وجهة نظر

“مغرب الله كريم”.. أولويتنا الصحة والتعليم

ظلت القطاعات الاجتماعية العمومية كالصحة والتعليم في المغرب ، وفي غيره من البلدان النامية ، مقصية من دائرة اهتمام الحاكمين، بحيث لم تلق ما يكفي من العناية والتدبير بما يناسب أهميتها ومركزيتها في واقع المجتمع وحياة الأفراد . أما الإمكانيات والميزانيات المعتبرة المخصصة لهذه القطاعات الحيوية، فأولى الترحم عليها منذ شرعت دول الجنوب في تطبيق توجيهات وشروط المؤسسات المالية المانحة للقروض المانعة للتنمية الحقيقية كالبنك العالمي وصندوق النقد الدولي .

بدأ المغرب في تطبيق المشروع المشؤوم لهذه الجهات المالية المتحكمة في رقاب البلدان والدول منذ سنة 1984 ، والذي سمي آنذاك ببرنامج التقويم الهيكلي، حيث تضمن عدة إجراءات من أبرزها وأخطرها هو تخفيض النفقات العمومية الموجهة للقطاعات الاجتماعية ( الصحة والتعليم بالدرجة الأولى ) تمهيدا لرفع اليد عنها من خلال الخوصصة الكاملة ببيعها للخواص، أو الخوصصة الجزئية التي يدفع خلالها المواطن إلى القطاع الخاص طلبا لخدمات طبية ومدرسية أحسن وأكثر جودة، وإن كان ذلك مقابل أسعار لا يحكمها منطق وغير خاضعة لأية رقابة.

يتذكر المغاربة جيدا ، وسكان بعض بلدان شمال افريقيا كمصر وتونس ، الأحداث الأليمة التي اندلعت في يناير سنة 1984 ، كرد فعل شعبي رافض للشروط المجحفة والمدمرة لبلدانهم ، التي فرضها صندوق النقد الدولي لقاء تقديم قروضه للحكومات . وقد خلفت هذه الأحداث التي سميت انئذ بأحداث الخبز ، الكثير من الضحايا القتلى والجرحى .

اليوم وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على دخول المغرب في دوامة وردهات المؤسسات المالية العالمية، وعلى الرغم من ظروف العمل غير الملائمة، فقد أظهرت هذه القطاعات الاجتماعية العمومية أهميتها ودورها الأساسي في التصدي لثنائي الرعب في المجتمعات : الجهل والمرض . وزادت أهميتها أكثر في الظروف الخاصة مثل التي يعيشها المغرب والعالم في ظل استباحة وباء كورونا للحدود والمجتمعات والأفراد.

ماكان لهذه القطاعات أن تصمد في وجه الأزمات لولا وجود شريحة واسعة من شرفاء الوطن وجنود الخفاء الذين يشتغلون بحس وطني رفيع ، متعالين عن كل الصعاب والمشقات التي يكابدونها بشكل يومي ومستمر ، والتي يمكن تحديد أبرزها في مغرب اليوم كالتالي :

— ضعف الأجور والرواتب حيث يعتبر قطاعي الصحة والتعليم من أضعف قطاعات الوظيفة العمومية أجورا مقارنة بباقي القطاعات الأخرى، بل إن الفرق في الرواتب يصل أحيانا حد الضعف مع قطاعات الوظيفة العمومية المحظوظة كالمالية والداخلية.

— كثرة واتساع ظاهرة التطاول والتهجم على رجال ونساء وأطر الصحة والتعليم بالمغرب من طرف افراد المجتمع ، وذلك على الرغم من نبل المهام التي يقومون بها . ويمكن أن يستشف ذلك من كثرة الدعاوى القضائية المرفوعة بالمحاكم المغربية والمتعلقة بإهانة موظف أو التهجم على مؤسسة عمومية . أنظر على سبيل المثال الإحصاء السنوي الذي تقدمه منظمة التضامن الجامعي والذي يبين عشرات القضايا المماثلة لما سبق ذكره.

— التعامل السيء للسلطة مع احتجاجات رجال ونساء هذه القطاعات ، حيث تكررت بشكل مأساوي مشاهد التهجم العنيف على أطر الصحة والتعليم بشوارع مدن المغرب الرئيسية الرباط الدارالبيضاء ، إلى درجة أنه أصبح من المألوف أن تجابه مطالبهم المشروعة بالتسفيه والعصا الغليظة.

اذا كان صوت المغرب المرفوع سنة 2011 في إطار حراك 20 فبراير قد صدح بالكثير من الشعارات والتي من بينها : هذا مغرب الله كريم لا صحة لا تعليم ، فما ذلك إلا للتنبيه إلى الحالة المزرية التي بلغتها هذه القطاعات ببلدنا . ثم كذلك لتسليط الأضواء على أهميتها ومركزيتها في حياة وواقع الناس ومعاشهم .

وإذا كانت جائحة كورونا قد أعادت نسبيا نوعا من الاعتبار والتقدير لرجال الصحة والتعليم وغيرها من القطاعات الخدماتية الأساسية ، فإنه على المسؤولين بالبلد التقاط الإشارة وتصحيح الأخطاء التي ارتكبت سابقا في حق هذه القطاعات التي تعتبر بحق الركائز الأساسية للمجتمع والدولة ولا يجب التفريط بها أو التقليل من أهميتها بله أن يهان القائمون عليها أو يقلل من مكانتهم أو دورهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *