وجهة نظر

24 شهرا على حصار قطر.. الإنجازات والتداعيات؟

(على هامش الأزمة الأمريكية الإيرانية- الحلقة 4)

ثلاثة أيام تفصلنا عن ذكرى افتعال أزمة الحصار الرباعي على دولة قطر (5 يونيو 2016)، والمنطقة لا تزال تعرف وضعية متأزمة وملغومة بحيث لا تتحمل المزيد من المشاكل، كل هدا بسبب سياسة تهور فكرة المضي نحو آمال إخضاعها لبيت الطاعة، ويرى العديد من المحللين بان دلك لن يؤدي إلا إلى تعميق الأزمة داخل المنطقة ككل، وإدخالها نفقا مسدودا سترتد نتائجها عكسيا على عرابيها، يصعب معه إعادة ترتيب البيت الداخلي خصوصا بعد أن انقلبت الكثير من الموازين، فهل نجحت سياسة الحصار التي خطط لها سلفا، ودخلت مع موعد اختراق وكالة الأنباء القطرية في تحقيق أهدافها ؟.

في هدا الصدد، أكدت علياء احمد بن سيف أل ثاني مندوبة دولة قطر في الأمم المتحدة، خلال اجتماع لمجلس الأمن ناقشت “الوضع في الشرق الأوسط” قولها بان التداعيات الخطيرة لهده الأزمة، لا تتمحور حول دولة قطر فحسب، بل تتعداها لتشمل باقي دول المنطقة، مما يقوض من الجهود الدولية في حفظ السلام والأمن الدوليين، كما يتعارض برمته مع أحكام مبادئ القانون الدولي، ويتنافى مع المبادئ الأساسية للنظام الدولي المتعدد الأطراف وأسس العلاقات الودية وحقوق الإنسان، وكان مجمل مضمون تدخلها يشير إلى تحميل المسؤولية لدول الحصار في التداعيات الخطيرة على أمن المنطقة واستقرارها، خصوصا وأن عمق الأزمة يتعدى المشهد الأساسي المتعلق بالحصار نفسه، ليشمل كينونة دول مجلس التعاون الخليجي التي تواجه تحديات مستعصية تزداد يوما بعد يوم.

لا احد يجادل في أن أزمة حصار قطر قد ضربت في تجلياتها عمق المنظومة الخليجية بأكملها، وأفقدتها السيطرة على تطورات الأحداث في محيطها، وجعلت الخصومة تنعكس سلبا في سلوك حكام الإمارات والسعودية، من خلال بروز حالة جديدة في علاقاتهما مع باقي الدول العربية، بلغت حد تكريس خط فاصل بين من معهم أو ضدهم في سياسة الحصار، الأمر الذي أدى إلى استهجان العديد من العواصم التي لم ترى نفسها مجبرة للانخراط في مسار هدا الأفق المظلم والتخريبي، مثل “الرباط والجزائر وتونس” التي فضلت الناي بنفسها عن الانخراط في أزمة مفتعلة.

وبالرغم من لعب العاصمتان “الرياض وابوظبي” على وثر الإغراء بالمساعدات والوعيد بالتهديدات في محاولة منهما لاستقطاب الحلفاء بعد أن قامتا بتجييش إعلامي ودبلوماسي من اجل شيطنة دولة قطر، وسحبها من محيطها، وتصويرها خطرا محدقا بالمنطقة، وراعية للإرهاب من خلال تمويلها للجماعات الإسلامية في كل أنحاء العالم، كلها خطوات باءت بالفشل الدريع، ولم تؤت أكلها بقدر ما تحقق عكسها تماما، بدليل تراجع وإعادة بلورة بعض الدول لمواقفها اتجاه حصار قطر، بعد أن كانت قد انساقت في المراحل الأولى من الأزمة مع محور الحصار “تشاد، جزر القمر، اريتريا”، كما خابت أيضا رهانات “رباعي الحصار” أمام عدم اصطفاف المنتظم الدولي وراء سياستهم، مما أدى إلى غاية كتابة هدا المقال، تسجيل النتيجة السلبية وخيبة الأمل، وفداحة موقف المحاصرين الدين ارتدت عليهم المؤامرة، فلم تتمكن السياسة السعودية-الإماراتية من بلوغ هدف عزل قطر وحصرها في زاوية مغلقة، لكن وفي المقابل، هل تمكنت قطر من كسر وتجاوز الدائرة التي رسمت لها ؟

للإجابة على هدا السؤال، لا بد من ضرورة الوقوف على قراءة في أهم نتائج الأزمة المفتعلة، ودلك من خلال شقين أساسيين، الأول سياسي دبلوماسي، والثاني دو صبغة اقتصادية.

بخصوص الشق السياسي والدبلوماسي، لا يختلف اثنان بالإجماع على خيبة “دول الحصار” وخصوصا السعودية، في التوصل إلى تطويق دولة قطر وعزلها عن باقي دول العالم، بقدر ما زادت هده الأخيرة في اكتساب العطف والتأييد الدوليين، بل ومكنها هدا الوضع الجديد من تمتين علاقاتها الدبلوماسية التي كانت مصحوبة أحيانا بمجموعة من الاتفاقيات الاقتصادية مع العديد من عواصم العالم، من جراء خلفية الدفاع عن موقفها أمام ما تعرضت له من جيرانها، والتي ما كانت لهده التعزيزات من أن تحدث لولا السياسة المتهورة والغير محسوبة العواقب من قبل الحكام في الرياض وابوظبي، “فرب ضرة نافعة”.

ومن نتائجها الفاشلة أيضا، تلك التصريحات المتكررة والمستفزة للرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” التي لم تتوقف اتجاه حلفائه في الخليج، وخصوصا السعودية من خلال طلبه كل مرة إخراج دفتر شيكاتهم للأداء مقابل الحماية، إدراكا منه بحالة انقسام البيت الداخلي، وحاجتهم إلى دعم منه قصد تنزيل سياساتهم وفرضها على المنطقة وفق منظورهم ومصالحهم، وضمنها تحريك الأسطول الأمريكي نحو الخليج بغاية “وهم” شن الحرب على إيران الذي تطمح إليه السعودية وحلفاؤها، بل ودهب الرئيس الأمريكي الذي يحسب لكل التفاصيل دون تفويت الفرص إلى ابعد من دلك، من خلال جر السعودية إلى سباق تسلح خطير يستنزف مقدراتها ويرهنها بارتفاع موازنات التسليح، والأمر نفسه ينطوي على الإمارات والبحرين، وبشكل اقل دولة قطر كتحصيل حاصل. انها وضعية لا يمكن وصفها بأقل من فاشلة وغير محسوبة العواقب أمام منطق الحسابات الإستراتيجية المبنية على معادلة الكسب والخسارة، والقائمة على المقدرات وردود الفعل العكسية.

إلى جانب الخلافات مع الجارة دولة قطر، فان السياسات والقرارات المتهورة التي لم تتوقف أمام طموح ولي العهد الشاب في تحقيق أحلامه، جعلت بلاده تتورط في العديد من الأزمات تباعا كاغتيال الصحفي “جمال خاشقجي” وعجز ولي العهد إنهاء وخروج تورطه في حرب اليمن، ومشاكل أخرى لا حصر لها مع العديد من العواصم، كما تسببت سياسات حلف الحصار الخليجي إلى تعزيز نفوذ بعض القوى الأجنبية وتزايدها في المنطقة مثل “إيران”، وأخرى لا يمكن تجاوزها أو إغفال معادلتها في ساعة الذروة “تركيا وروسيا”، مما يجعل المنطقة حاليا على صفيح ساخن وبركان قابل للانفجار بسبب نهج وسلوك سياسات ضيقة ومتهورة غير محسوبة العواقب.

أما بخصوص الشق الاقتصادي في تقييم نجاح أو فشل الحصار، يمكننا القول على أنه من تبعات فشل مخططات الرؤية السياسية والدبلوماسية في بلوغ أهدافها، بأن تجاوزها إلى تداعيات سلبية بخصوص معادلاتها الاقتصادية، حيث تأثر مناخ الاستثمار، وتراجع معدل النمو لكل من الإمارات والسعودية، كما شمل دلك أيضا، وقفا لبعض المشاريع الكبرى السابقة في طور الانجاز من طرف ابن سلمان، وعرفت الإمارات هي الأخرى مطبات في اقتصادها من جراء الأزمة والتوترات، وكانت التقارير من حين لآخر تتحدث عن تباطؤ مؤشر النمو في الاقتصاد السعودي، والتراجع المالي، وأزمة في أعمال وأنشطة القطاع الخاص مقارنة بالسنوات الماضية عن تاريخ بدا الحصار، حيت تم تسجيل تراجع في موجودات المؤسسة المالية خلال الربع الأول من سنة 2019 من 504.5 مليار دولار مقابل 744.5 مليار دولار نهاية 2014 “حسب صندوق النقد العربي السعودي”، كما أثارت العديد من البيانات حجم السحوبات التي طالت ودائع البنوك في الخارج لتصل قيمة الودائع خلال الربع الأول من 2019 إلى 392.6 مليار ريال مقابل 405.5 مليار ريال من نفس الفترة عن سنة 2018 ، في حين كانت ودائع نهاية 2014 تصل إلى 510.9 مليار ريال، الأمر الذي أدى أمام اختلال هده التوازنات، إلى خلق وضعية متأزمة للمستهلك في صراعه مع ارتفاع الأسعار، وفرضت عليه رسوم وضرائب جديدة كان الهدف الحقيقي منها محاولة سد العجوزات في صناديق الدولة، فأثقلت هده الوضعية الجديدة كاهل المواطن، وخلقت لديه حالة من الشك وعدم الاطمئنان في المستقبل، كما أدى هدا الوضع المقلق إلى تراجع أصحاب الاستثمارات المتوسطة والصغرى التي تعتبر العمود الفقري في نمو الاقتصاد الوطني للدول، بسبب الاحتياط وعدم المغامرة أمام وضع ضبابي غير آمن.

أما عن الجانب القطري، توقع البنك الدولي أن يسجل اقتصاد دولة قطر معدل نمو 3.4 في المائة مع حلول سنة 2021 مدفوعا بنمو أعلى في الخدمات مع اقتراب مناسبة تنظيم كأس العالم في 2022، في حين كان النمو خلال السنة الأولى من الحصار سنة 2018 في حدود 2.1 في المائة فقط، وتحدت التقرير عن زيادة إنفاق قطر في البنية التحتية الخاصة بمشاريع رؤية قطر الوطنية 2030 التي تهدف إلى تنويع مصادر الاقتصاد، مما ساعد في تعويض انخفاض الإنفاق الاستثماري على مشاريع كأس العالم، كما جاء من خلاصة تقرير البنك الدولي الأخير حول الحالة الاقتصادية لدولة قطر تأكيده بأنها “تغلبت إلى حد كبير على أثار القيود التي سببها الحصار”. بالرغم من تضرر القطاع السياحي وانخفاض عدد الزوار والوافدين على الفنادق المصنفة التي أضحت شبه فارغة.

وفي الخلاصة، يبدو من خلال تتبع مسألة الحصار الذي سيحتفل بعد يومين بعيده الثاني، أن الأزمة المفتعلة لم تعرف بعد طريقها نحو الحل النهائي، بالرغم من المحاولات العديدة لبعض الدول في التوسط بين أطراف الصراع، وأمام تمسك كل طرف بشروطه قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات، بات من الصعب التكهن عن قرب بحدوث انفراج في القضية، وتبقى العائلات المزدوجة لبلدان النزاع في مآسي الشتات هي المتضرر الأول، ناهيك عن الأضرار الاقتصادية الأخرى لفئة عريضة من المواطنين والتجار المتنقلين عبر بلدان الحصار ووقف مصدر أرزاقهم وإفلاسهم، كما تضرر الطلبة هم الآخرون … كل هدا من جراء إغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية لأسباب، دافعها ليس أكثر من نزوات نفسية بعيدة عن تحكيم منطق العقل في تدبير الأمور السياسية وحقوق ومصالح البلاد والعباد، ورغبات لطبيعة شخصيات استبدادية لدى بعض الحكام العرب في هوسهم ببسط السيادة والنفوذ على الأخر، ومن اجل خدمة كذلك أجندات لبعض اللوبيات والقوى الدولية الصهيونية، في إطار مخططات جيو-استراتيجية للتحكم في كامل المنطقة، تمهيدا لمحاولة تمرير جريمة “صفقة القرن”، ومن خلال افتعال الأزمة الأمريكية الإيرانية الحالية، إخضاع “الكابوس الإيراني” وتركيعها، كل هدا في أفق بلوغ العدو الحقيقي وهو ” التنين الصيني ” الصاعد، فالأمر أبعد مما يسوق له في الاستهلاك الإعلامي والتضليلي، ولعل أعظم درس يستفاد من خلال افتعال أزمة الحصار، هو أن “دولة قطر” قد استطاعت بفضله أن تعتمد على نفسها، وتشق طريقها الخاص، وان تتخذ الخطوات والسبل نحو طريق الحرية والمجد والازدهار والقوة الحقيقية، إنها اختيارات كانت إلى حد ما ممنوعة عليها سابقا في ظل مجلس التعاون الخليجي، وصدق من قال “تجري الرياح بما لا تشتهي السفن”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *