منتدى العمق

فتاوى السياسة الشرعية: حكم الربيع الديقراطي نموذجا

الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وءاله وصحبه.

مقدمة:

عرف البحث في السياسة الشرعية و في الفقه السياسي المعاصر توسعا، منطلقه، القرءان والسنة، ومن بين القضايا الاجتهادية المعاصرة التي حضيت باهمام الباحثين، قضية الثورات التي اندلعت في كثير من دول العالم العربي والإسلامي أو ما يسمى بالربيع الديمقراطي أو الربيع العربي. فما المقصود بالربيع الديمقراطيي؟ وما حكمه الشرعي؟ ولماذا اختلف في تسميته

للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها نقسم عرضنا، الذي عنوناه ب: “فتاوى السياسة الشرعية المعاصرة- حكم الربيع الديموقراطي نمودجا-، إلى ما يلي:

مقدمة: وهي التي نحن بصددها، وهي عبارة عن توطأة للموضوع.

المبحث الأول: وسيتم تخصيصه للحديث على مصطلحات العرض، وفيه ثلاثة مطالب: السياسة لغة(المطب الأول)، مفهوم السياسة الشرعية اصطلاحا(المطلب الثاني)، الربيع العربي(المطلب الثالث). وفي المبحث الثاني ثلاثة مطالب: حكم الربيع العربي (المطلب الأول)، فتوى الأزهر الشريف حول الربيع الديمقراطي(المطلب الثاني)، ماهو سبب الاختلاف في التسمية (المطلب الثالث).

الدراسات السابقة:

تطرق مجموعة من الباحثين إلى موضوع الثورات أوالانتفاضات العربية، لكنها قليلة وأغلب ما وقفت عليه مجرد مقالات أو منشرات علمية أوصحفية، أما الكتب العلمية التي أفردت لهذا المجال وبهذا العنوان بالذات –فتاوى الربيع العربي- فلم يقع بين يدي أي كتاب. وأما الكتب العلمية التى تحدثت عن الربيع العربي فهي أيضا قليلة لكن ليس كالمهتمة بجانب الفتوى الشرعية، ومن هذه الكتب :

الأحكام الشرعية للثورات العربية للدكتور علي بن نايف الشحود، وهو عبارة عن مجموعة من البحوث التي كتبها الؤلف، و كلها تدور حول الأحكام الشرعية للثورات العربية عامة والثورة السورية خاصة، وهي تتكلم عن أسباب هذه الثورات، الا ان أغلب مواضيع الكتاب خاصة بالثورة السورية وشهدائها.

v كتاب السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها، للدكتور يوسف القرضاوي. وهو كما قال في مقدمة كتابه:( فهذا هو الجزء الرابع من السلسلة المباركة إن شاء الله (نحو وحدة فكرية للعاملين للإسلام) ومضوعه:( الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها) ويتضمن الحديث حول الأصل الخامس من (الأصول العشرين) للإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله. وهو الأصل الذي تحدث فيه بإجاز شديد عن السياسة الشرعية المنوطة بالإمام(الخليفة أو رئيس الدولة) أو نائبه)[1]. واعتبر أيضا في كتابه أن الإسلام ليس عقائد فحسب، بل هو عقيدة وعمل، ردا بذلك على بعض الباحثين من الإسلاميين الذين يهونون من أمر الإمامة والحكم بما أنزل الله، ويقولون: بأنه من الفروع لا من الأصول.

v كتاب فقه الثورة، للدكتور أحمد الريسوني. الفه الدكتور الريسوني بعد طلب من بعض المراكز العلمية، فجاء كإجابات على مجموعة من الأسئلة المتعلقة بالثورة، قال في مقدمة كتابه:(وحينما اتصل بي الإخوة الكرام من مركز نماء للبحوث والدراسات وطلبوا مني أ ن أكتب وأجيب عن بعض أسئلة الثورة وما بعد الثورة، لم يسعفني إلا أن أقبل وأتعهد بما طلب مني)[2]. وهذا الكتاب هو عبارة عن مجموعة من حوارات علمية وصحفية حول موضوع الثورات العربية التي اندلعت سنة 2011، وخاصة جوانبها الشرعية الفقهية.

v أسئلة الثورة، للدكتو سلمان العودة. وقد حاول الدكتور في كتابه هذا الإجابة على مجموعة من الأسئلة الملتبسة كالسيادة والمفهوم، والشريعة متجددة،وهوية الدولة ما بعد الثورة هل هي دينية أم مدنية؟، وغيرها من الأسئلة التي أجاب عن أغلبها، وبين موقفه من الفقه التسويغي الذي يسوغ نمط معين من الحكم على أنه الصيغة المثالية والأجدر بالتطبيق كالنظام الديمقراطي مثلا. قال فك الله أسره:(علينا ألا ننساق لفقه تسويغي يدافع عن التطبيقات الواقعية القائمة، وكأنها هي الأحوال التي قامت عليها الدولة، أو يتحدث عن نمط معين من الحكم، وكأنه الصيغة المثالية التي يجب الانصياع لها، ولا تقارن بغيرها، إلا لإثبات تفوقها وجدارتها)[3].

“السياسة نوعان: سياسة ظالمة وسياسة عادلة”. ابن فرحون.

المبحث الأول: التعريف بمصطلحات العرض:
المطلب الأول: التعريف بالسياسة لغة:
مصدر ساس يسوس، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:(للسياسة في اللغة معنيان: الأول: فعل السائس. وهو من يقوم على الدواب ويروضها، يقال: ساس الدابة يسوسها سياسة. والثاني: القيام على الشيئ بما يصلحه. يقال: ساس الأمر سياسة إذا دبره، وساس الوالي الرعية: أمرهم ونهاهم وتولى قيادتهم)[4]. والسياسة الإيالة[5]. والسياسة: التدبير، يقال:( ساس زيد الأمر يسوسه سياسة دبره وقام بأمره)[6].

إذن من خلال تتبع كتب اللغة نجد أن كلمة السياسة في اللغة تطلق بإطلاقات كثيرة ويراد بها في جميع اطلاقاتها، تدبير الشيئ والتصرف فيه بما يصلحه.

المطلب الثاني: السياسة الشرعية اصطلاحا:
أولا: السياسة الشرعية عند المتقدمين:
عرف المتقدمون والمتأخرون السياسة الشرعية بتعريفات كثيرة، ولتجنب الإطناب نكتفي بذكر بعضها. فقد عرفها ابن عقيل بقوله:( السياسة ما كان من الافعال بحيث يكون الناس معه اقرب الى الصلاح وأبعد عن الفساد وإن لم يشرعه الرسول صلى الله عليه وسلم ولا نزل به وحي فإن أردت بقولك لا سياسة إلا ما وافق الشرع أي لم يخالف ما نطق به الشرع فصحيح وإن اردت ما نطق به الشرع فغلط وتغليط للصحابة فقد جرى من الخلفاء الراشدين من القتل والمثل ما لا يجحده عالم بالسير ولو لم يكن إلا تحريق عثمان المصاحف فإنه كان رأيا اعتمدوا فيه على مصلحة الأمة وكذلك تحريق علي -كرم الله وجهه- الزنادقة في الاخاديد ونفى عمر نصر بن حجاج)[7]. وعرفها ابن القيم بقوله:( إنَّ السِّيَاسَةَ الْعَادِلَةَ مُخَالِفَةٌ لِمَا نَطَقَ بِهِ الشَّرْعُ، بَلْ هِيَ مُوَافِقَةٌ لِمَا جَاءَ بِهِ، بَلْ هِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ، وَنَحْنُ نُسَمِّيهَا سِيَاسَةً تَبَعًا لِمُصْطَلَحِهِمْ، وَإِنَّمَا هِيَ عَدْلُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)[8]. وهذين التعريفين عند المتقدمين جامعين، لأنهما نصا على خاصية التجديد والمرونة وهي من أهم خصائص الفقه السياسي الشرعي.

ثانيا: السياسة الشرعية عند المعاصرين:
أما عند المعاصرين، فقد عرفها الدكتور يوسف القرضاوي بقوله:( إن السياسة الشرعية هي السياسة القائمة على قواعد الشرع وأحكامه وتوجيهاته، فليست كل سياسة شرعية، فكثير من السياسات تعادي الشرع وتمضي في طريقها وفقاً لتصورات أصحابها وأهوائهم)[9]، أي أن السياسة لا تكون شرعية إلا إذا اتخدت من الشرع منطلقا لها. وعرفها فتحي الدريني موجزا، فقال:(تعهد الأمر بما يصلحه)[10]. بمعنى أن:( السياسة الشرعية كمفهوم وتجربة وممارسة ترتبط أساسا بتلك الفكرة التي تربط بين السياسة (القيام على الأمر بمايصلحه) وبين الشرعية( تطبيق أحكام الشرع فيما ورد فيه نص، ومراعاة مطلق المصلحة في ماليس فيه نص) فهي سياسة باعتبار القائمين عليها وهي شرعية باعتبار رعاية الأحكام الشرعية)[11].

إذن، فالسياسة الشرعية هي:( علم يبحث فيما عما تدبر به شئون الدولة الإسلامية من القوانين والنظم التي تتفق وأصول الإسلام، وإن لم يقم على كل تدبير دليل خاص)[12]، فكونها تتفق مع أصول وقواعد الدين وتعتمد عليها تخالف بذلك السياسة الوضعية التي لاتعتمد أساسا على الوحي السماوي أو أي مصد من مصادر الشريعة الإسلامية.

مما سبق يتبين لنا أن السياسة الشرعية مختلف في تعريفها وهذا يرجع الى كون(السياسة الشرعية لم تبرز الى حيز الوجود باعتبارها علما مستقلالا إلا في وقت تال لعصور الاجتهاد بما فيها من تأسيس وتأصيل ليأخد هذا العلم أبعاده المختلفة بعد مرحلة المخاض والنمو ثم النضج والكمال)[13].

المطلب الثالث: الربيع الديمقراطي:
في مطلع سنة 2011 اندلعت مجموعة من الحركات الاحتجاجية السلمية الضخمة، انطلقت هذه الحركات الاحتجاجية السلمية في بعض البلدان العربية والإسلامية، خصوصا دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا، متأثرة بالثورة التونسية التي اندلعت جراء إحراق المواطن التونسي محمد البوعزيزي نفسه، ونجحت في الإطاحة برئيس البلاد، ثم امتدت هذه الثورات والمظاهرات أو بالأحرى انتفاضات إلى مصر، وهما تخطوان خطوات هامة من أجل استكمال مقومات الثورة وإقامة نظام جديد، رغم بعض المخاوف التي لا تزال موجودة، ولكنها متناقصة، وكان ذلك ربيعها. ثم انتقلت هذه الانتفاضة السلمية إلى اليمن، حيث بدأت بمطلب تحقيق إصلاح جذري لم يستبعد “المفاوضات” مع النظام وسيلة لتحقيق هذا الهدف، ثم تطورت بعد استخدام السلطة للعنف في مواجهتها إلى مطلب إسقاط النظام القائم، وتقدم النظام، بعد فوات الأوان، بعرض يوافق فيه على ما عُرِضَ عليه سابقا ورفضه في حينه، وأعلن حالة الطوارئ، وقد تحولت الآن إلى ثورة وأطاحت بنظام علي عبد الله صالح ال\ي عمر لعقود من الزمن. وحدثت “مظاهرات” في سلطنة عُمان، استطاع النظام تطويقها والاستجابة لمطالبها الرئيسية، واحتواءها، وكانت هناك إرهاصات لمظاهرات واعتصامات محدودة في السعودية والكويت، تم تطويقها حتى الآن من خلال منح عدة إجراءات ذات طابع مادي، ولكنه جرح يلتئم مؤقتا.

وفي بلدان المغرب الكبير، وتحديدا في المملكة المغربية، استبق ملك البلاد المظاهرات التي قام بها الشباب المغربي، استجابة لطلب حركة 20 فبراير، بتشكيل لجنة استشارية برئاسة السيد عبد اللطيف المنوني لمراجعة وإعادة النظر في الدستور لزيادة صلاحيات رئيس الحكومة ومجلس الوزراء وأمور أخرى بهدف تخفيف طبيعة “الملكية المطلقة” آنداك إلى “ملكية دستورية” الحالية، غير أن المظاهرات ما لبثت أن اندلعت يوم 21 مارس سنة2011 في أكثر من ستين مدينة مغربية للمطالبة بإصلاحات سياسية ودستورية واقتصادية، شارك فيها عشرات الآلاف من المغاربة وتهدف إلى تحقيق “ملكية دستورية ” بصيغ مختلفة في التعبير عنها.

وهذه الثورات (خصوصا تونس ومصر وليبيا واليمن) أو الانتفاضات والحركات الاحتجاجية (في باقي البلدان التي عاشت المرحلة) هي التي يطلق علها البعض اسم الربيع الديمقراطي أو الربيع العربي أو ربيع الحرية، وقد جاء كما قلنا تعبيرا عن الأزمة الخانقة والوضعية الحالكة التي تعيشها بلدان العالم العربي والإسلامي -وبشكل خاص بلدان شمال افريقيا والشرق الأوسط- أنظمة وشعوبا، بدليل أن شرارة هذه الانتفاضات والمظاهرات والثورات كانت عبارة عن عملية انتحار كما سبق ذكره لشاب تونسي احتجاجا على الظلم والاستبداد والفساد، الذي عمر وتجدر عهودا متطاولة لا يمكن معالجته بين عشية وضحاها، ولكن كما يقال المستقبل للشعوب ولمن ينحاز للشعوب ولمن يستجيب للشعوب.

“الفتنة نائمة لعن الله من ايقظها” حديث ضعيف.

المبحث الثاني: قراء في بعض فتاوى الربيع الديمقراطي:
المطلب الأول: حكم الربيع الديمقراطي شرعا:
الثورة هي حالة تلبس لا تتوقف، وعلاقة جدلية حداثية تتسامى عن واقع لتنشد ما هو أفضل[14]، أو هي مساءلة للواقع بوضعه على محك الاختيار والفرز والتحوير والتدوير، وإعادة البناء بلبنات جديدة أو بلبنات سابقة[15]. فالثورة ليست مصاحبة دائما للقتال ونزيف الدماء، بل الثورة في أصلها عمل سلمي. وقد خرجت مجموعة من الشعوب إلى الشارع يعبرون عن غضبهم ورفضهم للظلم والاستبداد بشكل سلمي وحضاري لا يقصدون القتال ولا المواجهة، إلا ما حصل من تصرفات فردانية وهو ناذر والناذر لا حكم له كما يقول الفقهاء. إذن ما هو حكم الثورات العربية ؟؟ بمعنى ما حكم المظاهرات والانتفاضات الشعبية في وجه الحكام والخروج عليهم؟؟

اختلف العلماء في الخروج على حكام هذا الزمان مع ظُلمهم وفجورهم بين مؤيد ومانع، وبين محلل ومحرم، (ولو دقق المرء في الذين يحرمون الخروج عليهم على الإطلاق بحجة أنهم ولاة أُمور، لوجدهم إما مُضلِل منتفع، أو يحاول الانتفاع، وإما خائف ضعيف لا يقدر على ذلك، وإما جاهل بحكمهم وواقعهم، أو مُضَلَل ولو كان من أهل العلم، لأن الحكام أنواع فمنهم من يجب الخروج عليه، ومنهم من يجوز، ومنهم من يحرم الخروج عليه)[16]:

1- خروج محرم بالاجماع: وهو الخروج على الإمام المسلم العدل ما لم يغير قاعدة من قواعد الإسلام، لقوله صلى الله عليه وسلم- «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما»[17]. قال النووي:(ففيه معنى ما سبق أنه لا يجوز الخروج على الخلفاء بمجرد الظلم أو الفسق مالم يغيروا شيئا من قواعد الإسلام)[18].

2- خروج جائز ومنذوب: وهو الخروج على الإمام الظالم والجائر إذا تواصل في ظلمه وجوره مع قدرة الأمة على تغييره وعزله وخلعه، وذلك لدفع ظلمه وجوره، قال ابن رجب: (التَّغْيِيرَ بِالْيَدِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْقِتَالَ. وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، فَقَالَ: التَّغْيِيرُ بِالْيَدِ لَيْسَ بِالسَّيْفِ وَالسِّلَاحِ، وَحِينَئِذٍ فَجِهَادُ الْأُمَرَاءِ بِالْيَدِ أَنْ يُزِيلَ بِيَدِهِ مَا فَعَلُوهُ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ، مِثْلُ أَنْ يُرِيقَ خُمُورَهُمْ أَوْ يَكْسِرَ آلَاتِ الْمَلَاهِي الَّتِي لَهُمْ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، أَوْ يُبْطِلَ بِيَدِهِ مَا أَمَرُوا بِهِ مِنَ الظُّلْمِ إِنْ كَانَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَكُلُّ هَذَا جَائِزٌ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ قِتَالِهِمْ، وَلَا مِنَ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمِ الَّذِي وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ)[19].

3- خروج واجب بالإجماع: وهو الخروج على الحاكم الكافر عند ظهور الكفر البوَاح وذلك بتغيير قاعدة من قواعد الشرع مثلا، قال النووي:(قال القاضي عياض: أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل)[20]، أي أن الحاكم غير المسلم يجب خلعه وعدم اتباعه ونصب الإمام العادل مكانه، سواء كان كفره ابتداء أو طارئا، قال النووي:(قال القاضي: فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل)[21].

إذن فهل الثورات التي تقوم بها الشعوب ضد الحكام أو ما يسمى بالربيع الديمقراطي مشروع أم لا؟

اختلف العلماء في الحكم على الربيع الديمقراطي على مذهبين، مذهب يرى مشروعيته ومذهب يدعي عدم مشروعيته، واستدل كل فريق بأدلة تعاضد ما ذهب اليه، ومنها:

المذهب الأول: القائلين بعدم جواز الربيع الديمقراطي شرعا:
أ‌. أدلتهم:

· عَنْ يَحْيَى عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ سَمِعَهُ مِنْ جَدِّهِ وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً عَنْ جَدِّهِ عُبَادَةَ قَالَ سُفْيَانُ وَعُبَادَةُ نَقِيبٌ وَهُوَ مِنْ السَّبْعَةِ بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ وَلَا نُنَازِعُ الْأَمْرَ أَهْلَهُ نَقُولُ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ قَالَ سُفْيَانُ زَادَ بَعْضُ النَّاسِ مَا لَمْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا[22]. ومعنى هذا الحديث أنه لا يجوز الخروج على ولاة الأمور وقتالهم بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين [23].

· ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال « خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم ». قيل يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف فقال « لا ما أقاموا فيكم الصلاة وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يدا من طاعة »[24].

· قالوا: إن المظاهرات والانتفاضات لا تجوز من باب سد الذريعة لأنها مفضية للمفسدة والفتن وإراقة الدماء وفساد ذات البين فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه.

ب‌. مناقشة أدلتهم والرد عليها:

إذن أصحاب هذا التيار يحرمون المظاهرات والانتفاضات من باب سد الذريعة لأنها مفضية للمفسدة والفتن –حسب تعبيرهم-، لكن في الحقيقة نكاد نجزم بعدم وجود المفسدة في هذه المظاهرات وهذه الثورات، فهي سلمية، لأن الثوار ما خرجوا للقتال ولا حامل السلاح، بمعنى لم يخرجوا شاهري السلاح ولا القتال ولا قصدهم التخريب، إنما خرجوا ضد الفساد ومقاومة الظلم والاستبداد والمطالبة بحقوقهم المشروعة، أما المفسدة لم توجد إلا عندما جاءت قوات الأمن لتفريق المظاهرات، فالمفسدة إذن توجد بوجود هذه القوات وليس المظاهرة نفسها، وخير مثال بداية الثورة التونسية، وبداية حراك الريف السلمي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المقصود بالخروج المذكور في الحديثين الذين استدل بها هذا الفريق، قال الدكتور أحمد الريسوني:(فالخروج المذكور المشار إليه في الأحاديث أو المذكور في الأحاديث والمذكور تفصيلاً في الفقه الإسلامي ينبغي استحضار صورته ومعالمه حتى نعرفه و حتى لا نخلط الأمور، الخروج المتحدث عنه وعن حكمه والذي ذهب قريباً شبه إجماع من العلماء على أنه لا يجوز في حالات معينة ولا يجوز إلا في حالاتٍ مضيقة، هذا الخروج هو أولاً خروج فئة على الحاكم، خروج فئةٍ وليس انتفاضة أمةٍ أو شعبٍ، خروج فئة أو خروج زعيمٍ ما فيقال خرج فلان يعني قام فلان ضد فلان فيكون هناك زعماء منافسون أو فئات منافسة، فتنهض للخروج عن الحاكم ومحاولة الإطاحة به، هذا واحد هذه خروج فئة جماعة معينة أو فئة معينة قد تكون هذه الفئة طائفية أو مذهبية، قد تكون في ناحية جغرافية معينة الأمر الآخر هو أنه خروجٌ مسلح يبدأ بالسلاح ويستعمل السلاح في الحاكم ومن معه من جيشٍ ومؤيدين فهو خروجٌ مسلح، الأمر الآخر هو أن هذا الخروج عادةً يستهدف مباشرةً الاستيلاء على الحكم، وتولي الحكم لهذه الفئة أو لهذا الزعيم هذا الخروج بهذه المواصفات خروج مسلح خروج فئة معينة استهداف الحصول على السلطة وتوليها هذا الخروج لا يجوز إلا في حالاتٍ مضيقة)[25]، بمعنى أن هذه الثورات والانتفاضات الشعبية ليست خروجاً ولا يمكن بحالٍ من الأحوال أن يوصف بأنه خروج، ولكنه تعبير عن إرادة شعبٍ وإرادة مجتمع وهذا لا يكون خروجاً بل الحاكم إذا ناهض هذه الثورات وهذا الاحتجاج الجماعي وهذا التعبير الجماعي يكون خارجاً عن أمته ويكون خارجاً عن شعبه، ويكون خارجاً عن الشرعية لأن الشرعية تستمد من الشعوب ومن المجتمعات ومن الأمم.

المذهب الثاني: القائلين بالجواز شرعا:
أدلتهم:

· أن هذه الثورات والانتفاضات ضد الظلم والقهر والاستبداد والتهميش و الاقصاء، المحرم شرعا، وانتقاما من المجرمين والظالمين ودعوة لإقامة العدل الواجب شرع، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}[26]، وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه:(يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا)[27].

· أن الثورة العربية المعاصرة في حقيقتها هي خروج الشعب إلى الميادين العامة بشكل سلمي، والاعتصام بها، حتى تستجيب السلطة لهم، وهذا في حد ذاته مشروع، قال تعالى:{لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا}[28]، وقال ابن جرير الطبري:(لا يحب الله تعالى ذكره أن يجْهر أحدُنا بالدعاء على أحد، وذلك عندهم هو”الجهر بالسوء إلا من ظلم”، يقول: إلا من ظلم فيدعو على ظالمه، فإن الله جل ثناؤه لا يكره له ذلك، لأنه قد رخص له في ذلك)[29].

· أن الله أوجب على المؤمنين التعاون على البر والتقوى، وحرم عليهم التعاون على الإثم والعدوان، قال تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[30]، وحرم سبحانه وتعالى الركون والميل إلى الظالمين الفجرة، فقال عز من قائل:{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}[31]، قال ابن عباس أي:(ولا تميلوا إلى الذين ظلموا)[32].

المطلب الثاني: بعض الفتاوى حول الربيع الديمقراطي:
أولا: نمادج الفتاوى المساندة للثورات العربية:
أصدر الأزهر الشريف بدولة مصر العربية فتوى يساند فيها الشعوب العربية الثائرة ويدعم إرادة هذه الشعوب في تحقيق الديمقراطية، ويدعوا الحكام و رؤساء الدول العربية والإسلامية إلى الاستجابة لمطالب شعوبهم تحت اسم “وثيقة الربيع العربي”، وهذا نصها:

“وثيقة الربيع العربي”:

أولاً: تعتمدُ شرعية السُّلطة الحاكمة من الوجهة الدينية والدستورية على رضا الشُّعوب، واختيارها الحرّ، من خلال اقتراع عَلَنِيٍّ يَتمُّ في نزاهة وشفافية ديمقراطية، باعتباره البديل العصري المنظِّم لما سبقت به تقاليد البَيْعَة الإسلامية الرّشيدة، وطبقاً لتطوُّر نُظُم الحكْم وإجراءاته في الدّولة الحديثة والمعاصرة، وما استقرَّ عليه العُرف الدستوري من توزيع السُّلُطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والفصل الحاسم بينها، ومن ضبط وسائل الرّقابة والمساءلة والمحاسبة، بحيث تكون الأمّة هي مصدر السُّلطات جميعاً، ومانحة الشرعية وسالبتها عند الضرورة. وقد دَرَجَ كثيرٌ من الحكّام على تعزيز سلطتهم المطلقة مُتشبِّثينَ بفهم مبتور للآية القرآنية الكريمة: }وأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ{، متجاهلين سِيَاقَها الواضح الصريح في قوله تعالى قبل ذلك في الآية التي تسبق هذه الآية مباشرة: }إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ{، ممّا يجعل الإخلال بشروط أمانة الحكْم وعَدَم إقامة العدل فيه مُسَوِّغاً شرعيّاً لمطالبة الشعوب حكامهم بإقامة العدل، ومقاومة الظلم والاستبداد، ومن قال من فقهائنا بوجوب الصبر على المتغلب المستبد من الحكام حرصاً على سلامة الأمة من الفوضى والهرْج والمرْج – فقد أجاز في الوقت نفسه عزل المستبد الظالم إذا تحققت القدرة على ذلك وانتفى احتمال الضرر والإضرار بسلامة الأمة ومجتمعاتها.

ثانياً: عندما يرتفع صوت المعارضة الوطنية الشعبية والاحتجاج السِّلميّ، الذي هو حقٌّ أصيلٌ للشُعوب لتقويم الحكّام وترشيدهم، ثم لا يستجيب الحكّام لنداء شعوبهم، ولا يُبادرونَ بالإصلاحات المطلوبة، بل يُمْعِنونَ في تجاهل المطالب الوطنية المشروعة التي تنادي بالحرية والعدالة والإنصاف، فإن هؤلاء المعارضين الوطنين لا يُعَدُّون من قَبيل البُغاة أبَداً، وإنّما البُغاة هم الّذين تحدَّدت أوصافُهم فِقهياً بامتلاك الشَّوكة والانعزال عن الأمَّة، ورَفع الأسلحة في مواجهة مخالفيهم، والإفساد في الأرض بالقُوّة، أمّا الحركات الوطنية السِّلميّة المعارضة، فهي من صميم حقوق الإنسان في الإسلام التي أكّدتها سائر المواثيق الدّوليّة، بل هي واجب المواطنين لإصلاح مجتمعهم وتقويم حُكّامهم، والاستجابة لها واجبٌ على الحكّام وأهل السُّلطة، دونَ مُراوغةٍ أو عنادٍ.

ثالثاً: تُعَدُّ مواجهة أيّ احتجاج وطني سِلميّ بالقوّة والعُنفِ المسلَّح، وإراقة دماء المواطنين المسالمين، نقضاً لميثاق الحكْم بين الأمّة وحكّامها، ويُسقِطُ شرعيّةَ السُّلطة، ويهدر حقَّها في الاستمرار بالتَّراضِي، فإذا تمادتِ السُّلطةُ في طُغيانها، وركبت مركب الظلم والبغي والعدوان واستهانت بإراقة دِماء المواطنينَ الأبرياء، حِفاظاً على بقائها غير المشروع – وعلى الرغم من إرادة شعوبها – أصبحت السلطة مدانة بجرائم تُلَوِّثُ صفحاتها، وأصبح من حق الشعوب المقهورة أن تعمل على عزل الحكام المتسلطين وعلى محاسبتهم، بل تغيير النِّظام بأكمله، مهما كانت المعاذير من حرص على الاستقرار أو مواجهة الفِتَنِ والمؤامرات، فانتهاكُ حرمة الدَّم المعصوم هو الخطّ الفاصل بين شرعية الحكم وسقوطه في الإثم والعدوان. وعلى الجيوش المنظّمة – في أوطاننا كلِّها – في هذه الأحوال أن تلتزم بواجباتها الدّستورية في حماية الأوطان من الخارج، ولا تتحوّل إلى أدواتٍ للقمع وإرهاب المواطنين وسفك دمائهم؛ فإنه {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً}.

رابعاً: يَتعيَّنُ على قوى الثورة والتّجديد والإصلاح أن تبتعد كلياً عن كل ما يؤدي إلى إراقة الدماء، وعن الاستقواء بالقوى الخارجية أياً كان مصدرها، ومهما كانت الذرائع والتعلات التي تتدخل بها في شئون دولهم وأوطانهم وإلا كانوا بغاة خارجين على أمتهم وعلى شرعية دولهم. ووجب على السلطة حينئذ أن تردهم إلى وحدة الصف الوطني الذي هو أول الفرائض وأوجب الواجبات. وعلى قوى الثورة والتجديد أن تتّحدَ في سبيل تحقيق حُلمِها في العدل والحريّة، وأن تتفادى النزاعات الطائفية أو العرقية أو المذهبية أو الدينية، حِفاظاً على نسيجها الوطني، واحتراماً لحقوق المواطنة، وحَشداً لجميع الطّاقات من أجل تحوُّل ديمقراطيٍّ يتمُّ لصالح الجميع، في إطار من التّوافُق والانسجام الوطني، ويهدف لبناء المستقبل على أساسٍ من المساواة والعدل، وبحيث لا تتحوَّلُ الثّورة إلى مغانم طائفية أو مذهبية، أو إثارة للحساسيات الدّينية، بل يتعيّن على الثوار والمجددِّين والمصلِحِين الحفاظ على مؤسسات دولهم، وعدم إهدار ثرواتها، أو التّفريط لصالح المتربِّصينَ، وتفادي الوقوع في شرك الخلافات والمنافسات، والاستقواء بالقوى الطامعة في أوطانهم أو استنزاف خيراتها.

خامساً: بناءً على هذه المبادئ الإسلامية والدستورية، المعبِّرَة عن جوهر الوَعْيِ الحضاريّ؛ فإن علماء الأزهر وقادة الفكر والثقافة يُعلنونَ مناصرتهم التّامة لإرادة الشعوب العربية في التجديد والإصلاح ومجتمع الحرية والعدالة الاجتماعية والتي انتصرت في تونس ومصر وليبيا، ولا تزال محتدمة في سورية واليمن، ويدينون آلات القمع الوحشية التي تُحاول إطفاء جذوتها، ويَهيبونَ بالمجتمع العربي والإسلامي أن يتّخذ مبادرات حاسمةً وفعّالة لتأمين نجاحها بأقلِّ قَدْرٍ من الخسائر، تأكيداً لحقِّ الشُعوب المطلق في اختيار الحُكّام، وواجبِها في تقويمهم مَنعاً للطُّغيان والفساد والاستغلال، فشرعيّةُ أيّة سُلطةٍ مرهونةٌ بإرادة الشّعب، وحقّ المعارضة الوطنيّة السّلمية غير المسلحة مكفولٌ في التّشريع الإسلامي في وجوب رفع الضّرَر، فضلاً عن كونه من صميم حقوق الإنسان في المواثيق الدّولية جميعاً.

سادساً: يُناشدُ علماء الأزهر والمثقّفون المشاركون لهم النّظم العربيّة والإسلاميّة الحاكمة يناشدونهم الحرص على المبادرة إلى تحقيق الإصلاح السياسي والاجتماعي والدستوري طَوْعاً، والبَدْء في خَطَوات التّحوُّل الدِّيمقراطي، فصَحْوَةُ الشّعوب المضطهدة قادمة لا محالةَ، وليس بوسع حاكمٍ الآنَ أن يحجبَ عن شعبه شمس الحريّة، ومِن العار أن تظلَّ المنطقة العربية وبعض الدول الإسلامية قابعة دون سائر بلاد العالم في دائرة التّخلُّف والقَهْر والطُّغيان، وأن يُنسَبَ ذلك ظُلماً وزوراً إلى الإسلام وثقافته البريئة من هذا البُهتان، كما يتعيَّن على هذه الدُّوَل أن تشرع على الفَوْر في الأخذ بأسباب النّهضة العلمية والتّقدُّم التكنولوجي والإنتاج المعرفي، واستثمار طاقاتها البشريّة وثرواتها الطبيعية خِدمةً لمواطنيها، وتحقيقاً لسعادة البشرية كلِّها.

هذا، ولا يحسبنّ أحدٌ من رعاة الاستبداد والطغيان أنه بمنجاةٍ مِن مصير الظالمين، أو أن بوُسْعِهِ تضليلَ الشعوب، فعصرُ الاتصالات المفتوحة والانفجارِ المعرفي، وسيادةِ المبادئ الدينية والحضارية النَّيِّرَةِ، ونماذج التّضحية والنِّضال المشهودة عياناً في دنيا العرب، كلُّ ذلك جعل من صّحوَة الناس شعلة مُتوهِّجَة، ومن الحرية راية مرفوعة، ومن أمَلَ الشّعوب المقهورة باعثاً يحدوها للنِّضال المستميت حتى النّصر. ولْيكف الجاهلون بالدِّين، والمشوِّهون لتعاليم الإسلام، والدّاعون لتأييد الطغيان والظلم والاستبداد عن هذا العبث الذي لا طائل وراءه. {وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} اللهم إنا نسألك رحمة تهدي بها قلوبنا، وتجمع بها شملنا، وتردُّ بها الفتن عنا يا ربَّ العالمين.[33]

قال الدكتور أحمد الريسوني:(هذه فتوى الأزهر وفيها 6 أصول وأنا أدعو جميع الإعلاميين والعلماء وطلاب العلم وجميع المسلمين أن يقفوا على هذه الفتوى، هذه فتوى العصر، فيها 6 بنود فيها 6 أصول)[34]، وقال أيضا:( إذن الأزهر الشريف، وأيده عدد من المثقفين المصريين بما فيهم بعض الأقباط، يرى أن هذا واجب الشعوب وواجب المجتمعات ولذلك في بند آخر من فتواه وبيانه ناشد هذه المجتمعات أن تؤيد هذه الثورات ما دامت تطلب العدل وتطلب المصلحة العليا وتطلب الإنصاف وتطلب الحقوق المشروعة)[35].

ثانيا: نمادج الفتاوى المعارضة للمضاهرات والثورات العربية:
أ‌. فتوى الشيخ أبو إسحاق الحويني:

السؤال: ماحكم المظاهرات؟ الجواب: هي غير مشروعة وعلى هذا سائر علمائنا وقد علمنا بالتجربة أن هذه المظاهرات لا قيمة ولا أرجعت حق مغصوب وإحراق العلم الإسرائيلي والأمريكي وصور الرؤساء لم يغير قرارا سياسيا بل أن اعتقالات واصابات وحوادث هي نتائج تلك المظاهرات[36].

ب‌. فتوى الشيخ صالح الفوزان:

يقول السائل هنالك من يقول أنه لا يجوز إنزال حديث الخوارج على من يخرجون اليوم في المظاهرات ضد حاكم معين ويقول أيضا أن هنالك من يصف هذه المظاهرات أنها حراك سلمي ولا ينكرها إلا أهل البدع؟ الجواب: المظاهرات ليست من دين الإسلام لما يترتب عليها من الشرور من ضياع كلمة المسلمين من تفريق بين المسلمين لما يصاحبها من التخريب وسفك الدماء لما يصاحبها من الشرور، وليست المظاهرات بحل صحيح للمشكلات، ولكن الحل يكون بإتباع الكتاب والسنة وما جرى في الأزمان السابقة أكثر مما يحصل الآن من الفتن، ولكن يعالجونها على ضوء الشريعة لا على ضوء نظم الكفار والمظاهرات المستوردة هذا ليس من دين الإسلام، الفوضى ليست من دين الإسلام، دين الإسلام يدعو إلى الانضباط يدعو إلى الصبر يدعو إلى الحكمة يدعوا إلى رد الأمور إلى أهل الحل والعقد إلى العلماء،{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}[37].

هناك فتاوى أخرى، لكن تجنبا للإطالة نكتفي بهذه الآراء فقط ولمن يريد المزيد ما عليه سوى الرجوع الى المواقع الإليكترونية لكل عالم فسيجدها بالجملة مصورة وموثقة.

المطلب الثالث: هل مازالت الثورات العربية تسمى بالربيع العربي ؟؟.
الربيع العربي، أو الربيع الديمقراطي مصطلح يطلق على الثورات التي اندلعت سنة 2011 في عدد من دول شمال افريقيا والشرق الأوسط بدءا بتونس بعد حرق شهيد الكرامة محمد البوعزيزي نفسه احتجاجا على ظلمه من طرف السلطات التونسية، لكن هل مازال الكل يطلق على هذه الثورات ربيعا ؟؟، وقد ذهب بعض الباحثين أن التسمية غربية المصدر، وأطلق عليه خريفا، قال المحلل السياسي البحريني:(واضح تماماً ان التسمية (الربيع العربي) غربية المصدر ولا يمكن ان تتسق وتنطبق على مكوّنات احزابنا لا فكرياً ولا ثقافياً ولا حتى سياسياً كونها احزابا تأسست على خلفية فكرة اجتثاث الانظمة ولم تكن جزءاً من نظام الدولة دولتها كما هي الاحزاب في اوروبا وحتى تتغير نظرية احزابنا بعد عمر طويل لن يكون حراكها ضمن الربيع بما هو ازدهار وازهار وانما سيظل جزءاً من خريف فكرٍ عربي سياسي مشحون بالاساس بالصدام لا الوئام)[38]. وقال أيضا:( في فضاء احزابنا العربية منذ تأسيسها الاول لم يكن لتوصيف الربيع لأي حراك سياسي مكان ولم ترد الكلمة في قاموس احزابنا العربية كونها محكومة بنية وايديولوجية راديكالية)[39]. بمعنى أن ما شهدته الدول العربية من مظاهرات وانتفاضات وثورات لايسمى ربيعا عربيا وإنما خريفا عربيا. ويرى الباحث المغربي أبو اللوز عبد الحكيم أن يسمي الثورة التونسية بربيع الحرية، و يقول:(يشكل ربيع الحرية التونسي الحالي بعد سقوط بن علي الذي أثمر العفو العام الذي أعلنته الحكومة المؤقتة عن كل المعارضين والمثقفين السياسيين بمن فيهم الإسلاميون معطى غير مسبوق سيؤثر حتما في مستقبل تونس ويمكن أن يؤثر في الجوار العربي والإسلامي)[40].

خاتمة:

من خلال ما سبق، يمكن الخروج بالخلاصات التالية:

* السياسة الشرعية يمكن تحديد اطارها بأنها جميع الأعمال الإدارية والقضائية الداخلية والخارجية وكل ما يستخدم من قانون تدار به المرافق العامة للدولة باسم السياسة الشرعية.

* مجال السياسة الشرعية مجال خصب للاجتهاد، ومحل بحث ونظر في كثير من جوانبها، ومعترك صعب قل ما ينجو الباحثين فيه من الخطأ والزلل لذلك يقول ابن القيم:(هَذَا مَوْضِعُ مَزَلَّةِ أَقْدَامٍ، وَمَضَلَّةِ أَفْهَامٍ، وَهُوَ مَقَامٌ ضَنْكٌ فِي مُعْتَرَكٍ صَعْبٍ)[41].

* أن التغير ليس مما يجيزه الإسلام فحسب، بل من متطلباته إذا فهم معناه.

* مفهوم الربيع الديمقراطي عند المعاصرين يوافق مفهوم الخروج على الحاكم عند المتقدمين.

* الثورات العربية أو الربيع الديمقراطي، ثورة لم يطلقها السياسيون ولا المثقفون بل كان حدثا شبابيا ضعيف الاهتمام بالإديولوجيات، والكثير من شباب الثورات لا يعرف من هو كارل ماركس أو سيد قطب أصلا، بمعنى أنهم صنعوا الحدث دون الانطلاق من أي مرجعية إديولوجية.

* أن الفقهاء والعلماء اختلفوا في الحكم الشرعي للربيع العربي بين مجيز ومانع.

* أن هذه الثورات والانتفاضات ضد الظلم والقهر والاستبداد والتهميش والاقصاء وانتقاما من المجرمين والظالمين، كما قال سبحانه:{ إنا من المجرمون منتقمون}[42]، فهي انتصار للمظلومين والمستضعفين.

* الربيع الديمقراطي والربيع العربي وربيع الحرية كلها أسما لمسمى واحد.

رحم الله عبدا اهدى إلي عيوبي.

* لائحة المراجع والمصادر:

1- القرءان الكريم، رواية ورش عن نافع.

2- إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن قيم الجوزية. تحقيق: محمد عبد السلام ابراهيم، دار الكتب العلمية.

3- الطرق الحكمية، ابن قيم الجوزية. مكتبة دار البيان.

4- الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها، للدكتور يوسف القرضاوي. منشورات الجزء الرابع من سلسلة نحو وحدة فكرية للعاملين للإسلام. مكتبة وهبة.

5- أسئلة الثورة، للشيخ والدكتور سلمان العودة. منشورات مركز نماء للبحوث والدراسات،ط1، 2011.

6- الموسوعة الفقهية الكويتية، الصادر عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية- الكويت. ط1 دار الصفوة.

7- إشكالية الدين والسياسة في تونس أزمة مشروع التحديث وظهور حركة النهضة، أبو اللوز عبد الحكيم. ط1. منشورات مجلة الوسيط التونسية.

8- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، أحمد بن محمد بن علي الفيومي. المكتبة العلمية.

9- السياسة الشرعية مصدر للتقنين بين النظرية والتطبيق، عبد الله محمد محمد القاضي. ط1.

10- السياسة الشرعية في الشئون الدستورية والخارجية والمالية، عبد الوهاب خلاف. دار القلم، ط1988.

11- السياسة الشرعية ومفهوم السياسة الحديث، لمحيي الدين قاسم. ط1 ، الآفاق الجديدة.

12- السياسة الشرعية مصدر للتقنين بين النظرية والتطبيق، عبد الله محمد محمد القاضي. ط1.

13- فقه الثورة، للدكتور أحمد الريسوني مراجعات في الفقه السياسي الإسلامي.دار الكلمة للنشر والتوزيع.

14- فقه الثورة، للدكتور يوسف زيدان. دار الشروق، ط2013.

15- مقاييس اللغة، أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي. تحقيق: عبد السلام محمد هارون. دار الفكر.

16- خصائص التشريع الإسلامي في السياسة والحكم، لفتحي الدريني. ط2، 1987. مؤسسة الرسالة.

17- صحيح مسلم. لأبي الحسين مسلم بن الحجاج. دار الجيل بيروت- دار الأفاق الجديدة.

18- المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، لمحيي الدين بن شرف النووي. ط2، دار احياء التراث العربي.

19- سنن الترميذي، لأبي عيسى الترميذي. تح: بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي.

20- مسند الإمام أحمد، أحمد بن حنبل. تحقيق الأرنؤوط وآخرون.

* المواقع والمجلات العلمية:

21- موقع شبكة فلسطين للحوار. www.paldf.net.

22- برنامج الشريعة والحياة: عنوان الحلقة “فقه الثورة”.

23- جريدة الأيام البحرينية، العدد 8259 الأحد 20 نوفمبر 2011 الموافق 24 ذو الحجة 1432.

24- صحيفة الوسيط، العدد العدد 3344 – الأربعاء 02 نوفمبر 2011م الموافق 06 ذي الحجة 1432.

[1] – الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها، يوسف القرضاوي. ص: 7.

[2] – فقه الثورة، أحمد الريسوني، ص: 9.

[3] – أسئلة الثورة، سلمان العودة. ص: 13.

[4] – الموسوعة الفقهية الكويتية، ج25، ص: 294.

[5] – ابن فارس مقايسس اللغة. ج1، ص: 160.

[6] – المصباح المنير، الفيومي. ج1، ص: 295.

[7]- إعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن قيم الجوزية، ج4، ص:372.

[8] – الطرق الحكمية، ج1، ص: 14.

[9] – السياسة الشرعية، للقرضاوي. ص: 27.

[10] – خصائص التشريع الإسلامي في السياسة والحكم، لفتحي الدريني. ص: 193.

[11] – السياسة الشرعية ومفهوم السياسة الحديث، لمحيي الدين قاسم. ص: 70-76. بتصرف.

[12] – السياسة الشرعية في الشئون الدستورية والخارجية والمالية، عبد الوهاب خلاف. ص: 7.

[13]- السياسة الشرعية مصدر للتقنين بين النظرية والتطبيق، عبد الله محمد محمد القاضي. ص:34

[14] – أسئلة الثورة، سلمان العودة، ص: 33.

[15] – نفسه، ص: 34.

[16] – مقال بعنوان: مشروعية الخروج على الظلمة والطواغيت، موقع شبكة فلسطين للحوار. www.paldf.net

[17] – رواه مسلم، باب إذا بويع لخليفتين، ح: 4905.

[18] شرح النووي، ج12، ص: 243.

[19] – جامع العلوم والحكم، ابن رجب. ج2، 249.

[20] – شرح صحيح مسلم، للنووي. ج12، ص: 229.

[21] – شرح النووي على مسلم، ج12، ص: 229.

[22] – مسلم، ج37، ص: 353. ح4877./ مسند أحمد، ح: 22679.

[23] – أنظر شرح النووي على مسلم. ج12، 228.

[24] – صحيح مسلم، ج6، ص: 24./ الترميذي، ج4، ص: 528./ مسند أحمد، ح: 23981.

[25] – أحمد الريسوني في حوار مع الصحفي عثمان عثمان، برنامج الشريعة والحياة على قناة الجزيرة. عنوان الحلقة: فقه الثورة.

[26] – النحل، 90.

[27] – صحيح مسلم، ج8، ص:16. ح: 6737.

[28] – النساء، الآية: 147.

[29] – جامع البيان، ج9، ص: 343.

[30] – المائدة، الآية: 3.

[31] – سورة هود، الآية:

[32] – جامع البيان، ج15، ص: 501.

[33] – صحيفة الوسيط، العدد العدد 3344 – الأربعاء 02 نوفمبر 2011م الموافق 06 ذي الحجة 1432.

[34] – برنامج الشريعة والحياة على قناة الجزيرة الإخبارية القطرية. “فقه الثورة”.

[35] – نفسه.

[36] – أنظر حق الشعب في استراد السيادة للدكتور أيمن الورداني، مكتبة مدبولي. وهذه الفتوى مسجلة بالصوت والصورة في الموقع الرسمي للشيخ على الأنترنيت.

[37] – موقع الشيخ صالح الفوزان الرسمي:https://www.alfawzan.af.org.sa/ar/node/14288.

[38] – مقال بعنوان: الربيع العربي الإسم والتسمية. منشور في جريدة الأيام البحرينية، العدد 8259 الأحد 20 نوفمبر 2011 الموافق 24 ذو الحجة 1432.

[39] – نفسه.

[40] – إشكالية الدين والسياة في تونس.أزمة مشروع التحديث وظهور حركة النهضة، أبو اللوز عبد الحكيم.

[41] – إعلام الموقعين. ج4، ص: 283.

[42] – السجدة، 22.

* طالب باحث ماستر قواعد الاجتهاد والتنزيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *