مجتمع

مخازن أوجكال.. أصالة التراث المعلق في عمق جبال الأطلس الكبير (فيديو)

مخازن أوجكال

تعددت القصص بشأنها واختلفت تسميتها، فمن الناس من يسميها بـ”المطامر العالية”، ومنهم من يسميها “بالمخازن المعلقة”. وبالأمازيغية تدعى «تيحونا أوجكال». تثير انتباهك بتواجدها في عمق جبال الأطلس الكبير.

بعد قطعك مسافة طويلة وعرة بين أشجار البلوط، وعلى مستوى حافة جرف منيع يطل على وادي عطاش بجماعة بوتفردة بإقليم بني ملال، تقف مندهشا من الجمال الفائق، تحدق كثيرا سرعان ما يظهر لك معمار معلق فريد في بنائه، يكاد يكون غير مرئي، تلمس فيه من أول نظرة ابداع الانسان القديم.

موقع فريد من نوعه يستمد أصالته من البيئة الطبيعية المذهلة التي تشكل مع الوادي تشكيلات رائعة منعزلة عن طريق النهر الذي يتعرج تحت الهضبة التي تهيمن على المشهد.

مكان مخازن أوجكال

تقع مخازن أوجكال على علو يقدر بحوالي 2000 متر على سطح البحر، في الجهة الشمالية للأطلس الكبير الشرقي، بمنطقة لا تفصلها عن جماعة بوتفردة، قيادة تيزي نسلي، دائرة أغبالا إلا حوالي 5 كيلومترات، وتمتد على شريط صخري يفوق الكيلومترين وعلى ارتفاع يزيد عن 450 متر فوق واد عطاش.

تنقسم مخازن أوجكال إلى قسمين غير متصلين مكونين من 350 و400 غرفة للتخزين. مخازن يتم الوصول إليها من فوق وتسمى المخازن العليا والأخرى تدعى المخازن السفلى يتم الولوج إليها من تحت، عبورا من غار مبني بأدرج من خشب، ولا يمكن الوصول الى هذه المخازن دون مرافقة مرشد له دراية تامة بتضاريس المنطقة.

تاريخ المخازن

محمد العاملي أستاذ التاريخ والتراث الجهوي بجامعة السلطان مولاي بني سليمان ببني ملال، يحكي لجريدة “العمق” أن تلك المخازن ارتبط ظهورها بنمط العيش المعتمد على الترحال ونصف الترحال الذي يفرض على القبيلة التنقل بين المراعي المفتوحة لاستقبال الماشية. وكان لابد من ترك جزء من الممتلكات المادية والعينية في مكان آمن إلى حين العودة.

ويواصل العاملي حديثه قائلا: “تحسبا لسنوات الندرة بسبب قلة المحصول الناتج عن التقلبات المناخية، وبُعد الأسواق، وصعوبة المسالك غير المعبدة، وانعدام الأمن كان لابد من التفكير في تخزين المواد العلفية والمؤن، وقامت هذه المخازن المعلقة بهذه الأدوار، بالإضافة إلى كونها أمكنة آمنة مجهزة يمكن أن تستوعب النساء والأطفال والماشية في الأوقات الصعبة”.

من بنى المخازن؟

تحتفظ الذاكرة الجماعية بروايات متعددة تنسب بناء هذه المخازن المعلقة تارة إلى آيت ويدير، وتارة إلى آيت إيمور، وتارة أخرى إلى آيت عبدي، وحسب الدراسات القليلة التي أجريت حول الموضوع فإن بناء هذه المخازن بالأساس يعود إلى القرن 17 أو 18 عشر الميلادي.

هذه القبائل اختارت قلب جبال الأطلس الكبير الشرقي الواقفة والمطلة على واد عطاش، لبناء مئات المخازن معلقة غير مرئية، على شكل منازل صغيرة مرتبة على نسق رائع تتوسطها نوافذ للتهوية الشيء الذي يجعل منها تكييفا هوائيا طبيعيا للحبوب والمواد المخزنة، وقد اعتمد في بنائها على مواد طبيعية متواجدة بالمنطقة من تراب مدكوك وحجر جاف وخشب يابس.

نظام المخازن

عبد العالي ندير، أحد مرشدي المنطقة، يحكي لجريدة “العمق”، أن كل قبيلة كانت تتوفر على مخازن محروسة بحارس واحد، يتم التواصل معه عن طريق كلمة السر التي تكون في علم كبير كل عائلة فقط من القبيلة، هذا الحارس الذي تكون له دراية كاملة بكل أبواب المخازن، يساعد أصحابها على استخراج مؤونتهم، عبر عملية كانت تتم بين طلوع الفجر والعصر، تفاديا لاعتراض قطاع الطرق طريقهم ونهبهم محاصيلهم.

وتفاديا لترك المخازن بدون حراسة يضيف المتحدث أن القبائل كانت تشترط في الحارس أن لايكون فقيرا، كي لا يطمع في المخزون، وأن لا يكون غنيا كي لا يستغي عن حراسة المخازن.

لم يكن مسموحا لأي شخص، باستثناء الحارس وعائلته، السكن في هذه المخازن فهي بمثابة مكان مقدس غير مسموح لأي أحد كان ارتكاب ما من شأنه تغيير وظيفته.

وفاء الحارس وإخلاصه في مهنته قد يجعله على رأس المخازن مدى الحياة، في حين كانت أجرته عبارة عن شات أو عبرة شعير لكل عائلة.

ظلت هذه المخازن، حسب الأستاذ محمد العاملي، إلى حدود السبعينات، تستغل من طرف فخذتان من قبيلة آيت عبدي وأ آيت سخمان و آيت الربع و آيت وغاض وآيت بندق و آيت مرشيدان، فكانت خزانا لمؤنتهم الأساسية من سمن وعسل وحبوب وصوف، كما لعبت هذه المخازن إبان الاستعمار الفرنسي للأطلس دورا مهما في المقاومة التي خاضتها قبائل أيت سخمان وكانت محطة خلفية للتموين وتخزين السلاح، حينها لم تعد قبيلة آيت عبدي وحدها من يستغل هذه المخازن بل استفادت منها حتى بعض القبائل المجاورة.

عوامل كثيرة ساهمت في الاستغناء عن استعمال هذا المخازن الجماعية منذ السبعينات، أهمها حسب الأستاذ العاملي، القيم الثقافية خصوصا المرتبطة بالاستهلاك اليومي وعدم الحاجة إلى التخزين بسبب انتشار الأسواق وفك العزلة والأمن الذي أصبح يعم المنطقة.

رواج سياحي بالمنطقة

رغم أن هذه المخازن لم تعد تلعب الدور الذي كانت عليه قبل السبعينات، إلا أنها أصبحت وجهة سياحية بامتياز باعتبارها تراثا إنسانيا موغلا في القدم، يقول المرشد عبد العالي ندير إن المنطقة بفضل هذه المعلمة التاريخية العريقة أصبحت تعرف رواجا سياحيا من كل الدول والجهات، يأتون رغبة في اكتشاف الحياة البدائية القديمة التي كانت تعيشها القبائل، ويعيشون المغامرات الصعبة مرورا بذلك المسار المطل على واد عطاش، مستغربين كيف كان الإنسان يقطع كل هذه المسافة الخطيرة وهو محمل بالأثقال للوصول الى المخازن.

من جانبه يقول الأستاذ محمد العاملي إن هذه المخازن حظيت باهتمام بالغ من قبل المسؤولين بجهة بني ملال خنيفرة، خصوصا وأنها واسطة عقد المنتزه الجهوي مكون (Geo parc M’goun)، وأفاد أن هناك محاولات حثيثة لترميم هذا التراث المعماري الفريد وجعله مقوما من مقومات السياحة الثقافية الجبلية، إلا أن هناك مجموعة من الإكراهات يضيف العاملي تقف عائقا أما هذه العملية من أهمها، كثرة الملاك للمخزن الواحد، وعدم اتفاقهم وانخراطهم التام في سياسة الترميم، وكذلك عدم استقرار بعض الملاك بالمجال نفسه مما يتعذر معه القيام بمهام الترميم في غيبتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *