مجتمع

روبورطاج.. سرقة الزيتون بالريف ومحاكم خارج “رادار” السلطة

عبد السلام الشامخ 

لما جالس المفكر الألماني زيكلر القائد الكوبي تشي غيفارا في جبال ”كولورادو”، أين كان يعد مشروعه “حرب العصابات”، سأله عم يفعله رفاقه خلال الصباح، فرد عليه القائد الثوري قائلا: ”يستيقظون ثم يخططون لسرقة ما يمكن أن يشبع بطونهم، لأن ذلك قرين بعملهم النضالي”.

بعيدا عن جبال كولورادو أين ربط غيفارا مشروعه النضالي بكل القيم اللأخلاقية لتحقيق هدف الجماهير، إلى دوار ناء في شمال المغرب، حيث نهج أسلوبا مشابه، لكن ليس لنفس الأهداف.

دأب بعض شباب دوار “سكارا” على الاستيقاظ خلال أولى ساعات الصباح، دوار “سكار” المترامي على حدود سلسلة جبال الريف، يحملون معداتهم ”البالية” ذالقين أقدامهم هناك في اتجاه الجبل، بحثا عن حبات الزيتون، ممن “خالفها الحظ” وألقت بها عواصف نونبر و”بعثرتها” على قارعة الطريق.

بعد ثلاثة أيام من البحث والتحقيق، توصل “العمق” إلى معطيات ومعلومات حصرية حول ما بات يعرف في المداشر البعيدة، والمواسم الشعبية بـ” سرقة الذهب الأخضر”، ظاهرة تنتشر كالعدوى خلال المواسم التي تسبق جني ثمار الزيتون بسرعة كبيرة، الذي يصادف شهري أكتوبر ونونبر.

في إعادة لتركيب الوقائع، من باب الكشف عن الأسرار الخفية التي تحيط بهذه الظاهرة، كان لا بد من إيجاد إجابات حول، من يمتهنها؟ وما الذي يدفع هؤلاء إلى مواجهة البرد والمصير المجهول لجمع أكبر كمية من الزيتون “المسروق”؟ ومن يستفيد من هذا “الفعل الاجتماعي المشبوه”؟ وكيف تقرأ السوسيولوجيا القروية مثل هذه السلوكيات؟

طريق شاقة

لم تمنع طبيعة التضاريس الوعرة دون الوصول إلى مدشر “سكار” الواقع على تراب الجماعة القروية بني كلة، على بعد حوالي 10 كلم من مدينة وزان. للوصول إلى “سكار” مشيا على الأقدام، يستدعي تحمل تعقيدات المسالك الجبلية الوعرة، والتساقط اللامتناهي للأحجار من منحدر الجبل.

هنا سكار، كل شيء بدا عاديا في هذا المدشر الريفي الفريد، وكأنه خارج عن جغرافيا الخريطة، تتراءى أمام ناظريك نساء تجمعن في حركة دؤوبة لتجميع الحطب استعدادا لمواجهة يوم جديد من أيام نونبر القاسية في هذه المناطق العارية، وفي جانب آخر من الفضاء الواسع تشاهد صبية يلعبون في مرح طفولي غير بعيد عن بيوت قروية بنيت من طين، بينما تلمح شبابا في جهة أخرى وهم على أهبة رحلة أخرى معتادة في اتجاه الجبل.

يكاد الناس هنا يصرون على حكاية لصوص الزيتون في هذه المنطقة، ويفصلون حكايتهم عن محاولة ثلاثة أشخاص غرباء عن القرية، من المداشر المجاورة، سرقة محصول الزيتون والعبث بأشجاره قبل أن تعمل مجموعة من شباب الدوار على ضبط أفرادها قبل أن”يحاكمونهم” على طريقتهم المفضلة التي اعتادوها في مثل هذه الوقائع التي تجري بين الفينة والأخرى.

يحكي، أحد أبناء المدشر، مصطفى، شاب تجاوز عقده الثاني بقليل: “في مثل هذه الحالة، تتم معاقبة “الخونة” بأقصى العقوبات، إلى حد الضرب والإذلال بهم أمام سكان القرية”.

مدشر خارج التحكم

قساوة طبيعة فضاء “سكار” لا يوازيه إلا الحدة التي تجدها في مزاج أهاليها التي تصل أحيانا إلى سلطوية متباهية بنفسها، وكأنهما يسيران على خط واحد متناغم، لا صوت يعلو على صراخ الفلاحين الحانقين غضبا، أو ليس الإنسان ابن بيئته!؟

اعتاد فلاحو “سكار”، بين الفينة والأخرى، الإعلان عن سقوط ضحايا جدد: فلاحون يتم العبث بمحصولهم الزراعي عنوة من قبل مجهولين.

إذا كان الريفيون اعتادوا حمل البنادق لدرء الخطر الذي قد يهدد نشاطهم الفلاحي، فإن سكان قرية “سكار” دأبوا على حمل الهراوات كوسيلة لتحقيق العدالة في وسط بدا خارجا عن “رادار” السلطة.

يحكي محمد، الذي عايش الكثير من أطوار المحاكمات المفتوحة التي يتفنن فيها سكان القرية في معاقبة من يعتقد أنهم جناة: “في الأسبوع الماضي، تعرض بعض من تم ضبطهم متلبسين، للضرب والرفس، وفي بعض الحالات يدخل المنطق القبلي في معاملة هؤلاء الجناة، يوضح: إذا كان السارق من منطقة قريبة من “سكار”، فإننا نتعامل معه بحساسية كبيرة، وفي بعض الأحيان لا ندعه يرحل” حتى نستدعي ولي أمره”.