منتدى العمق

المكانة الرمزية للمدرس المغربي وعلاقتها بتوافقه السيكوـ إجتماعي

في ظل التناقضات التي تحكم بنية المنظومة التعليمية بالمغرب بين أمس الماضي وآنية الحاضر ، نجد أن هنالك حربا مفتعلة ضد ذاتية المعلم ومكانته الرمزية داخل المجتمع ، فقد أضحت الهوية الشخصية والسيكولوجية والمهنية للمدرس المغربي اليوم ، تعيش تحت وطأة الذل الإجتماعي والإذلال النفسي ، وذلك لعدة اعتبارات تخص الأبعاد التفاعلية بين شخصية الأستاذ وتوافقه النفسي الإجتماعي ، وتقبله لهيئته وشخصانيته داخل الإطار المهني الذي يزاوله . وقد إتخذت هاته الحرب ” المفبركة ” التي شنت ضد المدرس المغربي عدة أشكال : منها ما هو نفسي ، ومنها ما هو إجتماعي ، ومنها ماهو مادي مهني ، وبهذا أصبح المدرس يعيش في صراع دائم بينه وبين المجتمع ككل، لكن ما علاقة البعد الرمزي للمدرس المغربي ، بمكانته القيمية والإجتماعية داخل المجتمع ؟

إن من يساهم في بناء المجتمع لابد أن تكون له مكانته الرمزية حتى يتمكن من آداء مهمته على أكمل وجه ممكن ، فالخاصية التي أثارت أغلب الباحثين في تحليلهم لهذا الموضوع تكمن في إعطاء الأولوية للبعد السوسيوـ سيكولوجي ومدى تأثيره على فعالية الأستاذ داخل الوسط التعليمي ، وكذا في كيفية تمثله لذاته ولهويته المهنية ، ذلك ” أن الأصل الإجتماعي للمدرس يعتبر عاملا هاما في تشكيل وقولبة التوجهات إزاء القيم التي تؤثر في تصرفه داخل قسمه ، بإعتباره الفاعل والمسئول عن العملية التعليمية التعلمية داخل فضائه المهني . حيث أن طبيعة التصورات الإجتماعية ، والتمثلات الرمزية لذات الأستاذ داخل مجتمعه ، يمكنها أن تثمن مكانته وترفع من عزيمته ورمزيته ، كما يمكنها في ذات الآن أن تبخس من مكانته وتنزله إلى الدرك الأسفل من البنية المجتمعية .

وللعامل المادي دور أساسي في تقوية أو إضعاف النسق الشخصاني للفرد داخل المجتمع ، وقد تقهقرت منزلة المدرسين داخل المجتمع المغربي ، نظرا لمحدودية دخلهم وضعف أجورهم ، ولأننا نعيش في مجتمع مادي يعطي القيمة للأشياء أكثر من الأفكار و الأشخاص ” تتحول ـ خلسة ـ الأحكام النوعية إلى أحكام كمية دون أن يشعر أصحاب تلك الأحكام بانزلاقاتهم نحو ( الشيئية ) ، أي نحو تقويم الأمور بسلم الأشياء ، فقيمة الأستاذ أصبحت رهينة بطبيعة سلوكاته الرسمية المبتذلة في الشارع ، ونوعية ” الماركات ” التي يلبسها ، وفخامة المقاهي التي يقصدها … بهذا تعرض المدرس المغربي لقهر إجتماعي ـ مادي ـ تحول على إثره من نموذج صوري ، يحمل معاني الرسولية والأخلاقية التربوية السامية ، إلى كائن مادي يعيش في عالم من ” البروتوكول ” الإجتماعي ، يهدف من خلاله إلى رد الإعتبار لمكانته الرمزية داخل المجتمع ، والبحث عن الإستقلال الذاتي باعتباره ” ذاك الشيء الخاص بكل شخص، يعي واقع فرديته المخصصة له ، ورغم أنها محاولة عقيمة يحكمها الزوال والإندثار إلا أنها تمثل لحظة الخلاص النفسي للأستاذ عند اشتداد الضغوطات عليه .

فالمجتمع المغربي يتخبط في تناقضاته الإجتماعية ، ونزواته المرضية بشكل مستمر و متغير ، ولا نظن بأن كينونة المدرس المغربي تتوافق مع هذه الديناميكية المتغيرة باستمرار .

ويتبين لنا جليا أن العامل المادي المتعلق بهزالة الأجور ، قد دفع به ( المدرس ) نحو سيرورة دائمة ومتجددة لإثبات ذاته ، في كل المناسبات الرسمية ، وغير الرسمية ، فبقدر ما انتقص الأجر من سيادته الإقتصادية والإستهلاكية إنتقص كذلك من هيبته الرمزية والكاريزمية ، فقد تحول بنفس القدر إلى كائن قلق يعيش غربة نفسية خانقة مع أناه الداخلي ، ” فالمدرسون بإختلاف أسلاكهم ، بمن فيهم مدرسو التعليم العالي يخضعون لنظام أجور وتعويضات واضح ومقنن ، الشيء الذي يجعل من المدرسين الجدد والمدرسين المنحدرين من أصول طبقية غير محظوظة يكادون يعشيون في الكفاف ، أو يلجأون إلى ممارسة بعض المهن على هامش وظيفتهم ، في أغلبها إعطاء ساعات إضافية في مؤسسات تعليمية أخرى مع ممارسة بعض الأعمال التي لا علاقة لها بالتربية ، ومع ذلك نجد أن الدولة متمثلة في وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي ، تحرم مثل هاته الممارسات وتنكل بها . ففي الوقت الذي يعاني المدرس المغربي من الإختناق المادي ، يتعرض في ذات الآن إلى ضغوطات جبرية صارمة من قبل مسؤولي قطاع التعليم .

ولعل الدولة المصرية كانت سباقة في هذا المجال ، الذي خص تبخيس مكانة المدرس الرمزية ، وذلك من خلال حشد كل أشكال الفن المسرحي أو التمثيلي في عملية تغيير صورة الأستاذ الكامنة في ذهنية الكثير من أفراد المجتمع ، وعلى وجه الخصوص الفئة الناشئة و الشابة ، وقد تبدى لنا جليا ما كانت تحمله مسرحية ” مدرسة المشاغبين ” من رسائل تدميرية تستهدف النيل من السلطان الداخلي لمكانة الأستاذ ، وكذا التنكيل و التبخيس من رمزيته المستنيرة في البنية اللاشعورية للأشخاص . فقد أصبح في يومنا هذا الأستاذ محور السخرية و ” الكريتيك ” داخل الفضاء الأزرق بإنتشار الرسوم الكاريكاتورية حول شخصه ، او من خلال مايسمى ب ” السكيتشات ” التي تضع المعلم موضع البليد أو المتسلط … وكذا من خلال إشهارات الإعلام العاهر … وغيرها من وسائل وآليات حديثة أصبحت الدولة تروج لها وتدعمها بشكل لافت للإنتباه .

إن مثل هاته الممارسات المفتعلة في حق المدرس بإعتباره محورا للحياة المدرسية ، ورمزا لتقدم البنية التربوية بالمغرب ، يجعلنا أمام خط بداية الإضمحلال التربوي والتقهقر العلمي ، ” فالمعلم هو واسطة عقد المنظومة التعليمية التربوية ، ولإن وسطنا بين التربية والتعليم الوعاء اللغوي الحامل للمعنى ، فإن المعلم المربي القدوة ، هو الواسطة الحية في عملية التربية والتعليم ، وهو مرآة المجتمع ، وإن كسرت هاته المرآة يوما ما ، فلن نستطيع رؤية ذواتنا الإنسانية بشكلها الإنساني ، وإنما بطبيعتعا الحيوانية فقط .

المراجع المعتمدة :
• عبد الرحيم تمحري ـ شخصية المدرس المغربي الهوية والتوافق ـ منشورات مجلة علوم التربية .
• مالك بن نبي ـ مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي ـ ترجمة بسام بركة ، وأحمد شعبو ـ سلسلة مشكلات الحضارة .
• عبد السلام ياسين ـ حوار مع الفضلاء الديمقراطيين ـ ط1 ، 1994 الدار البيضاء .
• محمد عزيز الحبابي ـ الشخصانية الإسلامية ـ دار المعارف ، القاهرة .

* باحث في علم الإجتماع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *