مجتمع

المغاربة وحالة الطوارئ الصحية.. انضباط وقليل من الخوف والتمرد

بعد أن أعلنت السلطات المغربية حالة الطوارئ الصحية، أصبحت السادسة مساء هي الفارق الزمني ما بين الخروج لقضاء الأغراض الطارئة، بورقة إذن رسمية للتنقل الاستثنائي، وما بين المنع التام للتواجد خارج فضاء المنزل، تحت أي ظرف كان، وذلك من أجل الحد من انتشار جائحة كورونا.

وأصبح المجتمع المغربي منقسم لثلاثة فئات، الأولى مضطرة للالتزام بقرار السلطة، فقط خارج أوقات عملهم الرسمية، والثانية، تضم الكثير من المواطنين البسطاء، ممن فقدوا عملهم، وباتوا يعانون في صمت، كابحين شكواهم، وملتزمين منازلهم، في انتظار فرج من الله، وبالمقابل هناك ممن لا شغل لهم، ورافضين الالتزام بالحجر الصحي المنزلي، يخرجون بسبب وبدونه، كل حين لهم مبرر خروج مختلف.

وبمقارنة بسيطة بين الأعداد الهائلة للحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تحث المواطنين على الالتزام بالمنازل، وانتشار هاشتاغ “خليك فدارك”، إلا أن الواقع يثبت العكس، أيضا من خلال ما يتم نشره من صور وفيديوهات لأشخاص مجتمعين بدون أدنى احترام لمسافة الأمان، سواء تعلق الأمر بالتهافت من أجل اقتناء المواد الغذائية، أو في وسائل النقل العمومية، والغريب أنه بعد إعلان إغلاق المقاهي، يعمد بعض أصحاب المحلات إلى بيعها بطريقة سرية، وما على الزبون إلا وضع الثمن تحت باب المقهى، حتى يحصل على كوبيه في الحين.

الحجر المنزلي خارج ساعات العمل

يوسف بلهرادي عامل بشركة للأسمدة بالجرف الأصفر وفاعل جمعوي، قال إنه منضبط بالحجر الصحي المنزلي، أثناء توقيت ما بعد العمل، قائلا: “إنني لا أخرج من منزلي إلا للذهاب إلى العمل، أو لقضاء الحاجيات الضرورية والطارئة، كاقتناء المستلزمات الغذائية”.

وأضاف المتحدث نفسه، أنه “من الصعب على الجميع الالتزام بالحجر الصحي المنزلي، بشكل تام، لأن مثلا مواطن يشتغل في الموقف أو يبيع موادا غذائية في السوق لن يقوى على الالتزام به، لأنه مجبر على أداء عدد من التكاليف، هناك مواطنين فقراء جدا، والمعيشة أصبحت غالية ومرهقة، والظروف الاجتماعية لا ترحم”.

من جهته، كتب أنس لغنادي، صحافي، على حسابه في الفيسبوك بالقول “أمارس مهنة الصحافة وحاصل على البطاقة المهنية، أنا مضطر للخروج من المنزل يوميا لأن طبيعة عملي الذي أتقاضى عليه راتبا شهريا تلزمني بذلك، لا أستطيع القول أني أقوم بهذا لأجلك ما دمت أتقاضى عليه راتبا شهريا، أرجوك الزم بيتك لأجلك ولأجل من تحب ولأجلي أنا أيضا، أنا أحتاج أن تضحي بحريتك من أجلي، التضحية لا نتقاضى عليها راتبا شهريا، أنت من تضحي لأجلنا جميعا حين تلتزم بالحجر الصحي”.

الأحياء الشعبية تحت المجهر

ما إن تطأ قدماك الأحياء الشعبية حتى يُخيل إليك أن الزمن توقف بهم في مرحلة ما قبل “كورونا”، وإن أبلغتهم خطورة المأساة التي قد يعيشها المغرب، إثر عدم التزامهم بتعليمات الجهات السلطات، والمكوث في منازلهم، ينطلقون في بث الشكوى، خاصة ممن يشتغل في مهن بالمداومة اليومية، كالمشتغلين بالموقف، أو البائعين في الأسواق الشعبية، أو “طيابات الحمام” “عاملي المقاهي” وغيرهم من ممتهني القطاعات غير مهيكلة.

ولتجاوز أزمة فقدان الشغل، اقترح محسن في تعليقه، “حان الوقت لكي يلعب مسجد الحي دوره، بما أنه مجهز بمكبر الصوت، يمكن استعماله كنقطة تلقي التبرعات، وإعطائها لمن هم في حاجة ماسة إليها، بالاتصال بهم فردا تلوى الآخر عن طريق الهاتف، لتجب الاكتظاط”.

أما بدر من مدينة الرباط، قال في حسابه على الفيسبوك بأنه “يرجى من رجال الأمن الدخول إلى الأحياء الشعبية، لأنه كما يبدوا في بعض الأحياء لا أثر لحالة الطوارئ، الكل يتسكع في الشوارع، ومن الضروري تعقيم الشوارع”، مردفا بسخرية عارمة من تصرفات عدد من الشباب “هل سبق لك مشاهدة أناس ينتظرون السادسة مساء فقط ليهرب من الشرطة؟”.

ومن الأسباب الرئيسية في عدم استجابة ساكنة الأحياء الشعبية، لنداء الحجر الصحي المنزلي لتفادي تفشي جائحة كورونا، يقول ميلود ميلود “غالبية الشباب في مثل هذه الأحياء “مبلي” يتعاطى للقرقوبي أو المعجون، والسلطات رغم أنها تقوم بدورها في بعض المناطق، إلا أن عليها اتخاد القرار الصارم، لأن هؤلاء الأشخاص خطر على المجتمع المغربي ككل، سواء قبل كورونا في أنهم سبب ارتفاع السرقة “الكريساج”، أو بعد كورونا في أنهم سيساهمون في نقل العدوى بشكل سريع”.

من جهتها حورية خيرالله، طالبة ماستر العلوم السياسية والتواصل السياسي اعتبرت أن الخلل الكامن في المجتمع “يرجع لعدم وعي البعض بخطورة الوضع، واعتبار البعض الآخر أن وثيقة التنقل تحمي من الخطر، في حين أنها رخصة استثنائية لفرد واحد من العائلة بغرض قضاء أغراض البقية، زد على ذلك أن الملحوظ في أغلب الأحياء الشعبية أنهم يعيشون في وضع عادي لا يظهر أي حجر صحي، والصرامة تظل هي الحل الفعال”.

العلاقة بين المواطن والسلطة

أسماء مهديوي باحثة في سلك الدكتوراه علوم سياسية، اعتبرت أن عدم التزام المواطن المغربي بحالة الطوارئ الصحية يعود لأسباب مركبة يتداخل فيها السوسيوثقافي بالإقتصادي، أولا المواطن المغربي غير متعود على حالة الطوارئ، وبالتالي لا يحسن التعامل مع الإجراءات المترتبة عنها، بالإضافة لعدم الوعي الكافي بمخاطر الوباء الذي عجزت عن محاصرته حتى الدول ذات الامكانيات الكبيرة ولذا نرى في تعليقات البعض ما يوحي بالاستهتار بخطورة المرحلة” .

جدير بالذكر أن رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، طمأن مهنيي القطاع الحر والعمال الذين يشتغلون في القطاع غير المهيكل، ممن فقدوا عملهم، بسبب فرض حالة الطوارئ الصحية، بأن الحكومة تشتغل جاهدة لإيجاد الحلول المناسبة والمستعجلة في أقرب الآجال، موضحا أن لجنة اليقظة الاقتصادية منكبة على اقتراح الحلول العملية لفائدة هذه الفئة، مؤكدا على تجند الحكومة لتنفيذ هذه الاقتراحات على أرض الواقع.

وزاد العثماني خلال افتتاحه مجلس الحكومة، الجمعة الماضية، إن الحكومة واعية بضرورة إيجاد حلول مستعجلة لمن توقف عن عمله بسبب ظرفية انتشار فيروس كورونا، وعاكفة على ذلك لأن “هؤلاء فقدوا عملهم بين عيشة وضحاها، ولم يبق لديهم أي دخل أو مصدر عيش، وسنعمل ما في جهدنا لإيجاد الحلول، ولدينا كل الإرادة لذلك”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *