وجهة نظر

التحريـض “الافتراضي” على العنف المدرسي

السنة الراحلة (2019)، لم تخرج عن القاعدة، وسجلت بدورها حالات عنف مدرسي في عدد من المؤسسات التعليمية عبر التراب الوطني، استهدفت عددا من الأساتذة، من قبل تلاميذ لم يجدوا حرجا في ممارسة العنف ضد من قيل فيه “كاد المعلم أن يكون رسولا”، وهي وقائع عكست وتعكس، ما أضحى يعتري الفضاءات المدرسية، من تصرفات “لامدنية”، تجد بيئة، تساعد على إتيان العبث وممارسة التهور والانحراف، في ظل غياب الضابط التربوي والقيمي.

لكن السنة، تميزت عن غيرها، بمقطع “فيديو” قصير، تم تداوله مؤخرا عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية، يظهر شابا يحرض على العنف ضد أسرة التعليم، بشكل علني وبجرأة ووقاحة وتهور وانحطاط، مما شكل أفعالا من شأنها التهديد والإساءة وتعريض حياة المدرسين للخطر، وهو مقطع أثار زوبعـة من الاحتجاج والاستنكار، وصلت حد المطالبة بإيقاف وإدانة المعني بالأمر جراء ما صدر عنه من أفعال مخالفة للقانون ومعاقب عليها بمقتضاه، مما فرض على المعني، الخروج إلى العلن في مقطع “ثان”، معبرا عن اعتذاره عما صدر عنه من أقوال.

ومقطع الفيديو المذكور على قصره، يمكن قراءته من ثلاث زوايا متقاطعة: أولها: تغير “كيفي” في العنف الممارس ضد الأسرة التعليمية، تجاوز حدود “السب” و”الشتم” و”الضرب و”الإهانة” و”الضرب والجرح”، إلى مستوى” التحريض” المباشر على ممارسة العنف ضدها، ثانيها: ما أضحى يعتري العالم الافتراضي من مشاهد العبث والتهور والانحلال، بشكل يجعل منه عالما “خارج القانون” أو “فوق القانون”، ثالثها: ما وصل إليه مجموعة من الشباب، من تقهقر أخلاقي وانحطاط قيمي، ومن انعدام تام للمسؤولية، بشكل يجعلهم يقبلون على إتيان، تصرفات يتقاطع فيها التهور والسذاجة، دون إدراك حجم تداعياتها الاجتماعية والقانونية والقضائية.

وبالقدر ما نؤكد أن أعمالا من هذا القبيل، تستحق الزجر بما يتناسب وخطورتها وتداعياتها على المنظومة التعليمية ككل، بالقدر ما نؤكد، أن ما صدر من فعل غير مسؤول من قبل الشخص المعني- الذي قيل أنه “بائع فواكه” بمدينة “البير الجديد”- يستدعي التعجيل بحماية أسرة التعليم من المخاطر التي أصبحت تتهددها، في ظل ارتفاع منسوب العنف والتهور في عدد من المؤسسات التعليمية وخاصة في محيطها، وهذا لن يتأتى إلا، بتنزيل “تشريع جنائي مدرسي”، من شأنه ضمان الحماية القانونية لكل الفاعلين في المشهد المدرسي، من أطر تربوية وإدارية وتلاميذ، مع التأكيد على ضرورة تفعيل القوانين الأساسية الداخلية، بما يضمن احترامها والالتزام بمقتضياتها، من منطلق أن انتهاك التلميذ(ة) للأنظمة الداخلية، يعد مدخلا لممارسة العبث والتهور والعنف والانحراف ..وهي فرصة لنجدد الدعوة على ضرورة إعادة الاعتبار للمدرس(ة)، عبر تنزيل “نظام أساسي” عصري وعادل ومحفز ومنصف، يعيد للمهنة نبلها ورقيها.. وأي توجه خارج هذا المطلب المشروع، فلن يكون إلا سباحة ضد التيار في زمن “رؤية الإصلاح”..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *