وجهة نظر

إجراءات وتدابير سلطات الضبط الإداري في حالة الطوارئ الصحية بالمغرب

مقدمة :

تقتضي الظرفية الاستثنائية التي يمر منها المغرب و باقي دول العالم المتمثلة في انتشار الوباء العالمي لفيروس كورونا » كوفيد19 ،«  بضرورة اتخاذ الإجراءات و التدابير الوقائية بغية حماية الصحة العامة التي تعتبر عنصرا أساسيا في النظام العام كونه الهدف الأسمى لكل المجتمعات.

و نظرا لارتباط الضبط الإداري بحقوق و حريات الأفراد و أنشطتهم من خلال الوسائل التي تستعملها سلطات الضبط الإداري لممارسة مهامها الموكولة لها، فان هذه الوسائل تزداد و تتقلص بحسب طبيعة الظروف المكانية و الزمنية من جهة، و بحسب تمييز القيود و الضوابط التي تمارس فيها هذه السلطات في الظروف العادية عنها في الظروف الاستثنائية .

و لأهمية و راهنية إجراءات و تدابير الضبط الإداري في حالة الطوارئ الصحية بالمغرب، فان معالجة هذا الموضوع تتم من خلال محورين أساسيين، بحيث نتناول في المحور الأول الشق النظري المتعلق بوسائل و أهداف و سلطات الضبط الإداري، في حين نتناول في المحور الثاني الشطر التطبيقي للتدابير و الإجراءات المتخذة من لدن السلطات الإدارية لتدبير مرحلة الطوارئ الصحية .

وسائل و سلطات الضبط الإداري :

1 . الضبط الإداري ، مفهومه و أهدافه:

يعرف الضبط الإداري –الشرطة الإدارية – بصفة عامة أنه مجموعة من القيود و الضوابط التي تضعها سلطات الضبط الإداري على حقوق و حريات الأفراد و أنشطتهم بهدف المحافظة على النظام العام و منع كل ما من شانه الإخلال به عن طريق التطبيق الوقائي للقانون.

و يمارس الضبط الإداري إما على المستوى المركزي، بهدف المحافظة على النظام العام ب مجموع التراب الوطني، و تمارسه السلطة المركزية للدولة طبقا للفصل 90 من الدستور المغربي ، و يمارس هذا النوع من الضبط الإداري من لدن رئيس الحكومة، و إما أن يمارس الضبط الإداري من لدن هيئات محلية متمثلة في : (ممثلي السلطة العمومية ، و رؤساء مجالس الجماعات الترابية)،بهدف الحفاظ على النظام العام في النطاق الجغرافي للجماعة الترابية ، طبقا لنص الفقرة الثانية من الفصل 140 من الدستور المغربي ، ” تتوفر الجهات و الجماعات الترابية الأخرى في مجالات اختصاصاتها ، و داخل دائرتها الترابية ، على سلطة تنظيمية لممارسة صلاحياتها “، و تمارس هذه السلطات بموجب قرارات تصدر بالجريدة الرسمية ، طبقا للاختصاصات المنصوص عليها في القانون التنظيمي للجماعات رقم 14-113 ، و يمكن للضبط الإداري أن يكون عاما ، بحيث تخضع ضوابطه للمبادئ العامة للقانون ، و إما ضبطا إداريا خاصا ، إذ تخضع ضوابطه إلى قواعد قانونية دقيقة ،مفصلة و محددة كالقواعد القانونية المتعلقة بالمؤسسات الصناعية ، أو الضوابط الخاصة بالمحافظة على المآثر التاريخية و صيانتها ، أو القواعد القانونية الضبطية الخاصة بتنظيم و مراقبة الأسعار ،و كيفية الادخار و بيع المنتجات و السلع] […

و عموما فإن جميع سلطات الضبط الإداري تتمتع في إطار ممارسة أنشطتها بسلطة اتخاذ العديد من الإجراءات و التدابير الضبطية التوقعية لكل المخاطر ، و الأخطار التي من شأنها أن تهدد النظام العام ، و العمل على إعادة الوضع الطبيعي في حالة الإخلال به .و ترتيبا على كل ما سيق ، يعتبر النظام العام غاية الضبط الإداري و العمل على تجنب كل المخاطر المحدقة به.

2. مفهوم النظام العام :

يقصد بمفهوم النظام العام ،بصفة عامة ، المحافظة على الأمن العام ، و السكينة العامة ، و الصحة العامة و الأخلاق العامة.

فالأمن العام يشمل حماية و تأمين الأرواح، و الأموال من الاعتداء عليها، مهما كان مصدر هذا الاعتداء. و من واجبات الهيآت الضبطية اتخاذ كافة الإجراءات ، و التدابير التي من شأنها أن تجنب و تلافي مختلف صور المخاطر و التهديدات التي تهدد أمن و سلامة كيان الجماعة و الأفراد.

أما المحافظة على السكينة العامة تتمثل في زجر كل مظاهر الاعتداء على هدوء و راحة المواطنين و سكينتهم.

و المحافظة على الصحة العامة تعني مكافحة جميع مصادر عدم السلامة، التي من شأنها أن تهدد حياة الناس ، مع توقع السلطات العمومية لكل المخاطر و الأخطار الناتجة عن انتشار الأمراض ، العدوى والتلوث، و التدخل للعمل على وقاية الأفراد من كل أنواع الأمراض المعدية و منع انتشار الأوبئة ، و اتخاذ الاحتياطات اللازمة لذلك ، كمراقبة المياه المعدة للشرب أو مراقبة المحلات التجارية العمومية كالمطاعم و المقاهي ، و غيرها من الأماكن المفتوحة في وجه العموم .

أما بالنسبة للمحافظة على الآداب و الأخلاق العامة ، فهذا العنصر يمثل جوهر الدين الإسلامي،و هو مصدر من مصادر التشريع المغربي ، و هو الدين الرسمي للملكة المغربية ، و للدول العربية و غالبية شعوبها حيث ينص الفصل الثالث من الدستور المغربي على أن الإسلام دين الدولة و الدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية”.لذلك فالحافظة على الآداب و الأخلاق العامة تدخل ضمن اختصاصات السلطات العمومية لزجر كل السلوكات المخلة بالآداب و القيم الدينية الإسلامية .

و عليه، فإن كل عنصر من عناصر النظام العام يكتسي أهمية بالغة في حياة كل المجتمعات و الأفراد. لذلك ينبغي منح سلطات الضبط الإداري الوسائل اللازمة و الكفيلة من أجل حماية النظام العام.

3. وسائل الضبط الإداري

إذا كان تنظيم ممارسة الحقوق و الحريات ضرورة لا غنى عنها ،في إطار القانون ، و في إطار تحقيق المصلحة العامة للجماعة، فإن تقييد هذه الحقوق و الحريات لا يمكن أن يكون إلا بالقدر الذي تتطلبه المصلحة العامة.و حيث أن المشرع منح سلطات و امتيازات القانون العام لهيآت الضبط الإداري لممارسة مهامها ، فإنه بالمقابل أحاط هذه الوسائل القانونية ، و المادية بمجموعة من الضوابط و القيود الشرعية ، تجنبا لكل انحراف في استعمال السلطة.

أ-الوسائل القانونية لسلطات الضبط الإداري:

القرارات التنظيمية( التشريع الثانوي أو الفرعي):

تعتبر القرارات التنظيمية إحدى الوسائل القانونية التي تستند عليها سلطات الضبط الإداري في ممارسة مهامها الضبطية.و تصنف قواعد القرارات التنظيمية التي تتميز بالعمومية و التجريد بأنها تشريعا فرعيا ، و ثانويا طبقا للمعيار الشكلي ، و تعد تشريعا طبقا للمعيار الموضوعي ، لكونها صادرة عن السلطة التنفيذية و ليس عن السلطة التشريعية . و تعد مختلف أنواع المراسيم التي تتخذها السلطة التنفيذية بهدف التدخل في مجالات الضبط الإداري ، من اختصاص السلطة التنظيمية لرئيس الحكومة المغربية ، طبقا للفصل 90 من الدستور الذي ينص على أن :”يمارس رئيس الحكومة السلطة التنظيمية ، و يمكن أن يفوض بعض سلطه إلى الوزراء. تعمل المقررات التنظيمية الصادرة عن رئيس الحكومة التوقيع بالعطف من لدن الوزراء المكلفين بتنفيذها .”

و تتخذ القرارات التنظيمية ، التي تسمى بأنظمة الضبط الإداري –صورا و أشكالا مختلفة ، تبعا لطبيعة النشاط الي تمارس عليها من جهة ، و إما لطبيعة الظروف التي استدعت تدخل السلطات الضبط الإداري ما إذا كانت طبيعي أو استثنائية ، من جهة أخرى .

فهناك قرارات تنظيمية تنص على الحضر العام المطلق لممارسة حرية من الحريات أو نشاط من الأنشطة.و لا يمكن أن يحدث هذا المنع المطلق إلا في حالة الظروف الاستثنائية، و ما تقتضيه المصلحة العامة المبررة لهذا الحضر. لأن ممارسة الحقوق و الحريات تعتبر هي الأصل ، و المنع أو الحضر هو الاستثناء.

بينما توجد قرارات تنظيمية أخرى تكون أقل قسوة من تلك القرارات السابقة، حيث تكتفي بإلزام المعنيين بممارسة أو مباشرة نشاط أو حرية ما ، الحصول على إذن أو ترخيص أو إخطار السلطات الضبطية المختصة ، بغية المحافظة على النظام العام.

كما تمارس أنظمة الضبط الإداري تنظيم مزاولة بعض الأنشطة التي لا تستدعي الحصول على إذن أو إخطار مسبق من لدن السلطات الضبطية و إنما ممارسة هذه الأنشطة تخضع لاتباع مجموعة من الإجراءات القانونية المحددة من لدن السلطات الضبطية المعنية ، و من ـأبرز هذه الأنظمة تلك المتعلقة بمراقبة و تنظيم الأسواق العامة أو الحرف أو الصناعات داخل بعض المدن أو المناطق ، بغية تنظيم المهن و الحرف.

ب- القرارات الإدارية الفردية:

تعتبر الإجراءات و التدابير التي تتخذها السلطات العمومية في مواجهة فرد معين أو أفراد معنيين ، ضمن القرارات الفردية الإدارية التي تترجم و تطبق قواعد و مقتضيات النصوص القانونية الواردة في القرارات التنظيمية ، المتميزة بالعمومية و التجريد.

و تأخذ هذه القرارات الفردية عدة من صور و أشكال . فمنها ما يوجد على شكل قرارات إدارية مكتوبة ، و أخرى شفوية ، و ن بين هذه القرارات الإدارية ما تأمر بالقيام بعمل إيجابي ، كالتدخل من أجل فض تجمهر ، أو تقضي بالامتناع عن القيام بعمل ، كالأمر القاضي بعدم عقد تجمع ، أو منع إلقاء محاضرة، و أخرى تقتضي بضرورة الحصول على ترخيص لمزاولة نشاط معين ، كالترخيص بفتح مطعم مثلا. و علاوة على الوسائل القانونية التي تتوفر عليها السلطات العمومية ، فإنها تتمتع بوسائل مادية تتمثل في التنفيذ الجبري.

ج- التنفيذ الجبري:

يعد التنفيذ الجبري أحد الوسائل الهامة التي تتوفر عليها سلطات الضبط الإداري، من أجل تنفيذ قراراتها جبرا، في حالة عدم امتثال المخاطبين بها طواعية.

و نظرا لخطورة هذا الامتياز ، الذي تتمتع به سلطات الضبط الإداري ، حيث أن يكن أن تترتب عنه نتائج خطيرة في حالة إساءة استعمال هذا الامتياز القانوني . و لا يمكن اللجوء إلى هذه الوسيلة إلا إذا توفرت مجوعة من الشروط القانونية و الواقعية، التي من شأنها أن تبيح للسلطات الضبطية التدخل من اجل فرض سلطة القانون.
و تندرج هذه الشروط ضمن الضمانات القضائية المخولة للأفراد المتضررين من سلطة التنفيذ المباشر، و هي كالتالي:

وجود نص قانوني تنظيمي يبيح استعمال وسيلة التنفيذ الجبري، و هنا يجوز لسلطات الضبط الإداري اللجوء إلى استعمال التنفيذ الجبري بما تقتضيه المصلحة العامة.
الوجود الحقيقي لحالة الضرورة و الاستعجال التي تستدعي تطبيق القواعد القانونية للمحافظة على النظام العام. و يشترط فيها تحقق العناصر التالية:

وجود خطر جسيم يهدد النظام العام .

تعذر دفع هذا الخطر بالطرق القانونية العادية.

أن يكون الغرض من تدخل سلطات الضبط الإداري تحقيق المصلحة العامة .

عدم التعسف في استعمال السلطة .

و تزداد صلاحيات سلطات الضبط الإداري في حالة الظروف الاستثنائية، بحيث أن بعض الأنشطة الإدارية التي تعتبر فير شرعية في الظروف العادية، يضفى عليها صفة الشرعية في الظروف الاستثنائية. و ذلك ما سيتم معالجته في المحور الثاني:

وسائل تدبير سلطات الضبط الإداري لمرحلة الطوارئ الصحية بالمغرب

مفهوم نظرية الظروف الاستثنائية:

إن القيود و الضوابط التي تفرض على حقوق و حريات الأفراد، في حالة الظروف الاستثنائية، تكون أكثر تشددا و قسوة منها في حالة الظروف العادية.و تحكم سلطات الضبط الإداري في هذه الأوقات ، نظرية خاصة تسمى نظرية الظروف الاستثنائية ، و تطبق هذه النظرية على جميع مجالات القانون الإداري بدون استثناء ، استنادا إلى ضرورة قيام الإدارة بواجباتها المتعلقة بحفظ النظام العام بمختلف عناصره ، و العمل على حسن سير المرافق العامة بانتظام و اضطراد.

و تستمد هذه النظرية وجودها الأصلي من القضاء الإداري،بحيث اعتبر أن القرارات و الإجراءات و التدابير التي تتخذها السلطات الإدارية الضبطية الغير الشرعية في الظروف العادية ـ تعتبر شرعية في الظروف الاستثنائية .

و في هذا الإطار قضى مجلس الدولة الفرنسي في حكم ايرييه Heryees، في 28 يونيو 1918، بشرعية المرسوم الصادر بتاريخ 1914-09-10، و رفض الطعن المقدم ضد هذا المرسوم ،حينما تم تطبيق مقتضياته على السيد إييريه ، و ذلك لما تتطلبه واجبات السلطات الإدارية من اتخاذ الإجراءات و التدابير الملائمة لطبيعة الظروف الاستثنائية حماية للمصلحة العامة . علما أن وقف نص من نصوص القانون بواسطة مرسوم ينطوي على عدم الشرعية في حالة الظروف العادية.

و طبقا لمبدأ استمرارية المرفق العام في الظروف الاستثنائية ، ابتدع مجلس الدولة الفرنسي , نظرية في القانون الإداري،وهي نظرية الظروف الطارئة، التي طبقها في حكمه بتاريخ 30-3-1916لا في القضية الشهيرة المعروفة بقضية غاز بوردو

كما يعتبر حكم المحكمة الإدارية بالرباط الصادر يوم الثلاثاء 31-3-2020 احدث حكمي في تطبيق نظرية الظروف الاستثنائية ، بحيث قضت المحكمة برفض طلب المدعيين العالقين باسبانيا الإذن لهما بالدخول إلى التراب الوطني معللة قرارها من الوجهتين الواقعية و القانونية بما يلي :

كون الطلب خرق حالة الطوارئ الصحية ، و يبقى غير مستند على أساس

انه ما قامت به السلطات المغربية يمثل المشروعية الآنية في ظل الوضع السائد ، وان القاضي ألاستعجالي يحمي المشروعية في كل الأحوال.

وهذا، وعلى إثر الإجراءات الوقائية والاحترازية التي اتخذتها السلطات المغربية لمواجهة هذه الجائحة، ومنها منع الرحلات الجوية والبحرية من الولوج إلى تراب المملكة.فقد بقيا عالقين في الجزيرة الخضراء(هبة بريس بتاريخ 31_30_2020 )

و قد يتدخل المشرع مباشرة، بتحديد الحالات الخاصة بالظروف الاستثنائية كحالة الحصار، الفصل 74من الدستور المغربي، الذي يعلن انه “يمكن الإعلان لمدة ثلاثين يوما عن حالة الحصار ، بمقتضى ظهير يوقعه بالعطف رئيس الحكومة ، ولا يمكن تمديد هذا الأجل إلا بالقانون “. ويمكن الإعلان عن حالة لاستثناء ، الفصل 59 من الدستور ، “إذا حوزة التراب مهددة ، أو وقع من الأحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية،أكن للملك لان يعلن حالة الاستثناء بظهير ، بعد استشارة رئيس الحكومة و، ورئيس مجلس النواب ، و رئيس مجلس المستشارين ، ورئيس المحكمة الدستورية، وتوجيه خطاب إلى الأمة. ويخول الملك بذلك صلاحية اتخاذ الإجراءات التي يفرضها الدفاع عن الوحدة, الترابية، يقتضيها الرجوع، في أقرب الآجال ،إلى السير العادي للمؤسسات الدستورية…”

وفي جميع الحالات الاستثنائية، كحالة الاستعجال، والضرورة، وحالة الطوارئ، تحل التدابير الاستثنائية محل مبدأ الشرعية في الظروف العادية.

و نظرا لما تنطوي عليه هذه النظرية من مخاطر جسيمة، و يمكنها أن تهدد حقوق و حريات الأفراد، إذا تم استعمالها في غير الأهداف المخصصة لها.

لذلك وضعت حدود و قيود لتطبيق نظرية الظروف الاستثنائية و هي:

الوجود الحقيقي للظروف الاستثنائية التي تستدعي التدخل الاستثنائي للإدارة بغية المحافظة على النظام العام ، و السير العادي للمرفق العام بانتظام و اضطراد.
ضرورة ارتباط الوسائل المتخذة من لدن السلطات الإدارية بمدة الظروف الاستثنائية ، حيث نرفع الإجراءات بمجرد انتفاء الأسباب التي دعت إليها.

يجب أن تكون غاية الإجراءات الاستثنائية المتخذة من قبل السلطات الإدارية للحفاظ على النظام العام .

و تخضع الإدارة في ممارستها ، و تدخلها في جميع الظروف الاستثنائية لرقابة القضاء ، حيث يحق للأفراد المتضررين من الإجراءات و التدابير الاستثنائية بالمطالبة بتعويضات على أساس مسؤولية الإدارة عن الأضرار التي تسببها للأفراد في هذه الظروف ..

و يمر المغرب بظرف استثنائية غلى غرار بلدان العالم، بسبب جائحة فيروس كورونا “كوفيد 19” ، و التي خلفت منذ أول إصابة في مدينة ووهان الصينية بتاريخ 30 دجنبر 2019آلاف الضحايا ، موزعين عبر دول العالم ، ما بين مصابين و موتى .

و على إثر ذلك ، اتخذ الغرب مجموعة من التدابير و الإجراءات الوقائية لمواجهة و منع تفشي هذا الوباء القاتل . فكان الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية .
ا لوسائل القانونية و المادية لتدبير مرحلة الطوارئ الصحية بالمغرب:

و بعد استشعار السلطات الضبطية المركزية بخطورة وباء فيروس كورونا “كوفيد 19” ، على الصحة العامة للمواطنين ، و انطلاقا من واجباتها الموكولة إليها بالحفاظ على النظام العام بمختلف عناصره كما سبق توضيح ذلك.

و طبقا للفصل 20، و الفصل 21 من الدستور الذي ينص كل منها على التوالي:

الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان، و يحمي القانون هذا الحق، الفصل 20.
لكل فرد الحق في سلامة شخصه و أقربائه ، و حماية ممتلكاته ، تضمن السلطات العمومية سلامة السكان ، و سلامة التراب الوطني ، في إطار احترام الحريات و الحقوق الأساسية المكفولة للجميع، الفصل 21.

اتخذت الحكومة المغربية مجموعة من الوسائل القانونية و المادية للحد من انتشار وباء كورونا المستجد . فكان مرسوم بقانون رقم 2.20.292 صادر في 28 رجب 1441 (23 مارس 2020) المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية و إجراءات الإعلان عنها ، طبقا للفصل 81 من الدستور ، يندرج في إطار التدابير الوقائية الاستعجالية التي تتخذها السلطات العمومية من أجل الحد من تفشي جائحة كورونا “كوفيد 19.”

و يشكل مرسوم بقانون السند القانوني للسلطات العمومية من أجل اتخاذ كافة التدابير المناسبة و الملائمة ، و كذا الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية بأية جهة أو عمالة أو إقليم أو جماعة أو أكثر ، أو بمجموع التراب الوطني عند الاقتضاء التي تقتضيها هذه الحالة ، خلال الفترة المحددة لذلك ، بموجب مراسيم و مقررات تنظيمية و إدارية ، أو بواسطة مناشير و بلاغات ، من أجل التدخل الفوري و العاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض ، و تعبئة جميع وسائل المتاحة و أن هذه التدابير المتخذة لا تحول دون ضمان استمرارية المرافق الحيوية و تأمين الخدمات التي تقدمها للمرتفقين.

من جهة أخرى يخول هذا المشروع للحكومة ، إذا اقتضت الضرورة القصوى ذلك ، أن تتخذ بصفة استثنائية ، أي إجراء ذي طابع اقتصادي أو مالي أو اجتماعي أو بيئي يكتسي صبغة الاستعجال ، و الذي من شأنه الإسهام بكيفية مباشرة في مواجهة الآثار السلبية المترتبة على إعلان حالة الطوارئ الصحية.

و بموجب هذا المرسوم بقانون ، يعاقب كل شخص يخالف الأوامر و القرارات الصادرة عن السلطات العمومية بهذا الشأن بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر و بغرامة تتراوح بين 300 درهم 1300 درهم أو و بإحدى هاتين العقوبتين ، و ذلك دون الإخلال بالعقوبة الجنائية الأشد .

و يعاقب بنفس العقوبة كل من عرقل تنفيذ قرارات السلطات العمومية المتخذة تطبيقا لهذا المرسوم بقانون ، عن طريق العنف أو التهديد أو الإكراه ، و كل من قام بتحريض الغير على مخالفة القرارات المذكورة ، بواسطة الخطب ، أو الصياح أو التهديدات المفوه بها في الأماكن أو الاجتماعات العمومية ،أو بواسطة الملصقات المعروضة على أنظار العموم ، أو بواسطة مختلف وسائل الإعلام السمعية البصرية أو الإلكترونية ، أو أية وسيلة أخرى تستعمل لهذا الغرض.

و مباشرة بعد اتخاذ هذه القواعد القانونية العامة و المجردة النصوص عليها في هذا المرسوم بقانون، توالت القرارات التنظيمية و القرارات الفردية الاستثنائية لتطبيق مقتضياته، فكان الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية بجميع التراب الوطني بمقتضى مرسوم رقم 2.20.293 الصادر في 29 رجب 1441 (24 مارس 2020) لمواجهة تفشي جائحة فيروس كورونا و يندرج هذا المرسوم في إطار التدابير الوقائية الاستعجالية، التي تتخذها السلطات العمومية من أجل الحد من تفشي جائحة فيروس كورونا ، يهدف إلى الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية بسائر التراب الوطني ابتداء من 20 مارس 2020 من الساعة السادسة مساء إلى غاية 20 أبريل 2020 السادسة مساء .

و أن هذا المشروع يؤهل السلطات العمومية المعنية لاتخاذ التدابير اللازمة من ـجل عدم مغادرة الأشخاص محل سكناهم ، و منع أي تنقل لكل شخص خارج محل سكناه إلا في حالة الضرورة القصوى ، و منع أي تجمهر لمجموعة من الأشخاص ، و إغلاق المحلات التجارية و لمؤسسات التي تستقبل العموم خلال فترة حالة الطوارئ الصحية المعلنة.

و تجدر الإشارة كذلك، إلى أن مدة حال الطوارئ قد تم تمديدها بمقتضى مرسوم رقم 30.20.2 الصادر في 24 شعبان 1441 (18 أبريل 2020) ،إلى 20 ماي 2020 السادسة مساء .و تنفيذا لمقتضيات مرسوم بقانون السلف الذكر ، بادرت السلطات العمومية باتخاذ الإجراءات الوقائية الملائمة لحالة الطوارئ الصحية عبر بلاغات و قرارات و مناشير.

فبواسطة بلاغ وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني و التعليم العالي، تم تعليق الدراسة بجميع الأسلاك التعليمية و الجامعية ، و مراكز التكوين المهني و مراكز تكوين الأطر التربوية و الإدارية ، و المدارس الخصوصية و المعاهد التكوينية الخاصة ، ابتداء من 16 مارس 2020 إلى غاية رفع حالة الطوارئ.

كما أفتى المجلس العلمي الأعلى يوم الاثنين 21 رجب 1441 ه (16 مارس 2020) بضرورة إغلاق أبواب الساجد في المملكة ، بناء على طلب الفتوى من أمير المؤمنين الملك محمد السادس ، طبقا للفصل 41 من الدستور الذي اعتبر أن هذا المجلس هو الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى التي تعتمد رسميا بشأن المسائل المحالة عليه، استنادا إلى مبادئ و أحكام الدين الإسلامي الحنيف و مقاصده السمحة.

و الإغلاق يهم كل الصلوات اليومية الخمس، و صلاة الجمعة، و ذلك ابتداء من يوم الاثنين، مع استمرار رفع الآذان، و ستعود الأمور إلى نصابها بإقامة الصلاة في المساجد بمجرد قرار السلطات المختصة بعودة الحالة الصحية إلى وضعها الطبيعي.

و لرفع الضرر القادم الناجم عن انتشار الوباء أفتى الاتحاد العالمي للمسلمين بالتوقف عن صلاة الجعة ، و صلوات الجماعة في كل بلد يشهد تفشي وباء كورونا ، مستشهدا بآيات من القرآن الكريم التي تدعو إلى عدم إلقاء النفس إلى التهلكة ، و بالأحاديث النبوية التي تنبني على “لا ضرر و لا ضرار “. و يستمر هذا الإيقاف إلى حين السيطرة على الوباء، و تتجاوز مرحلة الانتشار و الخطر حسب ما تقدره الجهات المختصة العلمية.

و للحفاظ على الصحة العامة للملكة المغربية ، و تطبيقا لأحكام المرسوم بقانون ، شرعت السلطات الأمنية في تشديد إجراءات حالة الطوارئ الصحية ، حيث فرضت على المواطنين عدم مغادرة محل سكناهم ، إلا إذا استدعت الضرورة ذلك مع حمل ترخيص تنقل ، باستثناء العاملين في قطاع الصحة و الأمن و القطاعات المهنية الحيوية المتوفرين على رخص للتنقل لمزاولة المهنة.

و من أجل محاصرة الوباء، و تجاوز مرحلة خطر التفشي، عملت السلطات الأمنية على إغلاق كل المحلات ذات الطابع التجاري ، أو الثقافي ، أو الترفيهي المفتوحة في وجه العموم كالنوادي و الحمامات و الفنادق و المقاهي و الأسواق الأسبوعية..

و منعت كل التجمعات أو التجمهر بالرغم أن حرية الاجتماع و التجمهر مضمونة بنص الدستور في الفصل 29.

كما امتدت الإجراءات الاستباقية إلى منع الرحلات الجوية و البحرية من و إلى التراب الوطني للمملكة ، و منع التنقلات الأشخاص بين المدن إلا بترخيص مسبق من لدن السلطات المحلية .و تدخلت في حرية الأنشطة التجارية للمواد الغذائية عن طريق تنظيم أوقات الفتح و الإغلاق و فرض استعمال شروط الوقاية و السلامة الصحية على أصحابها .

و ابتداء من يوم الاثنين 30-03-2020 أعلنت وزارة التجهيز و النقل و اللوجيستيك و الماء أنه تقرر عدم السماح لمركبات نقل البضائع بتجاوز عدد الركاب في شخصين فقط.

و يأتي هذا القرار تطبيقا لمقتضيات المرسوم بقانون 2.20.292 و دعت الوزارة بالتقيد و الانضباط لهذا القرار و عدم الامتثال يعد بمثابة مخالفة يعاقب عليها بموجب المرسوم بقانون سالف الذكر.

و إلى زجر كل الأشخاص الذين ينشرون إشاعات زائفة بواسطة مختلف وسائل الإعلام السمعية البصرية، أو عن طريق أشرطة فيديو التي من شأنها أن تخلق في نفوس المواطنين نوعا من الرعب، أو التشكيك في التدابير الوقائية. و في هذا الاتجاه تم عرض المئات من الأشخاص على أنظار السلطة القضائية بسبب خرقهم لحالة الطوارئ المعلن عنها، أو بسبب عرقلتهم لقرارات السلطات العمومية، أو بسبب إزعاج هدوء و راحة المواطنين، مهما كان مصدرها طبقا لتطبيق المقتضيات القانونية الواردة في مرسوم بقانون رقم 292.20.2، و نظرا للآثار السلبية الناتجة عن الإجراءات و التدابير الاستثنائية المتخذة من لدن السلطات العمومية في حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها ، قامت الدولة المغربية بنهج مجموعة من التدابير المواكبة للتخفيف من هذه الانعكاسات السلبية ، لكل الفئات الاجتماعية، أو المقاولات المتضررة من هذه الظرفية الاستثنائية.

الإجراءات و التدابير المواكبة لمواجهة الانعكاسات السلبية لمرحلة الطوارئ الصحية:

لا شك أن القيود و الضوابط الاستثنائية المفروضة على أنشطة الأفراد، تنتج عنها انعكاسات سلبية على جميع المستويات، و خاصة على المستوى الاجتماعي و الاقتصادي. و للتخفيف من هذه الآثار المصاحبة للظروف الاستثنائية التي يعيشها المغرب . بادر الملك محمد السادس بإحداث صندوق خاص بتدبير جائحة كورونا.
و تم تمويله من لدن كل المؤسسات العمومية و الخاصة و الهيآت المهنية و الحرفية ، و المقاولات و الشركات العامة و الخاصة ، و كذلك المساهمات الشخصية و الفردية .

و يهدف بإحداث هذا الصندوق إلى تأهيل المنظومة الصحية، ودعم المواطنين و الأسر و القطاعات الأكثر تضررا، و ضمان التحصيل الدراسي، و ضمان
الاستمرارية المرافق العمومية، و الأنشطة الإنتاجية الحيوية، إضافة إلى تقديم الدعم لمختلف الشرائح المتضررة جراء هذا الوباء و مواكبة المقاولة الوطنية.

و يندرج إحداث هذا الصندوق في إطار توزيع التكاليف العمومية على الجميع بحسب ما يتوفرون عليه من الوسائل طبقا للفصل 39 و 40 من الدستور .

بحيث ينص الفصل 39: “على الجميع أن يتحمل، كل على قدر استطاعته،

التكاليف العمومية التي للقانون وحده إحداثها و توزيعها وفق الإجراءات المنصوص عليها في هذا الدستور ”

و ينص الفصل 40: ” على الجميع أن يتحمل، بصفة تضامنية، و بشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد ، و كذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات و الكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد.

و في إطار هذه الإجراءات المواكبة لتحمل الجميع ،بصفة تضامنية ، الأضرار الناجمة عن الإجراءات الوقائية لمواجهة جائحة كورونا ، صدر منشور رئيس الحكومة تحت رقم 2020/03 بتاريخ 25/03/ 2020 الذي يقضي بتأجيل تسوية جميع الترقيات المبرمجة في السنة الجارية غير المنجزة لحد الآن ، و جميع مباريات التوظيف ، ما عدا تلك التي سبق الإعلان عن نتائجها .

و أفاد رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني ، أن الهدف من إصدار هذا المنشور مواجهة الانعكاسات السلبية لانتشار جائحة وباء فيروس كورونا على المملكة ، الذي يقتضي تضافر جهود الجميع ، و تعبئة كل الموارد المتاحة لتجاوز هذه الظرفية الصحية .

و أوضح المنشور الموجه إلى وزير الدولة ، و الوزراء و الوزراء المنتدبين و المندوبين الساميين ، و المندوب العام ، أن اتخاذ هذه التدابير الاستثنائية التي تهم إدارات الدولة و الجماعات الترابية و المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري و الهيآت و المؤسسات التي تؤدي أجور مستخدميها من الميزانية العامة ، يأتي سعيا إلى تخفيف العبء على ميزانية الدولة ، و تمكينها من توجيه الموارد المالية المتاحة نحو التحديات المطروحة .

مع استثناء هذه الإجراءات الموظفين و الأعوان التابعين للإدارات المكلفة بالأمن الداخلي و مهنيي قطاع الصحة .

و لعل هذا الاستثناء ، يدخل في إطار تشجيع و تنويه هذه الأطر لبذل المزيد من العطاء ، و العمل على إنجاح الإجراءات و التدابير الوقائية الملائمة للظرفية الاستثنائية التي تتطلبها حالة الصحية المعلن عنها .

و ختاما ، فإن الإجراءات و التدابير الوقائية التي اتخذتها المملكة المغربية لمواجهة هذه الجائحة ، قد برهنت على نجاعتها و فعاليتها و جنبت البلاد من كارثة وبائية محققة . و الدليل ، ما تعيشه العديد من الدول الأوروبية ، على وجه الخصوص من انهيار أمنها الصحي بسبب التفشي السريع لهذا الوباء الفيروسي و عدم قدرتها على السيطرة عليه أو احتوائه ،نتيجة التماطل والتراخي في اتخاذ الإجراءات و التدابير الاستباقية و الوقائية الاستثنائية لمواجهة هذه الجائحة العالمية ، التي خلفت وراءها آلاف المصابين و الموتى عبر العالم.

* عبد القادر لحريشي دكتور في القانون العام و العلوم السياسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *