مجتمع

ياسمين.. أستاذة حولت معاناتها بجبال الأطلس لأعمال خيرية للتلاميذ والسكان (فيديو)

بصوت مرتفع يرددون عبارة “أستاذة جات أستاذة جات”.. دون أن تفارقهم تلك الابتسامة الخجولة التي ترافق كل أبناء الجبال عند رؤية الغرباء، يستقبلنوها بحماس ويقرأون لها سلام أهلهم إليها، أو يخبرونها بأن أحد التلاميذ سيغيب عن الحصة لأسباب تختلف مع اختلاف الوضعية. لتلامس بعد الحوار المقتضب الأستاذة بيديها رؤوسهم جميعا دون ملل ولا كلل، وتسبقهم إلى القسم لينتظروا إشارة الدخول منها كجنود مروا بتكوين الكوماندوز.

في أعالي جبال الحوز المعروفة بصعوبة تضاريسها، تحديدا بجماعة أغوطيم، تشتغل الأستاذة ياسمين فيتاح بفرعية ثلاث ادرار بمجموعة مدارس أجيكن، وتخوض مع تلامذتها تجارب جمعوية تتعدى أحيانا سور المدرسة إلى سكان الدوار، عبر أنشطة اجتماعية وثقافية وتنموية، وعيا منها بالعائد التي تجنيه لنفسها وللتلاميذ وأهاليهم.


طموح وإرادة

لم يثنها قرار توقف تدريس اللغة الألمانية بالسلك الثانوي عن اقتحام مجال التعليم الذي كانت تطمح للاشتغال فيه، بل سعت جاهدة لتحمل لقب الأستاذة الذي ظلت تتشوق له، فأصبحت بطبيعة الحال أستاذة السلك الابتدائي، في جبال الحوز الصعبة التضاريس والمناخ.

تقول ياسمين “للعمق”: “بعد أن حصلت على شهادة الإجازة في الدراسات الألمانية، لم تعد تدرس هذه المادة رفقة اللغة الإيطالية والإسبانية في المغرب بالثانوي التأهيلي، فقررت أن أبقى وفية لطموحي، فتوجهت إلى السلك الابتدائي الذي يخول لكل الحاصلين على شواهد الإجازة الولوج إليه”.

تنوع ورسالة

أما بخصوص الأنشطة التي تقوم بها ياسمين، فهي أنشطة اجتماعية يكون تحفيز التلاميذ المراد منها، لأنه بحسب كلامها؛ “عندما توفر للتلميذ حاجياته المدرسية، تجعله يتساوى مع زملائه في القسم ولا يحس بأي نقص يمنعه من العطاء وتقديم الأحسن”.

وتضيف الأستاذة التي قضت أزيد من 4 سنوات وهي تشتغل في جبال الحوز، في حوار مصور مع “العمق”، أنه خلال بحثها عن جمعيات للاشتغال، يتفقان معا على أن تتميز الأنشطة المقدمة للتلاميذ بالتنوع، وأن تحقق أهدافا تنموية واجتماعية وثقافية في آن واحد، “لأن ما هو اجتماعي محض لا جدوائية فيه للتلميذ”.

حوار مؤثر

تروي ياسمين مفيتاح، أن الدموع سبقتها يوم ما عندما صارحتها إحدى تلميذاتها بقول بريء طموح:

  • كل متمنياتي أن أسير على خطواتك أستاذتي، وأن أخدم المحتاجين في وطني
  • هل تريدين أن تصبحين أستاذة أيضا؟
  • لا، أريد أن أصبح صحفية مشهورة، وأنقل صوت ناس الدوار

“انتهى الحوار، لكن ثقل المسؤولية أمامي زاد”، تقول ياسمين: “إذ أصبحت منذ ذلك الحين منتبهة أكثر إلى كلامي وتصرفاتي مع التلاميذ، لأنني استوعبت جيدا المسؤولية الملقاة على عاتقي مع أطفال سيكونون يوما رجال هذا الوطن”.

تذمر الأساتذة

تتابع ياسمين في حديثها “للعمق”؛ “أتفهم من خلال تجربتي مع الأساتذة، أن تغييرهم للبيئة والمحيط من المدن إلى القرى يسبب لهم الصدمة، وكنصيحة بحكم تجربتي المتواضعة، فليحاولوا التأقلم مع الوضع بشكل إيجابي، وأن يضعوا أنفسهم مكان ساكنة الجبال”.

وتضيف المتحدثة “أنه عندما ينتاب الأستاذ شعور الانتماء للوسط الذي يشتغل فيه، لن يرى الأمور بشكل سلبي، وأن قيامه بأنشطة ثقافية واجتماعية وترفيهية داخل مدرسته، يساعده في تنشيط مزاجه ويحارب “الروتين” اليومي، الذي يجعل منا سلبيين، ونمرر هذا الشعور لمن حولنا”.

لن أهجر الجبل

بحماس وحَمِية تقول الأستاذة ياسمين، إنها لن تغادر الجبل لتشتغل في المدينة؛ “لا أظن أنه سيأتي يوم وأشتغل في المدينة، أفضل أن أبقى في الجبال ما دمت أستاذة التعليم الإبتدائي، لأنني أحس بحيوية زائدة مع أبناء الجبال، وأستطيع أن أقدم لهم الأكثر فالأكثر”.

وتردف “أن تجربة العمل في الجبال ساهمت في تكوين شخصية ياسمين بعيدا عن الطيش والتمرد اللذين كنت أوصف بهما، فالآن أصبحت أرى الأمور بشكل واقعي، وأحاول ما أمكن قبل الإقدام على أي فعل أن أفكر في مخرجاته، خاصة وأنني أستاذة مسؤولة في منظومة تربوية، وعن جيل صاعد من الشباب”.

دعم وهم

لم تجد الأستاذة النشيطة أي صعوبة في تنظيم أنشطتها التربوية والترفيهية والاجتماعية داخل مؤسستها، بل لقيت ترحيبا ودعما إداريا من مديرية التعليم بالحوز، معتبرة أن “التعاون بين الأطر التربوية والإدارية؛ هو الأساس من أجل خدمة التلاميذ والرفع من مستواهم وقدراتهم ومواهبهم”.

ولا تظن الأستاذة ياسمين، أن “أي أستاذ يريد الاشتغال بشكل إيجابي في مؤسسته، سيجد عراقيل إدارية، خاصة وأن هناك مسابقات جهوية تحفز الأساتذة وتخلق بينهم أجواء تنافسية ستساهم لا محال في تأطير وتربية تلامذتنا على قيم ومعارف إضافية، وهي أيضا مسابقات تحفزنا كأساتذة للإشتغال أكثر، وفي نفس الوقت، يستفيد منها تلامذتنا ليقدموا الأفضل”.

تنقيص وسلبية

تحكي ياسمين، أنه عند بداية مسارها المهني، موسم 2013/2014، وبحكم أنها ابنة المدينة التي انتقلت للعمل في أعالي الجبال، فهذا جعل منها شخصية سلبية تعبر عن مشاعرها على صفحتها الخاصة فيسبوك. “لكن ذلك الشعور اندثر شيئا فشيئا منذ بداية قيامي بأنشطة موازية للتلاميذ”، تقول ياسمين.

وتضيف المتحدثة “أنه بفعل التغيير الذي طرأ على حياتي منذ أن خلقت نوعا من الإيجابية في المجال الذي لم أكن أرغب في الجلوس فيه ثانية واحدة، قمت بمشاركة ذلك على حسابي، فتعجب المتتبعون والأصدقاء من هذا التحول، لذلك اليوم كما ترى، أتلقى تعاليق تنقيص من الأعمال التي أقوم بها”.

“إنه أمر مزعج جدا أن تجد عالم الفيسبوك مليئا بالسلبية أكثر من الإيجابية. لكن هذا لا يحد من غيرتي على تلاميذ الجبل، بل مع بداية كل سنة دراسية، أجد نفسي أفكر بشكل لا إرادي في أنشطلة الدخول المدرسي، وكيف أجاهد من أجل توفير محفظات ودفاتر وأدوات دراسية لهم”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *