وجهة نظر

من يوقف مسلسل الإجرام ببلادنا

مع توالي السنوات واشتداد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، أصبحت مجالسنا لا تخلو من حديث عن عن تصاعد عمليات السرقة والاعتداءات الجسدية بجميع المدن المغربية، وتتقدمها العاصمة الاقتصادية. حيث لا يمر يوم دون أن تطالعنا الصحف الورقية والإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي بأخبار عن جرائم من هنا وهناك، دون إغفال تلك التي تظل طي الكتمان.

والعنف والإجرام باتا السمتين البارزتين اللتين تطبعا المجتمع المغربي، حتى أنه لم يعد هناك أحد مغربيا كان أم أجنبيا، رجلا أم امرأة، طفلا أم شابا، بمنأى عن الأخطار المحدقة، التي يمكن أن تفاجئهم في أي مكان وفي أي لحظة، بزقاق ضيق كما في شارع واسع، بمقهى كما في حافلة عمومية، في سوق كما في محطات النقل، أمام المؤسسات التعليمية كما أمام الشبابيك الأتوماتيكية، تحت ضوء النهار كما في ظلام الليل… انعدم الشعور بالسكينة والطمأنينة وغاب الأمن والأمان، وصار الخوف يتملك الجميع على أنفسهم وأبنائهم وممتلكاتهم، في ظل انتشار ظاهرة النهب والسلب تحت التهديد بالسلاح الأبيض، في أجواء تعطي الانطباع وكأننا في غابة من الوحوش المفترسة، التي تتحين فرصة الانقضاض على فرائسها بدون رحمة. ومتى كانت الوحوش الآدمية تعرف معنى الرحمة؟ !

ففي ذلك الزمن الجميل، نادرا ما كان الناس يتوصلون بأخبار عن جرائم القتل والسرقة بهذا الحجم، بفعل سيادة قيم المودة والتسامح والتآزر والأخلاق الفاضلة. أما اليوم، فقد انهارت منظومة القيم وتغير كل شيء من حولهم، وتحول ما كانوا يعتبرونه بالأمس القريب مجرد إشاعات إلى حقائق ملموسة، بعد أن تكاثرت أمام أنظارهم وأسماعهم عروض حقيقية وصور بشعة عن أحداث إجرامية، متمثلة في الضرب والجرح والقتل والحرق والسطو على الممتلكات الخاصة والعامة، إذ لم تعد تسلم من النشل بالقوة لا هواتف محمولة ولا حقائب يدوية وسواها، دون أن يستطيع أي كان أن يهب لنجدة الضحايا، خوفا على سلامته من بطش اللصوص المدججين بكل أشكال الأسلحة البيضاء والمواد الخطيرة، والذين غالبا ما يكونون تحت تأثير المخدرات والأقراص المهلوسة والمؤثرات العقلية…

ولا أدل على تذمر المواطنين وحجم معاناتهم أكثر من لوذ بعض جمعيات الأحياء بالدار البيضاء وغيرها بملك البلاد عبر وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت في رسائل مفتوحة، تطالب بضرورة تنظيم حملات أمنية واسعة ودائمة لاستتباب الأمن، وتطهير الأزقة والشوارع من مختلف مظاهر العنف والسرقة وإقلاق راحة السكان، راجية تحريرهم من حالة الهلع والقلق على أنفسهم وأبنائهم وممتلكاتهم، والضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه العبث بأمنهم وسلامتهم. فهل كان من اللازم الاستغناء عن مراكز شرطة القرب بالأحياء الشعبية، وتحويلها إلى مجرد ملحقات للجماعات الترابية خاصة بتصحيح الإمضاءات؟ أليست سلامة وأمن المواطن أهم بكثير من الوثائق الإدارية؟ ولم لا تتم الاستعانة بالكاميرات الذكية في مراقبة حركية الشوارع؟

وفضلا عن موجة الاستياء العارم وإحصائيات الإدارة العامة للأمن الوطني المقلقة والتقرير الأخير برسم سنة 2018 لمكتب الأمم التحدة الخاص بالمخدرات والجريمة، الذي يشير إلى أن انتشار الجريمة بالمغرب بلغ 2 ,1 لكل 100 ألف نسمة، فقد دخلت على الخط هيئات حقوقية مغربية، للمطالبة بإنهاء مسلسل جرائم العنف، حيث دعت الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان في بلاغ لها إلى ضرورة التعجيل بتنزيل الفصل 54 من الدستور، الذي ينص على: “يحدث مجلس أعلى للأمن بصفته هيئة للتشاور بشأن استراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد، وتدبير حالات الأزمات، والسهر أيضا على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة. يرأس الملك هذا المجلس، وله أن يفوض إلى رئيس الحكومة صلاحية رئاسة المجلس على أساس جدول أعمال محدد…”. مما يستدعي إشراك الكفاءات الأكاديمية والأمنية والتربوية المقتدرة وذات المصداقية في المجلس، مواصلة تخليق المؤسسات الأمنية والقضائية وتطهيرها من كافة صنوف الفساد والاستهتار بالمسؤولية. فما هي إذن أسباب تنامي ظاهرة الإجرام المقلقة؟ وكيف يمكن تطويقها؟

ففي هذا الإطار يجمع المراقبون وخبراء علم الإجرام وعلم النفس على أن ارتفاع نسبة الجريمة، يعود بالأساس إلى عدة أسباب ترتبط في غالبيتها بإخفاق الحكومات المتعاقبة في تدبير الشأن العام، النهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وإحداث مدرسة عمومية ذات جودة وجاذبية، تكون مشتلا لاستنبات قيم المواطنة ونبذ العنف واحترام حقوق الإنسان… وعدم قدرتها على محاربة الفقر والأمية والبطالة والهدر المدرسي وأحزمة البؤس المحيطة بالمدن والفوارق الاجتماعية والمجالية والفساد الإداري والاقتصادي والسياسي، والرفع من معدل النمو الاقتصادي. علاوة على التباين الصارخ في الأجور وغياب الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة. ولعل أبرز الأسباب التي تدفع بالجانحين والعاطلين إلى ارتكاب الجرائم، هو تفشي ترويج الخمور والمخدرات بمختلف أنواعها، وتساهل مؤسستي الأمن والقضاء في ردع تجارها والمتعاطين إليها، وتشديد العقوبات في حقهم.

إنه من المجحف أن نحمل الأجهزة الأمنية وحدها مسؤولية حماية المجتمع رغم ما لها من دور محوري، والحال أن معالجة ظاهرة الإجرام تقتضي السهر على إعادة الهيبة للدولة وتكاثف جهود الأسرة والمدرسة وعلماء الدين والاجتماع وفعاليات المجتمع المدني ووسائل الإعلام في التوعية، وحرص الحكومة بقطاعاتها الصحية والاجتماعية والاقتصادية على وضع سياسة شاملة ومندمجة، تضمن تكافؤ الفرص في التعليم والشغل، تحسين الطاقة الشرائية للمواطنين، تخفيض الأجور العليا ومراجعة التعويضات ومعاشات الوزراء والبرلمانيين ومحاربة الفساد والريع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *