من العمق

صرخات حول المهرجان الوطني للفيلم

على الرغم من تحول مقترحات وانتقادات جموع من النقاد والمهتمين بالشأن السينمائي الوطني من نداءات وملاحظات إلى صرخات، يصر المركز السينمائي المغربي أساسا مع المنظمين للمهرجان الوطني للفيلم، على تجاهل كل تلك الأصوات وصم الآذان عنها بنهج سياسة دس الرأس في الرمال، وإعمال منطق قولوا ما تشاؤون وسنفعل ما نريد، وذلك بالإمعان في مجانبة كل تلك الملاحظات التي تكاد جلها تصل درجة من الإجماع، وتكريس كل تلك المؤخذات بنزعة لا تخلوا من بضع غرور وتسلط.

الصرخة الأولى، تتعلق بالمطالب المتعالية بتعجيل مراجعة نظام المهرجان بجعله ينظم بشكل دوري في مدينة من المدن المغربية وألا يظل تنظيمه مقتصرا على مدينة طنجة لوحدها، فكذلك كانت فكرته في البداية وقد سبق أن نظم بالرباط، ورغم كل ما قيل وكتب في الموضوع من ضرورة أن تستفيد مختلف المدن المغربية من مزايا المهرجان بما يخلق من إشعاع للمدينة ومن رواج اقتصادي بملايين الدراهم، فضلا عن كونه محطة لاكتشاف حصيلة الإنتاج السينمائي السنوي ومناقشته وملاقاة الممثلين وأهل السينما عموما وما يواكب ذلك من تربية على النقد والتحليل وتحبيب السينما للجمهور في زمن العزوف عنها وهجران قاعاتها التي لم تعد تتعدى العشرين من أصل 300 قاعة، وإذا كان المسؤول الأول عن المهرجان يبرر هذا الوضع دائما بحكاية البنيات التحتية فقد شهد الجميع الارتباك والاكتظاظ البين خلال الدورة 15 من المهرجان، فضلا على أن المركز السينمائي ينظم كذلك سنويا المهرجان المتوسطي للفيلم القصير بطنجة كما أن لها تظاهرات فنية أخرى مختلفة لم تعد بأي مبرر أن تحتكر لوحدها مهرجانا ينعت بالوطني.

الصرخة الثانية، تهم الحضور المتزايد والمبالغ فيه للغة الفرنسية على حساب اللغتين الدستوريتين والرسميتين العربية والأمازيغية، حيث أصبحت الفرنسية تخترق المهرجان “الوطني” للفيلم بشكل غير مطاق ولا مستساغ بل سجل الكثير من النقاد وأهل السينما أننا كنا في مهرجان فرانكوفوني بامتياز، فقد شاهد الجميع كيف أن أغلب الأفلام القصيرة اختيرت عنوة بالفرنسية، وكيف أن لغة التسيير والمناقشة في المجمل تهيمن عليها الفرنسية خاصة مع اعتماد وعودة مسير متقاعد من المركز السينمائي منذ 2012 وهو المعروف بفرانكفونيته وهو نفسه من كان على رأس لجنة اختيار الأفلام القصيرة، أضف إلى ذلك عدد الضيوف الأجانب من سينمائيين وإعلاميين، فمن أصل 34 شخصية دولية حضرت المهرجان نجد 15 منها فرنسية ونفس الأمر يجري على التظاهرات السينمائية التي يشارك فيها المغرب بالخارج، فلفرنسا والفرنسية دائما تحيزا لا مبرر فني ولا مهني له، فمن أصل 143 تظاهرة دولية شارك فيها المغرب بالخارج احتضنت فرنسا 30 منها، أضف لكل هذا الأفلام الطويلة التي لم تسلم بدورها من ذلك وإن كانت الملاحظة هنا للمخرجين، لكن في موضوع النسخ المسلمة للمركز والترجمة لابد للمنظمين من تدخل فالترجمة لا تتم إلا للفرنسية مع كامل الأسف، أما عن ملصقات المهرجان ولافتاته ودعواته ورسائله الترحيبية فإن الفرنسية هي اللغة الرسمية وتحظر العربية بكل أسف كرديف لها أما الأمازيغية ففقط لدر الرماد في العيون وبحرف آثار مشاكل حقيقية في استيعاب مضامين الأفلام.

الصرخة الثالثة، تهم ما ينفرد به مدير المركز السينمائي من تعيين دون معايير معلنة ولا واضحة للجن اختيار الأفلام القصيرة، فكل سنة نتابع احتجاجات بالجملة على اختيارات هذه اللجن بل إن أفلاما تقصى من المنافسة تتوج بأكثر من جائزة دولية كما حدث مع فيلم “الوصية”، وأيضاً ما يقوم به كل سنة من اختيار للجن تحكيم الفيلم الطويل والقصير وكذلك المتوسطي، وقد لاحظ الجميع ضعف استقلالية جل هذه اللجن وارتباطها أحيانا بدائرة أصدقاء مدير المركز والمعبرين عن سياسته، كما أن هناك حالة تنافي بينة في الأمر فكيف يعقل أن يكون المسؤول الأول عن المركز السينمائي هو نفسه المسؤول الأول عن اللجنة المنظمة للمهرجان وهو نفسه المسؤول الوحيد عن اختيار رؤساء لجن التحكيم وأعضاؤها من اختيارات واسعة جدا ترفعها له اللجنة التي شكلها ويرأسها، وقد اشتكى نقاد ومهتمون وإعلاميون كثر من إقصاء بدا واضحا أنه ممنهج في حقهم، هكذا يتم تفصيل لجن تحكيم بتوجهات وعلى مقاسات أفلام معينة، ولذلك كان التتويج دائما كما يريد هذا التوجه المهيمن خاصة في العقد الأخير للسينما المغربية، ولذلك عادة ما كانت النتائج والتتويجات صادمة للجمهور والنقاد على حد سواء، مما يطرح ضرورة معيرة هذا الأمر وإخضاعه لقواعد أكثر شفافية ونزاهة بما يجسد روح الدستور الجديد في تكافئ الفرص وتغليب منطق الكفاءة والاستحقاق على ما سواه، وإن كان يقيني أن لطبيعة المسؤولين ونزاهتهم دور حاسم في هذا الأمر، مهما دبجت القوانين والإجراءات والدفاتر ومهما كانت جيدة.

الصرخة الرابعة، وعلى أمل أن يصبح المهرجان يزور أكثر من مدينة مغربية، فإن استغراب المتتبعين يتعمق باستفادة أشخاص وجهات كل سنة من جزء مهم من ميزانية المهرجان التي وصلت هذه السنة إلى 600 مليون سنتيم، حيث يلاحظ استفادة نفس الفنادق كل سنة من كعكة الاستضافة دون غيرها وترسوا عليهم هذه “الهمزة” دائما دون مناقصة أو معيرة أو ما شابه، خاصة بالنسبة للفندق الذي ينزل فيه الصحفيون بكثرة وأمام خدماته وفضاءاته بالغة الرداءة، وهو نفس الأمر يقال عن محتكري تقديم حفلات المهرجان، حيث يتقاسم ثلاثة أفراد منذ سنوات وحدهم هذا الأمر دون غيرهم من الإعلاميين والصحفيين ودون أي معايير تذكر، يحدث ذلك على الرغم من الملاحظات الكثيرة المسجلة بهذا الصدد.

الصرخة الخامسة، تتعلق بجزء من ميزانية المهرجان والذي يذهب ل”الريع”، فقد لاحظ ويلاحظ المواكبون للمهرجان وجود وجوه عدة تقارب عشرة أفراد تُعتمد بالمهرجان وتستفيد من مختلف أموره من إقامة وأكل وغيرها لمدة تسعة أيام وهي لا صلة لها بالسينما من قريب ولا من بعيد، بل إن بعضهم ينتسبون لمؤسسات لم ترسلهم وآخرون يصطحبون حتى أفراد من عائلتهم، فضلا عن آخرين يقومون بإغراق قاعة مناقشة الأفلام بالثرثرة وهم ليسوا لا بالنقاد ولا الإعلاميين مما أثار سخط نقاد وأهل اختصاص بل منهم من يترك قاعة المناقشة لهذا السبب.

اليوم انطلقت دينامية تروم مراجعة قوانين السينما بالمغرب وكذا إعادة هيكلة المركز السينمائي المغربي، الذي ما يزال يشتغل بقوانين تعود لفترة الاستعمار، الأمل معقود على أن تلقى هذه الصرخات استجابة وبأن يتم تحقيق انتقال ديمقراطي كذلك في هذا المجال الذي أصابه غير يسير مما أصاب قطاعات عدة بهذا البلد من سوء تدبير واختلالات شهدت بها تقارير عدة منها تقرير المجلس الأعلى للحسابات ومختلف المهتمين.

أخيرا وبعد أن ثبت أن مبررات أسطوانة الكم في أفق الكيف أصبحت مشروخة بالنسبة للإنتاج السينمائي المغربي وتجويده، وأمام عدد من الأفلام “الكوارث” التي عرضت بالدورة الأخيرة بداية فبراير 2014، وأمام ما تم أخيرا من تدارك في موضوع ضرورة اختيار أفلام طويلة معدودة للعرض ضمن المسابقة الرسمية، لكن الخوف كل الخوف من أن يعاد نفس سيناريو اختيار الأفلام القصيرة و”تفصيل” لجن تحكيم على المقاس، فإن لم تُمَعير الأمور سيتحول الانتقاء في الأفلام الطويلة إلى فرصة أخرى يمارس فيها الإقصاء والعرض ضمن فقرة “بانوراما” بالنسبة للأفلام التي قد لا تعجب اللجن المشكلة على المقاس أو تَوَجُّه مُشَكل أعضائها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *