وجهة نظر

نافذة على سنة 2019

سنة ترحل أو تستعد للرحيل (2019)، وسنة أخرى تتأهب كالعروس في ليلة زفافها، لتحل بين ظهرانينا (2020) .. سنة تطوى وترحل في صمت .. وسنة جديدة تفتح على إيقاعات الشوق والأماني.. وبين الوداع القسري و الاستقبال الحتمي .. تفتح الصفحة الأولى في سجل جديد، لا أحد يتوقع ما سيضمن به من أحداث ومواقف ولحظات فرح ولحظات ألم وآهات .. بين السنة الراحلة والسنة الجديدة، نتقدم جميعا “سنة” أو “خطوة” في مضمار العمر، حاملين حزمة من الأماني والأمنيات، في أن تكون الأيام والأسابيع والشهور القادمة، حبلى بالخير والسعادة والرخاء، والصحة والسلام والهناء لكل شعوب العالم، في مشارق الأرض ومغاربها.. بين السنة الراحلة والسنة الجديدة، نقتنص هذا الحيز الزمني، لنستحضر أبرز ما ميز الساحة الوطنية، من مشاهد متعددة المستويات، يصعب إثارتها ومحاصرتها في مقال تتحكم فيه هواجس “الدقة” و”الإيجاز” و”الاختصار”، لكن سنكون مضطرين للتوقف عند أكثرها إثارة وتأثيرا ..

– زيارة تاريخية للبابا “فرانسيس”:

سنة 2019، انفردت عن سابقاتها، بزيارة بأبعاد ورسائل متعددة الزوايا، لقداسة بابا الفاتيكان “فرانسيس” للمغرب أواخر شهر مارس الماضي، توجت بتوقيع جلالة الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس وقداسة البابا على “نداء القدس”، تلاه باللغة العربية الأمين العام للمجلس الأعلى”محمد يسف”، وباللغة الإيطالية “إدغار بينيا بارا” وكيل الشؤون العامة في أمانة سر دولة الفاتيكان، وهو إعلان تاريخي، تم التأكيد من خلال مضامينه على ” أهمية المحافظة على مدينة القدس الشريف، باعتبارها تراثا مشتركا للإنسانية، وبوصفها أرضا للقاء ورمزا للتعايش السلمي، بالنسبة لأتباع الديانات التوحيدية الثلاث، ومركزا لقيم الاحترام المتبادل والحوار”، والدعوة إلى “صيانة وتعزيز الطابع الخاص للقدس الشريف كمدينة متعددة الأديان إضافة إلى بعدها الروحي وهويتها الفريدة”، وقد عبر الطرفان من خلال وثيقة الإعلان المشترك، عن أملهما في أن “تكفل داخل المدينة المقدسة حرية الولوج إلى الأماكن المقدسة، لفائدة أتباع الديانات التوحيدية الثلاث، مع ضمان حقهم في أداء شعائرهم الخاصة فيها”.

زيارة تاريخية، أتت في سياقات إقليمية ودولية، ميزها تنامي العنف وارتفاع منسوب التطرف عبر العالم، وانتكاسة السلام بين العرب وإسرائيل، بعد الاعتراف “الترامبي” بالقدس كعاصمة لإسرائيل، دون اكتراث لمشاعر ملايين المسلمين عبر العالم، واستمرار معاناة الشعب الفلسطيني في ظل الغطرسة الإسرائيلية، دون إغفال ما يعيشه العالم من مشاهد التوتر والاضطراب والاضطهاد في عدد من المناطق، وأكدت هذه الزيارة مرة أخرى، على محورية “المملكة المغربية” كأرض للتلاقي والحوار والسلام والتسامح بين الأديان، يمكن الرهان عليها، لمد جسور التعاون والتضامن والتعاون بين العالمين المسيحي والإسلامي، في ظل موقع استراتيجي جذاب، يشكل حلقة وصل بين”أوربا” و”إفريقيا” و”آسيا” وتحديدا الشرق الأوسط.

– خطب ملكية بمضامين قوية :

السنة الراحلة أو على وشك الرحيل (2019)، تميزت عن سابقاتها، بخطب ملكية حملت مضامين ورسائل قوية، تقاطعت فيها مفردات الصراحة والمكاشفة والواقعية، وفق رؤية استشرافية للمستقبل، تحكم فيها هاجس تجاوز ما هو “كائن” بما يحمله من ضعف وهوان تنموي، إلى رسم معالم “مغرب ممكن” تتحقق فيه شروط “المسؤولية” و”الإقلاع الشامل”، والمنطلق كان بخطاب الذكرى العشرين لعيد العرش المجيد، الذي حمل مضامين قوية، لم تجد حرجا في مساءلة النهج التنموي القائم منذ سنوات، وما ترتب عنه من مشكلات وأعطاب تنموية، جعلت شرائح عريضة من المغاربة، بعيدين كل البعد عن قطار التنمية، وفق رؤية موضوعية جمعت بين “الصراحة” و”المكاشفة” و”الإرادة” في تخطي الكبوات، عبر الدعوة إلى بلورة “نموذج تنموي جديد” يعول عليه، لإعطاء نفس جديد للممارسة التنموية، بإعطاء جيل جديد من المخططات والبرامج التنموية، القادرة على التخفيف من حدة الفوارق الاجتماعية والتفاوتات المجالية، بشكل يسمح بالجواز الآمن نحو مرحلة جديدة قوامها “المسؤولية” و”الإقلاع الشامل”.

وكما كان متوقعا، فقد جاءت الخطب الملكية الموالية (خطاب الذكرى 66 لثورة الملك والشعب، خطاب الذكرى 44 للمسيرة الخضراء، خطاب افتتاح دورة البرلمان)، جاءت جميعها، متناغمة ومترابطة موضوعيا بخطاب الذكرى العشرين لعيد العرش المجيد، وكلها حددت الملامح الكبرى للمرحلة القادمة، وما تقتضيه من تعبئة جماعية ومن تضامن وتشارك وتعاضد، ومن إحساس بالمسؤولية واستحضار للمصلحة العامة، لتبقى الكرة الآن في مرمى “اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي” التي ستتحمل مسؤولية وطنية وتاريخية، في تشكيل المعالم الكبرى لنموذج تنموي جديد في أفق الصيف القادم، وهي مسؤولية جسيمة، تفرض على “اللجنة”، ليس فقط، التحلي بروح المسؤولية والتجرد والموضوعية والجرأة في “قول الحقيقة”، بل وأن تتملك القدرة على “عكس نبض المجتمع”، وهو نبض، وإن كان واضحا وضوح الشمس، فهو يقتضي ترك المكاتب المكيفة، والنزول إلى الميدان، والاستماع إلى السكان عن قرب، خاصة في المجالات الفقيرة والمعوزة، ومعاينة حجم الخصاص ودرجة المعاناة، وفق مقاربة تشاركية مندمجة، بشكل يسمح بصياغة وبلورة اختيارات/توجهات كبرى، نابعة من عمق الواقع، من شأنها أن تشكل دعامات “النموذج التنموي المرتقب”.

– تعديـل موسع لحكومة العثماني:

في سياق خطاب الذكرى العشرين لعيد العرش المجيد، كلف جلالة الملك محمد السادس، رئيس الحكومة بأن برفع لنظر جلالته-في أفق الدخول السياسي- “مقترحات لإغناء وتجديد مناصب المسؤولية الحكومية والإدارية، بكفاءات وطنية عالية المستوى، وذلك على أساس الكفاءة والاستحقاق”، وقد عكس هذا التكليف، رؤية ملكية متبصرة، ترمي إلى توفير أسباب نجاح المرحلة القادمة، بعقليات جديدة، قادرة على الارتقاء، بمستوى العمل، وعلى تحقيق التحول الجوهري الذي نريده، كما أكد جلالته في خطاب العرش الأخير.

وبعد مرحلة ترقب وانتظار، ميزتها نقاشات متعددة المستويات، حول مفهوم “الكفاءة”، وحول الوزراء الذين ستطالهم رياح التغيير، خرجت حكومة “سعدالدين العثماني” في نسختها المعدلة، التي انفردت عن سابقاتها بتقليص عدد الوزراء، وفتح الأبواب أمام بعض الوجوه الجديدة غير المألوفة في المشهد السياسي، لكن المتغير، هو خروج حزب “التقدم والاشتراكية” من البيت الحكومي والتحاقه بصفوف المعارضة، وباستثناء التعديل الحكومي، نرى أن المشهد السياسي، لازال وفيا لمفردات “العناد” و”الصدام” و”النعرات” و”الضرب تحت الحزام” و”اقتناص كبوات وزلات الخصوم” و”اللغط” و”الخرجات” المثيرة للجدل، ونؤكد في الصدد، أن المرحلة القادمة، تفرض الارتقاء بمستوى الخطاب والممارسة، والعبرة في جميع الحالات، فيمن يجد ويفكر ويبادر ويقدم الحلول الناجعة للمشاكل القائمة ويستمع لنبض المجتمع، ويؤمن بحتمية الحوار والتواصل والتشاور، لا من يجيد “اللغط” ويتمادى في”الزلات” و”الخرجات” ويتهافت بحثا عن فرص الارتقاء السياسي والاجتماعي..

– فاجعة “زناتة” :

إذا كانت سنة 2018، قد ميزها “القارب الشبح” أو “الفونتوم”، الذي حرك أحلام العشرات من الشباب اليائسين الحالمين بالوصول إلى الضفة الأخرى للمتوسط، تميزت سنـة 2019، بما بات يعرف ب”فاجعة زناتة” نواحي المحمدية، حيث شاء القدر، أن تتوقف عقارب حياة مجموعة من مرشحي الهجرة السرية، الذين قدموا من ضواحي “قلعة السراغنة” هروبا من واقع صعب يحاصره “الإقصاء” بكل أبعاده وتجلياته، حاملين “حلما مشتركا” و”رغبة جماعية جامحة” في ركوب الموت والخطر، بحثا عن أحلام مشروعة، تحولت فجأة إلى “كابوس مزعج”، تحطم صرحها بين أمواج شواطئ زناتة، في ليلة كانت آخر الليالي، وكأنهم فروا فرادى وجماعات من موت “بطيء”، ووقعوا عنوة في قبضة “موت” ابتلع الحياة والآمال والأحلام، وحولهم إلى ذكرى حبلى بالحسرة والحرقة والألم.

واقعة “أليمة” شكلت مرآة عاكسة لواقع “أليم”، قوى ويقوي الرغبة في ركوب الموت والخطر من قبل شباب تقاسموا جرعة “الفقر” و”الهشاشة” و”الإقصاء”، وتذوقوا جرعة “اليأس” و”الإحباط” و”انسداد الأفق”، شباب في عنفوان العمر، عانوا في صمت ورحلوا في صمت، وبعضهم نجى بأعجوبة وبقدرة قادر، وحكوا بمرارة وحرقة وارتبــاك، “سيناريو الرعب”، حيث التقى “الصمت” بالصمت، و”الموت” بالموت و”الألم” بالألم، في واقعة حزينــة، بالقدر ما كشفت عن “سوءة” الفقر بعدد من المجالات، خاصة بالعالم القروي، حيث لا يعلو صوت على صوت “الإقصـــاء القاتل”، بالقدر ما وجهت البوصلة، نحو شبكات التهجير، التي تحولت إلى أسود متمردة، لا تجيد إلا “القنص” و”الاصطياد” في براري “الفقر” وأخواته، وفي مثل هكذا حالات، فغالبا ما تتجه الأنظار نحو “الشق الجنائي”، من منطلق أن ما حدث، قد شكل أفعالا مخالفة للتشريع الجنائي الموضوعي، ومعاقب عليها بمقتضاه.

لكـــننا نرى، أن “الشق الزجري”، لابد أن يوازيه، تحديد المسؤوليات فيما جرى بكل جرأة وموضوعية، وهي مسؤولية، نختزل تفاصيلها، فيما يعتري الأوساط الحضرية والريفية، من مشاهد “البؤس” و”الإقصاء”، في ظل سوء تدبير المدن والأريــاف، وفشل السياسات العمومية والجهوية، في استئصال شوكة التفاوتات المجالية والفوارق الاجتماعية الصارخة، بشكل أسس لمجالات حضرية وريفية، محركة لأحاسيس النفور واليأس والإحباط، بدل أن تكون مجالات جذابة، تتيح “الإدماج” و”الأمل” و”الحياة”، وفاجعة مأساوية من هذا القبيل، لا مناص من استثمار معطياتها، لأن “اليأس” قد يفضي إلى “الانحراف” و”الجريمة”، وهذا يفرض “تجفيف المنابـــع”..

– جرائم متعددة الزوايا :

إذا كانت سنة 2018 قد انفردت عن سابقاتها، بجرائم وصلت فيها البشاعة مداها، كما هو الشأن بالنسبة لجريمة “شمهروش” وجريمة “قطع الرأس” بالمحمدية، وكذا “جرائم سفاح شاطئ الدهومي ببوزنيقة، فإن سنة 2019، لم تخرج عن قاعدة ما يعتري المجتمع من مظاهر العبث والتهور والعنف والانحراف بكل تجلياته، حيث كانت العديد من المدن مسرحا لعدد من الجرائم المتعددة الزوايا، تصدرتها جرائم استهدفت براءة الطفولة، تارة بالقتل والتقطيع (جريمة العرائش) وتارة ثانية بالذبح (جريمة سلا (قرية أولاد موسى))، وتارة ثالثة بالاغتصاب (جريمة حي ليساسفة بالدار البيضاء التي طالت عددا من الطفلات لايتجاوز عمرهن العشر سنوات)، وهي جرائم وغيرها، شكلت وتشكل مرآة عاكسة، لما أضحى يميز المجتمع من مشاهد العنف والانحراف والعبث والتهور، في ظل غياب الضابط التربوي والقيمي، وهذا الجنوح نحو “الانحراف الخلاق”، يسائل مؤسسات التنشئة الاجتماعية من أسرة ومدرسة وأحزاب سياسية ودور الشباب والرياضة والإعلام …، كما يسائل السياسة الجنائية بأبعادها القانونية والقضائية والزجرية وغيرها.

– تميز في صحاري التفاهة والسخافة :

بالقدر ما حضرت مفردات “التفاهة” و”السخافة” و”التهور” و”العناد” و”الصدام”، بالقدر ما حضر”التميز” الذي بدى كفلتات في واقع التراجعات، وفي هذا الصدد، نشير على سبيل المثال لا الحصر، إلى فوز طلبة مغاربة من كلية الطب والصيدلة بوجدة، بالجائزة الأولى للمحاكاة الطبية (سيمكاب) التي جرت أطوارها بالعاصمة التشيكية “براغ”، وفوز المغرب بالرتبة الأولى بالأولمبيــاد الإفريقية للرياضيات (2019) التي نظمت بمدينة “كاب تاون” بجنوب إفريقيا، وتمكن مخترعين مغاربــة من التتويج في المعرض الدولي للابتكـار ( Bixpo 2019 ) الخاص بالاختراعات والابتكارات العلمية، الذي نظمته الفيدرالية الدولية لجمعيات المخترعين بكوريا الجنوبية غضون شهر نونبر الماضي، دون إغفال الأداء المميز للتلميذة “فاطمة الزهراء أخيار” التي تأهلت عن جدارة واستحقاق، إلى نهائي مسابقة “تحدي القراءة العربي”(نسخة 2019)، في نهاية مميزة، أعادت إلى الأذهان التلميذة “مريم أمجون” التي كسبت تحدي نسخة 2018 بتميز ورقي قل نظيرهما، في زمن صرنا فيه عرضة للارتباك والتيهان، وكلها إنجازات وغيرها، تظهر أن البلد أنجب وينجب طاقات وقدرات ومواهب، ترصع في صمت “قلادة الوطن” بصدق وأمانة وإخلاص، بعيدا عن مفردات “السخافة” و”المصلحة الضيقة” و”الأنانية المفرطة” و”الجشع” و”الريع” و”العناد” و”الصدام”..

– قوانين مثيرة للجدل :

السنة الراحلة أو على وشك الرحيل، ميزتها بعض القوانين التي أثارت موجة من الجدل والنقاش المتعدد المستويات، ونخض بالذكر “القانون الإطار للتربية والتكوين” و”المادة 9 من مشروع قانون المالية” و”المادة 47 من الدستور”، وكدا بعض مقتضيات القانون الجنائي ذات الصلة بالحريات الفردية وعلى رأسها “جريمة الإجهاض”، ولامناص من التذكير هنا، أن “القواعد القانونية” في شموليتها، المقصد الأساس منها، هو ضبط العلاقات سواء بين الأفراد فيما بينهم أو بين الأفراد والدولة.

ويفترض أن تكون هذه القواعد القانونية، عاكسة لنبـــض المجتمع، ومتناغمة مع التحولات التي يشهدها المجتمع، بشكل يقيها من حر الجدل والنفور، ويضمن لها الحدود الممكنة من الديمومة والاستمرارية، وهذا يفرض أن يتم عزل “التشريع” عن الحسابات الضيقة والنعرات الهدامة المثيرة للخلاف والصدام، وهنا نشير إلى أن “القانون” وكلما خضع لمنطق السياسة، كلما ابتعد عن المجتمع، وكلما ابتعد “القانون” عن “المجتمع”، كلما كانت العلاقة بيننا وبين القانون، علاقة “نفور” و”تحايل” و”تطاول”، وهي مفردات تشجـــع على “التمرد” و”الرفض” وتقـوي “شوكة الجدل” بشكل مستـــدام…

– دخول “القانون الإطار للتربية والتكوين حيز التنفيذ” :

على المستوى التربوي، لا يمكن أن نترك سنة 2019 تمر، دون استحضار دخول “القانون الإطار للتربية والتكوين” حيز التنفيذ، بعد ما أشهر في وجهه سلاح “البلوكاج” لأكثر من شهر داخل قبة البرلمان، في ظل الجدل المتعدد المستويات حول عدد من المقتضيات، أبرزها “مبدأ المجانية” و”لغة تدريس المواد العلمية والتقنية”، قبل أن يحضى بالقبول والمصادقة، ليدخل في حيز التنفيذ بعد نشره بالجريدة الرسمية، وهو قانون، نعول عليه، كممارسين، لزحزحة قارات المنظومة التعليمية، ومعالجة ما يعتريها من أعطاب ومشكلات متعددة المستويات، بما يضمن “الارتقاء” بالمناهج والبرامج وطرائق التدريس وبنيات الاستقبال وغيرها، لكن، وبالقدر ما يمكن تثمين هذا القانون، وما حمله من مقتضيات، بالقدر ما نؤاخذ عليه، تجاهله لوضعية نساء ورجال التعليم، في ظل التراجع المقلق لمهنة المدرس(ة)، التي أضحت مهنة بعيدة كل البعد عن الجاذبية، مقارنة مع وظائف أو مهن أخــرى.

وفي هذا الصدد، نرى أن الرهان على إصلاح المنظومة والارتقــاء بها، لا يمكن أن يتحقق على أرض الواقع، إلا بإعادة الاعتبار للمهنة، وتمكين ممارسيها من كل شروط التحفيز، إذ، من السذاجة، أن نراهن على مشاريع إصلاحية خصصت لها، إمكانيات مادية مهمة، في ظل مدرسين، يستنزفون الطاقات والقدرات في رفع المطالب والاحتجاج، وبعضهم، لا يجد حرجا في “عرض خدماته” أمام مدراء المؤسسات التعليمية الخصوصية، أو في سوق “ساعات الدعم الليلية”، سعيا وراء، مدخول مادي إضافي، يقي حرارة الحاجة والخصاص، عسى أن يتم الانتباه إلى واقع حال المدرس(ة)، في أفق “النموذج التنموي المرتقب”، بما يضمن إعادة الاعتبار واسترجاع الثقة، لأنه محرك الإصلاح وصمام أمانه …

– استمرار عجلة “العنف المدرسي” في الدوران:

السنة الراحلة، لم تخرج عن القاعدة، وسجلت بدورها حالات عنف مدرسي في عدد من المؤسسات التعليمية عبر التراب الوطني، استهدفت عددا من الأساتذة، من قبل تلاميذ لم يجدوا حرجا في ممارسة العنف ضد من قيل فيه “كاد المعلم أن يكون رسولا”، وهي وقائع عكست وتعكس، ما أضحى يعتري الفضاءات المدرسية، من تصرفات “لامدنية”، تجد بيئة، تساعد على إتيان العبث وممارسة التهور والانحراف، في ظل غياب الضابط التربوي والقيمي.

لكن السنة الراحلة (2019)، تميزت عن غيرها، بمقطع “فيديو” قصير، تم تداوله مؤخرا عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية، يظهر شابا يحرض على العنف ضد أسرة التعليم، بشكل علني وبجرأة ووقاحة وتهور وانحطاط، قبل أن يظهر ذات الشخص في مقطع ثان، يقدم فيه الاعتـذار، بعدما تعالت أصوات، طالبت بإيقافه وإدانته، جراء ما صدر عنه من أفعال جرمية، من شأنها التهديد والمساس بحياة نساء ورجال التعليم.

ومقطع الفيديو المذكور على قصره، يمكن قراءته من ثلاث زوايا متقاطعة: أولهما: تغير “كيفي” في العنف الممارس ضد الأسرة التعليمية، تجاوز حدود “السب” و”الشتم” و”الضرب و”الإهانة” و”الضرب والجرح”، إلى مستوى” التحريض” المباشر على ممارسة العنف ضدها، ثانيهما: ما أضحى يعتري العالم الافتراضي من مشاهد العبث والتهور والانحلال، بشكل يجعل منه عالما “خارج القانون” أو “فوق القانون”، ثالثها: ما وصل إليه مجموعة من الشباب، من تقهقر أخلاقي وانحطاط قيمي ومن انعدام تام للمسؤولية، بشكل يجعلهم يقبلون على إتيان، تصرفات يتقاطع فيها التهور والسذاجة، دون إدراك تداعياتها الاجتماعية والقانونية والقضائية.

– سنة فواجع بامتياز :

لم تنفرد سنة 2019، بفاجعة “زناتة” فحسب، بل انفردت، بفواجع متعددة المستويات، من أبرزها فاجعة “إجوكاك” بإقليم الحوز، على إثر طمر سيارة للنقل المزدوج بكميات من الأتربة والأوحال، بسبب السيول الجارفة، وفاجعة ما بات يعرف بملعب الموت بتيزيرت بنواحي تارودانت، والتي حولت عرسا كرويا إلى مأساة، في لحظة هاجمت فيها السيول الجارفة أرضية ملعب، كان يمثل “الحياة”، في واقع لا صوت يعلو فيه على صوت “الهشاشة” وأخواتها، ومن “إجوكاك” و”تيزيرت”، انتقلت “ناعورة الفاجعة” إلى “الراشيدية” و”تازة” بعد انقلاب حافلتين لنقل المسافرين، في حادثتين مأساويتين، بالقدر ما حضرت فيهما مؤثرات الطبيعة بقساوتها، بالقدر ما حضر العامل البشري (التهور، انعدام روح المسؤولية ..) والمادي (بؤس البنيات التحتية) في عالم قروي، الطبيعة وحدها، من يستطيع الكشف عن سوءة، ما يعتريه من أعطاب تنموية متعددة الزوايا، أما البشر، فأقصى ما يصنع، توزيع “صكوك التعازي”، وبعدها “التهافت” من أجل “التهافت”، في انتظار فاجعة جديدة وضحايا جدد، يزحزحون قارات “عبثنا” و”عنادنا” و”أنانيتنا المفرطة”، ويكبحون فرامل ما نخوضه من معارك حامية الوطيس ضد بعضنا البعض، وبين هذه المآسي، حضرت “أم المآسي”، ويتعلق الأمر بحادث احتراق الطفلة الصغيرة “هبــــة” بسيدي علال البحراوي، وهي تحترق بنافدة بسياج حديدي أمام مرأى جمهور، بعضهم لم يجد حرجا في توثيق بشاعة الاحتراق بالهواتف الذكيـة، بدل المبادرة والتحرك وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولا يسعنا في هذه اللحظة، إلا أن نجدد الرحمات على ضحايا كل ما عرفته سنة 2019 من مآسي، سائلين الله عز وجل، أن يشملهم بواسع الرحمة والمغفرة، وأن يلهم ذويهم بالصبر والسلــــوان، و”إنا لله وإنا إليه راجعــون”..

– قضية “باب دارنــا” : الوجه الآخر لانفلات سوق العقار.

سنة 2019، ستبقى بمثابة زلزال عنيف ضرب سوق العقار وكشـــف عن سوءة ما يعتري القطاع من مشاهد العبث والجشع والفساد، من خلال انفجار ما بات يعرف بقضية “باب دارنا”، التي تعد أكبر عملية نصب واحتيال في تاريخ العقار بالمغرب، بالنظر لقيمة المبالغ المستولى عليها وقياسا لعدد الضحايا، الذين لم يجدوا بدا من تنظيم وقفة احتجاجية أمام البرلمان (بتاريخ 22 دجنبر2019)، ناشدوا من خلالها جلالة الملك محمد السادس أيده الله، بالتدخل في قضيتهم وإنصافهم لاسترجاع حقوقهم المالية المسلوبة، وهذه القضية الجارية على مستوى القضاء، بالقدر ما تفرض إدانة كل من أثبت البحث تورطه في القضية، بما يتناسب وجسامة الأفعال المرتكبة، وتداعياتها على المجتمع وعلى الأمن القانوني العقاري، والحرص على إنصاف الضحايا، بشكل يسمح باسترجاعهم لحقوقهم المالية المسلوبة التي تقدر بالملايير، بالقدر ما تفرض المرحلة، توجيه البوصلة نحو “مافيات العقار” التي حولت الكثير من المجالات الحضرية، إلى مجالات “إسمنتية” تتقاطع فيها مفردات “العشوائية” و”الفوضوية”و”البؤس”، ومحاصرة “العابثين” و”الفاسدين” الذين يعيثون في سوق العقار، جشعا وتهورا وطمعا، وفي هذا الصدد، إذا كانت الآمال معقودة على “النموذج التنموي المرتقب”، لتصحيح مسارات التنمية وما تخللها من أعطاب ومشكلات، وإعطاء دينامية تنموية جديدة، تعيد الاعتبار لعدد من المجالات الغارقة في أوحال الهشاشة والإقصاء، وترتقي بمستوى عيش المواطنات والمواطنين، فإن كسب هذا الرهان، يقتضي إعادة الهيبة لسلطة القانون، والتطبيق الصارم لمبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة”، وتعقب الفاسدين ومحاصرة العابثين، الذين يصرون على الصعود والارتقاء على أكتاف الوطن وسواعد المواطنين.

– يقظة أمنية دائمة في مواجهة التهديدات المحتملة:

على غرار السنوات الماضية، تمكن الأمن المغربي من تفكيك جملة من الخلايا الإرهابية النائمة في عدد من المدن عبر التراب الوطني، في إطار مقاربة استباقية ناجعة، جنبت البلاد والعباد من الخطر الإرهابي في أكثر من مناسبة، وهي نجاحات، عكست وتعكس، ما وصلت إليه الأجهزة الأمنية المختصة في قضايا الإرهاب والجرائم العابرة للقارات، من خبرات وما راكمته من تجارب، جعلها تحضـى بالاعتراف والتنويه على المستوى الدولي.

وموازاة مع التصدي للخطر الإرهابي، نجحت مصالح الأمن عبر التراب الوطني، في التصدي لعدد من الجرائم التي تمس بالنظام العام وبسلامة الأشخاص والممتلكات، وعلى رأسها جرائم الاتجار الدولي في المخدرات، إذ تم إجهاض أكثر من عملية تهريب، وجرائم الاتجار في البشر، ذات الصلة بالشبكات المتخصصة في الهجرة السرية وكذا جرائم السرقات، وهي جرائم متعددة المستويات، بالقدر ما تتطلب الحيطة والحذر واليقظة المستدامة، لمواجهة كل المخاطر والتهديدات المحتملة، بالقدر ما تفرض، تدعيم الأجهزة الأمنية بكل انتماءاتها (قوات مسلحة، درك ملكي، أمن وطني، قوات مساعدة، وقاية مدنية، جمارك..) على المستويات المادية والبشرية واللوجيستية، بما يضمن التحفيز والنجاعة والفعالية، حفاظا على أمن وسلامة واستقرار الوطن، من كيد الكائدين وعبث العابثين..

– ديربي “كازابلانكا” .. ديربي العرب ..

لايمكن النبش في حفريات الرياضة في سنة 2019، دون التوقف عند “ديربي كازابلانكا” الذي حمل ألوانا عربية وأنفاسا إفريقية، بعدما حكمت القرعة على الغريمين التقليديين “الرجاء” و”الوداد” بالمواجهة الحارقة، ضمن دور الثمن من منافسات “كأس محمد السادس للأندية الأبطال”، بشكل جعل القلوب مأسورة والعيون مشدودة إلى أرضيــة “ستاد دونور” (مركب محمد الخامس)، الذي كان مسرحا (في الذهاب والإياب) لحكاية ليست ككل الحكايا، ولحقيقة كروية تجاوزت عتبات الأحــلام، تقاطع فيه “السحر” و”الخيال” في مدرجات رفضت كل الألـــوان، إلا “الأخضر الرجاوي” و”الأحمر الودادي” في مباراة ساحرة للتاريخ والأحلام، تحولت فيها المدرجات إلى قصيـــدة شعر وما هي بشعر، أبياتها “خضرة” و”قوافيها “حمرة”، أما أرضية الميـــدان، فقد تحولت فيها الأقدام إلى أشبــه بريشة فنان، شد القلوب بشطارة وسرق العيون بمهارة، وبين الشطارة والمهارة، رسم ألوان التشويق والإثــــارة، والإثارة عزفت كما يعزف على “القيثــارة”، وأعلنت “الخضرة” عروسا في ليلة الزفـــاف، في مباراة يعجز عن وصفها لسـان وعن نقل سحرها وإثارتها بيـــان ..

ونؤكد بالمناسبة، أن “الديربي” ليس فقط مباراة في كرة قدم، هو “رأسمال لامادي”، يمكن التعويل عليه ، من أجل التعريف ليس فقط، بالدارالبيضاء وما تزخر به من معالم تاريخية وبنيات استقبال وقدرات سياحية هائلة، ولكن بالمغرب كبلد مغاربي عربي إسلامي إفريقي متوسطي، يشكل وجهة للسياحة والاستثمار لما ينفرد به من بنيات تحتية ومؤهلات حضارية تغري بالزيارة والمشاهدة، وهذا يفرض تحصين “الديربي”، والحرص كل الحرص على إشعاعه عربيا وإفريقيا ودوليا، ليكون بحق “سفيرا فوق العادة”، تتجاوز وظيفته حدود تمثيل كرة القدم الوطنية، بل والإشعاع للمغرب في محيطه الإقليمي والدولي، بشكل يدفع لجذب واستقطاب زوار ومحبي المملكة المغربية عبر العالم .. والكرة الآن، في مرمى “الإعلام الرياضي” الوطني، الذي يحتاج إلى الارتقــاء والفاعلية، ولا يمكن كسب رهان التواصل والإشعاع، إلا بإعلام رياضي وطني مهني ومحترف، يساهم في معركة “المسؤولية” و”الارتقاء الشامل” ..

– تفعيل مقتضيات القانون المتعلق بالخدمة العسكرية:

تميزت سنـة 2019، بالشروع في تنفيذ مقتضيات قانون الخدمـة العسكرية، باستدعـاء أول فوج لأداء الخدمة العسكريـة لمدة 12 شهرا، يتلقى خلالها المجند(ة) طيلة الأربعة أشهر الأولى، تكوينا أساسيا عاما موازيا للتكوين العسكري، فيما يخضع على امتــداد ثمانية أشهــر، لتكوين تخصصي، بهدف تطوير كفاءاته وقدراتـه المهنيـة، في عدد من التخصصات التي توفرها القوات المسلحة الملكية، ونــرى، أن هذه الخدمة، من شأنها تعزيز روح الانتماء للوطن وترسيخ قيم المواطنــة، في ظل ما أضحى يعتري الكثير من الشباب، من مشاهد العبث والتهور وانعدام المسؤولية، كما من شأنها فتح الإمكانية أمام المجندين، للاندماج المهني والاجتماعي، لكن في ذات الوقـت، نرى أن العملية، يجب أن تتم في إطار من العدالة والمساواة والإنصــاف وتكافـؤ الفرص.

– “ميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة المغربية”:

سنة 2019، تميزت بدخول “ميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة المغربية” حيز التنفيذ، وذلك وفقا للقانون 90.13 القاضي بإحداث المجلس الوطني للصحافة، وهذا الميثـــاق الذي ضم أربعة محاور(المسؤولية المهنية، المسؤولية تجاه المجتمع، الاستقلالية والنزاهة، الحماية والحقوق)، من شأنه تخليق المهنة، ووضع حد لما يعرفه المشهد الإعلامي من مظاهر العبث والتسيب والتهور، ومن مشاهد التفاهة والسخافة والانحطاط، لكن، في ذات الآن، نــرى أن قيمة هذا الميثاق الأخلاقي، رهينــة بمدى الالتزام والتقيد بمقتضياته من قبل الصحافيين والناشرين ومختلف الفاعلين في مجال الصحافة والإعـلام والتواصل، إذ، أن العبرة ليست في القانون، بل في مدى احترامه والامتثال لمقتضياته، وفي مــدى قدرة “المجلس الوطني للصحافة” على إلزام المنابر الإعلامية على التقيد بمقتضيات هذا الميثــاق، حتى لا يبقى حبرا على ورق.

– نداء “لندعم الصحافة المهنية والأخلاقية” :

الأنفاس الأخيرة من سنة 2019، تميزت بنداء أطلقه “المجلس الوطني للصحافة” قبل أيام، يبث عبر عدد من المنابر الإعلامية، يقضي بدعم الصحافة المهنية والأخلاقية، وهي فرصة سانحة، لنــؤكد أن “المهنية”، تتجاوز حدود الانتماء إلى منبر إعلامي خاضع لمقتضيات قانون الصحافة والنشر، وتتأسس على النفاذ إلى جوهر العمل الصحفي المهني، الذي نختزل تفاصيله في مفردات ”الجودة” و”النجاعة” و”الفاعلية” و”المبادرة” و”الالتزام بالتشريع الجاري به العمل”، بشكل يقطع بشكل لارجعة فيه، مع الأعمال المكرسة للتفاهة والسخافة والانحطاط والتهافت حول المنافع والمكاسب (اللامهنية)، بل أكثر من ذلك، فالمهنية، تمتد، لتشمل القدرة على الانخراط الرصين في صلب قضايا الوطن وانتظارات المواطنين، والإسهام في إشاعة ثقافة الرقي والتميز والجمال، والانخراط في روح الفعل التنموي، وما يقتضيه من رصد للاختلالات والأعطاب القائمة، والانفتاح على الكفاءات والخبرات والأقلام الموضوعية، التي من شأنها، تعزيز الصحافة المهنية والارتقــــاء بمستوى أدوارها ووظائفها، لكن”المهنية” لايمكن تصورها أو نقاشها، إلا داخل زمرة “الأخلاق”.

ويمكن المجازفة في القول، أن “المهنية” و”الأخلاق” هما وجهان مختلفان لعملة واحدة، عنوانها العريض “الصحافة المهنية والأخلاقية”، ونعتقد أن الكرة الآن، في مرمى الفاعلين في الحقل الإعلامي، وهم يتحملون مسؤولية الارتقاء بواقع الممارسة مهنيا وأخلاقيا، بممارسات “مهنية” و”أخلاقية”، تقطع مع واقع عبثي أو “فوضوي” لابد أن يطــوى ..غير هذا، ستبقـى “المهنية” و”أخلاقيات المهنة”، شعارات مركونة في الرفوف، لا ترفع إلا في اللقاءات البروتوكولية والندوات العابرة عبور السحاب ..

• وداعا صاحب “الحقيقة الضائعة” :

وقبل الختم، وقبيل نهاية السنة بأربعة أيــام، اهتز الرأي العام الوطني وخاصة الإعلامي، بخبر وفــاة “قيدوم الصحافيين المغاربة” مصطفى العلوي يوم السبت 28 دجنبر 2019 عن سن ناهز 83 سنــة، وتــرك خلفه عمودا ضاعت حقيقتــه إلى الأبـد (الحقيقة الضائعـة)، تاركـة سجلا حافـلا، لرجـل، بصم تاريــخ الصحافة المغربيـة وواكب ما شهدتــه المهنة من تطورات وتحولات، ومن نجاحات وكبوات وإخفاقات، ولقلـم كتب بشراسة من أجل الوطـن، وحرر بمهنية والتزام، من أجل العمل الصحفي الرصيـــن، رغم ما تخلل المرحلة من صعوبات ومتاعب، وبرحيل مدير نشـر “الأسبوع الصحافي”، وصاحب كتاب ”مذكرات صحافي وثلاثة ملوك”، تكــون الصحافة المغربية، قد فقــدت واحدا من مؤسسيها البارزين، اقترن بصاحبة الجلالة بالتزام، وغادر بلاطها بصمت وشموخ وكبرياء، بعيــدا عن “اللغط” و”العناد” و”الصدام” و”الزلات” و”الخرجات” و”النعرات”، رحل الرجل في صمت، وتــرك قلما صامتا وحقيقة ضائعــة في عمـــود، نكتب فيــه بحسرة : “كل من عليها فــان .. ويبقى وجه ربك ذو الجــلال والإكرام” و”إنا لله وإنا إليه راجعــــون”..

ونختم بالقول، أن نهاية السنة وكغيرها من السنوات، لن تخرج عن قاعدة الاحتفالات التي تعم مشارق الأرض ومغاربها، ولن ترحل السنة، دون المرور من طقــوس سارت مشتركة بين شعوب العالم، ودون تقاسم الهدايا والحلوى وعبارات التهاني والأماني عبر مختلف الوسائط الاجتماعية وتطبيقات الهواتف الذكيــة، لكن زحمة الفرحة وحرارة الشوق لاستقبال عام جديد، لا يجب أن تنسينا حكايــة “عيون لا تنام” عبر العالم، لتضمن الأمن والسلام والسكينة في ليلــة ليست ككل الليالي.. عيون مختلف الوحدات الأمنية التي تجندت في المغرب منذ أكثر من أسبوع، لحماية البلاد والعبــاد من كيد الكائدين وعبث العابثين، شأنهم في ذلك، شأن قواتنا المسلحة الملكية المرابطــة في الحدود، وتكريما لكل هــؤلاء، نكتب : سنة سعيدة وكل عام وأنتم بخير.

عســى أن نطوي سجل “العناد” و”الصدام” و”الخرجات” و”الزلات” و”النعرات”، ونفتح سجل سنــة جديدة، حاملين قيم “المواطنة” و”المسؤولية” و”التضحية” و”الوفاء” و”النزاهة” و”الاستقامة” و”نكران الذات”، وهي قيم تشكل جسرنا المتين، ليس فقط للمرور نحو سنة جديدة، ولكن نحو كسب رهانات “النموذج التنموي المرتقب”، بوابتنا نحو مرحلة “المسؤولية” و”الإقلاع الشامل”، ومسك الختام نكتب بأحرف بارزة : أدخل الله، العام الجديد عليكم وعلينا بموفور الصحة والعافية، وعلى “مغربنا العزيز” بدوام الرخاء والرقي والازدهــــار، وعلى “شعوب العالم” بالأمن والسكينة والسلام …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *