منتدى العمق

نوميديا حكاية مراد الملعون

تكتب جوليا، العشيقة الفرنسيّة، حكاية مراد، المغربيّ، اللقيط والملعون من قِبل أهل القرية التي وجدوه فيها فنُبِذَ وأُسِيء إليه بالإهانة والضرب، فلجأ مراد إلى العشق كمحاولة للانتقام من القدر: عشقِ خولة التي تحمل منه، عشقِ “نضال” زميلتِه في الدراسة والعمل النضاليّ، عشقِ جوليا المُسْتَعْمِرَة، وعشقِه الأخيرِ لنوميديا، الأمازيغيّة الخرساء…..

نوميديا هو عنوان العمل الروائي الجديد لطارق بكاري ,التي تحكي عن حياة مراد الطفل الامازيغي الذي أجبرته لعنات أهل القرية على الرحيل عنها ,ذلك الطفل الذي تنكر له الجميع وعاقبوه بقنابلهم اللفظية التي احدث في نفسيته شرخا كبيرا,هو الشخص المرفوض الذي تبعته لعنات أهل القرية طول حياته ,هذا الفعل اجبر أوداد إلى رحيل عن القرية باتجاه المدينة ,ووفقا لثنائية الحياة التي تقوم على التغيير والتطور ,أصبح مراد كاتبا مشهورا يساريا قحا  يضرب له ألف حساب ,حارب بقلمه القوى الظلامية الرجعية عبر مقالاته ومحاضراته في الجامعة ,لكن عقدة اغرم ظلت تحاصره طوال حياته فلم يهنئ له البال إلا عندما اعتمد على طبيب نفسي للانقاذه لكن لم يدري مراد انه بهذا الفعل الذي قام به سوف يعمق الجراح أكثر ما يصلحها .

المكان في رواية نوميديا :

ان المكان هو بناء خيالي يشيده الروائي ,عن طريق كلمات وبناء لغوي هدفه هو صوغ القلق والشك والرفض ,فلم يعد المكان فضاء للاستقرار والهدنة بل أصبح مكان للتوتر والصراع ,والموت والغرابةـ أيضا ومثال  الغرابة نجد رواية حي في العمى لرشيد يحياوي ـ ,فهو يحاصر الذات ولا يترك لها مجالا للتحرك , ورواية طارق بكاري الموسومة بنوميديا تحتفل بالمكان باعتباره جزءا لا يتجزأ في تشكيل بنية الشخصيات وبث نوع من المصداقية فيما يروى للقارئ .

ومن أهم السبل لتشيد المكان أو الفضاء الروائي ,نجد الوصف ,توظيف الرموز ,استخدام الصور الفنية وفي مقالنا هذا سوف نحاول تسليط الضوء عن المكان في رواية نوميديا وهو اغرم كفضاء روائي متميز يحمل مجموعة من الرموز  .وأيضا كجغرافيا أسرت مراد الوعل وساهمت بشكل أو بأخر في قتله .

وصف طبوغرافيا اغرم:

منذ بداية السرد تتضح معالم قرية مراد الوعل ,حيث انتقل السارد من ذلك الراوي الذي يروي أحداث معينة  إلى جغرافي متخصص  واتنوغرافي حادق في فك شفرات المكان ,لهذا تتضمن قرية اغرم كما هو معروف وما ثم سرده طبوغرافية متنوعة ,منها سفوح والجبال التي تحتضن المكان ,وصخور حادة ثم نهر صغير يسيل من الجبل وهو عين يخرج منها الماء وقد ثم تسميتها في الرواية بعين ’ تامجا ’,إضافة لذلك كومة من الصخور متراكمة على جنبات القرية تشكل شكلا هندسيا أمام المارة ,أما فيما يخص طبيعة العمل ألفلاحي فقد حددت بان فلاحي المنطقة يزرعون الذرة والكثير من الأشجار المثمرة التي تعطي غلالها صيفا ومنها أشجار التين والتفاح والخوخ وبعض الأعشاب مثل ازير .

إن الشكل الهندسي للقرية كما وصفه الراوي عبارة عن أزقة صغيرة مغطاة بالتبن والطين ثم أنها سقفت بالقصب والأعمدة الكبيرة إضافة لذلك فحقولها في الغالب متاخمة للنهر الذي يفصل الفندق الذي اشتراه مراد عن القرية ,ويتوسط هذه القرية مزار أطلق عليه اسم سيدي موسى ثم انه في القرية توجد قلعة ضخمة مسماة ب قلعة الرومي ,فيما يخص المناخ الطاغي في الغالب فقد صرح الراوي انه في الصيف صباحيات القرية متشابهة ينتفي فيها مفهوم الزمن .

وصف اغرم

اغرم هي  مسقط رأس مراد الوعل ,تحضر كمكان يطغى على جل أحداث الرواية فلا حديث إلا عن اغرم سواء في أحداث النص الروائي الذي ثم سرده عن طريق الفلاش باك او غير فهي حاضرة منذ أول ألحكي إلى نهايته ,وقد وصف اغرم في بأنها قرية غريبة وجميلة وان منازلها صفراء ,في قوله [إن القرية هناك ممددة كعنقود من العشب يستريح فوق الهضبة ],وجدرانها بنيت من الطين والتبن ,ويقول الراوي في إحدى فصول الرواية [تبدو منازل اغرم كمتجردة تستلقي على السفح في اوج زينتها ].

اغرم ليلا كما وصفها السارد بها برد قليل وأصوات حيوانات ونباح كلاب وغامض ومخيف وعنيف حسب ماورد في احد فصول الرواية فهو يورث خوفا مبهما حسب قول السارد  ,أما صباحها وهواءها فهو  بارد يتسرب إلى الروح  والجبل المحيط بها يشتعل بقعا نارية ليلا ,أما غروب اغرم فهو أشبه ب هروب مشروع إلى العوالم الداخلية ,وفي فصل أخر يشبه السارد اغرم بالعروس المجللة يعبق  خفي لا يستشعره إلا من اغترف من نهرها وذاب كقطة ثلج ,إضافة لذلك لم يغفل السارد وصف حقول القرية حيث يقول [في طريقنا عبر الحقول رأيت فلاحين يشمرون ثيابهم إلى سواعدهم ويكدحون ,رأيت الفؤوس وهي تعلو لتطاول السماء ثم تهوي بغضب عنيف …]أما وصف القرية صيفا في وقت الحصاد  فيقول السارد [كان رجال اغرم يحصدون تنز سواعدهم وجباهم عرقا تلتمع به وكانت السنابل تنكسر على أيديهم حين تمر بها المناجل ].

اغرم مكان مؤلم طرد مراد الوعل وقتلته:

مراد المنبوذ من القرية أو اللعنة التي أصابت القرية ووجب التخلص منها ,تعتبر شخصية مراد الوعل هي المحرك الرئيسي في النص الروائي وهو راحة  الدلالة التي  تدور عجلة الأحداث عليها ,ومعروف أن السرد في رواية نوميديا  ينهل أحداثه من الذاكرة المثخنة بالجراحات الماضية ,والقذائف اللفظية التي ظلت لصيقة به منذ ولادته باعتباره شخص غير مرغوب فيه ليس له أصل لقيط تتبعه البلاوي والمصائب

أوداد أصبح اللعنة التي أصابت القرية ,يقول السارد [لا ينبغي أن يظل أوداد في القرية لكي لا يدنس الدماء النقية …],والرواية تكشف أن اغرم عمقت جراح مراد الوعل ولم تشفيه بل كانت سببا رئيسيا في انتكاساته ,فهي متورطة بقتلي أوداد حسب جوليا صديقة أوداد او مراد الوعل ,وتقول في إحدى المقتطفات من الرواية [هذه القرية لم تكن بمنأى عن كل ما وقع لمراد ,كانت متورطة مثلي وأكثر في قتله ,,]

إضافة لذلك كل الشخصيات خلفوا جرحا عميقا في نفسية مراد الوعل ,وفي الأخير أرادوه قتيلا وفشل في كل شيء ,فشل في مداوية نفسه من ذكرى الماضي الأليم ,ثم انه فشل في إنقاذ صديقه مصطفى من قدره المشؤوم الذي  قتلته القوى الظلامية التي كان يحاربها مراد ولا زال ,إضافة لذلك فشل في الحفاظ على خولةالتي أحبته حبا صادقا ,وفي الأخير فشل في بعث نوميديا الملكة الامازيغية من جديد .

واختتم  السرد بموت مراد الوعل في قول السارد (جل ما كنت اعرفه لحظتها أنني لن استيقظ من غفوتي وإلا جسدي ممدد فوق جنادل الواد) ]

من هنا نجد في خاتمة المطاف أن رواية نوميديا تميزت  بلغة سردية أنيقة وجمالية في الأسلوب تاخد القارئ إلى عوالم تحتفل بالمكان عبر مشاهد فنية وزخم من الأحداث يشق تضاريس المكان ويكشف شاعريته …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *