وجهة نظر

تافكورت.. عرف أمازيغي عريق يرخي بظلاله في قبائل آدرار

ظلّ العُرفُ على مرّ التاريخ واحدا من مقومات وحْدة ِِالقبائل والمناطق الأمازيغية ومصدر قوَّتها، بل هو الضامن لاستمرارية تماسكها وتواثر أنظمتها جيلاً بعد جيل، يُلجأ إليه عند كل نزاع.

في ما مضى، تُنزل القبائل السوسية الأعراف منزلة القوانين “إِزْرْفَان” لا يعلا عليها باعتبار أن العرف المحلي هو تعبير إجرائي لإرادة الأفراد داخل كل قبيلة قبيلة، يستجيب بشكل أدقّ لاشكالاتهم أكثر من القوانين العامة السائدة في بعض الأحيان.

وإذا كان الأمر كذلك ومادامت هذه الأعراف لا تتنافى مع القواعد والأنظمة ” الرسمية” السائدة داخل المجتمع فلا غرابة أن نجد استمرارية العمل بالعرف إلى اليوم الحاضر على الرغم من تطوّر الترسانة القانونية للبلاد وتقدّمها؛ بل إن القوانين النظامية الحالية منفتحة كثيرا على ركن العرف، تحتضنه وتأخذ به في كثير من الحالات.

تافگورت”..أو” الغرامة” واحدة من هذه الأعراف التي تفرض راهنيتها اليوم في عدد من مناطق سوس.

فمن الملاحظ أنه لا زال العمل ساريا بهذه القاعدة المتجدرة في القدم لتنظيم جني ثمار أشجار الارگان واللوز والزيتون، وتعالت أصوات جمعوية وحقوقية لإعادة إحياء مبادئه من جديد..

في منطقة تنالت واداي وآيت أحمد وآنزي جرت العادة ولازالت إلى اليوم أن يتفق القائمون على موعد إغلاق جني ثمار شجر الأركان وموعد إعادة فتحه، يُناقش الموضوع من كل جوانبه ويُحدّد مبلغ الغرامات، و الإجراءات الممكن اتخاذها ضد كل مخالف…ثم يُكلّف كل واحد بالتواصل مع بقية الساكنة؛ كما يُخبر ممثل السلطة بالموضوع؛ وهكذا يعلن عن انطلاق البدء ب موسم “تافكورت” .

السلطات تنخرط في الغالب في العملية كوسيط في حدوث كل نزاع كلما تبث عندها بالدليل أن المخالف توصّل بالإخبار وسُجّلت في حقه المخالفة بشهادة الشهود.

والملاحظ أيضا أن يتدرّع أحدهم عند ضبطه في حالة تلبس بجني الثمار أو في حالة اقتياد قطيعه نحو المناطق المغلقة خلال فترة “تافكورت” بأن المحصول محصوله وفي مِلكيته وليس لغيره؛ لكن لا يُقبل عذره على الإطلاق وما عليه سوى أن يؤدي مبلغ الغرامة المتفق عليه مسبقا أو تنظر “الجْمَاعة” في أمره وتتخذ ما يناسب فعله المقترَف من إجراءات.

وفي غالب الأحيان يمتثل المخالف لقرارت “الجماعة” ويؤدي مبلغ المخالفة حتى لا يعيد الكرة وحتى يكون عربونا للآخرين،هذا المبلغ قابل للنقاش وللتداول الجماعي، غالبا ما يكون في المتناول ومناسب للمخالفة أخذا بالمثل القائل إذا أردت أن تُطاع فأمُر بالمستطاع”.

وكمثال عن حالة وقفنا عليها في هذا الموضوع تدل على مدى قوة العرف المحلي، صادف بعض أهل قرية هنا بأدرار امرأة تقود قطعانا نحو منطقة مزروعة بشجر الأرگان فاختلف أعضاء الجماعة في أمر تنزيل الغرامة المالية عليها من عدمه، كون السيدة المخالفة زوجة أحد زعماء القبيلة وأحد أعيانها الكبار، فلما بلغ الخبر زعيمهم أمر بضرورة مطالبتها بالأداء حتى ترتدع أولا، ولكن وهذا هو الأهم عنده لكي يتخذ ذلك مبررا قويا عند استخلاص الغرامات من الآخرين مهما علا شأنهم.

أما المُتَحصّل من الغرامات – على قِلَّتِه- فيُجمع ويُصرف في كل ما هو مصلحة عامة من إصلاح مسالك طرقية أو عناية بالمساجد.. ؛ لأن قبائل آدرار لازالت تخصص من أموالها الكثير لإصلاح ما يفترض أن تصلحه المؤسسات الرسمية الأخرى.

وهكذا ظلت الساكنة الآدرارية تدبِّر بعض قضاياها وتجد لها حلولا شافية وتضمن سيادة قيم ومبادئ العيش المشترك وهذا هو الأساس والأصل عندهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *