منوعات

فاطمة أنفلوس.. ناعمة في الشعر شرسة في الدفاع عن قضايا المرأة والمهاجرين

“الهجرة إلى ألمانيا كانت بالنسبة لي قدرا، فتح لي آفاقا على عالم متنوع من الثقافات والأديان واللغات”، تجزم الكاتبة والشاعرة والباحثة فاطمة أنفلوس البوعناني التي نهلت من هذا التنوع فجادت بشعر يفيض نعومة، إلى جانب دفاعها بشراسة عن قضايا المرأة والمهاجرين من خلال عملها وتطوعها في مجال الهجرة والاندماج.

تستحضر فاطمة أنفلوس، ابنة منطقة سوس العالمة، بحنين في بوح لوكالة المغربي العربي للأنباء، طفولتها قائلة “ولدت في إحدى القرى بسوس جنوب المغرب حيث كنت أسابق الفراشات في الحقول، أختبئ خلف أشجار الزيتون. وأرسم وجه جدي على التراب في انتظار أن يعود من السوق الأسبوعي وقد أحضر لي معه ما لذ وطاب، كانت حياة القرية بسيطة وجميلة”.

بعدها ستتوجه الطفلة البدوية رفقة أسرتها إلى “المدينة الوحش الدار البيضاء”، على حد قولها، ثم ستتنقل لاحقا بين مدينتي أكادير والرباط حيث ستسكشف الحياة وتتابع دراساتها العليا في كلية الآداب في جامعة ابن زهر بمدينة أكادير، حيث عانقت شغفها بالشعر والبلاغة، لتلتحق في ما بعد بجامعة محمد الخامس في الرباط حيث استهوتها ترجمة الشعر الفرنسي إلى اللغة العربية.

الهجرة إلى ألمانيا وبالتحديد إلى مدينة بون (غرب) كانت بالنسبة لأنفلوس بمثابة “ولادة ثانية”، حيث تلقت تكوينا مهنيا كمترجمة ومرشدة اجتماعية في مجال الهجرة والاندماج.

“الهجرة تبدو أحيانا كرغبة منا في تصحيح مسارات كونية لا نوافق عليها”، تقول فاطمة أنفلوس متسائلة “لكن هل نرنو تصحيحها على الصعيد الشخصي أم على الصعيد العام”، معترفة بأنها محظوظة بهذه التجربة التي فتحت لها آفاقا أرحب في الإبداع الأدبي من خلال التنوع الذي ترى أن البعض يسميه فوضى فيما تعتبره هي “مصدر ثراء ومعول لكسر التنميطات”.

اختارت فاطمة أنفلوس العمل في مجال الهجرة والاندماج إيمانا منها بضرورة “الإسهام بجانب كفاءات أخرى لإنجاح إدماج لاجئين ومهاجرين يبحثون لهم عن موطئ قدم تحت شمس الحرية”.

ويشمل عملها في هذا المجال شقا مهنيا لكونها حاصلة على دبلوم مترجمة ومرشدة اجتماعية وشقا تطوعيا يتمثل أحيانا كثيرة في “تقديم الدعم المعنوي لمن يحس نفسه تائها بين وطن ضائع وآخر يبدو كالسراب”.

لكنها لا تخفي الإكراهات والتحديات التي ينطوي عليها عملها، مبرزة “مساهماتنا من خلال جمعيات المجتمع المدني تصطدم تارة بتصرفات طائشة من بعض اللاجئين والمهاجرين (كبعض حالات السرقة أو الاحتيال أو التحرش الجنسي)، وتارة أخرى بتعنت وتعصب القوى اليمينية في البلاد”.

ولفتت فاطمة إلى أن تزايد ظاهرة اليمين المتطرف مؤخرا في ألمانيا يعد أمرا لا ينبغي الاستخفاف به، مضيفة أنه “مخيف جدا وحزين جدا. أليس حزينا أن يضرب عرض الحائط كل هذه المجهودات المبذولة منا جميعا – حكومة وأفرادا- من أجل وطن يؤمن بالاختلاف؟ أليس حزينا أن تنتصر الكراهية؟”.

فاطمة أنفلوس، التي تشع حيوية ونشاطا في عملها المهني، تفيض أيضا نعومة وإحساسا عندما تلج بيت القصيد، قائلة “أغلـب الناس لا يحتاجون لعلاج نفسي، بل يحتاجون لصـديق يستطيعون أن يصبحوا معه حمقى دون أي تفكير”، كما يقول الشاعر الأمريكي “روبرت برولت”. ولأن هذا الصديق ليس متوفرا دائما بالنسبة لفاطمة، فانها تلجأ للكتابة، معتبرة “وحدها الكتابة تسع كل تناقضاتي، فأنا ناعمة في الشعر وشرسة في كتاباتي النثرية وفي الدفاع عن القضايا الإنسانية”.

فمن خلال عمودها الأسبوعي قلم رصاص (بكل من جريدة أخبار اليوم و المدائن بوست) تسلط الكاتبة المغربية، الضوء بكل جرأة على مواطن الخلل في العقلية العربية محاولة بذلك دق ناقوس الخطر لما وصل إليه الابتذال في الكثير من جوانب الحياة الاجتماعية والتربوية والثقافية.

وتوضح أنفلوس التي فازت بالعديد من الجوائز في مجال الشعر والكتابة الصحفية والإلقاء “الكتابة كانت رفيقتي الأبدية منذ الطفولة. بها عبرت عن حزني وعن فرحي. أكتب النثر حين أريد أن أصرخ في وجه التخلف والرجعية. وأكتب الشعر حين تتسع الرؤية وتضيق العبارة”.

ولفاطمة أنفلوس التي تنشر بالعديد من المنابر الثقافية منذ التسعينات من القرن الماضي، ديوان شعري تحت عنوان ” قاب قوسين.. وأدنو” والذي جاء في تقديمه للشاعر والروائي جهاد أو حشيش، “جملتها السلسة الشائقة تجذبك لتتركك أسير الدهشة. فهي لا تغرقك في غموضها الذي تعوده أغلب شعراء قصيدة النثر ولكنها في الوقت ذاته تستوقفك لتقول لك “اخلع نعليك قبل أن تطأ أرضي واترك اعتيادك خلفك، لتكون جديرا بصلواتي”.

فاطمة أنفلوس هي أيضا عضو في المركز الدولي للنساء في بون، حيث تنشط في مجال حقوق المرأة من خلال تنظيم ورشات ونقاشات في المغرب وألمانيا للدفاع عن المساواة بين الجنسين والتسامح ونبذ العنف والعنصرية من أجل عالم يعيش فيه الجميع بمختلف ألوانهم و أديانهم وأجناسهم باحترام ومحبة متبادلة.

وفي هذا الإطار، تؤكد أنفلوس أن الحديث عن وضعية المرأة المغربية داخل وخارج الوطن لا يمكن أن يكون له جدوى إلا بمقاربة موضوعية تضع الأهداف المرجوة تحت المجهر، لكن دون إبخاس الإنجازات الهامة التي حققها المغرب في مختلف المجالات التي تهم المرأة والأسرة.

وتضيف “هذه النظرة المتوازنة للأمور هي التي تحكم كل مبادراتي في مجال توعية المرأة سواء في المغرب أو ألمانيا”.

مبادرات متنوعة ما بين الورشات الثقافية والندوات الفكرية والمقالات المنشورة في عدد من المنابر الإعلامية، تضبط إيقاع العمل اليومي لفاطمة أنفلوس، في انتظار مشاريع أخرى واعدة تمنحها دعما أكبر لمواصلة مسيرة التألق المهني والإبداع الأدبي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *