منتدى العمق

العالم في زمن الكورونا

قبل الحديث عن المغرب ما بعد زمن الكورنا، من المفيد مقاربة تأثير هذه الجائحة على العالم، و الدروس الإجبارية التي تلقتها الدول و الحكومات في هذه الفترة، و قبل ذلك لا بأس من تقييم كيفية مواجهة المغرب للتحديات التي فرضها انتشار الجائحة، و ذلك من خلالها عناوين رئيسية دون الإطناب في التحليل.

توطئـــــة : الشـــــــــــدة الكورونية تعيد البشرية الى رشدها :

هذا ما فعلته جانحة كورونا (بعيدا عن أعداد المصابين والمتعافين والوفيات):

فرضت بالقوة “راحة بيولوجية كونية ” على الإنسانية ، حيث أوقت و قللت من وتيرة تدمير البيئة في العالم و الناتج عن الإفراط في استغلال الموارد الطبيعة و تبديدها و خاصة المعادن و الوقود الأحفوري، و تجريف الغابات لأغراض الزراعة و التمدين (بناء المدن)؛

أظهرت مدى هشاشة الدول حتى الغنية و المتطورة منها أمام جبروت الطبيعة، التي يبدو و كأنها ضاقت ذرعا بحماقات و نذالة الإنسان في التعامل مع بعضه ومع البيئة.

أعادت الاعتبار للطبيب و الممرض و رجل النظافة و الفلاح .

أظهرت الأهمية الوجودية لتحقيق الاكتفاء الذاتي الصحي (الدواء و التجهيزات الطبية) و الغذائي لبقاء الدول.

أوضحت للجميع أن قوة و تماسك الدول لا تحتسب فقط بمدى غناها المادي أو قوتها السياسية و العسكرية،

كشفت معادن الدول و الأمم، حيث انكفأت على نفسها و ركزت فقط على الخلاص الفردي.

زعزعت الثقة في الفردانية المفرطة للدول الغربية ، و حتى في مفهوم “المصلحة” الذي يربط بين هذه الدول.

بروز أهمية توطين الصناعات ذات العلاقة بالغذاء و الدواء ، مهما ارتفعت تكلفتها أو انخفضت أرباحها.

كيف تعامل المغرب بقيادة جلالة الملك مع الجائحة؟؟:

أظهرت الأزمة أن المغرب يقوده ملك يعمل كثيرا بصمت وبفعالية عالية،

التفاعل السريع و المبكر للمغرب مع المستجدات و عدم انتظار ما سيفعله الآخرون، مستفيدا من تجربة الصين.

أظهرت الدولة إرادة و قدرة كبيرة على تعبئة الموارد المالية و خاصة البشرية لمواجهة الجائحة و تبعاتها الصحية و الاقتصادية و الاجتماعية.

القدرة على تنسيق جهود مختلف القطاعات (الداخلية – الصحة – الفلاحة – الصناعة و التجارة و اللوجستيك – التعليم) لمواجهة الجائحة و توفير المستلزمات الطبية و الدواء و الغذاء و الأمن و استمرار مسالك التوزيع الداخلي للسلع و الخدمات و التصدير .

قدرة الصناعة المغربية على مواكبة التغيرات و التحول السريع (عبر التعاون بين الشركات و خاصة شركات التكنولوجيا) مستفيدة من دعم و مواكبة وزارة الصناعة و التجارة و الاقتصاد الرقمي و الإقتصاد الأخضر (وهنا نرفع القبعة للسيد العلمي).

الإجراءات المتخذة من طرف المغرب و يمكن إجمالها كالأتي:

ليلة الخميس 12/03/2020 إيقاف جميع المنافد البرية و الجوية و البحرية للدولة مع اسبانيا و الجزائر باتفاق معهما؛

ليلة الجمعة 13/03/2020 إيقاف جميع المنافد البرية و الجوية و البحرية للدولة مع العالم؛

يوم السبت 14/03/2020 إيقاف جميع المباريات الرياضية في جميع ربوع المملكة الى إشعار آخر و إغلاق كافة المقاهي و المسارح و دور السينما و المدارس و

المعاهد مع الإبقاء على المتاجر و الأسواق الممتازة للتموين من 8 صباحا إلى 6 مساءا و فرض التباعد بين المتسوقين ؛

فرض الحضر الصحي المنزلي العام بقانون، مع تقرير عقوبات حبسية و غرامات على المخالفين، مع استثناء إمكانية خروج فرد واحد من الأسرة للتسوق أو جلب الدواء بعد حصوله على وثيقة رسمية مجانية من السلطة المحلية أو للتوجه للعمل بالنسبة للقطاعات التي توفر الغذاء أو الدواء بعد الحصول على وثيقة من الإدارة ؛

فرض الحضر الصحي بالقوة العمومية عبر الشرطة ، الجيش، القوات المساعدة برئاسة السلطة المحلية و أعوانها؛

عزل المنظومة الطبية عن محيطها (العائلة) بتخصيص الفنادق الكبرى و الإقامات السياحية لإسكانهم مع توفير كل احتياجاتهم طيلة فترة مواجهة الجائحة؛
وقف إصدار الجرائد الورقية؛

وقف رحلات الطيران الداخلي و منع التنقل بين المدن الا بعد الحصول على ترخيص رسمي من العمالة (مقر العامل /المحافظ) ؛

رفع القدرة الإستيعابية للمستشفيات إلى 3000 سرير مجهز بجهاز التنفس (للمقارنة فرنسا تتوفر على 5500 سرير) ؛

الشروع في إنتاج الكمامات محليا بدعم من وزارة الصناعة و التجارة و الاقتصاد الرقمي و بتضافر جهود مجموعة من الشركات بما فيها تلك المتخصصة في مجال صناعة الطيران ، حيث ينتج المغرب يوميا 3 ملايين كمامة بمعايير دولية و سيصل إنتاجه ابتداء من يوم 14/4/2020 ما يناهز 5 ملايين كمامة في اليوم حيث ستشرع الدولة في تصدير الفائض، و تم توفيرها في السوق ؛

تمكين كل العاملين في القطاعات المهيكلة (العمال و المستخدمين) من راتب شهري يبلغ 2000 درهم إلى حين انتهاء الجائحة؛

تمكين الأسر المستفيدة من نظام راميد (التغطية الصحية للأسر المعوزة أو للأشخاص المياومون /العاملين بيومهم) من مساعدات مادية؛

بدء حملات تبرع من أغنياء المغرب وفنانيه ولاعبيه أسفرت في الأيام الأولى عن جمع مبلغ 1.4 مليار دولار؛

ارتفاع وتيرة تكفل المغاربة بالأسر الفقيرة و قيام بعض نجوم الرياضة خصوصا القتالية منها في هولاندا باقتناء أجهزة التنفس و الأسرة و المستلزمات الطبية بكميات كبيرة و شحنها إلى المغرب؛

اعتقال أي شخص مهما كان موقعه يكذب بوجود كورونا أو يحرض الناس بكل الوسائل على كسر الحظر الصحي و كل اليوتوبرز و المشاهير خطابهم واحد أبق فدارك و تضامن مع جيرانك خاصة الفقراء منهم و ذوي الدخل المحدود ؛

تمديد الحجر الصحي الى غاية 20/5/2020؛

السلبيات التي اظهرتها الأزمة:

أظهرت الجائحة كذلك خطورة استمرار القطاع غير المهيكل خاصة في فترة الأزمات ، و ضرورة القضاء و في أول فرصة متاحة على مظاهر الهشاشة الاجتماعية خاصة في الشغل (الأسواق العشوائية – الباعة المتجولون ).

أظهرت الأزمة كذلك الأهمية القصوى للتغطية الصحية و الاجتماعية في ضمان السلم الاجتماعي .

أظهرت الجائحة أن “وزارة الأسرة و التضامن” في المغرب هي عبارة عن “إشاعة” و إن الوزيرة و كل مستشاريها و أطرها هم مجرد أرقام تأجير و رواتب تدفع ليس إلا. و نفس الشئ يقال عن وزارة التشغيل و وزارة المغاربة في الخارج (الجالية المغربية في الخارج) .

العالـــــــم ما بعد جائحــــة كورونا:

بعد القضاء على الجائحة ، أتصور أن العالم سيعيد ترتيب أولوياته، و ستطرح الكثير من المسلمات على طاولة البحث و الدراسة، و يبدو أن الاهتمام سينصب على مجموعة من المحاور منها حسب تقديري:

إعادة النظر في الفردانية المطلقة و مفهوم “المصلحة” الاقتصادية و الجيوسياسية التي تنبني عليه العلاقات الدولية، و من هنا يمكن إن تظهر تحالفات جديدة خاصة على المستوى الإقليمي (في إفريقيا) ، و قد تضعف أو تنهار أو على الأقل يعاد النظر في تحالفات قائمة خاصة الإتحاد الأوربي.

قد يصبح (الحق) في الولوج للعلاج المجاني أحد أكبر المطالب التي ستحملها الشعوب في المرحلة المقبلة.

بروز الاهتمام بتوطين الصناعات ذات العلاقة بالأمن الغذائي و الصحي داخل الدول.
ماذا على المغرب فعله ما بعد جائحــــة كورونا؟؟؟؟:

القضاء نهائيا على القطاع الغير المهيكل و توسيع قاعد التغطية الصحية و الانخراط في نظام التقاعد لتشمل كل الأجراء و اصحاب الأعمال الصغيرة (الدكاكين و باعة السواق….) و كذلك المياومون.

الهيكلة الشاملة للمنظومة الصحية و الاستفادة من طريقة تدبير المؤسسات الاستشفائية العسكرية في المغرب.

بنـــــــــــــــــــــــــــــاء “الاقتصاد الصحي” عبـــــــــر:

تشجيع الصناعات ذات العلاقة بمجال الطب والدواء والمواد والوسائل شبه الطبية.

تشجيع البحث العلمي في المجال الطبي و خلق مراكز بحث عبر تنسيق الجهود بين وزارة الصحة القطاع الخاص الطبي، كليات الطب و الصيدلة و القطاع الخاص.

مساهمة المجالس المنتخبة على المساهمة في الرفع من العرض الصحي كما ونوعا.

خلق “نظام مغربي لتدبير المخاطر” يكون واضح المعالم ، محدد الموارد و الإستراتيجيات و الهداف مع إخضاعه باستمرار للتقييم.

خلق مادة دراسية “الوعي الصحي او التربية الصحية” في سنوات الدراسة لتعليم التلاميذ طرق و كيفيات التصرف أثناء الكوارث و الأوبئة و طرق الوقاية للرفع من مستوى وعي الناس في المجال الصحي.

تشجيع و تأطير و تدريب المجتمع المدني و عبره المواطنين على اليقظة الصحية عبر برامج و دورات تدريبية مستمرة في الزمن للاستعداد للمستقبل.

ضرورة مبادرة المغرب لقيادة تضامن إقليمي إفريقي (على الأقل على مستوى لإفريقيا الغربية) ، يتم من خلالها تجميع الموارد المادية و البشرية و وضع أسس نظام تضامني لمواجهة الأوبئة و الكوارث، و يكون من مهامه وضع قاعدة لصناعة الدواء بهذه الدول و تشجيع البحث العلمي و خلق مختبرات مشتركة في أفق تحقيق المن الصحي لهذه الدول.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *