وجهة نظر

فوكوياما بين نهاية التاريخ وبدايته

فرضت كورونا على الكاتب فوكوياما الياباني الأصل الأمريكي الجنسية أن يتحدث من جديد بعد مقاله الشهير : نهاية التاريخ والرجل الأخير. الذي صدر سنة 1992. بعد أن قد تنبأ بسقوط حائط برلين والاتحاد السوفياتي والشيوعية. وقد نشرت جريدة الاتحاد الاشتراكي يومي 11 و12 أبريل 2020 حوارا دار مع الرجل الذي قلب موازين العالم بمقاله السابق، لأنه انتصر لليبرالية والرأسمالية والديمقراطية. فهل مازال الرجل يؤمن بطروحات التسعينات أم غير موقفه. هل نهاية التاريخ انتهت وبدأ الحديث عن بداية التاريخ؟ هذا ما سيظهره الكاتب من خلال هذا الحوار، وهو خاضع للحجر الصحي ويحاضر عن بعد في مادة العلوم السياسية.

وذهب بعض المحللين أن ما خلص إليه في التسعينات كان بالتنسيق مع النظام السياسي الأمريكي. لذلك برزت تصرفات في التسعينات كنتيجة لهذا الاختيار نحو عاصفة الصحراء والسعي لبناء شرق أوسط جديد بعقلية اسرائيلية، وأموال عربية ، ومياه تركية، وبيد عاملة لدول عربية. وغيرها من الوقائع التي اساءت للدول في طريق النمو وأقلهم تنمية. وفي نفس السياق صدر كتاب للصمويل هنتغتون يحمل اسم صدام الحضارات. وليس حوار الحضارات. وخلص فوكوياما من خلال طروحاته الجديدة بداية التاريخ، أنه يصعب التغلب على الليبرالية. ولم يقوم التجربة الصينية، لأنه محرج. ولم يجب على سؤال جوهري: ماذا نتج عن العالم بعد سقوط جدار برلين والاتحاد السوفياتي وجعل حد للثنائية القطبية بين تيار ليبرالي وآخر شيوعي؟

من خلال هذا الحوار حاول الإجابة على المحاور التالية، والتي سنوجز قراءتها فيما يلي:

نهاية مرحلة وبداية مرحلة أخرى

ينطلق فوكوياما من الأصول السياسية في تشريحه لبداية التاريخ وتجاوز أطروحة نهاية التاريخ. ومن مفهوم الدولة المتقدمة. ويمكن طرح الأسئلة التالية: هل يمكن رفض الليبرالية الجديدة؟ كيف نفسر عجز الليبرالية اليوم لمواجهة وباء كورونا؟ كيف سنتعامل مع فقدان الملايين من مناصب الشغل مستقبلا؟ كيف ترد مليارات الدولارات من مدخرات الشركات المصنفة؟ كيف نحول الاهتمام من قطاعات معينة إلى البحث في مجال اللقاحات والأدوية المطلوبة؟ كيف نوزع آليات المواجهة بين الجميع بدون تمييز؟

يتهرب فوكوياما من الموضوعية عندما يعتبر ما يقع لا علاقته بطبيعة الأنظمة.معترفا بالاستثناء الصيني، رغم تشكيكه في الارقام المقدمة، وهي معركة أمريكية صينية. والملاحظ اليوم هو التموقع حول الدولة القومية، بل قرصنة دول لدول مجاورة من الأدوية وأجهزة للتنفس، وتم خرق المواثيق الدولية والاقليمية. بماذا يفسر فوكوياما هذا؟ يختفي الكاتب وراء تصنيفات للدول عالميا. مع التركيز على الرأس المسير. فهل هذا تحليل فرداني متجاوز الطرح النظامي والمؤسساتي؟ والتصنيف هو التالي:

-أنظمة ديمقراطية ناجحة نحو كوريا الجنوبية، وألمانيا والدول الاسكندنافية.
-دول تعطلت في المواجهة نحو إيطاليا وفرنسا وإسبانيا.
-الأنظمة السلطوية نحو روسيا وبيلاروسيا والمكسيك وهنغاريا، والتي ستعرف ضربات موجعة.
-دول شعبوية نحو الولايات المتحدة الأمريكية، والبرازيل.

هل هذا التقسيم وليد دراسة وتحليل أم أنه يغلف إيديولوجية الكاتب و اختياراته السياسية داخل البلد الذي يعيش فيه؟

وباء كورونا مفاجأة أم غير ذلك

يؤكد على أن الواجب هو أن تكون الدول مستعدة لكل الاحتمالات. كما يستعد العالم للاحتباس الحراري، أو التغيير المناخي، لكن أفرزت المقاربة بين دول قوية جدا وأخرى ضعيفة. وأخرى متأرجحة بينها. وابرز هذا الوباء غياب سياسة وقائية. وهذا هو ديدن المستقبل العلمي.

الصين والديمقراطية الليبرالية؟

انطلق المتحدث من أطروحة ثقيلة في التحليل ولها خلفيات واضحة، تكشف على هويته المذهبية مفادها أن الصين دولة غير ديمقراطية. السؤال الجوهري : هل الديمقراطية قوالب جاهزة للتداول أم أن مؤشرها الحقيقي هو تحقيق العدل لجميع المواطنات والمواطنين؟ واعتبر نجاح الصين مرتبط بنظام القيادية، والرآسمالية التقريبية . والعمل على راحة شعبه ومواطنيه. إضافة إلى أن الصين بلد له تاريخ وتقاليد .ولكن هناك طبقية، وتفاوت الأشكال .إذا كان هذا هو تقويم فوكوياما للصين فأين يمكن موقعة هذه الخصوصيات؟ دولة لها هذه الايجابيات وغير ديمقراطية ، هذا غريب. لأن هؤلاء المنظرين يريدون فرض قوالب ابستمولوجيا للمصطلحات السائدة، رغم أننا في مجال العلوم السياسية التي لا ترق إلى الموضوعية المطلقة مهما بلغ الاجتهاد والتنظير مداه.ويخلص إلى أن النظام الصيني غير قابل للتطبيق. فهل المتحدث درس وضعية ساكنة تقدر بمليار وأربعمئة مليون نسمة؟ بل تجرأ ليؤكد بأن النظام الصيني ديكتاتوري يعتمد على القوة العسكرية. أحكام صارمة غير مناسبة مع مفكر أثرت مقالاته في الاختيارات الدولية.

مصير العولمة

يؤكد على أن العولمة بلغت أروع عطائها.وحدودها التوسعية. وسيكون إيقاف زحفها عاجلا أو آجلا. إلا أن جائحة كورونا ولدت قوة الرد، والتفكير بسرعة محليا ودوليا. والسعي إلى التزود بالمواد الأولية والسلعة والاعتماد على الاكتفاء الذاتي. كل هذا سيساهم في تغيير استراتيجي لتوجهات الشركات العابرة للقارات. وسيخضع هذا إلى منافسة دولية. مما سيقلص من هيمنة العولمة. لكن كما قال لاتؤثر على العلاقات الدولية. وهذا الكلام في تقديرنا سابق لأوانه. وأكد نفسه أن الإنتاج الدولي سيتراجع بمعدل 50 في المئة.

مفهوم القوة

إن العلاقات الدولية ستعرف تغييرا بناء على مفهوم القوة. كآلية لمواجهة الأزمات. والكلمة المستقبلية للدول القادرة على تقديم إجابات للقضايا المطروحة خاصة على المستوى الصحي، لأن العالم مهدد بطوارئ مستقبلية تحتاج إلى نظام صارم لمواجهة هذه الطوارئ.

نخلص مما سبق أن مفهوم نهاية التاريخ مهدد بالانقراض، وبداية تاريخ جديد. وهذا ما أكده المفكر الأمريكي جوزيف شتيغليتز في كتابه الليبرالية الجديدة وإعادة إحياء التاريخ. وهذا ما استفز فوكوياما. وصرح بأن هذا الكتاب رد على مقاله نهاية التاريخ والرجل الأخير. واعترف بأن المراجعة ضرورية، متشبتا بالليبرالية لكن ليست العصرية وإنما ليبرالية ما بين 1950 و 1960 التي تعزز التعايش بين أقتصاد السوق واحترام الملكيات الخاصة تحت قيادة الدولة التي تعمل على الحد من الفوارق الاجتماعية والاقتصادية . هذه هي القوة التي تواجه كل الصعاب وعلى راسها الأوبئة المفاجئة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *