وجهة نظر

من مهرجان موازين والمخطط الأخضر إلى كأس إفريقيا للأمم

لو أن مغربيا يعيش في أحد أرياف المغرب، تم تخييره بين (المخطط الأخضر)، الخاص بغرس أشجار الزيتون، الذي تشرف عليه وزارة الفلاحة، وبين مهرجان (الغناء والرقص) موازين، وبين مشاهدة مباريات الفريق المغربي المشارك في نهائيات كأس إفريقيا، من المؤكد، كما هو معلوم جدا، أنه سيختار هذه الأخيرة؛ ويتعفف عن الباقي، وبشكل أكبر مهرجان موازين.

لعل المسؤولين المغاربة، الموكول لهم التحكم في رقاب الشعب وشراء حق نقل المباريات على شاشة التلفاز من عدمها، كان لهم رأي آخر، واختيار آخر، ونزوة أخرى، فذهبوا عكس اختيار ورغبة هذا المغربي الذي يسكن هو والملايين من أمثاله، القرى والأرياف والمداشر. وبدل منحهم ما يمكن أن ينسيهم ما هم فيه، من فقر وذلة ولو لساعات، منحوهم بدل ذلك، المشقة والعنت.

فقد تم الاجتهاد في تنظيم مهرجان للغناء والرقص، وليت لو أنه غناء ورقص كما هو معروف الغناء والرقص؛ وحرصوا على أن يكون النقل التلفزي لهما بشكل مباشر؛ وتعمدوا بأن يلج ذلك، قعر منازل هؤلاء البسطاء البسيطة المبنية بالطوب والحجارة، بسهولة تامة دون أن يكون لديهم مستقبل أو بطاقة استقبال مرتفعة الثمن، أو حتى صحن؛ والتي هي من اللوازم الضرورية لمشاهدة مباريات فريق كرة القدم.

حرصوا أيضا، ومنذ زمن، على إطلاق ما يسمى بالمخطط الأخضر. فأتوا بشتلات شجر الزيتون الرخيصة، وجندوا لذلك العديد من الناس البسطاء، في مقابل دراهم معدودة؛ وأطلقوا الدعايات المجانية، من أجل إنجاح هذا المخطط. فاستطاعوا بعد ذلك، وبعد أن تمت عملية الإقناع بنجاح تام، بغرس أغلب الأراضي الفلاحية التي يملكها هؤلاء الناس. وها هي الآن، مغروسة بشجر الزيتون، لكنها أصبحت أو أوشكت أن تصبح أرضا بورا(من البوار). لأنهم أصبحوا يجدون صعوبة في حرثها كما كانوا من قبل، بسبب الضيق التي أصبحت عليه، بفعل مشاتل شجر الزيتون.

من خلال ما يشاع، فإن الميزانية المخصصة لمهرجان (الرقص والغناء)، ميزانية طائلة. ومع ذلك، لم يجد الساهرون عليها، أدنى حرج في صرفها. الأمر نفسه، يتعلق بميزانية المخطط الأخضر؛ إذ يكفي معرفة المساحة التي شملها، والوسائل التي وضعت رهن تنفيذه، حتى يمكن معرفة كمّ الميزانية التي خصصت له.

لكن، حينما استقصي عن السبب وراء عدم نقل مباريات الفريق المغربي على شاشة القنوات المغربية، وذلك حتى لا يحصل عما أظهرته أحد الصور، التي تناقلها المغاربة فيما بينهم على وسائل التواصل الاجتماعي، من مشهد لأطفال بأحد القرى، وهم يتحلقون حول شاشة صغيرة لهاتف نقال، مرتدين أسمال بالية، وحالتهم كلها مزرية، لمشاهدة أحد مباريات الفريق، خرج المسؤول . . الذي ما كان ليكون هناك في المسؤولية ما لم يكن هؤلاء، بجواب لا تستسيغه العقول. قال إن أولئك، يقصد بهم محتكري البث التلفزي، قد طلبوا منه مقابل ذلك، مبلغا جد مرتفع.

وإذا كان الأمر كذلك، وكان السبب اقتصادي محض، وتخوفا على ميزانية الدولة التي تعرف عجزا مرعبا، فكيف تم استثناء تنظيم مهرجان موازين ومعه المخطط الأخضر من ذلك، فضلا عن العديد من الأمور التي تشيب لها الولدان؟ ثم ما الذي جعل جارتنا الجزائر، تنجح في شراء حقوق نقل مباريات فريقها المشارك أيضا في كأس الأمم الإفرقية، فيما نحن، الدولة التي تملك أكثر مما تملك هي، فشلنا وعلقنا فشلنا على مشجب القنوات القطرية التي نشاركها الدم والملح والطعام والعروبة؟

لكن، فإذا كانت نتيجة البرنامج الأول، برنامج موازين ونقله مباشرة على شاشات التلفاز المغربية معروفة، والتي(النتيجة) لا يمكن أن تغطي على ما يعيشه هؤلاء من فقر مدقع؛ وكان الهدف من المخطط الأخضر، تعبير عن نوايا مفعمة بالطموح؛ كثيرا ما أعرب عنها المسؤول عن هذا المجال جهارا نهارا. فإن إختباء المسؤول الذي فشل في الفوز بصفقة نقل مباريات فريق كرة القدم، وراء ما قاله من تبريرات، تتناقض مع الواقع الملموس الذي يعيشه المغرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *