وجهة نظر

إشراك الشباب ومدى صدق الأحزاب السياسية في دعواهم‎

اعلم أن الدعوة إلى ضرورة إشراك الشباب من لدن الجميع بما فيهم الأحزاب السياسية ليست أمرا ايجابيا كما يعتقد أو يظن الكثير، ذلك لاعتبارات كثيرة، أهمها: أن كل هذه الدعاوات تحمل تصريحا واعترافا ضمنيا بعدم مشاركة الشباب وعدم قدرتهم الدفاع عن حقهم، بل عدم القدرة على القيام بواجبهم ومزاحمة صناع السياسات العمومية في مراكز القرار وحتى مشاركتهم لضعف تخللهم وليس لقوة صناع القرار. حسبنا الاكتفاء بهذه المؤشرات حتى ندرك أن الشباب غائب ومغيب حسب الحالات، بيد أن هذه المساهمة سيُكتفى خلالها  بالتركيز فقط على الحالات التي يتم تغييب الشباب فيها، لاسيما على مستوى الأحزاب السياسية التي ما فتئت تتأسد علينا بمناداتها الدائمة بضرورة مشاركة الشباب وإشراكهم في العمل السياسي.

بدون شك، فإن المستمع للخطاب أو المطلع على المخرجات التي توصي بها الأحزاب السياسية في اختتام أي محطة نضالية لا يخرج إلا باعتقاد أن محور الاهتمام لدى الزعماء السياسيين هو الشباب، لما يراه منهم الدعوة الى ضرورة استقطاب الشباب وتقديمهم لتحمل أعلى المناصب في مراكز القرار. لكن ما إن يلتفت إلى الواقع حتى يرى كذب هذه الشعارات الرنانة التي ترفع هنا وهناك، بل العكس تماما، يلحظ وجود مقاومة شرسة من شيوخ السياسة لانخراط الشباب في العمل السياسي، لما يشكله من مزاحمة ومنافسة تقلل الاستفادة من الريع السياسي والاقتصادي، بل وتقضي عليهما.

لكل هذا نرى من الشباب ومن مناصري مشاركتهم بشكل جدي التشديد في انتقادهم للوضع القائم وللخطاب المزدوج لدى النخبة السياسية المتحكمة في المشهد، ما يجعل شيوخ السياسة يؤثثون المشهد ببعض الشباب تارة، والحديث عن البعض الآخر حيث فرض نفسه بقوته وكفائته، لرد كل الاعتراضات الواردة أو احتمال ورودها، حتى يقنعوا الرأي العام بجدية دعواهم وإشراكهم الشباب سالكين في ذلك كل الحيل، بل مستندين لدفاعهم عن الكوطا التي خصصت لفئة الشباب في مجلس النواب وأيضا لبعض الإجراءات التي تحكم مؤسساتهم الحزبية والتي تفرض عليهم إشراك الشباب في التسيير وصناعة القرارات الحزبية.

حتى لا نكون ممن يساند رأي طرف دون آخر بدون دليل، لابد من الوقوف على ادعاءات كل طرف من هؤلاء (شيوخ السياسة ومنتقدي سياستهم من الشباب).

إن أهم شيء يمكن الاحتكام إليه لفصل الجدال بخصوص أي موضوع مثير للجدل هو لغة الأرقام، بيد أن هذه اللغة لن تفصل في درجة الفاعلية (الكيف) التي يملكها الشاب المشارك بقدر ما ستحسم في العدد (الكم)، ما يعني أن امتلاك احصائيات دقيقة لن تغنينا في حسم الخلاف، ذلك أن العمل السياسي لا يعترف بقوة الخصم أو الصديق المتعلقة بجانب الكم. رغم ذلك، فإنه وجب الاعتراف بازدياد عدد الشباب في المؤسسات لاسيما في مجلس النواب مقارنة مع العقود الماضية، وهذا الأمر يحسب لصالح شيوخ السياسة القائلين بإشراك الشباب، لكن يبقى السؤال عن فاعليتهم وقدرة التأثير في السياسات العمومية؟

اعلم أن الناظر في واقع السياسة عندنا في المغرب لا يستطيع الجزم بوقوع تغيير حقيقي إلا ما يهم جانب الشكل فقط، بل هناك من يعتبر كل التغييرات المحدثة لا تخرج عن سياسة الترقيع، ما يعني أن إشراك الشباب أو النساء أمر فرضته الموجة التي عمت الساحة السياسية في العالم، وبديهي جدا أن يتفاعل معها الجميع ولو نفاقا حتى يسلموا من الانتقاد. ودليل هذا الكلام يتضح في الابقاء على نفس الوجوه والشخصيات على رأس جل المنظمات السياسية بل حتى على رأس القطاعات الوزارية، وما التغيير الحاصل إلا عبارة عن تبادل الحقب الوزارية بين نفس الأشخاص حتى يقع إيهام الرأي العام بوقوع التغيير المطلوب. بل ما يعيبه جل المتابعين هو أن أغلب من انخرط في العمل السياسي ( شبابا كانوا أو شيوخا) واسندت إليه مسؤولية ما، لم يستطع خلق أي إبداع، حيث يشهد الداني والقاصي بتكرار نفس الأخطاء ونفس العقلية، الشيء الذي يرجح سيطرة التيار القديم، بل القول بتبعية النخبة الجديدة لتوجيهات القدامى المتمثل في شيوخ السياسة، الأمر الذي يؤكد أن اختيار هذه الكفاءات الشابة في غالب حالاتهم لم يتم بشكل ديموقراطي بقدر ما تم على أساس مبدأ الزبونية والمحسوبية و”باك صاحبي”، ما يقلل تأثيرهم، بل ما يجعل خضوعهم للجهات التي أعطت لهم الفرصة لبلوغ تلك المناصب خضوعا ما بعده خضوع.

واعلم أن الشعارات التي يرفعها شيوخ السياسة، لو كانت صادقة حقا، لبادروا في أول خطوة توزيع المسؤوليات وإشراك الجميع بما فيهم الكبار والصغار،  حتى ينسجموا مع القناعات التي يتم تسويقها، ذلك أن نفس الزعيم السياسي في معظم المنظمات السياسية يستحوذ على جل المناصب، حيث تجده يتولى تمثيل الحزب في جميع المحطات إلا ما يمنعه القانون، فيقدم نفسه للبرلمان، والمجالس المنتخبة بجميع اشكالها وأنواعها. والغريب في الأمر أن منهم من يجمع بين حقيبة وزارية ورئاسة جماعة قروية في اقصى المغرب، ولا يجد حرجا في ذلك، بل يعتبر الجمع بين المناصب فرصة للاغتناء وكسب أكبر عدد ممكن من الامتيازات. وبعد كل هذا يخرج علينا معظم الزعماء بشعار: الشباب أولا وأخيرا، كأن الاشكال يكمن في إشراك الشباب فقط، متناسين أن رفع الشعارات تقتضي الإتيان بمستلزماتها، وأولها الإحساس بالحرج من التخمة التي لزمتهم منذ زمان  بخصوص الجمع بين المسؤوليات وعدم القيام بأدنى الواجب، أو قل الفشل على مستوى جميع المجالات التي تولوا تسييرها.

وفي الختام، لابد من الانتباه إلى مسألة دعوى إشراك الشباب وما تحملها من مغالطات، بل محاولة ادراك أن فعل الإشراك يختلف عن فعل المشاركة، حيث أن الإشراك ودفاع جهات بعينها على هذا يجعل المشارك في حالة ضعف ويُمنن عليه دائما، عكس المشاركة والخضوع لسنة التدافع التي تجعل المشارك يلج المناصب عن استحقاق واجتهاد، ما يخلق نوع من الاستقلالية والجرأة في الإقدام على التغيير والإبداع. كما وجب الإشارة إلى أن الشباب ليس فئة ضعيفة يُستوجب الدفاع عن مصالحها، بل على العكس تماما، أن الشباب هو الأمل في التغيير، وأن من سبقونا، سواء في بلادنا أو بلاد غيرنا، لم ينتظروا إشراكهم، حيث أن الشباب كان مبادرا بل صانع كل المبادرات، ويكفينا من الشواهد تاريخنا المعاصر، لأن جل الحركات التي قاومت الاستعمار أو فرضت نفسها بعد ذلك، قادها شباب لم يتجاوز في غالب الأحيان أكبرهم أربعين عاما، مثل: محمد أمزيان، محمد بن عبد الكريم الخطابي ورفاقه، علال الفاسي ورفاقه، عبد الرحمن اليوسفي ورفاقه، واللائحة طويلة. كل هذه الشخصيات لم تنتظر من أحد إشراكها، بل بادرت واجتهدت، ما يعني أن كل شاب ينتظر الآخرين لإشراكه  لا يُرجى منه إحداث التغيير، بل سيكون السبب في تكريس الوضع القائم.

اللهم اجعل قلوبنا تقبل الحقيقة المرة.
اللهم ارزقنا المنطق والعمل به.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *