وجهة نظر

العناية بالمسنين خلال فترة الحجر الصحي

كثيرا ما نقول ” الكبار كنز في كل دار ” ، لكن حقيقة هل نولي هذا الكنز ما يلزمه من العناية والرعاية ؟؟

في الأيام الأولى لانتشار فيروس كورونا، بدأت تتردد جملة ” اطمئنوا، فيروس كورونا يصيب كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة”.. عبارة لطالما رددتها وسائل الإعلام في كل دولة تقريبا، لِبَثّ الطمأنينة في قلوب المجتمعات، دون اكتراث لوقعها وآثارها الوخيمة في نفوس المسنين.

هؤلاء المسنين تحدثهم أنفسهم، إثر ذلك، بأنهم قضوا نهاية خدمتهم في الحياة، فلم تعد تُرجى منهم فائدة، وصاروا عالة على مجتمع ينتظر متى يلفظون آخر أنفاسهم، إنه موتٌ قبل الموت.

من المؤسف حقا أن يكون المسنون على هامش الحلول المطروحة أو خارجها، حتى في سياق تطبيق سياسة الحجر الصحي للحد من انتشار الفيروس من خلال الاختلاط والعدوى !! ، إذ لم يكن ثمة مجال لأخلاقيات النظر إلى المنتمين لتلك الشريحة الذين سيصبح هلاكهم محققا حينذاك.

إذ ينبغي أن ننظر في وضع هذه الفئة وفق الأصول و أخلاق المغاربة و دينهم و تراثهم الثقافي، تجاه كبار السن، و ما يستحقونه من احترام وتوقير وعناية وتقدير .. وبذلك نكون نسلك مسلكا مختلفا عما تسلكه بعض شعوب أوربا وأمريكا، فكبار السن بالمغرب، يدركون أن تمسك الشعب المغربي قيادة وشعبا بالتقاليد الأصيلة، يكفل لهم أن يوضعوا على الرأس والعين في الرخاء والشدة، ورعايتهم في ظل الظرف الراهن ستكون بشكل أقوى.

فعلى مستوى الوزارات المسؤولة، فكما وضعت مشكورة خططا لدعم مباشر للفئات الهشة…، وجب التنبيه إلى ضرورة العمل على ضمان تلبية احتياجات كبار السن فيما يخص تيسير العلاج والدعم بالأدوية، خصوصا للمرضى المزمنين.. واستحداث فرق و لجن لإيصال الدواء لهم في منازلهم بالمدن والقرى وغيرها من وسائل الدعم الممكنة لهذه الفئة التي لها دين علينا اليوم …

و تتحمل وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة مسؤولية استثنائية، في العناية بكبار السن، من خلال وضع قائمة تتضمن توجيهات لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، تشرح فيها كيفية الوقاية من فيروس كورونا، كأهمية النظافة الشخصية، والإجراءات الصحية الوقائية في المنزل، وطرق الوصول إلى الخدمات العامة دون مغادرة المنزل، وكيفية التواصل مع المؤسسات الرسمية وتلقي الخدمات العامة ، إضافة إلى إمكانية استلام الرواتب التقاعدية في المنزل…، و تتولى عمليات إحصائهم و التقصي عن ظروفهم المعيشية في أفق التدخل لتقديم المساعدات المادية والمعنوية الضرورية لهم .

أما على مستوى مؤسسات المجتمع المدني، فأذكر بأن كبارنا هم سعادتنا في الدنيا والآخرة..، فالتعامل معهم في ظل هذه الأزمة ينبغي أن يكون أكثر عقلانية و أشد حرصا من ذي قبل ، سواء العناية الخاصة بكبار السن ممن يسكنون وحدهم ،حيث يتوجب على الجمعيات الفاعلة أن تقوم بإحصاء دقيق، و إنجاز بطائق تعريفية بالحالة الاجتماعية، ونوعية الخدمات الضرورية لهذه الفئة لإعفائهم من الخروج من منازلهم من جهة، و تسهيل عمل السلطات المختصة ، و مساعدة المحسنين على توجيه إحسانهم لمن هم في حاجة ماسة إليه من جهة أخرى .

أما داخل الأسر، فأذكِّر أن العناية المرجوة ليست فقط بتوفير الغذاء و المساعدة في النظافة واللباس  !! لِكوْن بعض والدينا و عجزَتِنا كانت لهم مجالس في المساجد أو بجنباتها أو في بعض الحدائق والمقاهي مع أصدقائهم و أقرانهم، يتجاذبون أحاديث خاصة بهم أو بزمانهم، و لهم أشجان و أسرار فيما بينهم ..، فوجب علينا أن لا ننكب على تواصلنا عبر وسائط التواصل الاجتماعي، دون أن نشركهم أو أن نربط صلاتهم بأصدقائهم و أقاربهم …إذ لا عذر لنا أن ننشغل عنهم و هم بجوارنا في ظل هذا الحجر، الذي قد يسهل لنا تجديد ثقتهم بنا و التعبير لهم عن حقيقة الصلة و المحبة التي نكنها لهم ..كما لزم أن نشركهم في الحوارات الدائرة، ونفهمهم مجرى الأمور دون تهويل أو تقزيم ..هي فرصة لنشحذ ذاكرتهم بمراجعة أحداث شهدوها، أو عاشوها  !! ولمَ لا يتِمُّ استرجاع جزء من ذاكرة حياتهم الخاصة، أو أحداث مفْرِحة عاشوها !! قد يفرحون حينما يجدون اهتماما بالإنصات لهم ..قد يتلذذون بسرد ذكرياتهم، و هم يصنعون مجدا وبطولات صنعوها فعلا أو يطربون لِتذَكُّرهم لها !! الانصات و الحوار و الاهتمام ..، قيم إنسانية تفوق أحيانا الأداء الميكانيكي لبعض الخدمات التي نحسبها كافية و مستوفية لحقوقهم وسعادتهم !!

ما لا يفهمه الذين يجهلون هذه اللغة الأخلاقية، أن التعامل في هذه الأزمة مع كبار السن على هذا النحو من الاهتمام، لن يمر هكذا على أعين الشباب وصغار السن مرورا عابرا، بل هي رسالة طمأنة لهم بأن دولتهم ومجتمعهم سَيُحيطُونَهم بالرعاية أينما كانوا، وفي أي سن أو ظرف كانوا.

كما أن هذا الاهتمام هو تعميق للانتماء لهذا الوطن، وتعزيز للروح الإسلامية لدى هؤلاء، وهم يرون أن وطنهم و أبناءهم وبناتهم يُعلون من شأنهم، وهو بالتَّبَع إعلاءٌ للجانب الأخلاقي على الشأن المادي المصلحي الذي غرق فيه العالم اليوم ../.

* باحث في التاريخ و التراث – تنجداد 22/04/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • سعيد اوشعو
    منذ 4 سنوات

    مقال يستحق كل التشجيع و الاهتمام ليس فقط في هذه الظرفية الخاصة و الاستتنائية ولكن باعتبار وضعية هده الفئة داخل المجتمع .شكرا الاخ لحسن على هده الالتفاتة و مزيدا من العطاء و التالق