من العمق

“لاماب” بين تعزيز المهنية والعودة للتحكم

يُقسِّم العديد من الباحثين في مجال الإعلام والاتصال مسار وكالة المغرب العربي للأنباء منذ تأسيسها في 18 نوفمبر 1959 إلى يوم الناس هذا، لثلاث مراحل أساسية أولى تأسيسية تميزت بسعيها للمهنية وارتكبت فيها أخطاء ومرحلة ثانية انطلقت من السبعينيات حتى التسيعينيات اتسمت بالتحكم وهي مرحلة انتفى فيها الشرط المهني وحضر فيها الخبر الموجه بقوة ومرحلة ثالثة تتعلق بالسنتين الأخرتين واعتبروها مرحلة بداية التصالح مع المهنية غير أن التوجه نحوى المهنية يتم بوجود نزعة للارتداد نحوى مرحلة التحكم، كما يذهب ذات الباحثين وغيرهم عندما يعتبرون أن الوكالة لم تتلاءم بعد مع رياح التحول بالمغرب ورهانات الجهوية والديمقراطية المحلية.

على الرغم من المجهودات التي تسجل للوكالة وكذا خبراتها البشرية الكفئة والمتنوعة فإن تطورها في منحى تصاعدي يراكم الإنجازات في اتجاه معين ما يزال مطلبا بعيد المنال، وهي الخلاصة التي أكدها قضاة المجلس الأعلى للحسابات في التقرير الأخير عن سنة 2011 والذي اشتغل على عمل الوكالة مابين سنتي 2006و2010 بقولهم إن الوكالة تفتقد لرؤية استراتيجية وواضحة مما يجعلها تخضع لمنطق التدبير اليومي غير المراكم في اتجاه معين وخضوع ذلك لأجندات المسؤولين المتعاقبين.

وكالة المغرب العربي للأنباء التي تكلف ميزانية الدولة 200 مليون درهم سنويا 80 بالمائة منها تذهب للأجور، سجلت ملاحظات عدة على خطها التحريري في الآونة الأخيرة من خلال بعض المواد التي تخرج عن دائرة الخبر في اتجاه رأي موجه من قبيل “مقال حول خطاب بن كيران هل هو شعبوي أم سياسي” والذي انتهى في سابقة من نوعها بالوكالة إلى استهداف رئيس حكومة ووصفه بالشعبوي، وكذا بعض المواد التي استهدفت التحالف الحكومي الحالي خاصة في موضوع التعديل الحكومي إلى جانب تغييب بعض الجرائد ضمن قصاصات قراءة في الصحف اليومية وعلى رأسها جريدة “التجديد”، إلى جانب التغاضي عن بعض الأنشطة الحكومية أو تقديم أنشطة الوزراء المنتدبين على بعض الوزراء كما هو الشأن لوزارة الخارجية نموذجا، بل إن نسبة حضور العمل الحكومي في أخبار الوكالة لا يصل حتى إلى 20 بالمائة من مجموع الأنشطة الحكومية كما سبق لوزير الاتصال أن أكد ذلك في لقاء مع الصحافة.

وهي مؤشرات قد لا تكفي البعض لإصدار موقف أو حكم نهائي اتجاه الوكالة بكونها تحكمية وتخدم أجندات معينة ضدا على وظائفها واختصاصاتها التي حددتها المادة 2 من ظهير إحداثها، ويتعلق الأمر ب:( البحث، في المغرب أو الخارج، على عناصر الخبر الكامل والموضوعي؛ وضع الأخبار رهن إشارة المستفيدين في المغرب أو الخارج بمقابل ؛القيام لحساب السلطات العمومية بنشر كل خبر ترى هذه السلطات فائدة في إبلاغه للعموم؛ المساهمة، بالمغرب والخارج، في نشر وجهات نظر المملكة المغربية وأهداف سياستها ومراميها)، لكنها إشارات تؤكد خلاصة عدم الانخراط أو مواكبة التحول الجاري بالمغرب والإقليم مما يجعل منهما تتحرك ضد هذه الإرادة وهذا السياق الحاكم اليوم لكل النصوص وهو ما يجعلها حقيقة إن تمادت في ذلك “وكّالة للمغرب العربي بالأنباء” (مع تشديد الكاف وتدريج النطق) أي أنها تأكل من الربيع العربي ومن روحه بأنبائها وقصاصاتها. كما أنها بذلك التوجه تعاكس حتى ذلك الشعار الخالد الذي أطلقه المرحوم محمد الخامس على الوكالة لحظة تدشينها وهو “الخبر مقدس والتعليق حر” فهي بمثل تلك المقالات والقصاصات تنتهك قدسية الخبر وتقيد التعليق بتوجيهه.

على مستوى الخط التحريري للوكالة أيضا سجل التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات نقص في احترام قاعدة ومبدأ التعددية في تغطية الأحداث من طرف الوكالة خاصة في عدد من المحطات السياسية مثل المراجعة الدستورية لسنة 2011 وكذا تغطية بعض المهرجانات، كما سجل عدم التوازن في السنوات الفارطة في ما يتعلق بمصادر الخبر.

فهل تراكم الوكالة في اتجاه واجب الوقت المؤطر بسياق حاكم اليوم لكل النصوص أم تعبر عن مقاومتها للإصلاح واستعصاء تخليصها من منطق الهمينة والتحكم؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *