وجهة نظر

في حال مأزق تشكيل الحكومة في تونس.. هل يتغير شكل الحكم إلى نظام رئاسي؟

بعد الانتصار الكاسح الذي حققه الأستاذ قيس سعيد في الانتخابات الرئاسية (الدور الثاني) تدخل تونس مرحلة جديدة من الحكم، وينتظر الشعب التونسي تشكيل الحكومة الجديدة بعد الانتخابات التشريعية التي جرت في السادس من أكتوبر وأفرزت نتائج مذبذبة وانقسمت الأحزاب على إثرها، ويبقى التفاهم حول من يكون رئيس الحكومة؟ وهل يكون من حركة النهضة أو خارجها؟ وهل يقبل الشعب التونسي بتشكيلتها؟ لقد رأينا الشباب التونسي الواعي المثقف يخترق كل الحواجز ويغير الأرقام بكل سهولة، فبعد أن كانت حظوظ السيد نبيل القروي وافرة في الدور الثاني بعد النتيجة الإيجابية التي حققها في الدور الأول وجعله محط أنظار الجميع في الداخل والخارج، وتكونت في نفسه قناعة أن الشباب لن يصوت في الدور الثاني وهذا يكون في صالحه، حادت السفينة عن مسارها بفعل الرياح العاتية القوية وتلاشت آماله بسرعة بعد أن رأينا طوفانا من الشباب التونسي يخترق جدار الصمت ويعلنها صراحة “نحبّ قيس سعيد”.

لقد ألهم الرئيس المنتخب الشباب، وكان يسانده منذ أن كان في أعتاب الجامعات التونسية وتربت على يديه أجيال وأجيال، وعلمت الأجيال أن الرجل أمين في عمله، عادل بين طلبته، صارم في أحكامه، يخدم بلده بكل ضمير وإتقان وتفان، وهذا سر نجاحه في حملته الانتخابية، وحب الناس له وإعانته على تنفيذ ما يريده، فالشباب هو صانع التغيير بلا مجاملة ولا جدال، وهو القادر على تغيير بوصلة الأرقام، وهو المشارك الرئيس في رسم السياسة في البلاد، شئنا أم أبينا، وهنا تبدو الروح الثورية لأبي القاسم الشابي وغيره قد حرّكت مواجع الشباب وألقت على عاتقه حب التغيير فحدث ما حدث لتونس الخضراء الرائعة في جمالها وجمال شبابها وإصرارهم على الكفاح والتدخل في الوقت المناسب.

وبعد فوز السيد قيس سعيد، يبقى على البرلمان أن يختار الشخصية المناسبة لإدارة الحكومة، ولا بد أن تكون شخصية مؤثرة يحبها الشباب ويستلهم منها الدروس كتلك التي رآها في شخص رئيس الجمهورية، شخصية لا تقل وزنا وثقلا عند الشعب التونسي عن شخصية رئيس الجمهورية، لها رؤاها وثوابتها وتتسم بنظافة اليد، وأمينة على ثروات الشعب ومتقنة لعملها، تجوب الشوارع والفيافي والأرياف وتبحث عن المواطن أينما كان، وتوصل له الخدمات وترفع عنه الأثقال، وتوفر له الحاجيات، وتبين للشعب أن تونس دولة حضارية، شعبها وفيّ وقويّ لا يتدخل في شؤون غيره ولا يسمح لأحد أن يتدخل في شؤونه، وتبين أن مواقفها ثابتة وراسخة مهما كانت الضغوطات والصعوبات والعراقيل وغيرها من المشاكل التي يمكن أن تجد حلّا بالحوار، هذا ما يريده الشعب من الحكومات، أن تترك الخلافات الحزبية جانبا وتنتبه للشعب وتخدم الشعب وتكرّس حياتها للشعب، عندئذ نصنع حضارة جديدة قوامها الشباب، ونبني جيلا يحب بلاده بقوّة، ويرقى إلى المجتمعات الأخرى وينافسها بجدارة.

لكن هل تستطيع حركة النهضة اليوم تشكيل حكومة متوازنة مع تضارب مصالح الأحزاب التي فازت بمقاعد في البرلمان؟ أم أنها ستصطدم بمواقف لم تكن في الحسبان؟ وهل هناك أسماء على الطاولة يشهد لها الشعب التونسي بالكفاءة والقدرة على تسيير أمور البلاد؟ وهل تسمع حركة النهضة لآراء الشباب واقتراحاتهم في هذا المجال؟

غير أني أعتقد أن الشباب التونسي اليوم يميل إلى النظام الرئاسي منه إلى البرلماني، بعد أن ذاق مرارة صراع الأحزاب على من يكون رئيس الحكومة، وعلى خطط ومشاريع حزب الأغلبية، وعلى المعارضة التي يمكن أن تصدّ أي مشروع حضاري تستفيد منه البلاد، وبعد أن ذاق فرحة العرس الرئاسي في عملية ديمقراطية لم يشهد العالم العربي لها مثيلا، يريد الشباب أن تكون الصلاحيات بيد رئيس الجمهورية، دون استبداد ولا ظلم ولا دكتاتورية، وتبقى مهمة البرلمان التشريع والرقابة، وتصبح مهمة الرئيس التخطيط السليم والتنفيذ الأمين، وعلى البرلمان أن يحاسب الرئيس إن أخل بمهمته وأمانته، ويحاصره ويسائله وربما يعزله إذا اقتضت الضرورة ذلك، وبالتالي سوف تتقدم الدولة بخطوات ثابتة إلى الأمام ودون معوّقات.

نعم يمكن تحقيق ذلك إذا كانت هناك إرادة لتغيير الدستور، واقتراحه كمشروع على البرلمان ثم إجراء استفتاء شعبي عليه لينال ثقة الشعب، والتالي تخرج تونس من زوبعة الأحزاب التي تكاثرت وتعدّدت، وهنا أشير أيضا إلى ضرورة تقنين الأحزاب وفرض شروط أخرى تقلل من عددها المتزايد والمتنامي لأنها ليست في صالح البلاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *