منتدى العمق

وضعية المرأة ضمن الإصلاح القانوني والحقوقي في عهد محمد السادس‎

منذ اعتلائه العرش سنة 1999، أعطى الملك محمد السادس أهمية كبرى لخلق مجموعة من المشاريع والأوراش التنموية الكبرى التي تصب في مصب المضي بالمغرب قدما في طريق النمو أملا في جعله ضمن ركب الدول المتقدمة، وذلك من خلال العمل وفق استراتيجية تأخد بعين الإعتبار أهم التغيرات والتطورات الوطنية والدولية.

وإيمانا منه بأهمية المرأة كفاعل رئيسي في الإصلاح التنموي الذي يقوده جلالته، أعطى هذا الأخير أهمية تليق بكرامة المرأة باعتبارها نصف المجتمع شأنها شأن الرجل، وذلك وفق مقاربة تشاركية تقوم على مبادئ المساواة وتكافئ الفرص.

إن هذه الأهمية التي أولها الملك محمد السادس للمرأة المغربية تتجسد في ترسيخ مكانتها العالية وضمان حقوقها المشروعة والعادلة (الحقوق والحريات الإجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية…) تشجيعا لها من جلالته للمساهمة في تنمية البلاد من خلال العمل على بلورة نموذج تنموي يستجيب لكل متطلبات العصر، مع ضرورة عدم إغفال آثاره شريحة من شرائح المجتمع.

لكنه رغم هذه الأهمية والمكانة المتميزة التي تحتلها المرأة اليوم في المجتمع المغربي بفضل السياسة الحكيمة والرؤية السديدة لجلالة الملك في جل المجالات عموما، وفي مجال النهوض بوضعية المرأة خصوصا، إلا أنها لا زالت تعترضها تحديات. فماهي الحماية القانونية وأهم المكتسبات الحقوقية التي استفادت منها المرأة المغربية في عهد محمد السادس؟ وماهي أبرز التحديات التي تقف حاجزا دون استكمال ورش النهوض بواقع النساء المغربيات؟

أولا: الحماية القانونية والمكتساب الحقوقية.

لم يتم تحقيق الشيء الكثير في مجال النهوض بواقع المرأة المغربية خلال فترة الإستعمار، وهذا راجع لسياسة المستعمر التي تقوم على فلسفة الإهتمام بالجوانب الإقتصادية والسياسية، مع إهمال للجوانب الأخرى خاصة المجال الحقوقي.

لكنه في فجر الإستقلال اتجه المغرب إلى وضع سياسة تحرير المرأة وتشجيعها على الإنخراط في الميادين الإقتصادية والسياسية والتعليمية، ولعل أهم ثمرات هذه السياسة هي العمل على وضع مدونة الأحوال الشخصية كمرجع وإطار للأسرة المغربية.

رغم أهم المكتسبات الحقوقية والحماية القانونية التي جاءت بها مدونة الأحوال الشخصية لصالح المرأة إلا أنها تشوبها اختلالات خاصة في توازن العلاقة بين الجنسين، وكذلك تجدر بعض التقاليد والأفكار داخل المجتمع، التي تحصر عمل المرأة في الأدوار التقليدية (ربة بيت).

في ظل هذا الواقع تولى الملك محمد السادس العرش، واتخد من المبادرات التنموية والتشريعية وسيلة للنهوض بواقع المرأة المغربية، من خلال تشجيعها للحصول على حقوقها في جميع المجالات.

ولعل أهم هذه المبادرات، تغيير مدونة الأحوال الشخصية بمدونة الأسرة 2004، التي جاءت بمجموعة من المكتسبات الحقوقية، وتعزيز الحماية القانونية للمرأة المغربية خاصة مسألة تكريس المساواة بين الجنسين. وفي مايلي بعض المستجدات التي جاءت بها مدونة الأسرة والتي ترمي إلى تفعيل مبدأ المساواة:

-رفع سن الزواج إلى 18 سنة بالنسبة للزوجين.
-وضع الطلاق تحت مراقبة القضاء.
-استفادة المطلقة من الأموال المكتسبة أثناء الحياة الزوجية.
-تقييد التعدد وجعله استثناء بعد أن كان الأصل في مدونة الاحوال الشخصية.
-اعتبار الولاية حق المرأة الرشيدة تمارسه حسب اختيارها ومصلحتها.
-استبعاد مفهوم الوصاية في الولاية في الزواج.

إن أهمية هذه المكتسبات وغيرها في النهوض بواقع المرأة، تعتبر نقطة اتفاق مختلف الجمعيات الوطنية والدولية الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، خاصة وأن المدونة جمعت بين الأصالة المغربية المنبثقة من الشريعة الإسلامية وقواعد الفقه المالكي، والمعاصرة المبنية على القواعد الكونية العالمية.

مبادرة ملكية أخرى، ترمي إلى إنصاف المرأة المغربية وإقرار حقوقها، تنضاف إلى سابقتها والتي لا تقل أهمية عنها، وهي العمل على دسترة المناصفة والمساواة بين الجنسين في إطار دستور 2011، الذي يعتبر دستور الحقوق بامتياز، من خلال الفصل 19 منه الذي ينص على أنه << يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها.

تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء. وتُحدث لهذه الغاية، هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز. >>
من خلال هذا الفصل يتضح أن أول تجليات مبدأ المساواة في دستور 2011، يكمن في كون المغاربة رجالا ونساء لهم حقوق متساوية كالحق في المشاركة السياسية (الإنتخابات)، ثم الحق في الحصول على الوظائف العمومية، بالإضافة إلى المساواة أمام الضرائب تفعيلا لمبدأ العدالة الضريبية، وكذلك فتح المجال للمرأة للمنافسة على المناصب الإنتخابية لأجل توسيع مشاركة المرأة في صنع القرار السياسي وإعداد سياسات أكثر توازنا وإنصافا في هذا المجال، تحقيقا لمبدأ المناصفة الذي ناضلت من أجله الجمعيات النسائية.

إن أهم الدلالات القوية على اهتمام العاهل المغربي بحماية حقوق المرأة الإجتماعية والصحية بالخصوص، تدخله لحسم الجدل حول مسألة الإجهاض، حيث عمل جلالته على تكليف لجنة مؤلفة من وزير العدل والحريات، ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، ثم رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بعد أن وصل النقاش بين الجمعيات النسائية التي طالبت برفع التجريم الطبي عن الإجهاض بشكل نهائي، والإسلاميين(العدالة والتنمية) الذين عارضوا مطلب الجمعيات النسائية، إلى النفق المسدود.

بعد إجراء استشارات موسعة في الموضوع والبت فيه خلصت اللجنة إلى مايلي:

“الأغلبية الساحقة تتجه إلى تجريم الإجهاض غير الشرعي، مع استثناء بعض حالاته من العقاب، لوجود مبررات قاهرة، وذلك لما تسببه من معاناة ولما لها من آثار صحية ونفسية واجتماعية سيئة على المرأة والأسرة والجنين، بل والمجتمع”.

وارتباطا بالخلاصة أعلاه حددت اللجنة ثلاث حالات يمكن أن يسمح عند توفر أحدها للقيام بالإجهاض وهي؛
✓عندما يشكل الحمل خطرا على حياة الأم أو على صحتها.
✓في حالات الحمل الناتج عن اغتصاب أو زنا المحارم.
✓في حالات التشوهات الخلقية الخطيرة والأمراض الصعبة التي قد يصاب بها الجنين.

إن التدخل الملكي في الوقت المناسب كان له وقع كبير في حسم الجدال ولو جزئيا، وهذا ما أكده مصطفى الرميد وزير العدل والحريات أنذاك، الذي أكد للجزيرة نت أن التدخل الملكي كان ضروريا وجاء في الوقت المناسب.

استجابة لمطالب الحركة النسائية ومنظمات المجتمع المدني، ومن أجل تعزيز ثقافة حقوق الانسان خاصة حقوق نون النسوة، وانسجاما كذلك مع مقتضيات دستور المملكة الذي ينص على مبدأ المساواة وحماية المرأة من كل أشكال التمييز. صادق برلمان المغرب بالإجماع بمجلس النواب في إطار قراءة ثانية على القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء والذي دخل حيز التنفيذ بعد 6 أشهر من نشره في الجريدة الرسمية، وهو قانون جاء في إطار التزام المغرب باستكمال مصادقته على المعاهدات والمواثيق الدولية المؤطرة للمنظومة الحقوقية.

وباستقراء مواد القانون رقم 103.13، يمكن تسجيل مقتضيات إيجابية، سيكون لها وقع كبير على تعزيز وتنمية ثقافة حقوق المرأة وذلك من قبيل؛

✓وضع تعريف للعنف ضد النساء على أنه”كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع أساسه التمييز بسبب الجنس، يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة”.
✓رفع العقوبات المفروضة على بعض أشكال العنف الموجودة في القانون الجنائي عند ارتكابها داخل الأسرة.
✓إدخال جرائم جديدة بما في ذلك الزواج القسري، أو تبديد المال أو الممتلكات للتحايل على دفع النفقة أو مستحقات أخرى ناتجة عن الطلاق، أو طرد أو منع الزوجة من العودة إلى بيتها، والتحرش الجنسي في الأماكن العامة، والتحرش الإلكتروني.

إن أهمية هذا القانون تكمن في سعيه إلى وضع حد لظاهرة العنف ضد النساء، التي تعود حسب العديد من المراقبين لأسباب متعددة مرتبطة أساسا بموروثات ثقافية داخل المجتمع، مطبوعة بنظرة دونية للمرأة، يعززها ارتفاع نسبة الأمية والفوارق الإجتماعية.

وارتباطا بهذا، اعتبرت بسيمة الحقاوي وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الإجتماعية، أن القانون 103.13 من أهم القوانين في الترسنة القانونية المغربية، بعد الثورة التي خلفتها مدونة الأسرة في مجال انصاف المرأة والعمل على تحقيق المساواة بين الجنسين.

وفي تصريح مماثل قالت البرلمانية بثينة قروري، أن هذا القانون يشكل نقلة نوعية في مسار النهوض بأوضاع المرأة المغربية.

ارتباطا بسياق النهوض بأوضاع المرأة المغربية، استطاعت النساء السلاليات كسر حاجز الصمت من خلال حراك ضد بعض الأعراف والقوانين التي تسود مناطق واسعة من المغرب خاصة المنسية منها، والتي تؤول إلى حرمان شريحة واسعة من النساء من نصيبهم من استغلال الأراضي، وهو ما يتنافى مع العديد من الإتفاقيات والمواثيق الدولية المصادق عليها من طرف المغرب.

أمام حراك النساء السلاليات، استجابت وزارة الداخلية لمطالبهن، وذلك بإصدار دورية تحت عدد 60 بتاريخ 25 أكتوبر 2010، تنص على، تمتيع النساء السلاليات من الإستفادة من التعويضات العينية والمادية الناجمة عن المعاملات العقارية التي تعرفها الأراضي الجماعية وذلك إسوة بذوي الحقوق الرجال.

وبعد سنتين صدرت دورية وزارية أخرى تحت عدد 17 بتاريخ 30 مارس 2012 تمكن من استفادة النساء السلاليات من حق الإنتفاع من الأراضي الجماعية موضوع تقسيمات جديدة من طرف الهيئات النيابية، وتنص هذه الدورية على تمتيعهن بنصيبهن من مختلف موروثهن من الأراضي السلالية.

إن الإقرار باستفادة المرأة السلالية من حقها شأنها شأن الرجل، مبادرة أتت في سياق التوصيات الملكية السامية، والرامية إلى إيجاد الآليات الناجعة لتشجيع المرأة للحصول على حقوقها العادلة والمشروعة إسوة بنظيرها الرجل، وذلك تحقيقا لمبادئ المساواة والمناصفة التي كرسها الدستور والمواثيق الدولية، وهي مبادئ تشكل أهم الركائز الأساسية لبناء دولة الحق والقانون.

منعطف آخر، شكل طفرة لحضور المرأة المغربية في مجال القضاء بكل مشاربه، حيث فتح جلالة الملك بشكل حاسم مهنة العدول أمامهن، وهو ما سيعزز تمكين المرأة من حقوقها.

ونظرا لما تحمله هذه المبادرة التاريخية من دلالات على حرص جلالته على النهوض بواقع المرأة المغربية، ثمنت رئيسة اللجنة الموضوعاتية المكلفة بالمساواة والمناصفة بمجلس النواب، السيدة بثينة قروري، قرار السماح للمرأة بالولوج لمهنة العدول، وأكدت أن هذا القرار يعد صائبا.

وقد مكن قرار السماح للمرأة بولوج خطة العدالة المغربيات، لأول مرة في تاريخ المغرب من تقلد هذا المنصب، الذي كان حكرا على الرجال، وذلك بعد نجاح أول فوج يضم 299 إمرأة عدلا.

إن قرار السماح للمرأة بولوج مهنة التوثيق العدلي يؤسس لمسار جديد من مهنة التوثيق العدلي، ويعطي انطلاقة للتفكير الجدي والمسؤول في إصلاح المنظومة القانونية والتشريعية لهذه المهنة، كما أنه يشكل دعامة أساسية لتجاوز الأفكار النمطية والتمييز التشريعي في المغرب، المبني على اعتبارات متجاوزة خاصة تلك المتعلقة بالجنس.

استجابة لرغبة شعبية عارمة، قديمة ومشروعة عبرت عنها الجمعيات النسائية، تجاوبت الإرادة الملكية مع هذه الرغبة بشكل عفوي وتلقائي، عندما أعلن الملك في خطاب العرش، يوم 30 يوليوز 2005 عن مايلي؛

«وتجسيدا لتجاوبنا الدائم مع الانشغالات الحقيقية لكل المواطنين، سواء منهم المقيمون داخل المملكة أو خارجها، ومع تطلعاتهم المشروعة والمعقولة، فقد قررنا، بصفتنا ملكا، أميرا للمؤمنين، تخويل الطفل من أم مغربية حق الحصول على الجنسية المغربية.

وبذلكم نؤكد عزمنا الراسخ على تعزيز ما حققناه من تقدم رائد، بما كرسته مدونة الأسرة من حقوق والتزامات، قائمة، ليس فقط على مبدأ مساواة الرجل والمرأة، ولكن بالأساس على ضمان حقوق الطفل والحفاظ على تماسك العائلة وصيانة هويتها الوطنية الأصيلة.

وحرصا من جلالتنا على التفعيل الديمقراطي والشمولي لهذا الإصلاح، النابع من الفضيلة والعدل وصيانة الروابط العائلية، فإننا نصدر توجيهاتنا للحكومة قصد الإسراع باستكمال مسطرة البت والمصادقة على طلبات الحصول على الجنسية المغربية، المستوفية لكافة الشروط القانونية، كما نكلفها أيضا بأن ترفع إلى نظرنا السامي اقتراحات عقلانية لتعديل التشريع المتعلق بالجنسية، وملاءمته مع مدونة الأسرة، على ضوء تحقيق أهدافها النبيلة، المنشودة من قبل كل مكونات الأمة، وضرورة التنشئة على المواطنة المغربية المسؤولة».

هكذا اتجهت الإرادة الملكية إلى إقرار المساواة بين الأب والأم من حيث إمكانية نقل الجنسية المغربية إلى الأبناء في حالة الزواج المختلط، الذي يكون فيه المغربي طرفا.

فقبل صدور القانون رقم 62.06 سنة 2006، لم يكن الولد المنحدر من أم مغربية يعتبر مغربيا، إلا في الحالات التالية؛

-إذا كان مجهول الأب.
-إذا كان مولود في المغرب من أم مغربية وأب عديم الجنسية.
-إذا كان مجهول الأبوين.

هي مبادرة إذن أتت في سياق التزام المغرب بالعمل على النهوض بواقع المرأة من خلال تكريس مبدأ المساواة، وذلك بالمصادقة على كل من اتفاقية الأمم المتحدة لسنة 1979، المتعلقة بالقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة(سيداو)، والإتفاقية الخاصة بحقوق الطفل لسنة 1989.

في الواقع، شهد المغرب منذ تربع الملك محمد السادس على العرش 1999 تحولا نوعيا في مجال الحقوق والحريات العامة، خاصة تلك المتعلقة بالنساء، وذلك بفضل الأهمية التي أولها جلالته للمرأة باعتبارها جزأ ضمن الرأسمال البشري الذي يعتبر رافعة فعالة للتنمية.

إن هذا التحول، مكن المرأة المغربية من لعب دورا مهما إلى جانب الرجل في استكمال مسار التنمية الذي سلكه المغرب في العقود الأخيرة في شتى المجالات (الإقتصادي، الإجتماعي، الحقوقي…).

لكنه من جهة أخرى، إذا كانت وضعية المرأة خلال فترة محمد السادس، عرفت تحسنا، بفضل مجموعة من المكتسبات الحقوقية والحماية القانونية، فإنها لا زالت لم تصل حد المبتغى، وذلك لمجموعة من الأسباب، مما يستدعي العمل على وضع استراتيجية حقيقية، والعمل وفق مقاربة ناجعة تأخد بعين الاعتبار مبادئ المساواة وتكافئ الفرص.

ثانيا: تحديات النهوض بواقع المرأة المغربية.

لا أحد ينكر التحول الذي عرفه المغرب في مجال حقوق وحريات المرأة، لكنه يجب أن لا ينسينا هذا التحول المعوقات التي تعتري مسار بناء حصن قانوني، وإنتاج منظومة حقوقية تكفل للمرأة حماية أكبر، والمتاعب التي تعاني منها الكثير من النساء، سواء عن طريق التهميش أو الإقصاء وهضم الحقوق.

فرغم أهمية النصوص القانونية، وما تحمله من مكتسبات تاريخية لصالح المرأة المغربية خاصة مدونة الأسرة التي شكلت نقطة تحول في مسار النهوض بأوضاع المغربيات، إلا أنها لا زالت تعرف هوة واسعة بين صلب المدونة والواقع. وهذا راجع حسب العديد من المهتمين إلى طبيعة ما تحمله المدونة في روحها وصعوبة تنزيله على الواقع المغربي، هذا يعني أن المدونة استلهمت مضامينها من التجارب المقارنة، والتي تختلف خصوصيتها مع التجربة المغربية، مما يجعل القيمة العملية للمدونة تقل عن نظيرتها النظرية.

ارتباطا بمدونة الأسرة تثار إشكالية تطبيق محتواها من جانب آخر، خصوصا في حالة عدم تواجد قضاء عادل ونزيه، يضمن للمرأة حقوقها في مواجهة الرجل. فالقاضي إن لم يكن نزيها فسيظلم المرأة، وبالتالي سيزيد من تعقيد وضعية الأسرة عموما.

كما أن المدونة باعتبارها النص الرسمي لحماية المرأة في كل فترات عمرها، لم تستطيع وضع حد لبعض الممارسات التي شكل إلغاءها هدفا الأسمى مثل زواج القاصرات، الزواج غير الموثق والعنف الزوجي خصوصا في المغرب العميق. وذلك نتيجة تنامي الأفكار والتقاليد داخل المجتمع المغربي التي تكرس هذه الممارسات، وكذلك استمرار عقلية التحايل وتجاوز القوانين.

فرغم أهمية محتوى المدونة في تعزيز ثقافة احترام حقوق المرأة، إلا أن تنزيلها على أرض الواقع يطرح إشكالية تعقد المساطر، مما يجعلنا نطرح السؤال التالي: لماذا نعقد المساطر والنصوص عندما يتعلق الأمر بتمكين المرأة من حقوقها؟

من جانب آخر، إذا كانت فرصة التعليم والحصول على شهادات عليا، قد أتيحت لبعض النساء والفتيات مما مكنهم من تقلد مناصب قيادية مهمة والوصول إلى مناصب اتخاد القرار، فإن النسبة الأكبر منهن تعاني من الجهل والأمية خصوصا في العالم القروي، حيث تحرم الفتاة من حقها المشروع والعادل ألا وهو التمدرس، وذلك راجع لمجموعة من الأسباب التي تتحمل فيها الحكومة حصة الأسد، وذلك من خلال سياساتها القطاعية التي تفتقر لنظرة شمولية وناجعة، ولا تقوم على أساس تحقيق العدالة الاجتماعية.

ومن جملة هذه الأسباب نستعرض مايلي:
-عدم توفر المدارس في بعض المناطق، وافتقارها للتجهيزات والمرافق الضرورية في مناطق أخرى.
-تدني المستوى المعيشي للأسر القروية، مما يحتم على الاباء تهميش الفتيات على حساب الذكور.
-النظر للفتاة على أنها موردا اقتصاديا وذلك من خلال إشراكها في مختلف الأنشطة الإقتصادية.

بناء على هذا الوضع، ألا يشكل الأمر تناقضا ونحن نتغنى بالدستور الجديد وما حمله من ترسنة قانونية في هذا المجال، خاصة حق التمدرس الذي كرسه في عدد من فصوله، حيث ينص الفصل 32 في الفقرة ما قبل الأخيرة على أن “التعليم الأساسي حق للطفل وواجب على الأسرة والدولة”.

إن الحرمان من حق التمدرس، وتكريسه في الدستور يجعلنا أما مفارقة عجيبة تؤكد لنا بالملموس أن المساواة والإنصاف والعدالة المجالية وتكافئ الفرص، ما هي إلا مجرد شعارات تتغنى بها بعض الجهات لتحقيق مطالب ضيقة لا أقل ولا أكثر.

إن المغرب اليوم مطالب أكثر من أي وقت مضى، بالعمل على تنزيل مقتضيات الدستور خاصة تلك المتعلقة بالمساواة والإنصاف، لرد ولو جزء من الإعتبار للمرأة المغربية التي تعتبر رمز للكفاح والنظال من أجل مستقبل أفضل. ومن جملة هذه المقتضيات توفير التعليم للجميع باعتباره التحدي الرئيسي الذي يستوجب رفعه، وذلك بالإعتماد على سياسات تربوية تعليمية رائدة للوصول بالمجتمع الذي صادق بالإجماع على مقتضيات هذا الدستور إلى بر التقدم والرخاء.

بفضل نضال مستمر من أجل الكرامة والمساواة وتوفير الشغل للجميع حققت المرأة إنجازات في هذا المجال، لكن المتتبع القريب من هذا النضال يدرك جيدا أن معركة المرأة من أجل التمكين الإجتماعي والإقتصادي لن تكون سهلة.

فعلى الرغم من الجهود المبذولة في مجال التكوين والتعليم، فإن معدل نشاط النساء مقارنة بالرجال عرف تراجعا حسب معطيات المندوبية السامية للتخطيط.

إن ضعف ولوج المرأة لسوق الشغل يعزى إلى مجموعة من الإعتبارات أهمها:

-انتشار الأفكار والتقاليد التي تحفظ للمرأة دورها التقليدي المتمثل في رعاية البيت والأبناء.
-ضعف ولوج المرأة للتعليم.
-عدم التوافق بين التكوين ومتطلبات سوق الشغل.

بناء على هذه المعطيات وغيرها، فإن إصلاح وضعية المرأة والدفع بها إلى المزيد من التقدم وتكافئ الفرص أمام المناصب العليا وسوق الشغل، يحتم على الحكومة وضع سياسات أكثر نجاعة وذلك من خلال البحث عن حلول تربوية واقتصادية واجتماعية تتكامل فيها المرأة والرجل من أجل بناء مجتمع متقدم، يضمن لكل واحد حقوقه وحرياته، وذلك بجعل المساواة والمناصفة وتكافئ الفرص وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية آليات الإشتغال.

تساؤل آخر يطرح بخصوص اللجان الملكية وقدرتها على تحقيق أهدافها. فمثلا اللجنة المكلفة بحسم الجدل حول مسألة الإجهاض الذي أثار زوبعة في الأوساط المغربية. هل فعلا استطاعت هذه اللجنة حسم الجدل ووضع حد للإجهاض غير الشرعي؟

كإجابة على هذا السؤال قال الهايج؛ ” إن ضغط المجتمع سيحول دون لجوء ضحايا الحمل الناتج عن الإغتصاب أو زنا المحارم إلى الإفصاح عنه، وهو ما يعني أن هذه الاستثناءات لن تحقّق العدل والإنصاف”.

من جانبه يرى إبراهيمي أن بعض الحالات التي استثنيت قد تخفض نسبة الإجهاض، إلا أنها لن تضع حدا نهائيا له، لأن السبب في أكثر من 95% من حالات الإجهاض السري، هو العلاقات الرضائية غير الشرعية، أو بين زوجين في إطار التنظيم العائلي.

وفي سياق متصل دعا إبراهيمي البرلمان إلى تحمّل المسؤولية في تدقيق الحالات المستثناة من التجريم، وذلك من خلال لائحة محددة للأمراض التي تهدّد الأم وكذا الجنين بعد تشخيص دقيق للأطباء ذوي الخبرة والاختصاص.

رغم أهمية الحركات الإصلاحية وما جاءت به من مكتسبات، أهمها مجموعة من النصوص القانونية التي من شأنها توفير حماية أكبر للمرأة، إلا أنها لم ترتقي لمستوى تطلعات الجمعيات النسائية وذلك لما تحمله من ثغرات.

فإذا أخذنا مثلا القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، فإنه تعرض لمجموعة من الإنتقادات على غرار باقي النوص الأخرى، ويمكن تلخيص أهم هذه الإنتقادات في مايلي:

-أنه لا يعكس تطلعات الحركة النسائية والحقوقية بالمغرب.

-طغيان المقاربة الزجرية عليه وغياب وسائل بديلة للعقاب، أي أنه يلخص مكافحة العنف ضد النساء في إطار اللجوء إلى العقاب دون اعتماد مقاربة القضاء عليه تلقائيا.
-أنه يخلو من ديباجة تحدد غايته والأهداف المرجوة منه.
-بالرجوع إلى نضالات الحركة النسائية يتضح أنها طالبت بنص خاص لحماية المرأة من كل أشكال العنف، في حين أن هذا القانون جاء في صيغة تعديل لبعض فصول القانون الجنائي والمسطرة الجنائية وليس نص خاص قائم بذاته.

كل هذه الإعتبارات، تجعله قانون فارغ المحتوى، لا يحمل قيمة مضافة للقانون المغربي، لكونه يحتفظ بنفس خلفيات التجريم والعقاب التقليدية مع ضعف آليات وتدابير الحماية.

يعتبر الحديث عن الواقع القانوني والحقوقي للمرأة المغربية من أهم المواضيع التي تحظى باهتمام العديد من المهتمين بمجالات حقوق الإنسان عامة وقضايا المرأة على وجه الخصوص.

ويرجع سبب هذا الإهتمام إلى الأهمية الكبيرة التي تلعبها المرأة داخل المجتمع، باعتبارها شريكا أساسيا في التنمية المطلوبة.وقد شكلت قضية المرأة موضوع اهتمام جلالة الملك محمد السادس، فمنذ توليه العرش وضع قضية ضمان حقوق المرأة ضمن أولويات الإصلاحات المؤسسية في المغرب، وهو ما أكدته خطبه الداعية إلى تعزيز دور المرأة المغربية وإشراكها في صنع القرار.

ولعل ما يعزز هذا التوجه، الرسالة التاريخية التي أعلن فيها جلالته عن رفع المملكة المغربية لجميع التحفظات على اتفاقية سيداو التي وجهها في العاشر من دجنبر 2008، بمناسبة الإحتفال بالذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

بهذا تكون المرأة قد استفادت من الإرادة الملكية الرامية إلى استكمال ورش النهوض بواقع المرأة، وذلك لمنحها المكانة التي تناسبها في المجتمع.

في المقابل، فرغم قيمة المنجزات في هذا المجال فإنه تخللها إكراهات ومعوقات حالت دون تحقيق المبتغى.

فالنهوض بأوضاع المرأة يتطلب إصلاح الإختلالات، والإنتقال من مجرد الإكتفاء بتحديد الأهداف إلى وضع الوسائل الكفيلة بالنهوض بأوضاع المرأة، كما أنه يتطلب تضافر الجهود والعمل على سلب كافة الوسائل التي طالما استغلت لترسيخ دونية المرأة.

* طالب الحقوق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *