مجتمع

زواج القاصرات بالمغرب.. اغتصاب قانوني وإرهاب موصوف

“كنت كطفلة أحلم أنني سألبس فستانا أبيض حين أتزوج.. كبرت وتم تزويجي ولم ألبسه ” جليلة صادق

منذ أول تسريحة لشعرها، تحلم بفستان أبيض يملأ غرفتها فرحا وزغاريدا، ترتديه حين تكبر وتنتظر وراء حجاب مطرز قدوم فارس أحلامها فوق حصان أبيض، يغمرها حبا وتعيش معه في سعادة وهناء.

هي قصة كلاسيكية وحلم تحيك تفاصيله طفلات العالم، لكن في المغرب يصبح الحلم حقيقة قبل أوانه بل يتحول إلى كابوس لا مفر منه، فتصبح الطفلة امرأة بين عشية وضحاها، لون فستانها الأبيض يصطبغ بالأحمر، لتغتصب بذلك براءة طفلات باسم الدين والتقاليد في بلد يرزح تحت وطأة الفقر والجهل.

وحسب تقرير لمنظمة “Girls not brides”، خلال لقاء لها بالمغرب العام الماضي، فإن 15 مليون طفلة يتم تزويجها حول العالم، أي بمعدل 28 طفلة تتزوج كل دقيقة، وتؤكد المنظمة أنه إذا لم يتم اتخاذ التدابير اللازمة، فإن عدد الفتيات القاصرات اللواتي سيتم تزويجهن بحلول العام 2050، سيبلغ 1,2 مليار فتاة.

في المغرب، انخفضت نسبة زواج الطفلات إلى النصف خلال الثلاثين سنة الماضية، وأصبح القانون يجرم هذه الظاهرة منذ سنة 2004. إلا أن 16٪ من الفتيات المغربيات تتزوجن قبل سن 18، ولاسيما في المناطق القروية.

وجاءت مدونة الأسرة الجديدة، بتشريعات قانونية، نصت المادة 19 منها، على السن القانوني للزواج، والذي حددته في 18 سنة، إلا أن المدونة تحتوي على ثغرات قانونية، الشيء الذي جعل من نسبة زواج القاصرات ترتفع من 35000 فتاة قاصر تزوجت سنة 2013، مقارنة مع سنة 2004 التي بلغت خلالها 18000 حالة.

جليلة صادق، تعيش رفقة أولادها الستة في بيتها المتواضع بواويزغت- إقليم أزيلال، أزالت نقابها الأسود على وجهها الحسن بابتسامة تخفي وراءها الكثير من الحزن، لتسرد حكايتها بكل تحسر.

اغتصاب بقوة القانون
“لا يمكنني أن أسمي هذا زواجا، إنه لا شيء، إنه اغتصاب بقوة الدين، التقاليد والقوانين” تقول جليلة، 27 سنة. وتضيف “عائلتي لم يسألوا رأيي أرغموني على الزواج رغم رفضي المستمر، لكن في نظرهم لما تبلغ الفتاة تصبح مصدرا للمشاكل وبالتالي تم تزويجي، لم يكن هناك عرس بل فقط ليلة لبست فيها الأسود”، وتستطرد ” كنت بحال شي سلعة تباعت وتشترات”.

أصبحت جليلة، التي تزوجت طفلة في ربيعها 15، “امرأة بدون أدنى حقوقها كزوجة” على حد تعبيرها. ودخلت قفص الزوجية لتخرج من رحاب العلم والمعرفة، وقالت: “لم يكن لدي أحلام كبيرة كنت أريد أن أعيش كباقي الأطفال، وأتعلم لكن أبي أجهض حلمي”.

أجهض والد جليلة حلمها كما أن القانون المغربي لم ينصفها، حيث تصف مدونة الأسرة ب”حكايات ألف ليلة وليلة”، وتقول “إنها لعبة قذرة تلعبها الدولة وبعض الجمعيات الحقوقية لتستغلنا”.

وإلى حدود اليوم يرفض القاضي ملفات طلب طلاق جليلة، في حين لازالت تعاني من العنف بشتى أنواعه، وتصرح: “قدمت أربع دعاوى طلاق منذ سنة 2001 وكلها رفضت لأنني أقول الحقيقة، بلدنا ليس بلد قوانين ونحن مجرد ملفات فوق مكاتب المسؤولين”.

صديقة جليلة (السعدية)، 41 سنة، تزوجت في 14 عاما، تم تزويجها برجل فقير، هجرها منذ 9 سنوات وكان يكبرها بضعف عمرها، وقال لها حينها أباها “إما تزوجيه ولا نسخط عليك”، رغم أنها لم تكن تعرف معنى الزواج كانت تحسبه مجرد حفل.

أنجبت السعدية ثلاثة أولاد بنتين وابن، البنت الصغرى، خديجة16 سنة، كانت والدتها تريد تزويجها لكنها رفضت وأصرت على إكمال تعليمها، والبنت الكبرى، حكيمة 24 سنة، تزوجت رغما عنها في ربيعها 17 برجل أكبر من أمها بسنة (42 سنة)، وتؤكد السعدية أن حكيمة لم تكمل دراستها لأن ليس لديها إمكانيات مادية كافية لذلك.

أما ابنها، 21 سنة، غادر الدراسة ويشتغل بأكادير في مزرعة بعد أن تطلقت أمه طلاق الشقاق و”ذهابه أفضل من بقائه”على حد تعبير أمه.

تعيش السعدية الآن في غرفة واحدة مع أختها المطلقة حياة، التي تزوجت في 13 سنة وطلقت قبل ربيعها 18، بعد أن أنجبت طفلين، حياة رفضت أن تحكي قصتها، وقالت: “لا شيء سيتغير ولا يمكنكم أن ترجعوا لي طفولتي التي ضاعت”.

من القرية نفسها، حكيمة 45 سنة، أم لثلاثة بنات، تزوجت بـ”الفاتحة” ابنتها الكبرى في ربيعها 16 هربا من الأوضاع المزرية التي تعيشها أسرتها، وبعد أن أنجبت لم يثبت نسب ابنها بسبب تهرب زوجها من إبرام عقد زواج وتسجيل الابن في دفتر الحالة المدنية.

حفيد حكيمة، الذي يبلغ من العمر سنتين وبضعة أشهر الآن، لايزال القانون غير معترف به، وأمه لم تعد تهتم لأمره على حد تعبير حكيمة، وتضيف: “ذهبت إلى مدينة بني ملال لتكمل دراستها وأنا من يهتم بحاجيات حفيدي وتربيته”.

في هذا السياق يؤكد القاضي المغربي محمد الهيني لجريدة “العمق المغربي” أنه طالما المشرع لا يعاقب على عدم توثيق عقد الزواج وفق الشكل القانوني ولا يعاقب من قام بتزويج قاصر، ولا يعاقب على الإكراه في الزواج من طرف الولي، وطالما أن القانون لا يزال يسمح بتقديم دعوى ثبوت الزوجية، فإن هذه الحالات مرشحة للارتفاع، على حد تعبيره.

وأضاف المتحدث ذاته أن “زواج القاصرات في تزايد مستمر، لا سيما إذا استحضرنا كون التساهل مع الحالات المستحدثة للزيجات غير الموثقة في حالة وجود أبناء يؤدي إلى التشجيع على تفشي الظاهرة في إطار مجتمع يجعل من وجود فتاة داخل الأسرة عبئا إضافيا لا يمكن التخلص منه إلا بالزواج”.

أما في نظر الشريعة الإسلامية يعتبر تزويج القاصرات محل اختلاف الفقهاء، فهناك من اعتبر أن الزواج جائز من ناحية مشروعيته، فيما اعتبر آخرون أن تقييد المباح بالمصلحة جائز شرعا كذلك. إلا أن الإشكالية المطروحة أمام الشريعة الإسلامية في مواجهة ظاهرة زواج القاصرات تكمن في عدم تحديدها لسن معينة لزواج القاصر واكتفت بشرط الوالي، التي تركت له سلطة تقديرية للنظر ما إذا كانت مصلحة الفتاة في تزويجها قاصر أم لا، ويستند الكثير من الموالين لهذا الطرح لزواج النبي محمد صلى الله عليه وسلم من عائشة وهذا الفعل حسب قولهم يدل على الإباحة.

ازدواجية المرجعية وحكومة رجعية

تقول نجية لبريم، عن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان “إن القانون المغربي يعرف ازدواجية مرجعية قوانينه فنجد المواثيق الدولية من جهة، والدين من جهة ثانية، رغم أن الدستور يعترف بسمو المواثيق الدولية على القوانين المحلية لكنه قيدها بموافقة البرلمان، كما أن المغرب صادق على اتفاقية حقوق الطفل”.

“إلا أن مدونة الأسرة تركت هامشا للقاضي بتزويج الفتاة أقل من 18 سنة، في حين أن الإجراءات المتعلقة بالمساطر التي يجب أن يسلكها القاضي لا يعمل بها وأغلب الحالات تكون بطرق ملتوية” كما تؤكد لبريم في تصريح لجريدة “العمق المغربي”.

وتضيف أن أحد أهم الأسباب، إضافة إلى الإكراهات الاجتماعية والاقتصادية، التي تزيد من ارتفاع الظاهرة، هو غياب مكاتب لإبرام عقود الزواج بالبوادي، وتصرح: “من يريد أن يبرم عقد الزواج يجب عليه السفر إلى المدينة والإمكانيات المادية غير متوفرة، وبالتالي يقع زواج “الفاتحة” دون رقابة على السن، فتتزوج الفتاة حتى في 10 سنوات بالفاتحة وتحبل، ويمكن أن تطلق قبل إبرام عقد ويبقى الأبناء دون إثبات النسب “.
ولهذا الغرض دافعت العديد من الجمعيات المغربية على تجريم تزويج القاصرات واللاتي استندن في هذا الدفاع على التقارير الأممية التي تحذر من الزواج المبكر، حسب تقارير الطب النفسي التي تؤكد على عدم أهلية الفتاة القاصر نفسيا واستعدادها للزواج.

في نفس السياق، أشارت لبريم على أنه ليس لأحد الحق في اغتصاب الطفولة، وأن “الطفل طفل والمصلحة الفضلى للطفل رهينة باكتمال بنيته الجسمانية والعقلية والنفسية”.

واستطردت أن الدولة لديها ازدواجية في مرجعية قوانينها، بحيث تستند على مواثيق دولية وعلى الإسلام في نفس الوقت. وقالت: “إن الإسلام يدخل في قضايا المرأة فقط أما القضايا الأخرى كلها مدنية، بحيث أن السارق في المغرب لا تقطع يده”.

وأضافت لبريم، “مع الحكومة الحالية توجد تراجعات كبيرة وخطيرة وتشرع قوانين رجعية، وأخطر تراجع علمناه لما سألنا وزيرة الأسرة عن زواج القاصرات فأجابت ما هو المشكل إذا كانت الفتاة “فاخرة”.. كما لوكنا نزوج الفتاة ب”الكيلو”، فهذه المسؤولة الأولى عن قضايا المرأة تقول تصريحا من هذا النوع”، على حد تعبيرها.

الحقاوي: قوانيننا ثورية و”حقوقيات” يمارسن الارتزاق

ردا على تهم الحقوقية لبريم عن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، قالت وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية بسيمة الحقاوي، إنها لم تسأل يوما من طرف هذه السيدة، وأنه “لا يمكن أن أقول هذا الكلام، فهذا افتراء كلام ملفق ومكذوب، وكون الإنسان ينتمي لجمعية ما، لا يسمح له بتوزيع الكذب والارتزاق على ظهر المسؤولين، واحتفظ بحقي في متابعة هذا البهتان”.

وأضافت الوزيرة، في تصريح لجريدة “العمق المغربي”، أن الازدواجية المتحدث عنها في القانون هي “مجرد أوهام يريد البعض التسويق لها ليتبين أن له مهمة يدافع من خلالها على المرأة والأطفال أو لتحصيل مكاسب وراء ذلك”. مؤكدة أن للحكومة مرجعية وحيدة تلجأ لها عند الصياغة والتطبيق والتقاضي في كل النوازل وهي القانون المغربي، أما عن منطلقاته فالدولة حسمت في هذا الأمر منذ أمد طويل.

الحقاوي قالت أيضا إن بعض “الحقوقيات” أصبحن اليوم يقمن بمهام الفاشلين من خلال إطلاق الأكاذيب والتهم الملفقة بعد أن لا حظوا أن مكاسب عدة بدأت تتحقق للمرأة والطفولة المغربية على أرض الواقع وليس مجرد شعارات، وأضافت إن الحقوقية التي تكذب عن الوزارة، “كان حريا بها أن تشكرها لأن قوانين لم تغير منذ 20 سنة أصبحت اليوم حقيقة، وأن بعض البنود المتخلفة التي غيرتها هذه الحكومة، كان واضعوها ينهلون من نفس مرجعية هذه الحقوقية”.

وعبرت الحقاوي عن استغرابها ممن “يدعي الدفاع عن المرأة والطفولة ثم يعترض على قوانين في صالح المرأة والطفولةّ، من قبيل مشروع قانون هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، الذي دخل للمستشارين منذ أزيد من شهر و20 يوما، ولم يبرمج له أي تاريخ مناقشة حتى اليوم.

الحقاوي دافعت عن حكومة بن كيران وقالت إنها أصلحت الفصل 475 من القانون الجنائي الذي كان يسمح بزواج المغتصب من الضحية، وقدمت قوانين ثورية من قبيل مشروع قانون هيئة المناصفة ومكافحة التمييز والتي صادق عليها مجلس النواب، وأيضا قانون مناهضة العنف ضد المرأة.

هنا داعش

هن طفلات أثقلت خطواتهن أوضاع مادية مزرية نحو علم ضاع مع زواج إجباري، ليصبحن فريسة سهلة يمكن خداعها واستغلال ظروفها من قبل الجماعات الإرهابية، فهناك العديد ممن فكرن بشكل جدي في الانضمام لهم. فما الذي يدفعهن لترك حياتهن والتفكير في الذهاب نحو المجهول؟

تقول جليلة صادق، “دافعت عن نفسي بكل الوسائل وتعودت على الصبر رغم كل العقبات، لكن حد التعذيب لم أقو، خاصة عندما أرى أطفالي يضربون ويجوعون أمامي وأنا مكتوفة الأيادي لا أنام”.

وتضيف”أصبحت حياتي غير متحكم فيها ومضطربة، ومادام وطني لم يحتضني بدأت أبحث عن جماعة تحتضني شريطة أن تتكفل بي وبأطفالي وكنت أفكر كل ليلة بالالتحاق بداعش أو ببوكوحرام” .

واستطردت،”صعب أن تعيش دون أهل ودون دعم ودون وطن ، نشعر وكأننا لاجئون وينقصنا فقط أن نشكر من يتحكمون بهذا الوطن أنهم تركونا أحياء ولو كان تنظيم “بوكو حرام” أجابني من قبل لاستجبت لهم شريطة أن يحموا أطفالي لأنني مستعدة لبيع نفسي من أجلهم”.

أما مريم (التي فضلت عدم ذكر اسمها الحقيقي) 22 سنة، ليست أحسن حالا من جليلة، فهي الأخرى فكرت في الإلتحاق بداعش بعد أن كانت تبحث في الأنترنت على سبل الالتحاق به وتجد عروضهم “مغرية” على حد وصفها.

وعن وعيها بخطورة الأمر قالت وهي تبكي، “لن يكون أسوأ من الوضع الذي عشته وأخطر من طفولة اغتصبت”، وأضافت، “كنت أفضل الموت عن الاستمرار في منزل ذلك العجوز الذي اغتال براءتي، ودمر أحلامي”. مريم، التي تزوجت في سن 16، عادت إلى حضن عائلتها بعد أن توفي زوجها “العجوز” قبل أيام.

صرخة منى

“نحن فتيات يعانين من الحزن ونعيش في خوف بسبب ما عاشته أمهاتنا، من احتقار وظروف معيشية سيئة”. منى (10 سنوات). ابنة جليلة، التي تلبس حجابا أفغانيا أسودا كوالدتها أرادت إيصال صوتها عبر رسالة مكتوبة، ومما جاء فيها: “أوقفوا اغتصاب أمهاتنا بقوة القانون، نحن نرفض بشدة أن نعيش مع هذه الظاهرة أو نعيشها، فلماذا الصمت عن قانون يقنن العبث بالطفولة؟”.

وتضيف “إني أسأل جمعيات حقوق الإنسان أليس لهؤلاء النساء الحق في العيش بكرامة؟ أليس لهن الحق في التمتع بطفولتهن وحماية أجسادهن؟ الحقيقة أن والدتي التي تعرضت لاغتصاب والتي كانت تضرب كل يوم تخيفني، وأنا أسأل العالم أن يأخذ تزويج الطفلات بعين الاعتبار لرعاية هؤلاء النساء وحمايتهن”.
رسالة قوية تريد منى إيصالها للعالم، في حين تحلم أن تصبح قاضية وتحقق حلم والدتها جليلة وتشتري لها فستانا طويلا أبيض، يخفف سواد حياتهما.