وجهة نظر

دراسة ثانية تؤكد ريادة المغرب في انعدام الأمانة

احتفى عدد من المغاربة ورواد شبكات التواصل الاجتماعي بشخص مغربي أعاد مبلغ 5000 درهم إلى صاحبته بعد أن عثر عليه في الشارع، واعتبروا أنه شخص يمثل حالة فريدة تستحق التكريم والتنويه والمكافئة، خاصة وأنه ليس شخصا ميسورا بل هو من فقراء البلد.

المؤسف أنه بقدر ما يسعدنا أن يكون في بلدنا رجل من طينة المعني بالأمر، إلا أنه سيؤلمنا كثيرا أن نعلم أنه حالة نادرة، بل تعتبر شاذة لدى الكثيرين، وموضوع سخرية لدى عدد غير قليل من الناس، وهو ما تؤكده دراسات دولية فيما يخص المغرب.

فقد سبق أن أشرنا قبل عام من هذا التاريخ إلى نتائج دراسة دولية نُشرت نتائجها في مجلة Nature التي تحظى باحترام كبير بين المنابر العلمية في العالم، وقد أشار مضمون الدراسة إلى أن المغرب يتبوأ المرتبة الأولى عالميا في الغش وانعدام الأمانة والنزاهة، أي أن المغاربة هم أول شعب لا يمكن أن تثق فيه في العالم. قمنا بدق ناقوس الخطر في عدة فيديوهات ومقالات وتساءلنا عن السبب الذي جعل مؤسسات الدولة وعلى رأسها الحكومة والبرلمان لا تعير أي اهتمام لمثل هذه الدراسات الخطيرة، مع العلم أن لها نتائج في غاية السلبية على الاستثمار والسياحة والعديد من القطاعات الحيوية، بل وعلى صورة البلد وقيمته دوليا.

وخلال شهر يوليوز من السنة الجارية 2019 نشرت دراسة علمية أخرى في مجلة “Sciences” التي لا تقل أهمية وسمعة عن المجلة المشار إليها أعلاه، الدراسة تتعلق بمدى تحلي شعوب العالم بالأمانة، وقد اعتمدت كل المعايير الصارمة والضرورية من أجل الوصول إلى نتائج أقرب إلى الموضوعية، حيث اختبرت الأفراد في مدى نزاهتهم واستعدادهم لإعادة حقيبة نقود ملقاة في الشارع، تتضمن بجانب الأوراق المالية وثائق الهوية وعنوان صاحبها، وإذا كانت بلدان كسويسرا والنرويج وهولندا والدنمارك والسويد قد تربعت على قائمة الدول الأكثر أمانة وصدقا ونزاهة، فإن المغرب مرة أخرى قد ورد في ذيل القائمة، مؤكدا النتيجة الواردة في الدراسة السابقة، وهو ما يجعلنا جميعا أمام ظاهرة ينبغي أن تعطاها الأولوية، وخاصة في البرامج والمقررات الدراسية، وكذا في وسائل الإعلام وكل قنوات الإرشاد اليومي، حيث تقتضي مثل هذه المعطيات حملة تعبئة وطنية ضدّ الانحطاط القيمي، خاصة بعد أن صار مجرد انتقاد سلوك انعدام الأمانة مثيرا لموجة من السخرية لدى العامة، ما يعني انقلاب تام في نظام القيم لدى المغاربة.

إن جميع الدول التي نجحت في تربية مواطنيها على الأمانة والصدق والنزاهة، إنما فعلت بسبب حكامتها الجيدة التي تمثل نموذجا لمواطنيها، كما حققت ذلك اعتمادا على نظم تربوية تقوم على مفهوم عقلاني للأخلاق لا يعتمد الوعد بالجزاء أو التهديد والتخويف من العقاب، فأخلاق الخوف لا تحقق الفضيلة، كما أن أخلاق التبشير بالجزاء لا تخلق إلا جماعات من الانتهازيين.

المطلوب استعادة درس الأخلاق بمفهومه العقلاني الكوني المبني على القيم الإنسانية النبيلة، التي يقصد منها الخير لذاته ومن أجل المواطن والمشترك العام، لا لخوف أو رغبة في مكافئة، إنها التربية على أخلاق الضمير والواجب، وهي التي تجعل الأمانة والنزاهة خصالا متأصلة في الشخصية، وليست حالة شاذة أو استثنائية تثير الإعجاب والتنويه والاحتفال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *