وجهة نظر

اليأس الذي يصير خطيئة في مثل حالة التنمية المغربية الهاربة!

إنها حماقة أن يسيطر اليأس على الانسان، وفي اعتقادي أن اليأس نفسه خطيئة.. ولست واثقاً أنني أفكر باليأس أو اؤمن به.. هناك في الحياة أفراد يعيشون للتفكير في اليأس.. دعهم يفكروا فيه هم، أما أنت أيها العجوز فلقد خلقت لتكون صياداً عظيما – فيلسوف قديم –

التفكير الإسقاطي هو قلب نظام العقل وتسويغ ممكناته ودحض كل ما من شأنه أن يشكل إلهاما وطوق نجاة، تماما مثلما يمكن التعبير فيه عن مكنون التحايل والقفز على الهوامش، والتنطع بالسياسة ودونها، وتقديم مؤشرات ملفقة تعيد ترتيب نفس الأفكار، بصياغة وحدة لتدوير الأوهام بنفس البيانات والمعاني. لا معنى لشيء دون حصيلة من الشك وجر التأويلات إلى فوارق متباينة من القيل والقال وكثرة السؤال. هذه النظرية الدراماتيكية صارت قاعدة معلنة ومتعارف عليها، في أدبيات ومسلكيات التقارير الرسمية وغير الرسمية، التي تنوء بحملها الركبان، وتلفظها كل يوم ساحات الجدل والنقاش في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.

هل تتغير هذه التوليفة وتتحدى تسيد اللاعبين الأساسيين الذين جعلوها في الثقافة العربية الجديدة محط سخرية وضحك وتنابز بالألقاب الكبرى التي يحوزها النصابون ودهاة القحط القيمي والأخلاقي.

وبعيدا عن تفكيك حجج المثالية المتعالية وما يبتكره العقل الناهض، يمكن تقدير فواعل التفكير الإسقاطي بالأسس التقريبية الماثلة أمامنا، ونحن نودع حصيلة فجائعية ثقيلة من سنة 2019 الأكثر عنفا والأشرس حقارة أخلاقية وسياسية.

لسنا بحاجة إلى وضع كرونولوجيا ميقاتية مسكنة لآلام ستظل حاضرة في الذاكرة الشعبية المغربية على الإطلاق، فهناك العديد من هذا الاحتدام التسلسلي الزمني الراهق، يوجد في كل الممكنات السياسية التالفة بين الأفراد والجماعات السياسية.

وأول هذه القراءات التأصيل الأخلاقي للأحزاب السياسية، على اعتبار وجودها راهنا في قلب الأزمة الديمقراطية. أو لنقل أزمة الحكم، التي ما انفكت تزيل ألوان الصباغات الأيديولوجية والفكرية والتمذهبية على وجوهها، التي تعالق أغلبها بمقترات التاريخ ودواهي الصراعات والمواجهات.

وفي حدود هذه الوقيعة لابد أن نشير إلى انكماش ثقة الناس بالمرجعية السياسية لتلكم الأحزاب والطوائف، بعد أن اقترن مخزون نضالها طيلة سنوات الجفاف الاقتصادي والاجتماعي الأخيرة بالاقتسام الدراماتيكي لكراسي الحكومة، واخترالها عملية التدبير الحكومي والتسيير الإداري لمؤسسات الدولة في الانتفاع المادي والترضيات المضرة بالصالح العام.

والحقيقة أن الملك محمد السادس كانت له الجرأة والمكنة لفضح هذا الزيف ونفشه عن هويته وطرحه للنقد. وهو ما يؤطر الاستدعاء العقلاني والمنطق الدؤوب لإعادة صياغة قراءات حوله، والتحقق من أهليته وموقعه في خريطة التنمية والإنسان.

وكما هو محدور أن نمج ما لا تستسيغه العقول والأذهان، عندما يتعلق الأمر بتسويغ إشراك الأحزاب السياسية في الحوار الذي تقوده لجنة النموذج التنموي الجديد.

ليس لمحدودية توافر أجهزة مفاهيمية توثق لتاريخ هذا الإشراك ومتلبساته، ولا لفرض نظامية التواصل معها، ولكن، وهذا هو الأكيد، أن أحزابا سياسية انتهت مهماتها التواصلية، وفعالياتها التأطيرية ومسلكياتها الفكرية. تلك التي ارتضت الإمعان في إفراغ السياسة من المعنى، وحولت المقرات الحزبية، وعقاراتها المغسولة بآلام شعبها الفقير، إلى مجرد حلبة للحصانات والأتاوات والإغراق الفاشي لأحلام المغبونين وضحايا العهد الجديد.

إن يأس الانتظارات الآن يسائلنا جميعا، كيف سنتمكن من القفز عليه، وتجاوز معضلاته، في ظل الارتهان على حصان طروادة الخاسر، ذلك الحصان الذي أضحى ركوبه منزلقا لمخاطر تنتظرنا جميعا، وتتجاوز كل الخطوط الحمراء، التي ما انفكت تثير الشجون ومصاعب التخفي خلف أزمات، ومداخل جديدة لمناعة وطن ينهار أمامنا، ونحن غير قادرين على فعل أي شيء!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *