتظاظ بالسلك الابتدائي إلى 21.2٪، 42٪ بالسلك الإعدادي، و22.3٪ بالسلك الثانوي، في حين أنه برسم 2008/2009 كان معدل الاكتظاظ بالسلك الابتدائي 7.3٪، 16.5٪بالسلك الإعدادي، و26.1٪ السلك الثانوي؛

– بالنسبة للموارد البشرية في المنظومة التعليمية، فعنوانها العريض هو الخصاص، لذلك تم اللجوء إلى التعاقد لسد الخصاص، وتم توظيف 54927 مدرسا بالتعاقد في الفترة الممتدة ما بين 2016 و 2018، ولكن المعضلة الحقيقية هي أنه تم إلحاقهم مباشرة بالأقسام دون أن يستفيدوا من التكوين المطلوب؛

– مشاريع القطب البيداغوجي كانت من الأوراش المهمة التي سطرها المخطط الاستعجالي، ورصد لها ما يقارب 12 مليار درهم لتنفيذ 10 مشاريع. ولكن لم يتم إكمال جميع التدابير المرتبطة بهذه المشاريع، خاصة بالجانب المخصص بالمناهج الدراسية، والتوجيه، والتمكن من اللغات، وبتحسين النظام البيداغوجي؛

هذه كلها إعاقات وقف عليها المجلس الأعلى للحسابات في تقريره الخاص بتقييم المخطط الاستعجالي الخاص بوازرة التربية الوطنية والذي صدر في ماي 2018. فمن خلال قراءته يتبين لنا أن هذا المخطط فشل فشلا ذريعا، ولم يستطع تحقيق الأهداف المسطرة له، وذلك لغياب رؤية واضحة المعالم، وعدم التمكن من إجراء تشخيص دقيق للمنظومة التعليمية المغربية، فالأرقام توضح أن هذه المرحلة اتسمت بنوع كبير من الارتجالية، وتبقى الضحية الأولى والأخيرة هي التلميذ والطالب المغربي.

الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030: بداية مرحلة جديدة

كما تبين لنا فإن المنظومة التعليمية المغربية تعاني من عدة اختلالات بنيوية يمكن تلخيصها في ما يلي: ارتفاع نسبة الهدر المدرسي والمهني والجامعي، النجاعة المحدودة للتكوين الأساس والمستمر الذي يستفيد منه الفاعلين التربويين مما أدى إلى محدودية نجاعتهم داخل الأقسام الدراسية، وضعف التمكن من اللغات والمعارف والكفايات والقيم، وعدم الحسم الشجاع والجريئ في المسألة اللغوية وخاصة عندما يتعلق الأمر ما بين تدريس اللغات ولغة التدريس.

ونظرا لأهمية هذا الورش المجتمعي الكبير، والذي كما سبق وأن ذكرنا، يعتبر ثاني أولوية وطنية، ركز صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في عدة خطب على ضرورة إيلاء أهمية قصوى لملف التعليم لسيما في خطب ذكرى ثورة الملك والشعب لعامي 2012 و 2013، بالإضافة إلى الخطاب المتعلق بافتتاح الدورة الخريفية للبرلمان بتاريخ 10 أكتور 2014. و من أجل المضي في إصلاح جديد بروح جديدة ورؤية متجددة، قام المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بإعداد الرؤىة الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030.

ولقد قاربت الرؤية الاستراتيجية إشكاليات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي من خلال ثلاثة قضايا أساسية تتجلى أساسا في الإنصاف وتكافؤ الفرص، والجودة للجميع، والإرتقاء الفردي والمجتمعي.

كما سطر المجلس الأعلى لهذه الرؤية هدفين أساسيين مؤطرين، الهدف الأول هو جعل الحاصل علي شهادة الباكالوريا متمكنا من اللغة العربية، وقادرا على التواصل بالأمازيغية، ومتقنا للغتين أجنبيتين على الأقل، والهدف الثاني يتجلى في الإعمال التدريجي للتناوب اللغوي كآلية لتعزيز التمكن من اللغات عن طريق التدريس بها.

و ركزت الرؤية كذلك على أهمية النهوض بالتكوين المهني باعتباره مجالا خصبا بإمكانه الاستجابة لمختلف حاجيات المقاولة وسوق الشغل، وكذلك أهمية إعطاء دفعة قوية للبحث العلمي والتقني والابتكار لأنها هي الوسيلة التي من شأنها تطوير الوطن وازدهاره من الجانب الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والرفع من قدرته التنافسية على الصعيد العالمي.

كما سطرت الرؤية 7 رافعات من أجل تحقيق مدرسة الجودة للجميع، ويتعلق الأمو ب: تجديد مهام التدريس والتكوين والتدبير، وهيكلة أكثر تناسقا ومرونة لمكونات المدرسة المغربية وأطوارها، ومأسسة الجسور بين مختلف أطوار وأنواع التربية والتكوين، ونموذج بيداغوجي وتكويني قوامه التنوع والانفتاح والملاءمة والابتكار، والتمكن من اللغات المدرسة وتنويع لغات التدريس، والنهوض بالبحث العلمي والتقني والابتكار، وحكامة ناجعة لمنظومة التربية والتكوين.

وركزت الرؤية كذلك على تحقيق مدرسة الارتقاء بالفرد والمجتمع وذلك من خلال 6 رافعات: ملاءمة التعلمات والتكوينات مع حاجيات البلاد ومهن المستقبل والتمكين من الاندماج، وتقوية الاندماج السوسيو ثقافي، وترسيخ مجتمع المواطنة والديمقراطية والمساواة، وتأمين التعلم مدى الحياة، والانخراط الفاعل في المنظومة الاقتصادية ومجتمع المعرفة، وتعزيز تموقع المغرب ضمن البلدان الصاعدة.

ومن أجل ريادة ناجعة وتدبير جديد للتغيير، سطرت الرؤية رافعتان أساسيتان: تعبئة مجتمعية مستدامة، وريادة وقدرات تدبيرية ناجعة في مختلف مستويات المدرسة.

فهذه هي تقريبا عصارة الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030 التي عمل عليها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بإشراك مختلف الفاعلين وجميع مكونات المجتمع، وذلك من أجل فتح صفحة جديدة تروم إصلاح المنظومة التعليمية الوطنية، وإخراجها من الظلمات إلى النور المنشود والذي ينتظره جميع المغاربة.

مشروع قانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين رقم 51.17: مد وجزر

جاء مشروع قانون الإطار رقم 51.16 بعد توصل الملك بوثيقة الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030 بتاريخ 20 غشت 2015، إلا أنه ظل يراوح مكانه إلى حدود 4 يناير 2018 حين صادق عليه المجلس الحكومي ليحل على المجلس الوزاري والذي صادق عليه بدوره يوم 20 غشت 2018. وبعد ذلك أحيل على المؤسسة التشريعية وتحديدا مجلس النواب يوم 5 شتنبر 2018، لتتم إحالته علي لجنة التعليم والثقافة والاتصال يوم 12 شتنبر 2018.

ويتكون هذا المشروع من ديباجة و 10 أبواب و 60 مادة، كما ينص على إصدار 17 نص تنظيمي ومرسوم واحد.

ويهدف مشروع هذا القانون إلى تحديد المبادئ والأهداف الأساسية لسياسة الدولة واختياراتها الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، وذلك في أفق تحقيق الإنصاف وتكافؤ الفرص والجودة والارتقاء بالفرد والمجتمع، كما يهدف كذلك إلى ضمان استدامة الإصلاح، ووضع قواعد لإطار تعاقدي وطني ملزم.

ويتضمن هذا المشروع إيجابيات متعددة لعل أولها هو التأسيس القانوني المتسم بطابع الإلزام من أجل مباشرة مختلف الإصلاحات التعليمية والتربوية في المدى الزمني المخصص له، وعدم ترك القطاع ضحية خيارات المتعاقبين على تسييره وميزاجيتهم. فبعد مصادقة المؤسسة التشريعية على هذا القانون سيصبح بمثابة تعاقد وطني يلزم الجميع ويلتزم به الجميع دون سواء لأن الأمر يعتبر أمرا مصيريا لا يحتمل التأجيل ولا التسويف، فمستقبل جيل كامل يتوقف على جودة المنظومة التعليمية والتربوية ببلادنا.

وعلى سبيل المثال لا الحصر كذلك، من ضمن الإيجابيات إعادة تنظيم التعليم المدرسي، الذي يشمل التعليم الأولي، والتعليم الابتدائ، والإعدادي، والثانوي التأهيلي، عن طريق فتح التعليم الأولي في وجه جميع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 4 و6 سنوات ودمجه تدريجيا في التعليم الإبتدائي؛ بالإضافة إلى إيجابيات أخرى متعلقة أساسا بقطاع التعليم العالي وانفتاحه على لغات جديدة، بالإضافة إلى تطوير البحث العلمي.

من الضروري جدا أن نشير إلى أن مشروع قانون الإطار رقم 51.17 نوقش بالتدقيق والتفصيل خلال أشغال عمل لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، فلقد برمج أول اجتماع يوم الاثنين 16 أكتوبر 2018 وخصص لتقديم مشروع هذا القانون ولقد استغرق هذا الاجتماع حوالي 7 ساعات. ومن ثم برمج الاجتماع الثاني من أجل المناقشة العامة لهذا القانون يوم الثلاثاء 8 يناير 2019، واستغرق هذاالاجتماع 8 ساعات ونصف. ثم تم الانطلاق في المناقشة التفصيلية أيام الأربعاء 16 يناير 2019 و الثلاثاء 29 يناير 2019 و الرإبعاء 30 يناير 2019 والثلاثاء 5 فبراير 2019 واستغرق هذا العمل 34 ساعة. مباشرة بعد ذلك بدأت الفرق والمجموعة البرلمانية بالعمل على التعديلات. وبعض نقاش مستفيض حول مسألة التوافق، تكلفت اللجنة التقنية الممثلة من طرف جميع الفرق والمجموعة البرلمانية بمواصلة النقاش حول مضمون مشروع القانون الإطار رقم 51.17. وعرفت مختلف النقاشات خلال أشغال اللجنة مدا وجزرا وذلك نظرا لطبيعة مشروع قانون الإطار من جهة و عدم احترامه لجزء كبير من مضامين الرؤية الاستراتيجية من جهة ثانية.

فمن المعلوم، وكما ذكرنا سابقا، بعد أن صادق الملك على مضمون الرؤية الاستراتيجية أصدر تعليماته الملكية الموجهة للحكومة في 20 ماي 2015 من أجل: »صياغة الإصلاح في إطار تعاقدي وطني ملزم، من خلال اعتماد قانون-إطار يحدد الرؤية على المدى البعيد«، هذا يعني أن مشروع قانون الإطار يجب أن يكون عبارة عن ترجمة لمضامين الرؤية الاستراتيجية التي عرفت نقاشا مجتمعيا واسعا. ولكن بالرجوع إلى الوثيقتين سيتضح لنا أنه هناك فرق شاسع ما بين مضامين الرؤية الاستراتيجية ومشروع قانون الإطار رقم 51.17.

أولا، فالرؤية الاستراتيجية قاربت إشكالات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي من خلال ثلاثة قضايا أساسية وهي: الإنصاف، وتكافؤ الفرص، والجودة للجميع، والارتقاء الفردي والمجتمعي؛ في حين أن مشروع قانون الإطار حدد أولويات أخرى واختزل الإشكاليات الواردة في الرؤية الاستراتيجية في 8 قضايا مرتبطة أساسا بمبادئ وأهداف ووظائف المنظومة، ومكوناتها وهيكلتها، والولوج والاستفادة من خدماتها، والمناهج والبرامج والتكوينات، والموارد البشرية، والحكامة، والتمويل، والتقييم. وبالتالي لم ينضبط معدو مشروع القانون الإطار للبنية والهيكلة المعتمدة في الهندسة العامة للرؤية الاستراتيجية، وتبقى الدواعي والمبررات لتغيير الهندسة غير واضحة.

ولكن التناقض الحقيقي هو الذي برز في الجانب المتعلق بالهندسة اللغوية وخاصة فيما يتعلق بالتناوب اللغوي. فطبقا للرؤية الاستراتيجية خاصة الرافعة 13 التي تتعلق بالتمكن من اللغات المدرسة وتنويع لغات التدريس، فقد تم التنصيص صراحة أن «اللغة العربية هي لغة التدريس الأساس، ويتم تفعيل مبدأ التناوب اللغوي بالتدرج على أساس تدريس بعض المضامين أو المجزوءات باللغة الفرنسية في التعليم الثانوي التأهيلي على المدى القريب، وفي التعليم الإعدادي على المدى المتوسط، وباللغة الإنجليزية في التعليم الثانوي التأهيلي على المدى المتوسط»، وفي نفس الوثيقة تم تقديم تعريف واضح لمفهوم التناوب اللغوي باعتباره «خيار تربوي وآلية بيداغوجية يستثمر في التعليم المزدوج أو المتعدد اللغات، يروم تنويع لغات التدريس، وتحسين التحصيل الدراسي فيها. عن طريق التدريس بها؛ وذلك، بتعليم بعض المضامين أو المجزوءات في بعض المواد باللغة الأجنبية». وبالرجوع لمشروع قانون الإطار 51.17 وللمادة 2 منه التي تنص على ما يلي«التناوب اللغوي مقاربة بيداغوجية وخيار تربوي يستثمر في التعليم المزدوج أو متعدد اللغات، بهدف تنويغ لغات التدريس، وذلك بتعليم بعض المضامين أو المجزوءات في بعض المواد باللغات الأجنبية، قصد تحسين التحصيل الدراسي فيها»، وهنا يتضح لنا أن في هذا الجانب بالتحديد مشروع قانون الإطار تعامل بوفاء شديد مع المقتضيات التي جاءت بها الرؤية في الجانب المتعلق بالتناوب اللغوي. ولكن التناقض الحقيقي هو الذي ظهر في المادة 31 وخاصة في الصيغة التي اقترحتها وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والتكوني المهني والبحث العلمي في آخر المطاف على اللجنة، حيث تم الانتقال من تدريس بعض المضامين والمجزوءات في بعض المواد باللغات الأجنبية إلى تدريس اللغات العلمية والتقنية باللغات الأجنبية وهذا يعتبر تناقضا مع ما نصت عليه الرؤية الاستراتيجية المتفق عليها. وهذا هو جوهر وقلب و صلب الخلاف بين مختلف المكونات السياسية. فالأجدر والأسلم أن يكون مشروع هذا القانون وفيا للمقتضيات التي جاءت بها الرؤية الاستراتيجية والتي عرفت نقاشا مجتمعيا داخل المجلس الأعلى، الذي يضم جميع التمثيليات، وخارجه كذلك، وهذا أضعف الإيمان.

النقاش اليوم بمجلس النواب، وخصوصا داخل لجنة التعليم والثقافة والاتصال، متوقف ولكن لا بد أن يستأنف أطواره في القادم من الأيام، من أجل تعميق النقاش وتجويد مشوع قانون الإطار رقم 51.17 الذي سيرهن مستقبل جيل كامل لسنوات ليست بالقليلة. النقاش يجب أن يكون علميا يضع مصلحة المواطن في صلب اهتماماته بمنأى عن أي حسابات سياسية أو مصالح داخلية أو خارجية، أوإملاءات كيفما كان نوعها أو شكلها. يجب أن ننتصر اليوم للمنظومة التعليمية والتربوية ببلادنا القادرة على الرفع من القدرة التنافسية لبلادنا، والقادرة كذلك على تحقيق التطور الحقيقي على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي كذلك، انتصارا للمواطن، انتصارا للوطن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *