منتدى العمق

“كرونا” محنة.. أم منحة أم هما معا

لا جرم أن سنة 2020 تعتبر فريدة من نوعها وغريبة عن السنوات التي مضت من دي قبل، فالعالم برمته اليوم يفاجئ بما قد حل به، فأصبح يعيش في الزمن الوبائي المسمى ب “كرونا” “كوفيد 19″، فهذا الأخير لم يحترم ولم يخجل من دولة مهما كانت مكانتها سواء الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية… تحتل رتبة “الفوق”، فلم يترك حيزا جغرافيا إلا وترك فيه بصمة سواء عشش فيه وحصد الآلاف من الضحايا أو استوطنت ثقافته في مخيال العامة أفراد أم جماعات، حتى صارت المنابر الإعلامية والمنصات الالكترونية جلها لا يخرج انهمامها عن السجل الكوروني، وظل الجميع منشغلا بإثارة الأسئلة المقلقة في زمن الجائحة الذي نحن بصدد المعايشة معه.

في نفس الخط وفي السياق الكوروني تحديدا، هل الإجراءات و التدابير المتعلقة ب”الدراسة عن بعد” التي جندت لمواجهة الوباء كانت تراعي لجميع التباينات و الاختلالات الحاصلة؟ ولكن قبلا لا يمكن المرور دون تصفية الدين مع هذا المفهوم الذي أربك حسابات الكل ولو بصورة سطحية؟ وما هي بعض المنح التي رافقت هذا الوباء؟

إن الغوص في مثل هكذا موضوع مستجد لازال بعيدا عن الضبط، يبقى ما سنتقدم به في هذا الصدد كإيضاءات وتأملات بسيطة لا أكثر ولا أقل، خاصة وأن الأبحاث العلمية والمعطيات حول الوباء المستجد لازالت تحبوا على عتباته.

إن منظمة الصحة العالمية قامت بإعطاء تعريفا ل “كرونا” باعتبارها فصيلة كبيرة من الفيروسات التي قد تسبب المرض للحيوان والإنسان، (…)، حالات عدوى الجهاز التنفسي التي تتراوح حدتها من نزلات البرد الشائعة إلى الأمراض الأشد وخامة(…)، ويسبب فيروس كرونا المكتشف مؤخرا مرض فيروس كورونا كوفيد-19، باعتباره هو الأخر مرض معد يسببه فيروس كورونا المكتشف مؤخرا، ولم يكن هناك أي علم بوجود هذا الفيروس قبل اندلاع الوباء، وتفشيه بمدينة “ووهان” الصينية في ديسمبر 2019.

فالإجراءات التي اتخدت لمواجهة هذا الوباء ما يعرف ب “الدراسة عن بعد”… تثير كثيرا من التساؤلات التي تجد مكمنها في المفارقات والتباينات بين “آل الفوق” و “آل التحت”، وكذا بين آل المدينة وآل القرية، علما بأن الدراسة عن بعد لا يمكن الحديث عنها دون وجود “صبيب الانترنيت” وبدرجات عالية والذي لا يتوفر في كثير من الأحايين لأولائك الذين في تفاوض دائم مع الفقر، إضافة إلى آل المغرب العميق وإن توفرت في بعض الأحيان للأقلية منهم الإمكانيات لا تعفيهم هاته من مهمة التيه في أعالي الهضاب والجبال استنجادا بمكان يربطه بالاتصال وتصفح الانترنيت.

لهذا يحتاج العالم في كثير من الأحيان إلى أزمات، وهذا ليس غريبا فتاريخ البشرية مليء بمثل هكذا رجات وبائية، إلا أن اليوم صفع العالم بصفعة أكبر بكثير من دي قبل، وتحتاج إلى إعادة النظر في كثير من الأمور والانتباه جيدا إلى أن تلك الأمور التي كان العالم عموما والمجتمع المغربي خصوصا يعقد عليها آماله أصبحت اليوم ضمن لائحة اللامرغوب فيها، في حين أن تلك التي كانت قبلا تعتبر ضمن خانة الهوامش، تتجند بكل ما في وسعها من أجل أن تعلن للجميع أن لا شيء يعلو فوق العلم، فلو كان الرهان قبلا على التعليم والصحة… لكانت الأمور اتخدت سياقا أخر، وأصبح التعليم عن بعد مفتوحا في وجه الجميع بصرف النظر عن انتماءاتهم الجغرافية وانحداراتهم الإجتماعية.

فلعل كرونا هي ” محنة ” لكنها أيضا ” منحة ” في نفس الآن، منحتنا دروسا لا حصر لها والتي تلح باستثمارها فيما بعد كرونا، وفي نفس الآن سرقت منا الكثير .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • خديجة بيطار
    منذ 4 سنوات

    رائع سي عادل