مجتمع، مغاربة العالم

خوف وتهديد بالحبس.. مغاربة إيطاليا يحكون لـ”العمق” معاناتهم مع كورونا

حمزة اليوسفي من إيطاليا

أعلنت منظمة الصحة العالمية أمس الأربعاء كون فيروس كوفيد- 19 أو ما يعرف بـ “كورونا المستجد” قد تحول إلى جائحة (أعلى درجة من الوباء) قد يستحيل السيطرة عليه إلا بعد أن يخلف خسائر مهولة في الأرواح. وفي وقت يزداد فيه الوضع سوءً بسبب انتشار الفيروس بشكل سريع في إيطاليا ودول العالم، قامت جريدة “العمق” المغربي بزيارة ميدانية لبعض المناطق بإقليم لومبارديا وإميليا رومانيا والتقت بعدد من مغاربة المهجر والايطاليين وبعض الجنسيات الأخرى للتعرف بشكل مباشر على الأوضاع والمخاوف وخطورة ما يقع بسبب صعوبة السيطرة والحد من خطورة فيروس كورونا المستجد.

ويحتل إقليم لومبارديا الذي يقع في شمال إيطاليا المرتبة الأولى في عدد الإصابات بالفيروس حيث تجاوز عتبة سبعة آلاف إصابة بفيروس كورونا المستجد، ويليها إقليم إميليا رومانيا بقرابة ألفي مصاب.

حالة طوارئ وحجر صحي يشمل كل إيطاليا

قامت السلطات الإيطالية بوضع كل التراب الإيطالي في الحجر الصحي وإعلان حالة الطوارئ، حيث أصدرت الحكومة الإيطالية قرارا يمن مواطنيها من الخروج من منازلهم إلا للحاجة؛ كالذهاب إلى العمل أو شراء مستلزمات الأكل أو الذهاب إلى المستشفى أو الصيدلية.

ويُعرض الشخص الذي لا يلتزم بهذا القرار بغرامة مالية تتجاوز 200 يورو مع عقوبة حبسية قد تصل الى ثلاثة أشهر سجنا نافذة، ويقوم الشخص الذي يغادر منزله بملئ استمارة يعلن فيها وجهته ويتم توقيعها والمصادقة عليها من قبل الشرطة الإيطالية، حيث خلق القرار ضجة واسعة لدى الرأي العام الإيطالي بين مؤيد ومعارض إلا أن الجميع اعتبروه “قاسيا وشديد الصرامة”.

جريدة “العمق” التقت بمواطنين مغاربة مقيمين بايطاليا وبالتحديد في إقليم لومبارديا منطقة “مانتوفا وسودزارا” لتقصي أوضاعهم ومخاوفهم حيث عرفت مدينة “مانتوفا” تسجيل أكثر من 100 حالة إصابة بالفيروس “التاجي”.

عبد العظيم العوني أحد الشباب المغاربة الذين ترعرعوا في إيطاليا يحكي عن الصعوبات التي بات يواجهها في اليومين الآخرين في التنقل فقط داخل “مانتوفا” من أجل قضاء أغراضه وجلب حاجياته المنزلية، حيث تم توقيفه من قبل الشرطة الإيطالية صباح أمس الأربعاء.

العوني قال في تصريح لجريدة “العمق” إنه “عندما كنت ذاهبا لقضاء بعض الأغراض المهمة في الصباح الباكر تم توقيفي من قبل الشرطة بـ”مانتوفا” حيث تم استجوابي عن وجهتي، وقمت بملء استمارة أعلن فيها وجهتي والأسباب التي دفعتني لمغادرة منزلي”، مضيفا “لم أكن أتخيل وأنا ترعرعت هنا في إيطاليا ما يزيد عن 20 سنة أن يأتي يوم ويتم استجوابي فيه عن سبب خروجي من المنزل وتعريض حريتي في التنقل للمساءلة”.
ويضيف الشاب ذو السابعة والعشرون ربيعا “رغم أن هذه الإجراءات قد تكون مقلقة للبعض إلا أنني تقبلتها بحكم أنها في مصلحتنا جميعا، ولو أن هذه الإجراءات الصارمة طبقت في بداية الأمر لما وصلنا الى عتبة عشر آلاف حالة ويزيد مصابة بفيروس كورونا السريع الإنتشار”.

مغاربة إيطاليا: الوضع مقلق ولن نفر من قدرنا

تعيش الجالية المغربية المقيمة بإيطاليا حالة من الهلع والخوف والرعب والترقب جراء الانتشار السريع والمخيف لفيروس كورونا المستجد، حيث وصلت حصيلة المصابين الاجمالية بالفيروس حوالي 12,462 و827 حالة وفاة لتحتل دولة إيطاليا المركز الثاني عالميا في عدد الإصابات والوفيات، ما يعد رقما قياسيا خاصة على المستوى الأوروبي، فيما امتثل للشفاء أكثر من ألف حالة.
وفي السياق ذاته، فإن أغلب الأسر المغربية لا تختلف كثيرا عن باقي الأسر الإيطالية أو الجنسيات الأخرى المقيمة بالتراب الإيطالي، خاصة سكان الشمال وبالتحديد في إقليم لومبارديا التي تعتبر منطقة حمراء والأولى في عدد الإصابات بإيطاليا، وكذا إقليم إيميليا رومانيا وفينيتو وباقي المناطق الحمراء التي انتشر فيها كوفيد- 19 بشكل مخيف وسريع.

الرابط المشترك بين جميع الجنسيات هو الخوف والهلع والقلق والترقب، إذ أن الكل ينتظر خبرا سارا يخبر بالقضاء على هذا الوباء وإيجاد لقاح ليطمئن الجميع، لا حديث إلا عن كورونا في إيطاليا حتى عندما يتحدثون عن “الكالتشو” وسحر وجمال وهوس الناس بكرة القدم يتأسفون على توقيف جميع المباريات بالدوري الإيطالي بسبب فيروس “التاجي” المستجد، فلا حديث إلا وكورونا يحتل حصة الأسد.

القلق والخوف من المستقبل دفع شريحة كبيرة من المجتمع الإيطالي لتخزين “مؤنة” المأكل والمشرب قد تكفيهم لأشهر جراء الهلع والخوف من نفاذ المواد الأساسية والضرورية من المحلات التجارية، حيث رصدت جريدة “العمق” في بعض المحلات التجارية في منطقة “مانتوفا” نفاذ جميع المواد الأساسية في مدة وجيزة في أقل من نصف يوم.

وفي هذا السياق صرح محمد السلاوي، قال أبناء الجالية المغربية المقيمة بالديار الإيطالية وبمدينة “سودزارا” بالتحديد، “إن الوضع أصبح جديا أكثر مما نتخيل، في بداية الأمر تعاملنا مع الأخبار التي تروج عن الفيروس كأنها مزحة أو شيء بسيط وسيمر بسرعة، حتى تفاجأنا بحجم الكارثة التي تلوح في الأفق جراء انتشاره السريع”.

وأضاف محمد، “لحسن الحظ ولحدود اللحظة لم تسجل أي حالة إصابة بفيروس كورونا المستجد بمدينة “سودزارا” رغم تواجدها داخل المنطقة الحمراء التي أعلنت فيها حالة الطوارئ منذ مدة، ورغم أن جميع المناطق والمدن المحيطة بنا قد تم الإعلان عن إصابات ب كوفيد -19 إلا أننا والحمد لله لازالت الأمور آمنة رغم كل الأخبار التي تصلنا عن مناطق قريبة منا”.

وفي ما يتعلق بسؤالنا عن المخاوف وإمكانية عودة مغاربة المهجر إلى المغرب في حالة لو لم يتم إلغاء الرحلات القادمة من وإلى إيطاليا، قال السلاوي: “لا يمكن للإنسان أن يهرب من قدره، إيطاليا احتضنتنا ودرستنا واعتبرتنا مواطنيها فليست من شيمنا نحن المغاربة “أن نكون قليلي الأصل”، فنحن معهم في “الحلوة والمرة” كما يقال في المثل الشعبي المغربي”.

وأضاف محمد: “صحيح نحن نحب بلدنا المغرب ولهذا نرفض فكرة السفر أو العودة إلى بلدنا مع احتمال نقل الفيروس عبر أحدنا وهو لا يدري خاصة أن كورونا قد لا تظهر أعراضها إلا في حدود 14 يوما، ولهذا أنصح جميع الجالية المغربية المقيمة بإيطاليا بإتباع توجيهات المختصين والالتزام بالنظافة التي تعد من البديهيات في ديننا الحنيف، وأنصحهم بعدم مغادرة المنزل إلا للحاجة أو الضرورة”، يقول السلاوي.

إغلاق المدارس وجميع التظاهرات والتجمعات

قامت الحكومة الإيطالية بتنفيذ قرار اغلاق جميع المدارس والجامعات عبر ربوع إيطاليا، وإلغاء كافة التظاهرات الثقافية والدينية والرياضة، وجاء هذا القرار بعد أن عجزت إيطاليا على السيطرة والحد من فيروس كورونا المستجد الذي أصبح يحصد أرواحا عديدة في وقت قياسي، حتى أصبحت تحتل المركز الأول في نسبة معدل الوفيات اليومية بعدما تجاوزت الصين في أقل من أسبوعين، كما تحتل المركز الثاني في معدل الإصابات والوفيات.

وفي هذا السياق قامت منظمة الصحة العالمية بتأييد الإجراءات والتدابير الصارمة للحد من الفيروس التاجي التي قامت بها السلطات الإيطالية، حيث صرح المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس في الإحاطة الإعلامية التي قدمتها جنيف بشأن وباء فيروس كورونا : “لقد شجعنا التدابير العدوانية ضد فيروس “كورونا” التي اتخذتها إيطاليا ونأمل أن يكون لها آثار في الأيام القلية المقبلة”.

شلل اقتصادي واجتماعي في إيطاليا

قامت السلطات الإيطالية باتخاذ تدابير وقائية وإجراءات صارمة لكبح انتشار فيروس كورونا المستجد ما أثر سلبا على الحركية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وقد خصصت الحكومة الإيطالية 25 مليار دولار لحالات الطوارئ المتعلقة بفيروس كورونا المستجد.

جريدة “العمق” رصدت شوارع مدينة “مانتوفا” و”سودزارا” التي تقعان في إقليم لومبارديا و”كاربي” و”ريدجو ميليا” التي تقعان في إميليا رومانيا شبه خالية، خاصة بعد الساعة السادسة مساء كأنها مدن “الأشباح”.

ويستمر الشلل الاقتصادي والاجتماعي والحركي في إيطاليا حيث تم اغلاق كافة المدارس والجامعات والغاء التظاهرات الثقافية والدينية والرياضية ومن بينها الدوري الإيطالي لكرة القدم المتمثل في قسمه الأول والثاني، وتقليص ساعات العمل لدى المطاعم والمقاهي وإغلاقها على الساعة السادسة مساء، وفرض إجراءات صارمة على جميع المحلات التجارية حيث يتم إدخال الزبائن إلى المحلات التجارية أو المطاعم أو المقاهي على شكل مجموعات صغيرة ويتم التزام بالانتظار خارج الأماكن المغلقة ومنها البنوك والمصالح الإدارية.

وفي ذات الصدد أعلن رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، مساء يوم الأربعاء عن “إغلاق كافة الأنشطة التجارية باستثناء الصيدليات والمواد الغذائية”، كما “سيتم إغلاق مراكز التسوق والمتاجر والحانات والمطاعم”، مضيفا أن “هذا القرار جراء حماية صحة المواطنين، وأن الدول الأخرى تراقبنا لأننا نتفاعل بقوة أكبر مع الفيروس”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *