مجتمع

من الكلاوي إلى أبدوح.. قصة “كازينو السعدي” القضية الأطول بمحكمة مراكش

يُعرف “كازينو السعدي” في الرأي العام المغربي كونه قضية معمرة في محكمة الاستئناف بمراكش، أكثر مما يعرف بكونه فندقا ومنتجعا سياحيا عمره يقارب 90 سنة، بدأت قصته في عهد باشا مراكش الكلاوي في فترة الاستعمار الفرنسي للمغرب.

القضية المذكورة وصل عمرها 13 سنة في غرف جرائم الأموال باستئنافية مراكش، 5 سنوات أمضتها القضية في مرحلة الاستئناف فقط، مازالت فصولها ممتدة حيث ينتظر أن تسمع هيئة الحكم للأحد الشهود في جلسة بحر الأسبوع المقبل، استمرارا لجلسة الأسبوع الماضي والتي استمع فيها لشاهد واحد.

قصة القضية

وتفجرت القضية في وجه المستشار البرلماني عن حزب الاستقلال عبد اللطيف أبدوح، الذي شغل منصب رئيس بلدية المنارة جليز بين سنتي 1997 و2003، عقب شكاية رفعتها الهيئة الوطنية لحماية المال العام بمراكش عن طريق رئيس فرعها مراكش سابقا محمد الغلوسي، حول عملية تفويت للأرض التي يقوم عليها فندق السعدي المشهور بمراكش.

تم تشييد “فندق السعدي” من طرف “الشركة الشريفة للتشتية”، في الحي الشتوي بمراكش خلال فترة الاستعمار الفرنسي، بناء على اتفاق بين باشا مراكش التهامي الكلاوي والشركة الفرنسية على منحها 12 ألف متر مربع مقابل سعر رمزي قدره فرنك فرنسي واحد للمتر المربع.

ونصت الاتفاقية الموقعة سنة 1930 على أن تقوم الشركة بتجهيز منطقة الحي الشتوي، وعلى استرجاع مدينة مراكش ملكية العقار والبنايات والتجهيزات بعد 75 عاما على توقيعها، وهي المهلة التي انتهت سنة 2005.

غير أن مجلس بلدية المنارة قرر سنة 2001 في عهد الاستقلالي عبد اللطيف أبدوح، تفويت الأرض التي أقيم عليها “كازينو السعدي”، لأصحابه بثمن حدده في 600 درهم للمتر مربع، في الوقت الذي كان ثمن المتر المربع بالمنطقة يتجاوز مبلغ 15 ألف درهم.

واندلعت الشرارة الأول للقضية، على يد الجماعي لحسن أوراغ، عندما سرب إلى الصحافة شريطا صوتيا ينقل بعضَ تفاصيل كواليس عملية التفويت والحديث الذي دار بين أطراف “الغنيمة”، حيث يتحدث الرئيس عبد اللطيف أبدوح في الشريط، رفقة بعض نوابه وأعضاء في المجلس، عن كيفية تدبير هذا الملف بطريقة “تُرضي” الجميع و”تعود بالنفع عليهم، وفق ما ذكرته جريدة “المساء”، في عدد 29 يونيو 2012.

قضية “مُعمّرة

أولى فصول القضية التي يتهم أبدوح فيها بـ”تلقي رشوة لتفويت الأرض”، في قاعات محكمة الاستئناف بمراكش، كانت في سنة 2006، حينما قرر الوكيل العام للملك الاستماع للمستشار الجماعي الحسن أوراغ، الذي اتهم الرئيس أبدوح وأعضاء آخرين، كشف عنهم الشريط السمعي الذي سلم للجهات القضائية، بتلقي رشوة من أجل تفويت الكازينو، بلغت قيمتها ثلاثة ملايير سنتيم.

وعرف الملف ركودا قبل أن يتم فتحه من جديد سنة 2012 بعد لقاء بين وزير العدل والحريات آنذاك المصطفى الرميد بصفته رئيسا للنيابة العامة، وبين الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب، التي وضعت أول شكاية في الموضوع، والتي مازالت تعد طرفا مدنيا في القضية إلى جانب كل من الجماعة الحضرية لمدينة مراكش والجمعية المغربية لمحاربة الرشوة.

وبعد أشواط طويلة من جلسات التحقيق والاستماع للشهود والأطراف، انتهت المرحلة الابتدائية في فبراير 2015 بصدور أحكام تدين عبد اللطيف أبدوح وبعض المتهمين وبراءة آخرين، حيث تمت إدانة أبدوح بخمس سنوات سجنا نافذا وغرامة قدرها 50 ألف درهم، وكذا بمصادرة الشقق التي يملكها بتجزئة سينكو بمراكش، على خلفية تهم تتعلق بجناية “الرشوة وتبديد أموال عمومية”، وبجنح “الاتفاق على أعمال مخالفة للقانون في إطار اجتماع أفراد يتولون قدرا من السلطة العامة”، و”استغلال النفوذ وتسليم رخص إدارية لشخص يعلم أنه لاحق له فيها”.

وقضت المحكمة على خلفية نفس الملف، بالسجن ثلاث سنوات وغرامة مالية قدرها 40 ألف درهم، في حق كل المستشار السابق ببلدية المنارة – جليز لحسن أمردو، ورئيس مقاطعة جيليز سابقا عبد الرحيم الهواري، وكذا نواب عمدة المدينة سابقا محمد الحر وعبد العزيز مروان ومحمد نكيل، وكذا المستشار الجامعي سابقا عمر آيت عيان، والمستشار بنفس المقاطعة سابقا عبد الرحمان العرابي، ونائبي العمدة، والذين توبعوا بتهم متعلقة بجناية “الرشوة والمساهمة في تبديد أموال عامة”، وجنحة “الاتفاق على أعمال مخالفة للقانون في إطار اجتماع أفراد يتولون قدرا من السلطة العامة”.

كما أدانت المحكمة ابتدائيا كذلك المستثمر العقاري عبد المتسلي بسنتين نافذتين وغرامة قدرها 30 ألف درهم،بعد أن أدانته بجناية “الإرشاء”، فيما قضت ببراءة كل من العضو السابق بغرفة التجارة والصناعة والخدمات بمراكش المهدي الزبيري من تهمة “المشاركة في تبديد أموال عامة، واستغلال النفوذ عن طريق السلطة لتحقيق مزايا مشتركة”، والمقاول المتقاعد أحمد البردعي، من تهمة “المشاركة في تبديد أموال عامة، والتوصل إلى تسلم رخص إدارية عن طريق الإدلاء ببيانات غير صحيحة واستعمالها”.

هذا، وقضت الغرفة بقبول المطالب المدنية التي تقدت بها الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة، والحكم لصالحها بدرهم رمزي.

استئناف أطول

القضية التي أتمت سنتها الثالثة في عقدها الثاني، مازالت حية ضمن جدول أعمال غرفة جرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بمراكش، ومازال يتابع فيها أبدوح إلى جانب 10 متهمين آخرين، فيما ينتصب للدفاع عن المتهمين 27 محاميا، بينما دفاع الجهة المقابل يضم 4 محامين فقط، ناهيك عن 3 مطالبين بالحق المدني.

ووصلت عدد الجلسات في مرحلة الاستئناف إلى 41 جلسة، منذ تعيين أول جلسة في 28 أكتوبر من سنة 2015، وتوجه للمتهمين في مرحلة الاستئناف تهم تتعلق بـ”الرشوة وتبديد أموال عامة واستغلال النفوذ بتسليم رخص إدارية لشخص يعلم أنه لاحق له فيها وعلى اعمال مخالفة للقانون في إطار اجتماع أفراد يتولون قدرا السلطة العامة”.

وعرفت القضية خلال شهر شتنبر الماضي ما يشبه عودة إلى مرحلة الصفر استئنافيا، بسبب تعيين أحد أعضاء هيئة الحكم بمحكمة الاستئناف وهو ما يعني أن تعود القضية إلى بدايتها بعد تعيين عضو آخر مكانه.

وينتظر أن تعقد المحكمة جلسة جديدة يوم الخميس المقبل 20 فبراير للاستماع إلى الشاهد الثاني في القضية، بعد أن استمعت للشاهد الأول في جلسة 6 فبراير الجاري، وسط ترقب لأن تكون بداية نهاية الملف وإصدار الحكم الاستئنافي في القضية.

قلق حقوقي

الجمعية المغربية للمال العام عبرت في بيان جديد لها، توصلت جريدة “العمق” بنسخة منه عن “قلقها الشديد بخصوص مسار قضية كازينو السعدي و التي استغرقت أمدا طويلا من البحث و التحقيق و المحاكمة والمعروضة علي غرفة الجنايات الاستئنافية بمراكش منذ ما يقارب خمس سنوات  دون أن يصدر فيها اي قرار استئنافي لحدود الآن”، على حد تعبيرها.

كما اعتبرت الجمعية في البيان ذاته الصادر عن فرعها بـ”مراكش الجنوب”، أن ذلك “بمبررات غير معقولة وهو الشيء الذي يجعل كل الأسئلة حول هذه القضية مشروعة وتسائل القضاء”.

وسبق للمحامي والحقوقي محمد الغلوسي أن عبر في تصريح سابق لجريدة “العمق”، عن مسار القضية يعبر عن “هدر للزمن القضائي وللعدالة”، وأنه “قد يصل إلى مستوى إنكار العدالة”، مبرزا أن “بعض القضايا والملفات يتم تأخيرها لأسباب واهية وغير معقولة مما يجعل الرأي العام يتساءل عن من له المصلحة في تمطيط هذه القضايا؟ ومن له المصلحة في أن يكون المفسدون وناهبوا المال العام خارج أية محاسبة؟ وم له المصلحة في أن يستمر التفاوت المجالي والاجتماعي”.

وشدد الغلوسي في حواره مع جريدة “العمق”، على أن الفساد له تكلفة كبيرة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك على القطاع الخاص.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *