منتدى العمق

نحن النبلاء وأنتم الرعاع .. أبرتايد “المثقفين”

في كل مناسبة يختار فيها الشعب مواجهة السلطة، ينبري ثلة أو إن شئت قل شرذمة من الفيسبوكيين”المثقفين” لتبخيس وتسفيه أي حراك شعبي ووصفه بالغوغائية والرعونة نظرا لارتباطه بفئة شعبية عريضة قد تكون غير متمدرسة، يحظى الشعب بسمعة سيئة لدى هؤلاء العدميين التبخيسيين ومنهم صحفيون وأساتذة جامعيون، كما أنه قد صار تقليدا أن نحتقر من يرفع شعار في بلادي ظلموني، بل نختار الاصطفاف بجانب الدولة بصفتها تمثل صوت الحكمة والعقلانية حتى وإن تمادت في طغيانها أو كثر فلتانها وجورها، يا للغرابة.

بعدما اختار الفيسبوكيون مقاطعة الحليب والماء ومحطات الوقود، استشاط هؤلاء العدميين غضبا وقدحوا في هذا الحراك الافتراضي الرائع، ووصفوا المقاطعين بالقطعان أو من يتبع “جيلالة بالنافخ”، وحينما اصطف الشعب بجانب حراك الريف سموه “بالمغرق” أي من يدفع بريافة الى فوهة المدفعية، وكأن الشعب هو من يملك مفاتيح السجن أو هو من أصدر الأحكام البيزنطية في حق أبناء الريف، ولما تم إعتقال” الصحفيين “بوعشرين والمهداوي” لم ينتبه هؤلاء التبخيسيون إلى قساوة الأحكام بقدر ما كالوا الإتهامات لكل من يناصر قضية الصحفيين، باعتبارهم ساهموا في توريط بوعشرين والمهداوي وتسببوا في سجنهم، وكأن المهداوي أو بوعشرين قاصرين لا يمتلكان أية أهلية للممارسة الصحافة، ولا يكتبان إلا بإيعاز من الشعب “الغوغائي”.

منذ اعتقال مغني الراب “سيمو لكناوي”، وكعادتهم أطلق هؤلاء التبخيسيون موجتهم السخرية، للنيل من محتوى أغنية “عاش الشعب” التي تربعت على عرش الطوندوس، واصفين مغنيي الراب الثلاثة “بالشمكارا”، أو من يحاول إفساد الفن وترويج العنف والتشرميل، لا أعلم إن قام هؤلاء الساخرون بإطلالة بسيطة على تاريخ الراب، ولو أنهم فعلوا ذلك لعلموا أن الراب منذ بدايته كان فن الهامش وصوت من لا صوت له، ولا يحضر على الموائد المخلميةولا يردده من يضع”الكرافاط” ويرتاد محلات “إلسي وايكيكي” ويتناول لكروفيط والكافيار، لقد كان الراب صوت “السابالتورن” فئة لا تستيطع ايصال صوتها والتعبير عن مظلوميتها ولا يلتفت لها مغنيي فنادق الخمس نجوم.

ربما ينتظر هؤلاء العدميين من”الرابور” أن يغني للمسيرة الخضراء أو يردد أغنية ” بلادي يا زينة البلدان” أو يقبل الأيادي ويخنع للسلطة، لكن خاب ظنهم، وهؤلاء الشباب الذين يغنون الراب على اختلاف مذاهبهم لن يكونوا عند حسن ظن قبائل”بناني السميرس”وأصحاب الدماء الزرقاء. ومن أراد الفن”الراقي المهذب” فلن يرتوي من واد إسمه الراب، ومن تسري في عروقه دماء زرقاء فلا مكان له وسط جماهير الألتراس الساخطة، التي لا تعدو كونها قطعان فاقدة للوعي في نظر أصحاب “الجلالة والمهابة”، بينما هي في الأصل أكثر تقدمية من الأقلام “المثقفة”، المحافظة والطاعنة في شرعية “الجماهير”.

من يغني “في بلادي ظلموني” لا يمثل القطيع، ومن ينصت للراب ليس صعلوكا، ومن يؤمن بفكرة الإرتماء في الهواء ولو بشكل عشوائي من أجل القضاء على الاستبداد ليس غوغائيا. الغوغائيون الدهماء، من يسخرون أقلامهم لتعطيل ولادة فكرة العدالة والحرية في عقول الناس، من يكتفون بترديد خطاب السلطة التي لا يأتيها الباطل من خلفها ولا من بين يديها على حد زعمهم. من يقفون إلى جانب المنتصر الذي يملك القوة وليس من يملك الحق أو يمثل الصواب. إنهم “النبلاء” أصحاب الحكمة والتبصر العميق، القابعون فوق الأبراج العاجية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *