وجهة نظر

معوقات بنيوية لتدبير إدارات الجماعات ببلدنا

مازال تدبير إدارات الجماعات ببلدنا متخلفا.وذلك سواء اعتمدنا المعنى الفرنسي للتدبير الذي يحيل أكثر على القواعد والإجراءات القانونية، أو تبنينا معناه بشكل عام وهو عقلنة استخدام الموارد المتوفرة والمتاحة لأجل تحقيق أهداف مرسومة من قبل المنظمة ( الجماعات كمثال).

وبهذا الصدد، نعتقد أن من أهم أسباب هذا التخلف، استمرار وجود مجموعة من المعوقات البنيوية التي تعيق التدبير الإداريللجماعات لحد الآن، وبالتالي تحد من فعالية أي إصلاح إداري لها.

أول هذه المعوقات البنيوية: العقلية غير المواكبة….

ينص القانون التنظيمي الجديد للجماعات ( رقم 113.14)على مجموعة من المقتضيات الجديدة والتوضيحية في مجال تسيير وتدبير إدارة الجماعةللرفع من مستوى خدمات القرب المقدمة لسكان كل جماعة، وجلب الاستثمار، ووعيا من الدولة بأنه لا يمكن تصور جهوية متقدمة في غياب تطور ملموسلتدبير الإدارة الجماعية (والجهوية).

ومن مستجدات القانون أعلاه، النص على أن تنظيم الإدارة الجماعية أصبح من ضمن صلاحيات المجالس الجماعية. ويقصد بتنظيم الإدارة الجماعية: تنظيم إدارة الجماعة وتحديد اختصاصاتها.

وحسب المادة 96 من القانون ذاته، فإن رئيس المجلس الجماعي يسير المصالح الإدارية للجماعة، ويعد الرئيس التسلسلي للعاملين بها. ويسهر على تدبير شؤونهم. ويتولى التعيين في جميع المناصب بإدارة الجماعة طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.

وتنص المادة 104 على أنه يجوز لرئيس المجلس، تحت مسؤوليته ومراقبته، أن يفوض إمضاءه بقرار في مجال التدبير الإداري لمدير المصالح (الكاتب العام بالتسمية السابقة) أو المدير العام حسب الحالة. كما يجوز له، باقتراح من المدير العام أو المدير أن يفوض بقرار إمضاءه إلى رؤساء الأقسام ومصالح إدارة الجماعة.

وتتحدد مهام مدير المصالح (أو المدير العام) حسب المادة 128 في: مساعدة رئيس المجلس في ممارسة صلاحياته، والإشراف على إدارة الجماعة تحت مسؤولية ومراقبة الرئيس، وتنسيق العمل الإداري بمصالحها والسهر على حسن سيره. ويقدم تقارير لرئيس المجلس كلما طلب منه ذلك.

والقانون المذكور غني بمقتضياته فيما يخص تدبير الإدارة الجماعية.

كما توصلت، وتتوصل، إدارات الجماعات بكتابات إدارية توضح مضامين هذا القانون في مجال التسيير والتدبير الإداري والمالي.

والسؤال هو: ما الذي يحول دون التنزيل السليم لمقتضيات القانون التنظيمي الجديد للجماعات في مجال تدبير الإدارة الجماعية؟

تفيد القراءة المتمعنة في بعض تقارير المجالس الجهوية للحسابات في تسجيل حقيقة مؤلمة، مفادها: تهميش أو تغييب دور مديرية المصالح (أو المديرية العامة) في العديد من الجماعات. في حين أن المادة 128 من القانون أعلاه ومواد الباب المخصص لإدارة الجماعة ومواد أخرى، تبين أن غاية المشرع هي أن يصبح دور هذه المؤسسة محوريا في تدبير إدارة الجماعة التي يجب أن يمتد دورها من مجرد التنفيذ والأداء إلى تحديد الأهداف وتشكيل السياسات وصنع القرارات.

من جانب آخر، يشكو العديد من الكفاءات الجماعية من انفراد بعض رؤساء الجماعات باتخاذ القرارات، وشخصنتهم للإدارة، مما يفضي إلى نتائج مكلفة يذهب ضحيتها موظفون أبرياء.

والأمثلة متعددة على عدم مواكبة العقلية المدبرة للشأن الجماعي للمستجدات القانونية والعلمية.

ويتعلق ثاني المعوقات البنيوية بالموارد البشرية:

نعتقد أننا نعيش زمن تردي الإدارة الجماعية على المستويين اللغوي والتواصلي.

فإذا كانتاللغة هي الوسيلة الرئيسية لتبليغ الرسائل للمتلقي. وهو ما يعني على مستوى الإدارة أن جودة العمل الإداري تتطلب علاوة على توفر الشروط الموضوعية اللازمة مثل كفاءة وجدارة القيادات، متانة جودة اللغة الإدارية وصحتها ولو تعلق الأمر بالإدارة الالكترونية.

فإن واقع حال الإدارة الجماعية، اليوم، متخلف مقارنة بواقع إدارة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، فقراءة المختصين في الوثائق الإدارية بين الأمس واليوم، والحوار مع الأطر المسؤولة في العديد من الإدارات الجماعية، يجعلان المحقق يسجل تدني مستوى لغة التحرير الإداري. فكيف يمكن أن تتوفر عناصر التحرير الإداري من دقة واختصار ووضوح (…) مع وجود تدني مستوى اللغة الإدارية واللغات عموما.

وعلى مستوى التواصل الداخلي،مازالت إدارتنا الجماعية تعاني من مظاهر البيروقراطية وديكتاتورية الأفراد. مما يترتب عليه انعدام الثقة بين الرئيس والمرؤوسين، وضعف المردودية، ونفور المستثمرين. ف “التواصل هو دم الحياةفيالمؤسسة ” كما يقول ” روجي ايفرت ” (Roger Evert). والمقصود، التواصل الناجح بين قياداتها وأطرها وأتباعهم.

إن نجاح التواصل الداخلي في أي منظمة يقوي روح الانتماء إليها. والقيادة التواصلية، تبعث روح الاطمئنان في نفوس العاملين في المنظمة. والنتيجة، ترشيد وعقلنة استخدام الموارد البشرية والمادية وهو التجسيد الفعلي لمفهوم التدبير.

وأما ثالث المعوقات البنيوية فهو: عدم التكوين المهني

كان ولوج العديد من الوظائف في الإدارة العمومية والإدارة الجماعية يفرض خضوع الموارد البشرية التي تم قبولها في المباريات أو بعد دراسة ملفاتها، للتكوين المهني التأهيلي في المؤسسات المخصصة لذلك من طرف الوزارة المستقبلة. ويتضمن هذا التكوين الإضافي ضوابط التحرير الإداري، والقوانين المعمول بها في الميدان الذي سيعمل فيه الخاضع للتكوين، وتقنيات التواصل..

ونعتقد أن الدولة في طريقها إلى التصحيح في هذا الأمر. ويبقى أن النزاهة، والقضاء على المحسوبية والزبونية …. شروط أساسية إن نحن نريد فعلا أن نبني إدارة القانون والمواطنة.

مجمل القول:

يقدم القانون التنظيمي الجديد للجماعات ( رقم 113.14) الإجابة القانونية، نسبيا، على السؤال: كيف ندبر الإدارة الجماعية لرفع التحديات الجسيمة المطروحة اليوم على الجماعات؟.

وتتضمن الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة المرتقبة مجموعة من المستجدات الهامةلإحداث تحولات جوهرية على المستويات: التنظيمي والتدبيري والرقمي والتخليقي. كما حددت الدعامات الرئيسية التي تواكب التحولات الهيكلية،والمشاريع الأساسية،وآليات التنفيذ، وكيفيات الاستفادة من التجارب الدولية.

لكن، نعتقد أنهلتجاوز أزمة تدبير الإدارة الجماعية لا بد من ثقافة جديدة:

– تجيب أولا على سؤال جوهري: كيف يمكننا إنجاح العلاقة بين السياسي والإداري في الإدارة الجماعية؟.

– وتجعل من التربية السياسية والكفاءة العلمية للمسؤولين قانونيا على تدبير الإدارات الجماعية وهم ممثلو الأحزاب السياسية على رؤوس الجماعات، شرط وجوب.

– وفيما يخص الموارد البشرية، لا بد من شراكات حقيقية بين الجماعات والمؤسسات التعليمية، لملاءمة التكوين والتكوين المستمر للحاجيات الحقيقية للإدارات الجماعية.

– أما الإدارة الرقمية، فهي ضرورة، يفرضها سياق العولمة والازدياد الصاروخي لطلبات المواطنين وتغيراتها السريعة.

إن هذه الأمور، لن تتحقق إلا بسيادة ثقافة القانون والمواطنة في المجتمع برمته والتي تصنع في المدرسة والجامعة والحزب السياسي والمجتمع المدني.

وأخيرا، أليس عدم الخوض في الأعطاب البنيوية لتخلف الإدارة العمومية، والإدارة الجماعية منها، سبب من أسباب فشل كل الإصلاحات الإدارية السابقة؟

*  إعلامي وباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • غير معروف
    منذ 5 سنوات

    السلام كل ما تطرقت اليه في الصميم في ما يخص الادارة المغربية