وجهة نظر

التقييم التربوي في المدرسة المغربية: آلية تعلم أم أداة إقصاء؟

كثيرا ما يعتقد القائمون على تدبير الشأن التربوي في المدرسة المغربية أن إنجاز قراءة استثمارية لنتائج المتعلمين بعد نهاية كل اختبارات تقييمية آلية ناجعة لضبط مخرجات التعلمات وقياس مدى تنفيذ محتويات المقرر الدراسي وإنجاز مفردات المنهاج، وأداة مسعفة في إظهار نجاح المنظومة في تحقيق أهدافها، فيمضي هؤلاء متوسلين بمعطيات الدرس الإحصائي في تسجيل الحاصلين على المعدل وفي تصنيف المتعثرين في مجالات إحصائية، ليتم الدخول في دوامة الدعم والتقويم لاستدراك ما فات. وغالبا ما تكون الغاية المرادة والهدف المقصود بصريح العبارة هو الرفع من نسبة النجاح وعدم طرد المتعلمين، وإذا كانت الغاية سامقة والنية سليمة، فإن هناك حقائق غائبة في تناول موضوع التقييم التربوي وما يتبعه من آليات الدعم والمعالجة.

أول هذه الحقائق أن المعطيات الرقمية خادعة إذ كثيرا ما تختفي وراء النسب المئوية شياطين كثيرة في التفاصيل الجزئية لعل أهمها حجم العدد الهائل للمتعثرين والمهددين بالطرد، ثم عدم قدرة هذه المعطيات على بيان مدى التحكم في الكفايات، ولنلحظ أن بعض مؤشرات التربية الرسمية تتحدث عن عدد من مفزع من المنقطعين يصل في الابتدائي إلى 41 181، ويبلغ في الإعدادي إلى 152 387 و يمتد في التأهيلي إلى 85 608. ولا تسل عن ما تورده التقارير الدولية والوطنية من معطيات تخص التمكن من المكتسبات والتحكم في القدرات والتي تظهر و كأنه لا شيء يفعل في هذه المدرسة فيخرج منها التلميذ كما ولج.

ثاني هذه الحقائق أن الوضع الاعتباري للتقييم عندنا غير واضح؛ إذ يكاد يؤدي نفس وظائف الدركي المختفي وراء الشجرة، والذي يكون غرضه القبض عليك لا تنفيذ القانون وحماية قانون السير، فتكون غايتنا كثيرا هي إيقاع المتعلمين في الخطأ. وكثيرا ما يتغنى ويتباهى البعض بأنه أعطى التلاميذ أسئلة صعبة جعلت نتائج معظمهم في ذيل الترتيب. ليس التقييم التربوي عندنا أداة لبناء التعلمات ولا لحظة تكوينية لضبط مكامن التعثرات والوقوف عن مواطن القوة قصد بناء استراتيجيات للتدخلات العلاجية، ولسنا نعلم التلاميذ معنى التقييم وغايته، ولا نعلمهم كيفية تقدير ذواتهم وتقييم تعلماتهم، بل إن الخطأ عندنا خطيئة موجبة للعقاب لا خاصية إنسانية يمكن استثمارها لإعادة بناء هذه التعلمات تصحيحا وتوجيها وتقويما.

وكثيرا ما يعتمد التقييم المنجز ونتائجه منطلقا للمقارنة بين المؤسسات فترتب المؤسسات ترتيبا يصنفها إلى مجتهدة وكسولة ومتوسطة بينهما، وقد يترتب عن ذلك جزاءات إدارية لمن لم يستطع تحقيق النتائج المبشرة باحتلال المراتب المقدمة المنجية، فيوحى إلى البعض بالنفخ في النقط، وينبه أساتذة على عدم تحصيل التلاميذ لنقط مفرحة، وترمى المسؤولية على الأستاذ لتدني مستوى المتعلمين، وعلى المدير لعدم قدرته التدبيرية، وعلى المفتش بسبب فشل تأطيره للأساتذة. وهو ما قد يفتح الباب للتسابق المحموم على نيل رضى الكل وإن بوسائل غير مشروعة. وحتى التلاميذ والآباء يكون منتهى غايتهم، وعز طلبتهم أن يحصلوا على نقط عليا ترضي وتفتح الباب أمام المستقبل، أما كيف. ومتى. ولماذا. فأسئلة غائبة غير مفكر فيها.

في مستوى آخر، كثيرا ما يروج أن الدعم هو الحل الأمثل لحل معضلات التقييم التربوي، حتى لقد أصبح سائرا ذائعا أن النتائج قد تحسنت بعد الدعم إلى درجة تجعلنا نفكر في الدعوة إلى الاقتصار على الدعم التربوي فقط دون إنجاز المقررات الدراسية وإتمامها. إذ ما جدوى إضافة تعلمات إلى تعلمات غير متمكن منها؟ ولعل الطريقة التي ينجز بها التقويم التشخيصي في بداية كل سنة دراسية يسائل النجاعة العلمية والعملية لهذا التقويم الذي ينجز في غياب الشروط العلمية والمعرفية المناسبة، وحتى عند إنجازه بتلكم الشروط وباستثمار نتائجه أيضا، فإن ذلك لا ينتج عنه تأسيس منظم لخطة علمية للدعم والمعالجة بشروط موضوعية مؤسساتية، إنما ينجز التقويم وتمسك نقطه في برنام معلوماتي. ثم تنتهي العملية ليتم التركيز على الانطلاق لتنفيذ المقرر الدراسي. عبث في عبث!!

إن مما يشكل حجرة عثراء تعيق إجراء دعم تربوي بمواصفات علمية، تلكم الإشكالات المزمنة المتعلقة بالبنية التربوية التي لا تسمح أمام قلة الحجرات والاكتظاظ بتوفير فضاءات ملائمة لإنجاز المطلوب.

زد أن ضغط التعليمات التربوية التي تفرض إتمام محتويات البرامج الدراسية الكثيفة، ومعضلات النقل المدرسي، وغياب إقبال المعنيين من المتعثرين أنفسهم، وانعدام الحوافز المعنوية والمادية بالنسبة للأساتذة كلها عوامل تجعل العملية برمتها مجرد تصريف موسمي لإجراءات تنفيذية لا طائل تحتها بالمعنى العلمي نقصد. وعلى الرغم من الحيز الزمني المهم الذي نجده مخصصا لإجراء الدعم داخل مفردات البرنامج الدراسي فإن التصريف الديداكتيكي المعوج لحصص الدعم يجعلها مجرد تمارين تطبيقية تعيد إنجاز الدرس بتكرار المعطيات المعرفية المقدمة سلفا لتلاميذ مجتهدين هم غير محتاجين أصلا إليها. وهو ما يعيد طرح أمر التكوين الذي يمكن من اكتساب الكفايات المعرفية والمنهجية التي تعين على التدبير الجيد لتصريف الدعم المرسم والمندمج والمؤسساتي.

تقتضي معالجة إشكالات التقييم التربوي، والدعم التربوي الوقوف عند الوضع الاعتباري لقضية التعلم عندنا في المنظومة التربوية كلها. فماذا نريد من المتعلم سؤال مهم في حل هذه المعضلة؟ إذ إن السيرورة العامة التي عرفتها إصلاحات التعليم المتناسلة بالمغرب تكشف أن تعليم الشعب التعليم الباني لإرادة التحرر والتحرير لم يكن أبدا موضوع إرادة سياسية جادة من لدن الحاكمين. إنما كان التعليم مقتصرا على معناه المرتبط بمحو الأمية الأبجدية تخريجا لطبقة تقنية خادمة للملأ في ضيعاته الفلاحية والصناعية. وإن مقتضى القول بالرغبة في التعليم والتعلم يفرض أن تكون مختلف عمليات التربية والتعليم منصرفة إلى تحقيق ذلك، فيتعلم التلميذ على قدره تعليما متدرجا مستمرا، وهو ما لا نطمئن إلى القول بوجوده بسبب أن التقييم التربوي مثلا يؤدي وظائف إقصائية لا وظائف تشخيصية تحليلية تمكن من إمداد كل متعلم بحاجاته وفق ظروفه وذكاءاته وقدراته وميولاته.

بحسمنا في نية التعليم والتعلم، ندلف إلى مداخل معينة؛ منها إعادة النظر في المنهاج الدراسي كلية على نحو يعمل على تخفيف مقرراته الدراسية، وتحقيق التوازي بين الأبعاد الكمية والكيفية في الأهداف المقصودة والكفايات المرجوة. وعلى تلك الأرضية نؤسس لمنهجية عقلانية تقوم على إدماج أنشطة الدعم وأنشطة تنمية الحياة المدرسية كلها في المنهاج نفسه بترسيم حصص الدعم والأنشطة في جداول الأساتذة أو من ينتدبون للقيام بذلك. وسيكون من الضروري الاشتغال بعد على التكوين الأساس والمستمر الذي يعمل على تمهير مختلف المتدخلين على التصريف العلمي لعملية التقييم لتؤدي وظائفها التربوية والتعليمية والتكوينية والتقويمية والدعمية العلاجية، ثم على التصريف الديداكتيكي لكل أنواع الدعم ليؤدي هو الآخر وظائفه المنوطة به.

على المنظومة التربوية أن تجرأ على منح المؤسسة التعليمية استقلالا حقيقيا ليكون للحديث عن مشروع المؤسسة معنى. وأن تعطي لرجل التعليم حريته في الإبداع والابتكار الحقيقيين على أرضية تعاقدية شفافة مؤطرة بوضع عناصر عامة للمنهاج التربوي تكون منطلقا لتخريج متعلمين بمواصفات محددة وكفايات مضبوطة، على أن يكون كل المتدخلين موضع محاسبة وتحفيز حسب درجة تحقيق المطلوب.

إن الحديث عن ثقافة التقييم والتقويم في ظل منظومة حكم مستبد، وحكامة مشوهة هو من قبيل الرسم على خيال الأوهام؛ إذ كيف يطالب من يرى نفسه فوق مستوى المساءلة والمحاسبة بمساءلة ومحاسبة وتقييم غيره؟ إنما يكون للكلام معناه وجدواه عندما تكون ثقافة التقييم سائدة في مختلف مناحي الحياة، وتكون القدرة على معالجة الذات اعترافا بمحدوديتها ونسبية تصرفاتها عملة رائجة تبدأ عادة من حيث تبدأ عملية تنظيم الدرج من أعلاه لا من أسفله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *